الأربعون «نهاية احدهما»

1.9K 63 45
                                    

الفصل دا اسمه «هذه أمي ونهاية أحدهما» طبعاً قبل ما تبدأ تقرأ البارت اكتب في الكومنتات ليه اختارت العنوان دا ولو طلع تخمينك صح هذكر أسمك في الفصل الجاي 💗
كومنتات كتير يا كاريزما😾🥰
--------------------------------------
_هي سوسن هانم مقالتش لك أنها مش أمك الحقيقية وأن أمك الحقيقية تبقى أنا!!!
يالها من نكتة مضحكة كثيراً وكثيراً..!!
أكثر نكتة مضحكة وقعت عليه..
يالها من امرأة مجنونة..!
وزع أنظاره المخيفة حول «سوسن» و «سعاد»، نظرات والدته المذعورة وارتجافها الظاهر يوحي بجدية حديث هذه المرأة،
يبدو أنها ليست مجنونة.. بل هو في الحقيقة!!
الحقيقة تلك أسوأ نكتة سمعها.. بل أرعب نكتة!
حسنًا، يكفي إلى هنا، يكفي، يكفي!!
عقله لا يستوعب شيئًا ولا يريد أن يستوعب، ارتجفت شفتاها رعباً وهي ترى نظرات ابنها المصدومة تجول حولهما فسرعان ما صاحت بنبرة متوترة امتزجت بالخوف:
__متصدقهاش دي ست مجنونة يا حبيبي!!!
بضع كلمات خرجت من فوها بتلعثم شديد لينتبه هو لذلك.
قلبه لا يصدق تلك المرأة ويراها مجنونة وعلى ما يبدو إنه سيكون هو المجنون الحقيقي بالنهاية!!
عقله يتقبل حديث تلك المرأة من بعد تعبيرات وجه والدته الذي يثبت له رويداً رويداً أنها تخفي عليه شيء ليس هين!
لمحت على وجهه الحيرة فـ سريعاً أردفت محاولة نفي كلمات سعاد:
_أنا إللي أمك يا حبيبي، أيوة أنا!
قالت تلك الكلمات بانهيار بدى في نبرة صوتها كأنها تأكد لنفسها قبله.. كأنها تريد سماع نفسها كي تتأكد،
_أنا أمك مش هي!!
هتفت بقوة تلك المرة وهي تجذبه من ذراعه تسحبه خلفها..
ظلت تردد قولها لنفسها وهي تسحبه معها إلى الخارج، بينما الآخر ما زالت أنظاره مسلطة على سعاد محاولاً إيجاد شيء ينفي قولها...
لكنه لم يجد..
لم يجد!!
هربت به سريعاً وكأنها تخشى أن تأخذه منها سعاد..
تأخذه!! هذا مستحيل لن تسمح لها أبداً أبداً!
إنه ابنها هي.. هي فقط!
--------------------------------------
نظر كلا من "حسام" و"إستبرق" نحوها بينما سعاد ما زالت أنظارها معلقة على الباب الذي رحل منه منذ دقائق.
أين هو؟ لماذا لم يعود لحضنها؟!!
إنها منتظرة إياه أن يعود من نفس الباب الذي رحل منه، لكنه لم يعود، لقد خيب ظنها!!
أم هي التي خيبت ظنه؟!!
هي على استعداد أن تعتذر منه، حتى إذا ضحت بحياتها أمامه ليسامحها!
هي السبب..! هي التي حرمت نفسها من تلك اللحظة..
هي التي استخسرت على نفسها ابنها "عبد الرحمن"
كانت ترى أنه لا يستحقها أم له، بل يستحق سوسن أن تكون والدته.
لكنها كانت خاطئة.. نعم خاطئة!!
أنها خسرت وفازت سوسن!
الأم ليست التي تنجب بل الذي تعتني،
وسوسن فعلت، اعتنت به!
كيف طاوعها لسانها على قول الحقيقة، كيف؟!!
خرقاء هل كانت تظن أن بعد كلماتها سيترك هو الذي اعتنت به ثمانية وعشرون عاماً ويرتمي في حضن المرأة التي تركته وهو "لحمة حمراء" كما يقولون.
بلهاء حقاً!!
هي مجرد وسيلة في ظهورها فقط وليس أكثر!
لتبكي بحسرة امتزجت بألمها الشديد، ليطالعها كلا من إستبرق وحسام بصدمة، فصرخت إستبرق بها وهي تهزها بعنف ودموعها تنهمر بغزارة:
_أبنك، صح؟! ردي عليا أبنك؟! طب عملتي كدا ليه فاهميني؟!
رمقتها سعاد بملامح حادة عكس ما يدور بداخلها، لتجذبها من ذراعها وتجذب حسام بذراعها الآخر المتحرر ولتخرج بهما إلى الخارج مشيرة على البناء المقيمين به، لتصيح بعدها بحدة امتزجت بقهرها:
_شايفين العمارة دي، مكانتش هتبقى موجودة من غير تضحية "عبد الرحمن".
ثم جذبتهما ودخلت إلى الشقة مرة أخرى، وأشارت على الأثاث القديم الموجود في الشقة:
_شايفين العفش ده أنتوا شايفين إنه حاجة بسيطة، بس العفش ده على أيامي مكنش حد يقدر يجيبه، آهو ده بقى بفضل تضحية "عبد الرحمن".
ثم ركضت بخطواتها نحو غرفتها وأخرجت من خزانة ملابسها صندوقًا ضخمًا يحتوي بداخله على "صيغتها" لتلقيها في وجوههم صارخة بهما بقهر:
_شايفين الصيغة دي مكانتش هتبقى موجودة لو مضحتش بابني!!!
أنهت جملتها الأخيرة وانهارت ساقيها على الأرض أمامهما، رفعت عينيها المغرورقتان بدموعها المقهورة:
_كلية التجارة اللي حضرتك فخور بها طول ما أنت ماشي يا أستاذ حسام أهي دي بفضل تضحية عبد الرحمن، بفضل أخوك، أخوك اللي حرمت نفسي منه عشانكم علشان تعيشوا!!
هنا صاحت بها استبرق بقسوة رافضة تبريرها الضعيف ذاك:
_كلامك مش مبرر إنك تسيبي أبنك لحد تاني!
هنا عادت سعاد تلتفت نحوها بابتسامة ساخرة ناسبت قولها الذي حمل الكثير من المرارة:
_أنتِ بالذات تسكتِ خالص، تفتكري مصاريف تعليمك دي كلها أبوكِ إللي دفعها، أنا أفتكر إن هو ماكنش بيشتغل أصلاً، إللي لازم تعرفيه أن «عبد الرحمن» ضحى ليكِ كتير وأنا ضحيت أكتر منه.
ثم تابعت ووضعت يدها على قلبها وهي تشعر بنيران بداخلها تحرقها مراراً وتكراراً، لا تراعي آلمها:
_أنا بِعت ابني عشانكم!!
ألقت كلماتها الأخيرة بمرارة، لتصفع نفسها براحتي يديها وجهها مراراً وتكراراً..
آه يا قلبي آه..
كنت أظنك نسيت،
لكنك لا تنسى،
ولا أنا أنسى..
إذاً من نسى؟!
آه يا قلبي آه،
لقد خذلتني للمرة التي لا أعرف عددها،
كنت أظنك أقوى من ذلك،
لكنك لم تكن سوى أضعف من ذلك!
آه يا قلبي آه،
إلا يكفيك كل هذا،
ألا يكفيك دماري
لقد خونت كما خانني الآخرين
كنت أظنك لا تخون!
ولكنك خونت.. خونت العهد الذي بيننا
آه يا قلبي آه،
كان بيننا يوماً السلام
والآن أصبحنا أعداء
لا أعرف كيف أو متى حدث ذلك؟!
ولكن كل ما أعرفه أنك لم تعد كما أنت!
ولا أنا عدتُ كما أنا!
جلس حسام أمامها باكياً، مسك يديها محاولاً إيقافها على صفع نفسها متمتما بصوتٍ متحشرج:
_خلاص ياما متعمليش في نفسك كدا علشان خاطري، حقك عليا أنا، لو عايزاني أروح أجيبه ليكِ، أروح!!
طالعتها استبرق بانهيار ودموعها تنهمر على وجهها، عيناها يعبران عن كل ما داخلها كالعادة.
إذاً وصولها لذلك المركز بفضله بفضل تضحيته لها!
تعليمها..دروسها الخصوصية التي كانت تظن والدها مسئول عنها،
لطالما عندما كبرت كانت تتساءل كيف صرف عليها والدها طوال تلك الفترة،
كانت تظنه رجل نبيل يحب ابنته ويكافح من أجلها
والحقيقة النبيل الوحيد هنا لم يكن سوى عادل!
لحظة بل "عبد الرحمن" النبيل وليس عادل!
عبد الرحمن هو الذي تركته والدته من أجلهما جميعاً.. وكذلك من أجلها
عبد الرحمن هو الذي عاش بعيدًا عن والدته الحقيقية،
عبد الرحمن هو الذي قضى طفولته بعيداً عن حضن أمه الحقيقية..
عبد الرحمن الطفل المضحي لهما جميعاً.
سردت لهما كل شيء حدث بداية عندما كانت متزوجة من رجل في مستواها المادي -تقريباً-، يقيمون في منزل بسيط. وساعتها كانت حامل في ابنها الأول "عبد الرحمن". وأثناء ولادتها ألقى القبض على زوجها ظلماً ولم تعرف عنه شيئاً، لتذهب بعدها للعمل في منزل سوسن. كانت سوسن في ذلك الوقت لا تنجب على الرغم من ذهابها إلى الكثير من الأطباء ومع الأسف كانت النتيجة لا تختلف.
لتتابع في سردها ودموعها تزداد أكثر وأكثر:
_سيبت عبد الرحمن مع سوسن وهو كان خلاص اتعود عليها ويمكن حبها أكتر مني، وروحت أشوف جوزي لاقيت طالبين مني كفالة، أنا لو قعدت العمر كله مش هقدر ادفعها
هنا طالعتها إستبرق بفضول لتتابع سعاد بنفس نبرتها المتحسرة:
_روحت عند أخويا حاله كان يصعب على الكافر، مراته مرمية في الأرض من التعب وهو مش قادر يجبلها علاج، رجعت مكسورة تاني لـ عبد الرحمن، لاحظت حب سوسن لعبد الرحمن وهدوئه وهو في حضنها أكتر مني أنا، هنا عرفت حاجة واحدة أني مش هقدر أدي نص إللي هتديه سوسن لعبد الرحمن، مش هقدر اعلمه زيها حتى، مقدرتش بعدها أكمل وعرضت عليها تآخد عبد الرحمن مقابل مبلغ وخروج جوزي من السجن!
فهتفت بنبرة حملت الكثير من المرارة:
_خرج جوزي من السجن وعرف إللي عملته، غضب مني، فـ علطول قررت أخلف علشان أعوضه عن عبد الرحمن وفعلاً خلفت «هشام» حبيب قلبي، الحال أتغير بالفلوس إللي آخدتها، وأخويا بقى ساكن فوقيا، في نفس شقتك يا إستبرق، وساعتها جيتي يا إستبرق وبعدها حسام.
لم تتمالك نفسها أكثر وانفجرت في البكاء متذكرة ذلك اليوم المشؤم ثم نظرت تجاه إستبرق بقهر:
_كنتِ مدلعة ومينفعش طبعاً نرفضلك طلب، طلبتي فستان وأبوك قرر ينزل يشتريه ليكِ هو وجوزي وهشام وحسام وأنتِ.
هنا بكى حسام بعدما عادت إليه بعض الذكريات من تلك الحادثة الشنيعة الذي فقد فيها شقيقه الأكبر:
_خلاص ياما متكمليش عشان صحتك!
_لأ أكمل!!
أنهت جملتها بإصرار وأنظارها معلقة نحو استبرق الساكنة:
_كلموني من المستشفى وعرفت أنكم عملتوا حادثة بالعربية، كنت بجري زي المجنونة في المستشفى وصوت الممرض بـ يتردد في عقلي، الواد الكبير حضن أخوه الصغير علشان يحميه من الموت، وللأسف مفضلش حد عاش غيركِ وحسام، هشام حبيب قلبي ضحى بحياته لـ حسام لما حضنه.
هنا اجهشت في البكاء، فبكى حسام أكثر وأكثر معها، فقالت هي بألم يقطع في قلبها وعيناها مسلطة نحو إستبرق:
_أنا كرهتك أوي، ساعتها حسيتك إنت السبب في موت أخويا وجوزي وابني، كنت عايزة أقتلك زي ما قتلتيهم، بمجرد أن الجيران أخدوكي عندهم خوفًا عليكِ مني، ماكنش قدامي غير الدعوى، كنت كل ما المح وشك أقول ربنا يجبلك مرض متقوميش منه أبداً لحد ما تموتي، ولو حد قرب منك يتعذب بفراقك زي ما اتعذبت بفراق هشام!
صُعقت «إستبرق» بكلماتها وشعرت بأن دعوات سعاد تتحقق معها الآن،
ها الآن هي مريضة بالسرطان والآن يبقى موتها فقط
يالله..!!
تلك الدعوة تحققت..
وللأسف كانت سعاد تظن أنها لن تتحقق.. ولكنها تحققت..
تحققت!!
فـ تمتمت استبرق لنفسها، دون وعي، بنبرة مهتزة:
لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
_ بس الحقيقة دي قلة إيمان فيا، رجعت تاني استغفر ربنا، ورجعتك تاني لحضني واعتبرتك من اليوم دا إنك بنتي اللي مخلفتهاش.
فبكت سعاد بعد جملتها بندم حقيقي وهي تشعر أنها السبب فيما حدث لإستبرق،
اللعنة على لسانها الذي يستحق القطع،
اللعنة كيف طاوعت لسانها في ذاك اليوم؟! كيف؟!!
دعوة واحدة من دون حسبان دمرت كل شيء!
لقد أعمى الغضب بصريتها للأسف!
قالت بندم وهي تخشى أن تتحقق باقي دعواتها:
_أنا آسفة يا بنتي، سامحيني!
انهار حسام أمامها وأخذها بين أحضانه وهو يبكي مثلها تماماً،
هذه أول مرة يرى والدته منهارة بتلك الطريقة فربت على ظهرها بحنان نابع من قلبه، فدفنت سعاد رأسها بصدره وكأنها تحتمي به من نفسها، تحتمي به من شيطانها،
جلست إستبرق بجوراهما واحتضنتهما بقوة لتشدد سعاد على عناقها وتهمس لها برجاء حمل الكثير من المرارة:
_عبد الرحمن محتاجاكِ متسبهوش!
--------------------------------------
أغلقت على نفسها وانهارت في البكاء على فراشها، ذكريات تمر عليها كالنيران..
عادل وليس عبد الرحمن!!
منذ أول مرة وقع بصرها عليه، خرج من بين شفتيها اسم عادل،
منذ ذلك اليوم هو أمامها عادل وليس عبد الرحمن،
عادل ابنها هي وحدها أم عبد الرحمن ابن سعاد!
سعاد ليس لها شيء عندها، إذا أرادت أن تبحث على عبد الرحمن فلن تجده أبداً..
لأن الموجود الآن هو عادل وليس عبد الرحمن
أمسكت بأناملها المرتجفة الهاتف واتصلت بزوجها؛ لكي ينقذها من تلك الكارثة التي حدثت، فتفاجأت بصيحة غاضبة منه عندما سردت له ما حدث لها في منزل سعاد:
_أنا ابني لو راح مني مش هسامحك أبداً، ابني روحي ولو راح أنا روحي مش هتبقى فيا ساعتها.
أنهى جملته الأخيرة وانفجر في البكاء وكأنه نسى للحظاتٍ أنه يتحدث مع زوجته وعليه ألا يظهر ضعفه أمامها، لكن ماذا يفعل ليس باليد حيلة!
بعد كلمات زوجته تلك شعر بأنه على حافة الهاوية،
_أنا المرة اللي فاتت مجتش عشان أنتِ قولتيلي هاتعرفي تصرفي مع يحيى ولكن في حالة عادل أنا مش اعتمد عليكِ فيها دي!
عندما وقع نظره على عادل وقع في حبه فوراً،
عادل روحه.. دون عادل لن يكون به روح!
والإنسان دون روح ميت!
استمع عادل لكل هذا الحديث من خلف الباب، فكفكف دموعه ورسم ابتسامة زائفة على ثغره وفتح الباب ودلف إلى الداخل بخطوات ثقال، رمقته والدته ودموعها تنهمر دون إدراك فألقت هاتفها التي كانت تتحدث به منذ دقائق جانباً، وفتحت ذراعيها له متمتمتة بصوت متحشرج غالبه الحزن:
_عادل، تعالى يا حبيبي، قرب!
مع كل خطوة يتقدم بها نحوها كانت تراه يعود طفلاً فيها، فـ خطوته الأولى رأيته في المرحلة الثانوية، والثانية في الإعدادية، والثالثة في الابتدائية، والأخيرة طفلها..!
نعم، طفلها الصغير، مدت أناملها تتحسس كل إنش في وجهه بحنان نبع من قلبها،
هذا ابنها هي.. هي فقط.. ظلت تكررها بداخلها العديد من المرات
تخشى خسارته.. نعم تخشى ولما الإنكار؟!
لن تستطع أن تتحمل فراقه، حياتها مرتبطة به، وبدونه ليس لديها حياة، حياتها تكتمل بأبنائها، إذا خسرت واحداً ستقع لا محال!
كالبيت بالضبط، فإذا فقد إحدى أعمدته يسقط فوراً، يتدمر بعدها.
مسح دموعها بأطراف أنامله، ثم احتضنت كفه وغمضت جفنيها براحة محاولة التلذذ بذلك الكف الذي تخشى فقدانه يومًا ما، ذلك الكف الصغير الذي كانت تضحك عليه لصغره، والآن تغير هذا الكف وأصبح أكبر من كفها شخصياً، حتى هو تغير وأصبح كبيراً.. بل أكبر مما توقعت.
هي تريد ذلك الطفل الذي لا يستفسر ولا يسأل
تريد الطفل الذي يصدقها دوماً
نعم، عادل لم ينطق بشيء منذ أن أتى معها، واحترم صمتها، لكن عيناه تنطق تشعر كأنها تلومها.. تحاصرها.. تقيدها..
همست من بين شفتيها المرتجفتان ودموعها تهبط على كفه:
_أنا أمك الحقيقية مش هي، أنا أمك سامعني؟!، كنت بشيلك على ضهري اليوم كله على الرغم من ألم ضهري، لما كنت بتحلم بكابوس كنت أفضل أسهر معاك علشان متخافش، لما كان يجيلك دور برد بسيط كنت بجري بيك على دكاترة الدنيا، كنت أنام معاك في المستشفى مع أن الكل كان بيقولي أمشي بس مكنتش عايزاك تصحى ومتلاقنيش جمبك، أنا كنت معاك واحدة بواحدة لحد ما وصلت لهنا.
انهمرت دموعه رغماً عنه عقب حديثها العميق ذلك الذي كسر جميع حواجز قلبه، واستقر في منتصف قلبه، قبل باطن كفها، ليهتف بعدها بثباتٍ زائف:
_مين إللي خلفتني؟!!
شهقت برعب وجذبت كفها منه ووضعته على فمها بصدمة ثم انهارت دموعها المحتجزة داخل مقلتيها، لتدفن وجهها بين راحتي يديها، ليضيف هو بنبرة منهارة مماثلة لها:
_هي أمي، صح؟!
لا مفر من الهروب يا امرأة، لا تكوني جبانة واعترفي بالحقيقة، الحقيقة لن تغير شيئا سيبقى هو ابنك وستبقي أنت أمه، طالما هو يحبك سيغفر لك، هذا قانون الحب من يحب أحداً يغفر له أيا كانت أخطاؤه!
هزت رأسها إيجاباً وكأنها تخشى نطقها، تخشى الاعتراف، تخشى أن يبتعد عنها، جاء ليجذب كفه منها فتشبثت به برجاء وعيناها المنتفختين معلقة على عينيه الدمعتين، هاتفة برجاء امتزج بأسف:
__أنا بحبك أوي يا عادل، أنا وأبوك هنموت من غيرك، أحنا من غيرك وألا حاجة، متسبناش علشان خاطري.
سردت له كل شيء حدث في الماضي، ثم أردفت بعدها وهي تشعر بألم رهيب في قلبها كأن نصل حاد أصابه:
_لما حسيت إنك وحيد وعايز أخ جمبك زي عيال عمامك روحت عملت عملية خطيرة عليا 90%، الحمد لله نجيت من الموت وخلفت أخوك وسميت يحيى لأني حييت بعد ما كنت على آخر لحظة هموت، كنت فرحانة بفرحتك أكتر من فرحتي بـ يحيى ذات نفسه.
بعد حديثها هذا، تأكد من هي أمه الحقيقية!
"سوسن" هي أمه التي رافقته العمر كله حتى وصل لهنا..
تلك هي الأم وليس غيرها!
لم يتحمل أكثر وأخذها بين أحضانه وبكى في حضنها كما كان يفعل هو وصغير، ضمته إليها بشدة كأنها تريد حجزه بداخل عناقها للأبد.
ابنها الصغير الذي سيبقى في عينيها صغيراً طوال عمرها، مهما كبر وحقق الكثير من الإنجازات يبقى صغيرها.
يبقى هو ذلك الطفل المدلل خاصتها
وتبقى هي أمه حبيبته
همست له برفق:
_خليكِ النهارده جمبي، زي ما كنت جمبك!
تمددت بجسدها فوق الفراش، فاعتدل هو في جلسته وسند ظهره على ظهر الفراش، مسح على رأسها بحنانه المعهود وبدأ في تلاوة بعض الآيات، لتذهب هي في نوم عميق بالأخير.
أتى يحيى في تلك اللحظة، فتابعهما وقلبه يتقطع رويداً رويداً،
قد أتى كي يرتمي في حضنها ويعتذر لها على ما حدث.
لكن وُجد من أخذ مكانه كالعادة..
نعم كالعادة، لِمَ الاستغراب؟!
إنه مثل الكتاب بالضبط، صفحة تلو الأخرى - والصفحة تكون هو، حتى ينتهي الكتاب -والكتاب يكون عادل -، ليأتي بعدها القارئ - والقارئ يكون والدته - يذكر اسم الكتاب وينسى أمر تلك الصفحة تمامًا.
يبدو أنها استحلت غيابه عن المنزل تلك الفترة، ياللحسرة حقًا.
يالها من أم عجيبة حقًا، إذا كانت لا تريده لماذا أنجبته؟!!
وبعد أفكاره المشتعلة تلك، فرت دمعة هاربة من مقلتيه، ومضى في سيره نحو غرفته التي أصبحت تحتويه أكثر من أمه...
لمح عادل طيفه فركض خلفه وقبل أن يخرج أغلق باب الغرفة خلفه، أوقفه بنداؤه:
_يحيى!
توقف "يحيى" للحظة كأنه يخشى أن يستدير ويرى عادل وجهه المخذول، لكنه جمع قوته، واستدار بجسده ورد عليه بنبرة تخفي مشاعره السوداوية:
_عادل!
كلاهما كانا يشكيان لبعضهما الهم من خلال نطقهما لأسماء بعضهما، كلاهما كانا مجروحان من الداخل، كلاهما يتألمان بصمت، بصمت!
ابتسم عادل ابتسامة زائفة، وأردف وهو مستمرًا في السيطرة على دموعه:
_أنت كويس؟؟!
أصبح الصمت سيد المكان بينهما، وأصبحت النظرات هي التي تتحدث..
ليس بخير يا أخي!
أنا متدمر من الداخل،
أنا لا أعرف نفسي.. نفسي أصبحت عدو، كيف هذا لا أعلم؟!!
أحتاج إلى من يرشدني..هل ستستطيع فعلها أنت؟!
أم إنك ستخذلني كالجميع..!!!
خرج كل هذا الحديث من عيناه الذبلتان، مجيبة على سؤال عادل، تكلم لسانه يخفي كل تلك المشاعر التي اجتاحته للحظة:
_أنا فُل الفُل، وأنت؟!
أنا..
أنا ضائع يا أخي
اليوم اكتشفت حقيقة مُرة
أنا لم أخشى من تلك الحقيقة، أنا أخشى أن أخسرك.. هذا هو خوفي الحقيقي!!
لو امهاتنا اختلفت هل ستحبني؟
ذاك السؤال لن أستطيع إجابته بنفسي!
لكن كل ما أعرفه..
إنك أخي.. وستبقى أخي!
ضحك في سخرية بداخله، فهتف بمرارة:
_أنا تمام!
ساد الصمت مرة أخرى ليتابع عيناهما الحديث، فأردف عادل بنفس مرارته:
_ صليت الفجر؟
رد عليه بإرهاق ظهر على وجهه:
_ لا لسه، هروح أتوضى وأصلي بعدها.
أوما عادل بإيجاب ثم أضاف برجاء:
_ تيجي نصلي مع بعض؟
هز رأسه بإيجاب موافقًا إياه ثم قال بارتباك:
_ ماشي، هستناك!
وقف عادل في زاوية الغرفة، رفع يده بالتكبير ليسمع تمتمات شقيقه بجواره...
الإلهام يرشد لسورة يوسف -لبعض الآيات- عقب الفاتحة، ولم يكد يصل لقوله تعالى..
"قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِى ۖ قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ"
ليشعر ببكاء يحيى بجانبه لكنه لم يقطع صلاته واستمر في تلاوته..
ولم يكد يسلم من صلاته ليلتفت نحوه ليجده لا يزال ساجداً.
ففي مكانه وجبينه يلتصق بالأرض في خشوع ذليل..
يا الله لقد ابتعدت كثيراً عن طاعتك وسرت خلف مشاغل الدنيا،
لقد ابتعدت!!
يا الله..
أنا شخص يحاول جاهدًا تصليح ذنوبه،
إنني لا أريد شيئًا سوى المغفرة يا الله
المغفرة!!
عدت إليك ربي تائبًا فلا تردني خائبًا
ليقول بعض الأدعية في خشوع ذليل ودموعه تهبط بغزارة على وجهه...
"اللهم إني أستغفرك عن كل ذنب عظيم اقترفته، وأسألك أن تتقبل توبتي بصدق عن كل الذنوب التي ارتكبتها."
"اللهم اجعل قلبي متعلقًا بالقرآن وبالذكر وبالصلاة، وأبعدني عن دروب المحرمات، وثبتني حتى ألتقي بك."
"يا رب."
كان هذا نداؤه المستغيث الذي امتزج ببكائه المرير وعبراته تنهمر بغزارة، لم يحتمل عادل رؤيته هكذا وأخذه بين أحضانه وبكى معه، حاوطه يحيى بذراعيه ودفن رأسه في كتفه:
_أنا وحش جداً يا عادل، أنا شخص متشوه من جوه وبرا أنا كنت أناني في كل شيء ربنا ادهالي، استغليت بنت طيبة هي وأخوها علشان مصلحتي، مفكرتش بحد.
أضاف يحيى بحرقة وعبراته ما زالت تنهمر على وجهه بغزارة:
_حتى أنا ما كنتش ابن كويس لأمي زيك، مكنتش الأبن المثالي لها زيك، أنا شخص فاشل يا عادل، فاشل.
انفجر عادل في البكاء غير مصدقًا أن بداخل شقيقه كل هذا..
كل هذا حمله يحيى على عاتقه.. لوحده
شقيقه طيلة تلك الفترة يعاني..وحده
وهو لم يتفهم ذلك، تركه يعاني فقط!!
ابعده عادل عنه كي يواجهه لكنه تفاجىء به فاقداً وعيه وينزف من فمه، نظر إلى يده ليجدها ملطخة بدماء شقيقه، فصرخ بذعر انتابه للحظة:
_يحيى، أنت بتنزف!
_مـامـا!!
تمتم بها يحيى مهلوساً محاولًا المقاومة، فصرخ عادل بذعر وهو يهز جسده بعفوية..
وفي ذات الوقت، في الغرفة المجاورة، فتحت سوسن جفنيها برهبة بعد أن أتى لها كابوساً مرعبًا، لتنظر نحو صورة ابنها الصغير الموضوعة فوق الكومود لتنطق باسمه بانفاسٍ متسارعة، ودموعها تنهمر على وجهها دون إدراك:
_يحيـى!!!

يتبع..!
--------------------------------------
متنسوش تضغطو على الفوت يا سكاكر 💘💘💘💗

تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن