الرابعة والأربعون «قُضى الأمر»

926 46 10
                                    

كومنتات كتير يا كاريزما🥰😾
--------------------------------------
كان مدثر يمارس اللعب مع أحد الأشخاص على الشاطئ وكانت ضحكاته تزداد وهو يركض بعيداً عن الرجل لكي لا يمسكه ويخسر. رأى والده ذلك وتقدم نحوه، لكنه تعثر في خطواته على الرمال ولكنه استمر في المشي. أسرع في خطواته عندما رأى الرجل يرفع ابنه عالياً ويدور به حول نفسه. صاح نادر بغضب تملكه للحظة:
_مـدثـر!
التفت إليه ابنه بوجه متجهم، فلاحظ الرجل ملامح الطفل التي تحولت فجأة، فاستدار بجسده ليرى من المتحدث. 
تأمل نادر هيئة الرجل كالصقر المتربص بضحيته، ركض نحو ابنه وانتشله بين ذراعيه كأنه يحميه من ذاك الرجل، كأنه يعلن أنه يخصه وحده، ومن يقترب يلقى حتفه فوراً، لا نقاش في ذلك. فحص ابنه بعينيه خوفاً أن يكون فعل هذا الرجل في ابنه شيئاً، تنفس الصعداء بعد أن وجده بخير، ثم صرخ فيه مؤنباً إياه:
_أنا مش قلتلك متلعبش مع أي حد غريب، مش بتسمع الكلام ليه؟
مط شفتيه بغيظ وعقد ذراعيه أمام صدره مغمغماً بصوتٍ متحشرج وهو يحاول كتم دموعه:
_أنتَ سيبتني وبطلت تلعب معايا وماما مش فاضية بتروح الشغل، مفيش غير جدو اللي فاضي.
أطرق برأسه بعد قول ابنه، فهو على حق منذ طلاقهما، ولم يرَ ابنه سوى مرتين بالكثير، لكنه يقسم إنه رغماً عنه يخشى أن يقترب ويؤذيه. أحياناً يكون البعد أفضل لجميع الأطراف،
وفي حالته هو بالذات، البعد هو أفضل قرار قد يتخذه.
يعلم أن البعد صعب عليهما جميعاً، ولكن ليس باليد حيلة.
يقسم إنه ليس بيده شيء، فهو يضعف كل مرة  بدلاً من أن يقوى، وعائلته تحتاج لشخص قوي وليس لجبان مثله عديم الفائدة.
ابتسم الرجل المسن بحسن نية على كلمات الطفل الأخيرة وهتف مهدئاً نادر:
_متخافش يابني، مدثر زي حفيدي بالضبط.
تابع وهو يغرق في ملامح الطفل البريئة مستعيداً إحدى ذكرياته المؤلمة:
_بيفكرني بحفيدي اللي مات الله يرحمه، كان شبهه بيحب اللعب أوي!
التفت نادر إليه وبداخله نارٌ تشتعل أكثر وأكثر كلما يتحدث الرجل.
إنه يحترق بالداخل، وخاصة عندما رفع أنظاره نحو الرجل فتذكر ذلك الوحش فوراً.
نفس تلك الابتسامة المستفزة التي يخدع بها الناس،
نفس قوله الذي كان يقوله للجميع كي يروا إنه رجل طيب ومسالم ويحب أطفاله، مع أنه لم يكن سوى نكرة على وجه الأرض، شيطان على هيئة بشر.
أنزل ابنه بهدوء غريب أو بمعنى أصح هدوء ما قبل العاصفة.
سحب الرجل بضع خطوات بعيداً عن ابنه، ودون سابق إنذار جذبه من لياقة قميصه.
ها هي الآن بدأت العاصفة لتدمر كل ما تجده أمامها: 
_ حفيدك!! طب بص بقى، ابني خط أحمر، ولو شوفتك قربت منه هاقتلك، شغل الأبهات والأجداد دا ميمشيش معايا أنا!! 
معذور.. نادر معذور..
فهو لم يجد أبداً أباً يمد له العون، بل بالعكس، وجد أباً يقص له جناحاته كلما حاول الطيران.
لم يجد من يحتضنه وقت الشدة، بل وجد من يطعنه مستمتعاً بألمه وصراخه كل ليلة.
لم يجد من يلعب معه، بل وجد من يلعب به.
وهذا الرجل الذي يقف أمام نادر مختلف وغريب عن والده، شيء غير طبيعي بالنسبة له، لذلك عقله لا يتقبله، يراه مثل الوحش ولكنه يخفي ذلك تحت قناع البراءة الذي عاش والده به أمام الناس فقط.
لقد عانى كثيراً بسبب أمثال هؤلاء الرجال، ولكنه لن يسمح أن يذوق ابنه ما ذاقه هو في الماضي. قاطع أفكاره صيحة غاضبة من الخلف بصوت هند مع هتافها الساخط، وبالطبع لم تغفل عينيه عن غسان الذي يسير بجوارها: 
_سيب الراجل في حاله يا نادر، سيبه يا نادر!! 
صاحت به وهي تلوح بإصبعها محذرة إياه، فترك الرجل ودفعه بعيداً عنه ببعض العنف، ثم رمق غسان بطرف عينه شزراً، فالتفت إليها يلقي فيها كل غضبه المشحون:
_سايبه ابني مع راجل غريب ليه؟ من أمتى إحنا بنسيب ابننا يقعد مع ناس غريبة؟ ولا علشان اطلقتي..
تحكم في أعصابه قبل أن يكمل عبارته الأخيرة وجز على أسنانه محاولاً التماسك أمامها، مردفاً وهو يشعر بنيران تكويه من الداخل:
_عامةً ابني ميقعدش مع ناس غريبة لأنه زي ما هو ابنك، ابني!!
ألقى جملته ونظر بطرف عينه نحو غسان كأنه يقصده في حديثه ثم تنهد واقترب من ابنه يودعه فلاحظ ابتسامة غسان الساخرة خلفه، فطبع قبلة عميقة على رأس ابنه ثم اقترب من غسان متمتماً بنبرة متجمدة المشاعر: 
_اعذرني بس في حاجة لازم أعملها ولو معملتهاش هتجن!!! 
وعلى حين غرة وجد غسان لكمة في وجهه تطيح بجسده أرضاً من قوتها، شهقت هند من الصدمة ثم اقتربت من غسان تطمئن عليه سائلة إياه بجزع:
_أنتَ كويس؟! 
تجاهلها واستقام واقفاً كي يضربه، فأتى عادل ركضاً وسحب نادر من ظهره موقِفاً العراك القادم بقوله: 
_خلاص يا غسان، فك الليلة! 
سحبه بسرعة قبل أن يبدأ عراك لن يستطيع أحد إيقافه أبداً، دفعه داخل سيارته وأغلق الباب في وجهه، وصعد هو أمام عجلة القيادة صائحاً وهو ينظر في انعكاس نادر في المرآة:
_هو دا اللي رايح تودع ابنك قبل ما تروح المصحة، واضح فعلاً يا أخويا!!! 
تأفف بضيق وهتف متجاهلاً حديثه: 
_هتطلع على المستشفى دلوقتي ولا أروح لوحدي؟!! 
_تصدق بالله أنا شكلي كمان هاروح أتعالج معاك! 
--------------------------------------
ركضت في الممرات الطويلة للمستشفى بحثاً عن والدها الذي اتصل بها وأخبرها بما حدث لزوجها. وجدته أخيراً برفقة سعاد وحسام. لمحها والدها واقترب منها ونظر إليها بضياع متمتماً بحسرة:
_ أنا آسف يا بنتي، سامحيني، أنا آسف، ماكنش قصدي يحصل كل ده، أنا آسف!!
ماذا يفيد الاعتذار بعد الخسارة!!
الاعتذار لن يرجع شيئاً كما كان، ليجعل هذا الاعتذار له إذن.
يعتذر بعد فوات الأوان، ما هذا الهراء!!
لماذا الجميع يهرب بنظراته بعيدًا عنها، ماذا حدث لزوجها؟!
تشبثت بملابسه تهزه عفوياً سائلة إياه وعيناها تبحثان عن زوجها تلقائياً:
_بابا، فين جاسم، فين جاسم يا بابا؟!
رد عليها وعيناه مصوبتان نحو غرفة العمليات مجيبًا إياها بأسف:
_في غرفة العمليات!!
انهار جسدها في حضن والدها ليضمها إليه محاولاً تهدئتها. دفنت رأسها في صدره وبكت بطريقة هستيرية، قلبها يؤلمها كثيراً.
هذه الكلمات أصابتها في مقتلها. إذا حدث له شيء، لن تسامح نفسها ولا والدها.
وجدت الأمان، وفي لحظة غدر بها القدر وأخذه منها قسراً.
--------------------------------------
ظهر أحدهما عند البوابة فتجمد وجهها وتركزت في وجه الشخص الذي يتسلل داخل القصر، فأصدرت صوتاً مفاجئاً مندهشة عندما أدركت هويته..
لقد عاد مرة أخرى، هل عاد ليسبب لها الدمار؟!
تهديدها لم يكن فعالًا في المرة السابقة على ما يبدو.
ركضت بسرعة على السلم لتلحق ذلك الشخص المجنون الذي جاء ليكشف حقيقتها على ما يبدو.
وقفت أمامه كالجدار الذي يحمي قلعته، واحتدت نظراتها بشدة هاتفة بحدة: 
_استنى عندك!! 
رفع عينيه المكسورتين نحوها، وانهارت ساقاه على الأرضية لتتراجع هي بخوف عدة خطوات، وخاصة عندما لمحت السلاح في يده. 
ودون سابق إنذار، انهار الآخر أمامها في البكاء كما انهار كل شيء حوله. 
بكى.. وبكى.. وبكى كل شيء حوله، قلبه يبكي.. ضميره يبكي.. روحه تبكي.. 
الروح تبكي على ما أصابها... والقلب يبكي على صاحبه.
هو الذي دمر نفسه بنفسه.. هو الذي سار في طريق الشيطان بإرادته. 
رفع يديه أمام عينيه، وأصابته نوبة بكاء فجائية أدهشت لواحظ للحظة. 
بيده تلك دمر نفسه، وقتل صديق عمره، وخسر زوجته وابنته. 
تلك اليد اقترفت الكثير والكثير من الأخطاء أمام عينيه. 
يداه تلطختا بدماء العديد من الأبرياء.. العديد.. 
تساقط رذاذ مفاجئ من المطر ليرفع الاثنان رؤوسهما للأعلى، فتساقطت دموعه واختلطت برذاذ المطر، فصرخ بهستيرية وهو يطالع يديه:
_أنا عملت إيه؟!!! أنا عملت إيه، أنا إزاي سمعت كلامهم، أنا دمرت كل حاجة، أنا دمرت كل حاجة، لا لا لا مستحيل!!!! 
هز رأسه بهستيرية وهو يطالع يديه المجروحتين ودموعه تنهمر ولا تتوقف، طالعته الأخرى بجفاء.. جفاء اعتادت عليه.. جفاء خُلِقَت به، هتفت بحدة: 
_أياً كان اللي عملته انساه يا بشير زي ما نسيت كل حاجة، اهرب، اهرب ومترجعش تاني أبداً!! 
رفع رأسه نحوها ودموعه تنساب بغزارة على وجهه مع رذاذ المطر: 
_لحد إمتى يا لواحظ؟! 
_لحد ما تيجي النهاية!!!!
قالتها بجفاء وأولَتْه ظهرها حتى تمشي، فأوقفها بقوله المنكسر تماماً: 
_ ليه مقتلتنيش مع مراتي وبنتي ساعتها، ليه؟!! ليه سيبتيني عايش مع دماغي طول العمر ده، ليه؟!! 
هربت دمعة من مقلتيها دون أن تدرك، فاستدارت بجسدها مجيبة على سؤاله الذي حطم جزءاً منها دون أن تدرك هي ذلك: 
_ مش عارفة، يمكن علشان حبيتك أو كنت شايفة نفسي فيك أو.. مش عارفة! 
انهار أكثر في البكاء بعد قولها، كلماتها ذبحته للمرة التي لا يعرف عددها. 
أحبته!! ياللسخرية.. ياللسخرية.
من يحب أحدًا لا يؤذيه، وهي دمرته! 
ياللقهر..! 
كان يسير طوال عمره خلف سراب يسمى الحب! 
_إزاي جالك قلب تخبطي العربية اللي كنت فيها أنا ومراتي وبنتي؟ غدرتي بيا بعد كل اللي عملته علشانك؟ أنا قتلت صاحب عمري علشانك، أنا ضحيت بمستقبلي علشانك، كنت ماشي معاكِ وأنا مسلمك قلبي وعقلي لكِ!! 
هنا ظهر وجهها الحقيقي الذي كانت تخفيه منذ زمن، وانفجرت به كالقنبلة الموقوتة، وحان موعدها لتنفجر:
_أمال كنت عايزني أعمل إيه؟ مكنش قدامي خيار، زهران اجبرني أعمل كده وهددني إنه يقتل بناتي لو مقتلتكش، ركبت العربية بتاعتي ومفوقتش غير لما خبطت العربية بتاعتك بِلي فيها!
تابعت وهي ترفع رأسها بشموخ وكبرياء، متمتمة بجفاء لم يرَ في حياته مثله:
_أنتَ عايش هنا بسببي، متنساش إني شوفتك بتتنفس وسيبتك!!!
ليته مات.. ليته!!
حياته من دون عائلته لا شيء، ولم يدرك ذلك إلا الآن!
مازال يتذكر شكل ابنته وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
نظرتها كانت كفيلةً لتذبحه كل مرة. 
دموعها الثائرة، رأسها المحشور بين زجاج السيارة، وأنينها الموجع، كل هذا تحت أنظاره وهو لم يستطع فعل شيء. 
ختمت نهايتها بابتسامة تحمل براءة العالم كله، ابتسامة لم ولن يرى مثلها أبداً في حياته. 
إلى ابنتي العزيزة؛ 
أحببتك كوطن.. والشاهد قلبي على ذلك. 
حبك لم ولن ينساه قلبي. 
أعلم أننا لن نتقابل في الحياة الأخرى 
لأنك ملاك وأنا الشيطان. 
فأسف لأني سأخذلك مرة أخرى. 
_ماتعملش نفسك ضحية، أنا كمان خسرت زيك، أنا خسرت جوزي.. صفاء.. بناتي، خسرت كل حاجة وكان بإيدي!!!
تابعت ودموعها تنهمر على وجهها:
_أنا وأنت خسرنا!!
الاثنين خرجوا مهزومين!
كل منهما كان يظن إنه الفائز، ولكن في نهاية الطريق اكتشفا أنهما انهزما من بداية المعركة ولكنهم لم يدركوا ذلك.. معركة دمرتهما جميعاً.. معركة خسرتهما أغلى ما يملكان.
كانت معركة دخلا الاثنين بدافع الحب وانتهت بالدماء.. بدم الأبرياء للأسف.
أولته ظهرها ومسحت دموعها الثائرة، فأوقفها بشير، فاستدارت بجسدها لتجد فجأة رصاصة تخترق صدرها بدون سابق إنذار. فقال بشير بجمود
_دي علشان بنتي!! 
لتذرف الدماء من فمها بغزارة وتسقط بجسدها على الأرض.
وفي ذات الوقت، وقفت مرام صدفة في الشرفة لتجد ذلك المنظر أمامها.
شهقت بفزع وركضت بسرعة نحو الأسفل، تعثرت لأكثر من مرة في خطواتها، لينتهي بها المشهد وهي تضم والدتها إلى صدرها باكية بانهيار: 
_ قومي، يلا قومي بالله عليكِ، متموتيش دلوقتي، لسه في كلام كتير مقولتهوش ليكِ. افتحي عينكِ، أرجوك، مش هقدر أكمل من غيرك، والله ما هقدر، أقسم بالله ما هقدر!!
ضمتها أكثر إلى صدرها والرذاذ يرتطم بجسدها: 
_أنتِ بتحبي المطر، اصحي يلا علشان نلعب تحته زي زمان، طب أنا آسفة لو زعلتِ مني، أنا راضية تقومي تضربيني والله راضية بس قومي، علشان خاطري، مش أنتِ بتحبيني ليه مش عايزة تصحي علشاني؟ طب فين وعدك لي إنك مش هاتسبيني أبداً؟ 
هزتها عفوياً واحتضنتها بقوة ودموعها تتساقط مع المطر:
_أهو أنتِ سايباني وماشية، أنا آسفة آسفة!! 
أصبح المكان من تحتها بركة من الدماء المتناثرة من والدتها، صرخت بأعلى صوتها وهي تنظر إلى السماء: 
_يــارب!!! 
قتلت لواحظ بنفس السلاح الذي قتلت زوجها به، 
قتلت من نفس اليد التي أجبرتها على قتل زوجها، 
قتلت على يد نفس الشخص الذي قتل زوجها، 
لقد قُضى الأمر!!
لقد قضى الأمر!!
--------------------------------------
جاسم اعتاد أن يحمي كل شيء يخصها، حمى والدها من أجلها، وهي لا تفعل ذلك،
اللعنة عليها.
هي تشعر أنه سيعود، أنه لا يتركها أبداً وحدها. نظرت إلى الطبيب بلهفة، فاطرق برأسه بأسف ثم قال:
_مقدرناش ننقذه للأسف!
سقطت فوق المقعد عقب كلماته، ونظرت في الفراغ ودموعها تنهمر كالشلالات على وجنتيها. الطبيب معتوه، ليس هناك حل غير ذلك.
أين الطبيب الآخر؟! أين هو؟
أنه يخرف أو هي..
لا تعلم أيهما صواب.
هناك شيء خاطئ،
بل كل شيء خاطئ هنا!
استقامت واقفة ولكن لم تستطع قدماها حملها وسقطت فوراً مرة أخرى على المقعد.
طأطأ الطبيب برأسه مردفاً:
_البقاء لله.

يتبع..
--------------------------------------
يجماعة الناس إللي قالت أن جاسم شيخ لا يحبايبي جاسم شخص عادي بيحاول يلتزم على أد ما يقدر وبيحاول يساعد عين زي ما  بيحاول يساعد نفسه لأنه لو شيخ زي ما بتقولوا هيعمل حاجات أكتر، تمام🥰
عموما الفصل دا عبارة عن صدمة بس كل حاجة هتوضح 💘
ياريت يرجع الريتش أو التفاعل زي ما كان لأنه ده شيء مُحبط جداً والله.
واعملوا مميز أكتر على الفيس علشان الرواية ترجع زي ما كانت🥺

تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن