التاسع والثلاثون«ليست والدته»

1.4K 58 11
                                    

_ما هو مفيش حل من الاتنين يا أنت أهبل يا أنت أهبل فعلاً!!
صاحت به بحدة بتلك الكلمات فتابعت بنفس النبرة الأولى:
_هو أي حد يجي يقولك زميل استبرق تصدقه!!
هنا صاح بها حسام بحدة مماثلة:
_يعني أنا كنت أعرف مين عادل دا أصلاً؛ ما أنا لو كنت فاكره من عائلة «عين» كنت رفضته أصلاً، وكمان أنا ماليش ذنب أنا شوفته بيوصلك فافتكرته زميلك فعلاً.
لم تهدأ استبرق على الرغم من تبريره، بل زاد الشجار بينهم أكثر وأصبح كل واحد منهما يسب الآخر، كل منهما يسعى للانتقام من الآخر.
هنا تدخلت سعاد بالمنتصف محاولة إيقاف شجارهما الذي اعتادت عليه منذ أن كانوا صغار:
_ما خلاص منك ليها، الواد جاي انهارده نبقى نرفضه خلصت الحكاية!!
الحقيقة المرة أن استبرق تخشى ضعفها أمامه، تخشى أن توافق عليه وتستسلم لمشاعرها، تخشى أن تموت يوماً ويتعذب الآخر بموتها؛ هي تريد الموت بسلام دون أن يتألم أحد، أي أن كان ذلك الشخص.
لو كانت حالها غير حالها الآن لكانت وافقت عليه فوراً!
ولكن ماذا تقول، إنه النصيب!
فقال حسام الذي لم يعجبه حديث والدته بتاتًا مقاطعًا إياها:
_طب والله استبرق دي غبية، مش فاهمة مصلحتها فين، هو في حد لاقى واحد يأخده من إيده وينقله نقلة تانية خالص، نقلة مكنتش تحلم بيها، وفوق دا كله بيحبك.
فمصمصت استبرق شفتيها قائلة بنبرة ساخرة:
_وأنت عرفت إنه بيحبني إزاي، مش يمكن بيلعب بيا زي ما يحيى أخوه بيلعب برفقة!
_لا يا استبرق، مش بيلعب بيكِ نظراته ليكِ مختلفة تمامًا عن أي نظرة إنتِ حطاها في عقلك، أنا راجل وبفهم كويس الراجل اللي بيحب زيي، نظراته زي نظراتي بالظبط لحبيبة أنا لما شوفته بيوصلك شوفت فيه نفسي مع حبيبة، يمكن متصدقيش كلامي بس اللي اسمه عادل دا فعلًا بيحبك!
أنهى حديثه الطويل الذي حمل الكثير والكثير من المعاني التي لمست قلبها هو لا يعرف أن كلماته أصابت قلبها – العديد من المرات – بسهم حاد
يصعب عليها حالها أحيانًا وهي ترى نفسها عاجزة بتلك الطريقة البشعة، تكره نفسها عندما تكون كذلك،
تكرهها كثيراً!
هي لا تنكر أن..
جزء منها يتقبل حبه..
وجزء آخر يرفض حبه لأنه يخشى فقدانه..
وهي تقف بينهما عاجزة عن الاختيار!!
فأضاف حسام مدافعاً عن رفقة:
_أنا مشوفتش أخوة أبداً علشان أحكم عليه بس اللي شايفه أنه مش بيخدع رفقة لأنه اتفق معاها على حاجة وأكيد بينهم شروط.
_رفقة كلمتني أمبارح وقالتلي إنها فركشت كل حاجة بس أخوها هيتابع علاجه هناك عادي كأن محصلش حاجة!!
أنهت سعاد حديثها بحزن على رفقة المسكينة التي دائماً تراها مكتوفة الأيدين، ضعيفة الشخصية.. لذلك سهل على أي شخص استغلالها على عكس «عين» و «استبرق» كل منهما لديها شخصية أقوى من الأخرى!
_أنا داخلة أوضتي!
هربت بخطواتها نحو غرفتها، هي تشعر أنها محاصرة بينهم حقاً، نظرات سعاد توحي بأنها تتفق مع حسام مع كل كلمة..
وحسام بذاته يرى أنها بلهاء كي ترفض شخص مثل عادل في مكانته.
لا أحد يشعر بمعاناتها بالداخل، إنها تتقطع بمعنى الكلمة،
كأن خنجراً يصيبها مع كل نظرة منهما، خنجر غايته إعجازها وليس القضاء عليها!
دخلت سعاد الغرفة خلفها وجلست مقابلها على الفراش متمتمة بنبرة حانية:
_بتحبيه؟!
تحاشت بعينيها النظر نحوها ونظرت بعيدًا خوفًا أن تخونها عينيها وتفضحها أمامها، إنها معجبة به وليست تحبه..
هناك فرق شاسع بينهما..!!
معجبة بطريقته الظريفة التي اكتشفتها مؤخرًا من صداقتهما..
حنانه الجارف الذي يحتويها فورًا..
ونظراته الحبيبة– التي تحضنها– أنها تفضح عشقه لها فورًا..
وكلماته التي لا تفشل في احتوائها أبداً،
اهتمامه بكل شيء يخصها حتى إن كان شيئاً صغيراً
لحظة!! هنا قاطعها قلبها بحزم..
إذًا هذا الأعجاب في قاموسها..؟!
إذاً، ما هو الحب في قاموسها؟!!!!
كادت أن تجيب ولكنها طبقت على شفتيها مرة أخرى عندما لم تجد إجابة لذلك السؤال الذي هبط عليها فجأةً
الحب ما هو؟!
حنان.. احتواء.. إعطاء.. كأنها نفس مكونات إعجابها به
إذاً أين الاختلاف بينهن؟ لا يوجد ولكن هناك إجابة واحدة تقضي على كل أفكارها..
إنها تحبه.. نعم تحبه.
ولِمَ الإنكار!!!
_بتحبيه.
قالتها سعاد تلك المرة ليست على هيئة سؤال بل تأكدت فتابعت بتفهم شخصية استبرق المعقدة:
_بتحبيه بس خايفة يعاني بسببك، حسه نفسك لو وافقتي هتبقى أنانية
أضافت تلك المرة بقوة:
_الحقيقة يا استبرق هتبقى أنانية فعلاً لما ترفضيه، هتبقى انانية على قلبك اللي أحبه، هتبقى انانية على نفسك، عيشي يا استبرق متخليش مرضك ينسيكِ نفسك أنتِ لسه قدامك مشوار طويل، محدش يعرف بكرا يحصل إيه، مش ممكن لما تصحي تلاقي نفسك خفيتي، مش ممكن حب عادل يشجعك تكملي مشوارك، الولد شكله فعلاً بيحبك مضيعيش الفرصة علشان شوية أفكار ملهمش ألف لازمة يا حبيبتي.
ثم ربتت على كتفها بحنان أموي:
_على الأقل خلي عندك ذكرى حلوة.
هتفت بنبرة معترضة:
_بس..
قاطعتها سعاد بحزم ممزوج بعاطفتها:
_أنا مش عايزة أجابة منك دلوقتي الولد هيتقدم بليل وساعتها كلنا هنسمع أجابتك من بينهم هو!!
_افتكرت صح أصلاً ممكن ميجيش علشان أمه!
انتبهت أخيراً لجملتها الأخيرة فهتفت:
_آه صح هو مين أمه إحسان والا صفاء؟!
ثم تابعت بنبرة مشتتة:
_بس أكيد صفاء لا علشان اتوفت زي ما قالت «عين» يبقى حسناء أمه، صح؟!
أجابتها بتجاهل:
_ولا دي ولا دي! أمة تبقى سوسن ويحيى يبقى أخوة الصغير.
ارتبكت سعاد عقب سماع اسم سوسن؛
ذاك الاسم كان الجحيم بالنسبة لها في الماضي
وكان الجنة أيضًا لها
ما زال الماضي يطاردها.. ما زال يعذبها!!
هربت بخطواتها خارج الغرفة، تشعر بأن المنزل يدور بها، كل شيء حولها يتحول للأسود تدريجيًا مثل حياتها بالضبط
ماذا يحدث لها، ماذا؟!!!
جلست على أقرب أريكة قابلتها،
ما زالت تهرب من ماضيها..
هي لا تريد شيء يذكرها بمعاناة ماضيها..
لا تريد أن يذكرها أحدًا بخسارتها الكبيرة.. بهزيمتها.. بفرارها
لطالما حملت البغض لتلك العائلة وذلك هو السبب الأساسي الذي جعلها تتعاون مع عين منذ البداية
كانت تريد الانتقام منهما..
كانت تريد أن يتعذبوا كما تعذبت هي بفقدان جزء من قلبها
كانت تريد رؤية آلمهما مثلما فعلوا هما بها
ولكنها تراجعت فوراً خوفاً على عين فهي ليس لها ذنب في أي شيء حدث لها في الماضي..
--------------------------------------
_يحيى مش صغير يا ماما بل بالعكس هو شخص بالغ وفاهم تصرفاته كويس، مشكلة يحيى إنه مدلع زيادة على اللزوم، يحيى أتعود إن أي حاجة عاوزها نجيبها له علطول مش فارق بقى معاناة اللي قدامه وهو بيتعب أد إيه علشان يجيبها له
تنهد تنهيدة ساخنة محتضناً كف والدته متابعاً بنفس نبرته الهادئة:
_يحيى مش بيحب مرام وعمره ما حبها هو بس عايز يمتلكها زي كل حاجة، يحيى أول مرة يلاقي حد يرفضه بالطريقة دي على عكس العادة علشان كدا متمسك بمرام شايفها استثنائية.
فأضاف وعيناه متسلطة على عينيها المدمعة: _والحل اللي أنت تسبيه يتقلب في الدنيا لحد ما يعرف هو عايز إيه أو هو مين، اللي زي يحيى كدا سيبي الدنيا تعيد تربيته!!
خرجت أخيراً من صمتها وهتفت بقلب أم خائفة على ابنها الصغير:
_طب هو فين دلوقتي؟
_متخافيش أنا سايب واحد يراقبه وهو حالياً قاعد في الفندق.
فأردف برجاء:
_مش يلا بقى تعالي معايا، أنت عايزة يقولوا عليا جيت لوحدي!!
ضربتُ بكفيها على فخذيها وكأنها تحولت لامرأة أخرى عكس تلك المرأة التي كانت تندب منذ دقائق:
_أنا هروح معاك مش علشان أنا مرتاحة عشان أعرف البنات دول عاملين ليك إيه أنت وأخوك!!!
--------------------------------------
منزل بسيط، وأثاث قديم يبدو أنه من أيام الثمانينات، لست متأكدة حقاً.
حسناً،
ببساطة تلك العائلة لا تناسب مستوى عائلتها.
مستواها أعلى وأعلى بكثير عن مستواهم.
لا تعرف حقاً كيف ابنها واقع بحب تلك الفتاة؟!
يبدو أن ابنها الأكبر فقد عقله مثل الأصغر تماماً!
تحدث عادل بلباقة محاولاً تلطيف الأجواء:
_يشرفني جداً يا أستاذ حسام أن أطلب يد الأستاذة استبرق.
عدل حسام لياقة قميصه وابتسم ابتسامته البلهاء وكاد أن يرد عليه فقاطعته سعاد بحزم:
_بص يا حبيبي استبرق بنت أخويا آه بس وكتاب الله هي زي حسام عندي بالظبط ويمكن أكتر واللي يزعلها كأنه زعلني بالظبط، وأنا ارتحتلك جداً بس بردو لازم رأيها ناخده الأول!
التفتت لها «سوسن» عندما استمعت لنبرة صوتها، وجهها ليس غريب مثل صوتها بالضبط ذلك الصوت يذكرها بشخص واحد فقط..شخص كان يوماً ما كنزها، خرجت من صمتها وهتفت بعدم استيعاب:
_سـعـاد!!!
نظر جميع الموجودين لها ومن بينهما سعاد التي طالعتها ببرود لترد عليها بنبرة باردة:
_أزيك يا هانم!
هبت سوسن واقفة بذعر وما زالت صدمتها مسيطرة عليها، فأردفت سعاد بابتسامة خبيثة:
_اقعدي يا هانم مينفعش كدا!!
وزعت«سوسن» أنظارها حولها فوجدت الجميع ينظر لها، فارتبكت وبلعت ريقها ببطء وجلست مرة أخرى وقلبها لا يتوقف عن الضربات كأنه يعلن إنذاره.
فتابعت سعاد وهي تضغط عليها:
_كنت فكراكي نستيني!!
_مفيش حاجة بتتنسي بس إحنا اللي بنعمل نفسنا نسينا!!
قالتها دفعة واحدة، فتعجبت سعاد من شجاعتها تلك، فتابعت الأخرى وهي تستجمع قواها:
_مش مصدقة إني قابلت الغالية بعد كل السنين دي!!
أنهت جملتها بخبث امتزج بحقدها لتفهم سعاد مبتغاها سريعاً فتدخل عادل رامقاً والدته بابتسامة طيبة:
_أنتوا تعرفوا بعض؟
ومع كلماته تلك شعرت سعاد بالحسرة بينما سوسن ردت عليه محاولة التقليل من شأن سعاد أمامه:
_كانت خدامة عندنا!!
هنا لم تحتمل سعاد جملتها وعلقت بحدة:
_وبفضلها جيت إلى الدنيا!!!
قوس عادل ما بين حاجبيه بعدم استيعاب والتفت نحو والدته لتجيبه هي بنبرة متوترة:
_سعاد هي اللي ولدتني زمان!!
ضحكت هنا سعاد ساخرة منها متمتمة:
_ولدتك أه!!
ابتسم عادل في وجه سعاد ليعبر عن امتنانه لها، فهتفت والدته مقاطعة تلك اللحظة:
_اتغيرتي يا سعاد!!
يبدو أن سعاد تغيرت كثيراً ولم تعد تلك المرأة الضعيفة التي يمكن استغلالها في أي وقت..
لم تعد تلك المرأة الفقيرة التي تحتاج لأحد لينقذها من الغرق.
لقد أصبحت حرة.. وهي تخشى ذلك كثيراً!!
كانت استبرق تتابع كل هذا من خلف الستار تستمع لهم منتظرة اللحظة التي تخرج بها وترفض عادل كما قررت!!
حينها سوسن قررت أن تأخذ منحنى آخر تذكر فيه سعاد بماضيها كي ترعبها كما تظن:
_يا ترى يا سعاد لسه بتنضفي الحمامات ولا لأ؟!"
_مـامـا!!!
تفوه بها عادل بغضب، محاولًا قطع عبارة والدته الفظة، لكنها كملت بالامبالاة:
_سعاد كانت شغالة كويسة أوي!!
هنا هاجمها حسام وهو يجز على أسنانه بغضب ممزوج بغضبه:
_والله ياست إنتِ أنا محترمك بالعافية فـ ياريت عدي اليوم على خير!!
تكلمت سعاد أخيراً موجهة حديثها نحو سوسن بنبرة تهديدية:
_سبحان الله سوسن لقت حد يقولها ماما!!
اختفت ابتسامة سوسن المستفزة وهاجمتها بشراسة:
_سوسن هانم كانت هتبقى أم بيكِ أو من غيرك!!
ابتسمت بستهزاء مرير بعدما جالت جملتها الأخيرة بخاطرها:
_مشكلتك إنك بجحة!!
هنا هبت سوسن واقفة صارخة فيها وهي تعرف جيداً عن ماذا تقصد سعاد بحديثها الخبيث ذا:
_أنتِ بتهدديني لا فوقي يا سعاد وافتكري مين اللي خلاكي توقفي على رجلك!!
خائفة حقاً على الرغم من كلماتها القوية ألا أنها كانت ترتجف رعباً من سعاد..
تخشى حقاً الخسارة!
لن تكون أي خسارة تلك!!
بل ستكون أعظم خسائرها!
إذا انكشفت ستخسر أولادها التي حاربت القدر من أجلهما..
ستخسر جيوشها التي صنعتها بكل قوتها..
ستخسر جدارها القوي الذي يحميها وقت ضعفها..
لم ولن تسمح أن يحدث ذلك!!
فهي التي ضيعت سنين من عمرها كي تصنع كل هذا والآن تأتي سعاد تأخذ كل هذا على طبقٍ من ذهب.. لن تسمح لها أبداً!!
سعاد كانت يوماً ما مجرد ورقة رابحة
والآن لن تكون عكس هذا أبداً!!
كاد حسام أن يرد عليها بنفس طريقتها ولكن سعاد رفعت يدها أمام وجهه مقاطعة إياه هاتفة بعدها باستفزاز:
_لولا إنك في بيتي واحترام الضيف واجب لكنت وريتك وش تاني خالص!!
رمقتها بإشمئزاز صارخة بها بعنف:
_على آخرة الزمن الخدامة بدأت تعلي صوتها على أسيادها.
لم تستطع استبرق الوقوف والمراقبة أكثر وتدخلت فوراً مدافعة عن عمتها، وحينها وقف حسام وهو يتأخذ موضع الهجوم على تلك المرأة
هنا هبت سعاد واقفة مغمغمة بغضب بعدما وجدت الجميع بدأوا أن يتدخلوا في ذلك الصراع:
_من أمتى الصغيرين بيدخلوا لما الكبار بيكلموا؟!!
جملتها جعلت الجميع يصمت ثم التفتت نحو سوسن وعيناها تطلقان شرراً:
_أنتِ جبتي معاية للأخر!!
تأفف عادل بضيق لقد تغير كل شيء في لحظة، لقد جاء كي يتقدم لاستبرق والآن أصبح المكان عبارة عن مصارعة بين والدته وسعاد وغير استبرق التي تدخلت وزادت الطين بلة.
_ممكن أفهم أنتم بتكلموا على إيه؟!
_عليك!!
أنهت سعاد كلمتها الأخيرة ناسية نفسها ثم تابعت بنبرة محروقة لتلقي بقنبلتها:
_هي سوسن هانم مقالتش لك أنها مش أمك الحقيقية وأن أمك الحقيقية تبقى أنا!!!

يتبع
--------------------------------------
ما هو إلا تمهيد للقادم💘💘💘💘
اعتذر عن التأخير كنت بنقل من منزلي القديم إلى منزل جديد حاليا لذلك لم استطع تنزيل الفصل🥲

تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن