الثامن والأربعون«مهرة تذكرت»

700 29 12
                                    

كومنتات كتير يا كاريزما😾🥰
--------------------------------------
اخذت نفساً عميقاً ونظرت نحو سهيل مرددةً بداخلها:  "حان الوقت لتقولي الحقيقة للجميع، حان الوقت لتخبريهم بما فعلتيه لمهرة البريئة، يكفي كذباً، لتقولي الحقيقة ويحدث ما يحدث وتحملي العواقب." 
_حتـى مـهـرة أنـا...!
_ألف سلامة، ألف سلامة يا بنت عمي!!! 
قاطعها سهيل بقوله الحازم الممتزج بالحدة، نظرت هي نحوه بذعر، فأدركت أن الحقيقة لن تفيد في شيء، وبنظرات سهيل المرعبة تجاهها جعلتها تتراجع ألف خطوة للخلف عن قول الحقيقة. 
ماذا سيحدث إذا تذكرت مهرة؟!! ستنهار وستعود إلى نقطة الصفر،
وستكون هي للمرة الثانية على التوالي السبب في تدمير مهرة البريئة. 
الأفضل دفن تلك الحقيقة في ذاكرة مهرة حتى يأتي موعدها في الظهور،
مهرة لا تستحق أن تعاني بسبب ماضي ليس لها ذنب فيه.
غادر يحيى الغرفة بعدما شعر بعدم قدرته على الاستماع لها.
يستمع إلى ماذا؟ معاناتها، وحدتها التي لم يشعر بها، آلمها، صراخها.
توجه نحو طبيبها وجذبه من تلابيب ملابسه بعنف، صائحاً بقهر امتزج بألمه
_مرام هتمشي تاني، هي مالهاش ذنب تعيش باقي عمرها عاجزة، قولي إن في علاج، قولي!!!" 
حاول الطبيب دفع قبضته عن ملابسه مهدئاً إياه ببعض الكلمات:
_كل اللي أقدر أقوله لك إننا هنحاول، بس في حالتها أعتقد أنه مفيش أمل! 
برزت عروقه وشعر ببركان يتدفق بداخله، لأول مرة يشعر بكل هذا الغضب بداخله أو بمعنى أصح إنه يحترق، صرخ به محاولاً نفي كلمات الطبيب: 
_هي هترجع تمشي، هتسافر برا مصر وتبقى أحسن مني ومنك، فاهم!!! 
كأنه يثبت لنفسه قبل الطبيب أنها ستعود مرة أخرى تسير على ساقيها بل ستعود أفضل من الأول. 
ستعود، هو واثق!!
ومع هذا الخاطر الأخير، انسال خطين من الدموع على وجنتيه. 
تكذب على نفسك يا يحيى، تكذب! 
وما الجديد؟ دوماً أنت تكذب، لكن للأسف تلك المرة لن تستطيع فعلها؛ 
لأن عقلك وقلبك لا يستوعبان تلك الحقيقة. 
دوماً كان يرى أن الحقيقة عبارة عن سهم مسموم يخترق قلب الإنسان، ولكنه لم يكن يعرف أن ذلك الإنسان سيكون هو. 
أنزل يديه بوهن، وتراجع خطوة إلى الخلف، والدموع تنهمر من مقلتيه بغزارة، بكى بحرقة وهو يشعر – بالعجز لأول مرة – قولاً وفعلاً. 
انهارت ساقاه على أقرب مقعد وأغمض عينيه تحسراً على ما أصاب حبيبته، نطق بصوتٍ متحشرج خرج بصعوبة من حنجرته المجروحة: 
_ ليه بيحصلها كده؟! ليه؟ اشمعنى هي، هي متستهلش كل ده، والله متستهلش، ليه!! 
وكان هذا السؤال الأخير الذي بقي يردده العديد من المرات.. 
ليس هو فقط الذي يردد السؤال بل قلبه وعقله معاً. 
العقل يتحسر على ما أصاب صاحبه من الحزن، والهم، والعجز.. 
والقلب يموت تحسراً على من سكنت قلبه من اللحظة الأولى.
--------------------------------------
جلس زهران على المقعد أمام غرفة مرام وجلست ابنته مهرة بجانبه تربت على كتفه تواسي إياه ظناً منها أنه يشعر بالذنب تجاه مرام المسكينة، ولكنه في الحقيقة يجلد نفسه بالداخل لأنه فشل في خطته.
آه يا مرام، محظوظة، استطعتِ الهروب من الموت ولكنه يقسم أنه ليس هناك مجال للهرب منه هو شخصياً.
خرج سهيل من الغرفة والتفت تجاه زهران هاتفاً بإصرار ظهر في نبرة صوته:
_ عمي زهران، أنا محتاج رد حضرتك في حكاية طلب يد مهرة!!
احمرت وجنتاها خجلاً بعد قوله، وتحاشت النظر نحوه، فأكمل الآخر بقوة متجاهلاً حرجها الواضح أمامهما: 
_أنا عارف إن الوقت مش مناسب بالنسبة ليكِ، بس بالنسبة لي هو مناسب، أنا بطلب إيد مهرة على سنة الله ورسوله، عايز أتجوزها الأسبوع ده يا عمي!! 
ارتبكت هي خجلاً من كلماته، وتفاجأت أيضاً بطلب الزواج منها في خلال هذا الأسبوع، على الرغم من الكوارث التي أصابت العائلة، وآخرها فقد مرام السير على قدميها.
تنهد زهران بضيق ثم قال:
_مش هينفع يا سهيل، مرات عمك اتقتلت وبنتها مش هتمشي تاني وعايزنا نحتفل ونعمل فرح!! 
تنحنح سهيل بارتباك وهو يوضح له موقفه: 
_يا عمي، إحنا مش هنعمل فرح ولا هنشغل أغاني، إحنا هنكتب كتابنا وبس، صدقني يا عمي، الواحد بقى مش ضامن عمره، زي ما أنت شايف، أخويا مات وهو في عز شبابه ومرات عمي وبعدها مرام، مين كان يصدق أن يحصل كدا؟ فأنا مش عايز أضيع لحظة تانية من عمري هباءً!! 
وزع «زهران» أنظاره المتفحصة حول سهيل وابنته ثم تنهد قائلاً بعدما رأى أعجاب مهرة بحديث سهيل:
_طب سبني أفكر، وردي هيوصلك كمان شوية!! 
غادر سهيل من أمامهما وجلس زهران على المقعد وأشار إلى ابنته أن تجلس بجانبه، فنفذت أمره فوراً. 
_بعيداً عن أنه ابن أخويا، بس هو شاب كويس، مؤدب، وبيحبك، وغير كده مش حد غريب عننا، وهيحطك في عينه، بمعنى أصح مش هتلاقي حد زيه. 
فركت كفيها ببعضهما بتوتر ظهر على ملامحها، وخاصة وهي تعرف أن جاسم لن يتقبل تلك الزيجة بتاتاً، فنظرت نحو والدها محاولة استجماع قوتها ورفض هذا العرض، على الرغم من أنها تحب سهيل كثيراً، ولكن هذا لا يعني أن تقف في وجه شقيقها من أجل الآخرين،
إذا كانت ستضحي بحبها من أجل شقيقها، ستفعل.
رأى هو ترددها في ملامحها فهتف
_ بصي يا بنتي، أنا بصراحة بحب سهيل وكفاية أنه طيب، وإن شاء الله لو وافقتي هنقعد أنا وجاسم قاعدة معاه. 
بلعت ريقها ثم قالت بنبرة متوترة ممزوجة بقلقها
_ موافقتي مش اتم إلا بموافقة جاسم يا بابا.
--------------------------------------
في إحدى المصحات النفسية... 
جلست أمامه على المقعد ثم اعتدلت في جلستها هاتفة بهدوء: 
_اعترافك أنك مريض ده بحده وذاته تطور في حالتك!! 
رمقها بضيق ثم هتف بغلظة
_اعترافي ملهوش ألف لازمة لو معرفتش أتعالج! 
ابتسمت ابتسامة هادئة وهتفت لتوضح له: 
_اسمعني يا نادر، كل أخصائي نفسي له طريقة في العلاج، وأنا طريقتي إني بسمع مريضي لآخر حاجة وساعتها بعمل أبحاثي عنه!!
تنهدت تنهيدة حارة وهي تحاول إعادة الثقة بينهم مرة أخرى: 
_من خلال أبحاثي، وإيجاد طريقة لعلاجك، اكتشفت أنك مريض بعدة اضطرابات، واللي هيثبت كلامي ليك دلوقتي، الأسئلة إلي أطرحها عليك حالاً!! 
نظر نحوها مباشرة على الرغم من أن هناك جزءًا منه يمنعه من الاستماع إليها..
ولكن كلمة الحق هي أفضل من غيرها، تلك المرأة تعرف الآن كل شيء عنه، لن يحتاج أن يحكي لها من جديد أو يعاني، على عكس غيرها، سيحكي له وسيعاني من جديد، لذلك هو ليس لديه خيار الآن، لعل وعسى يجد مراده معها بنهاية الطريق. ألقت سؤالها الأول وهي تتفحص ردود أفعاله:
_باباك توفى ولا عايش؟!!! 
توقف أمام سؤالها للحظات، ميت أم حي، سؤال غريب حقاً، والأغرب والمضحك أيضاً أنه لا يعرف الإجابة،
دفن رأسه بين كفيه وهو يحاول تذكر أي شيء، فهز رأسه بيأس وعيناه مملوءتان بالدموع، تابعت «عفاف» وهي تتفحص ملامحه: 
_طب مامتك فين؟! أنت عمرك ما جبت سيرتها!
أمة.. أجل تذكرها!!! 
وكيف ينسى المرأة التي تركته هو وشقيقته الصغرى من أجل رجل آخر.. ثري أكثر من زوجها! 
حتى أنها لم تفكر للحظة واحدة أن تنظر للخلف إلى أطفالها بل مضت في السير مع زوجها الثاني وتأبطت ذراعه، وتركته هو وشقيقته يعانيان في جحيم والدهما المجنون.
لو كانت استدارت لكانت رأت الدم ينزل من عينيهما على بُعدها وليس الدموع.
تركتهما لتنعم مع زوجها الآخر بعيداً عن جحيم زوجها الذي اختارته هي بنفسها.. وبدلاً من أن تتحمل عواقب اختيارها هربت كالجبان في الحرب وتركت طفلين خلفها يتلقان عواقب اختيارها الخاطئ بدلاً عنها، وكان ثمن اختيارها موت شقيقته الصغرى، تلك المرأة التي أنجبته لن ولم يسامحها أبداً حتى الممات.
_الفيشاوي طلقها واتنازلت عنّا مقابل مبلغ!! 
تفهمت "عفاف" إجابته المقتضبة فأردفت باستفسار
_طب خلافك مع غسان؟!! 
خلاف!!!! هو لا يتذكر شيئًا عن ذلك الخلاف أبداً، هو استيقظ وتفاجأ بتغير صديقه معه وعداوته، وخاصة عندما أتم خطبته بـ"هند"، وفيما بعد رأى في عينيه إعجابه بـ"هند"، ومثل أي رجل أبعد زوجته وقطع علاقته به تماماً، فزادت العداوة أكثر بينهما وهو لا يزال لا يعرف مصدرها.
لاحظت "عفاف" حيرة نادر على ملامحه فتنهدت قائلة:
_هند كانت بتحبك الأول ولا كان في حد تاني قبلك؟!!
رفع رأسه نحوها وهتف بسرعة مدافعاً عن زوجته:
_لا طبعاً أنا كنت حبيبها الأول والأخير!!
تنهدت تنهيدة حارة وهبت واقفة مستطردة:
_الحقيقة أنا قابلت غسان وهو قال لي على حاجة أنت عمرك ما ذكرتها لي، أن هند كانت حبيبته الأولى وأنت اتهمته بالخيانة!!!
هب واقفاً صائحاً وهو يدافع عن نفسه:
_ده كذاب هي بتحبني أنا وبس، هي عمرها ما شافت غسان ومش هتشوفه أبداً!!
_أرجوك اهدأ وخليني أكمل يمكن نوصل مع بعض للحقيقة!!
رمقها بضيق فزفر وجلس على مقعده مرة أخرى مستمعاً لها باقتضاب:
_"اضطراب الهوية التفارقي"، مرض نفسي أحيانًا يجعل الشخص المصاب به يفقد أجزاء من الذاكرة، مثل أنه قد لا يتذكر الأشياء اليومية أو الأحداث المؤلمة أو المعلومات الشخصية، زي ما إنت دلوقتي  مش عارف والدك حي لا ميت، بيكون عند الشخص شخصيتان أو أكثر من الهويات، وثغرات بسيطة في ذاكرتهم عن الأحداث اليومية.
انتبهت جميع حواسه لها، والمشكلة أن كل حديثها هذا ينطبق عليه، تصرفاته كلها تدل على أنه مريض بهذا المرض، تابعت الأخرى وهي تشرح له بوضوح:
_على سبيل المثال، ممكن تندفع لتعمل حاجة معينة وبعدها تنسى أنت عملت إيه أو إيه اللي حصل! زي موقفك مع غسان، غسان اعترف بحبه لـ«هند» وهي قبلته، ولكن أنت كنت برضه بتحبها، بس للأسف مش شجاع زي غسان علشان تعترف لها، وتأثرك بشخصية والدك المريضة خلاك تجيب بنت له وتلبسه في الحيط قدام «هند»، وبكده أنت هتكون كسبت حب عمرك، وبسبب اللي عملته مكنتش قادر تسامح نفسك و مصدوم من نفسك، فأضطر عقلك يمسح الجزء ده من ذاكرتك وده اسمه "فقدان الذاكرة التفارقي". استقام واقفاً مترنحاً في وقفته، مصدوماً من كلماتها الأخيرة وكأن كل كلمة ألقتها عليه عبارة عن خنجر يذبحه ذبحاً، فرت الدموع من مقلتيه بغزارة.
لقد تذكر، نعم تذكر... 
تسارعت خطوات "هند" في الممر، صوت بكائها الذي يصل إليه الآن... 
صدمة غسان فيه... في رفيق طفولته. 
انهيار هند... 
صراخ صديقه غسان، وما زالت كلماته تتردد، عقله يكاد ينفجر من الآلام. 
الخنجر الخائن كان هو... هو الخائن... هو السارق الحقيقي في النهاية... 
ليس هناك فرق بينه وبين ذلك الوحش، كما يقولون "هذا الشبل من ذاك الأسد". 
عصر رأسه بين كفيه وصرخ بقهر ممزوج بآلامه
_ كفاية أرجوكِ، متكمليش، كفاية والنبي، كفاية، كفاية وحياتك!! 
تنهدت تنهيدة حزينة محاولة تهدئة نادر بكلمات ليس لها معنى بالنسبة له: 
_أهدى أرجوك يا نادر، انهيارك ده مش هيصلح حاجة أبداً، أنت مالكش ذنب، الاضطرابات دي جت بسبب تعرضك لصدمات قوية واعتداء في سن صغير!!
انهارت ساقاه أمامها ودموعه تتساقط بغزارة على وجهه، متوسلاً إياها، فكاد قلبها ينفطر حزناً عليه في هذا المشهد المؤثر، توسلها بصوتٍ باكي: _أنا عايز أتعالج، عايز أرجع لمراتي وابني.
نزلت رأسها للأسفل وابتسمت برضا وهي ترى إصراره فربتت على كتفه متمتمة:
_هتتعالج يا نادر، وهترجع لعائلتك، وهتعتذر لصاحبك، هتعمل كل حاجة نفسك فيها بس لازم تساعدني، لازم تواجه الوحش إياً كان أبوك أو أنتَ!!!
الآن فقط قدر موقف زوجته معه، هي لا تستحق رجلاً مثله، مريض.. 
شخص لا يعرف من هو بالأساس، شخص يبدأ بالتعرف على نفسه من أول وجديد، شخص بنى حياته على وهم، شخص كان يظن طيلة حياته أنه الضحية ولكنه لم يكن سوى الجاني!
--------------------------------------
بعد أسبوع، في يوم الزفاف، زفاف سهيل الحبيب، في البداية اعترض الجميع على هذا الزواج بسبب الظروف الأخيرة التي حلت بالعائلة، ولكن فيما بعد تراخى الجميع، حتى جاسم استسلم ووافق على هذا الزواج، وخاصة عندما رأى فرحة مهرة. 
كان الزفاف بسيطاً عائلياً وبعض الأصدقاء، أما بالنسبة للموسيقى فكان الزفاف خالياً من الموسيقى تماماً، نظراً لظروف العائلة الأخيرة. 
ارتدت مهرة فستاناً طويلاً يصل إلى قدميها، يخفي مفاتن جسدها، يتميز بتطريز يدوي دقيق على أشكال زهور بيضاء، حيث يتم تطريز الزهور بشكل متناغم وفني على الجزء العلوي للفستان، مما يضفي لمسة أنيقة وفريدة.
تناثرت خصلات شعرها خلف ظهرها لتضفي مظهراً رائعاً، ووضعت القليل من مستحضرات التجميل على وجهها ليزداد جمالها أكثر.. وأكثر. 
احتضنتها «عين» من الخلف مباركة لها بفرحة تسكن قلبها: 
_مبروك يا مهرة، مبروك يا حبيبتي، عاملة زي الأميرات بالضبط، الله أكبر، اللهم بارك يا حبيبتي. 
دمعت عيني «مهرة» تأثراً بكلماتها، فبادلتها العناق هامسة
_الأميرة الحقيقية هي أنتِ يا عين!! 
بالفعل «عين» الأميرة الحقيقية اليوم، فلقد ارتدت بلوزة حريرية باللون البنفسجي والذي اكتشفت مؤخراً –إنه اللون المفضل لدى جاسم– مع سروال فضفاض وحجاب طويل، كان زياً يستر جسدها بالكامل.
قاطع حديثهما دخول «جاسم» الغرفة، الذي فور ما رأى شقيقته بفستان الزفاف دمعت عينيه.
ما زال لا يصدق أن اليوم زفافها، لو أخبروه أنها ستكبر وتتركه، لكان هرب بها بعيداً عن أعين الجميع. 
من يصدق أن «مهرة» الصغيرة، التي طالما رآها ابنته وليس شقيقته، ستتزوج اليوم!
على الرغم من أنه يوم سعيد للجميع، ولكنه كابوس بالنسبة له.
فراقها وأخذها من بين يديه عبارة عن كابوس، والمشكلة أنه راضٍ ولا يستطيع الاعتراض. اقترب منها ووقف مقابلها ومرر أنامله على وجهها، اغرورقت عيناه بالدموع دون إدراك، ورغماً عنه عادت به الذكريات لأيام طفولتهما.
كانت طفلة تضج ضحكاتها في المنزل، يحملها هو فوق ظهره ويركض بها في أنحاء المنزل، وتزداد ضحكاتهما معاً. 
ليتنا لم نكبر.. ليتنا بقينا صغاراً لا نفترق أبداً. 
ليت العمر لم يمر بنا.. ليت!! 
عينيه يفيض منهما حنان العالم أجمع، فاحتضنته وكأنها تطمئنه أنها ستبقى طفلته، حتى إذا تزوجت، لم يستطع الآخر التحكم في عبراته فانهمرت فوراً على وجنتيه ثم اعتصرها بين ذراعيه هامساً من بين دموعه: 
_ لو حسيتي في ثانية واحدة إنك مش عايزة تكملي، انطقي اسمي بس، وهتلاقيني جنبك، في ضهرك.
طالعتهما «عين» ودموعها تنهمر من مقلتيها رغماً عنها،  هذا المشهد ذكرها بأصدقائها وعناقهم الجماعي بعد كل مناسبة تُقام، ولكن منذ أن تزوجت وهي لم ترَ ذلك العناق من أصدقائها مع الأسف الشديد.
مسحت دموعها، فرفع جاسم رأسه نحوها وهو لا يزال يحتضن مهرة. فمد يده لها، فعفوياً شبكت الأخرى يدها في يده، ولكن في حين غرة وجدته يجذبها نحوه في حضنه بجوار مهرة، فابتسمت برضا وغمضت جفنيها مستسلمة لذلك العناق الجماعي الدافئ.. المطمئن..
--------------------------------------
_بــارك الله لكـمـا وبــارك عليكما وجمع بينكما في خير. 
ظلت مهرة ساكنة غير مستوعبة ما يحدث حولها، لقد تزوجت!! ومن؟!! حبيب طفولتها، سهيل فارس أحلامها التي ظلت طيلة عمرها تحلم به، الآن لديها القدرة على الاعتراف بحبها له دون قيود أو خوف، الآن فقط تستطيع القول إنها زوجته وهو ملكها، إنها كانت تعد لحظة بلحظة، دقيقة بدقيقة، ساعة بساعة من أجل تلك اللحظة بالتحديد.
أخيرًا استطاع «سهيل» الهرب من المباركات الحارة التي استقبلها من أفراد العائلة وبعض الأصدقاء.
التفت نحوها يتأملها كعادته فوجدها كما تركها جالسة وسط الفتيات.
هو كان حقاً يتمنى أن يقيم لها زفافًا كبيراً يضرب به المثل، لكن للأسف جاء موعد زفافهما في الوقت الخطأ تماماً، لكن لا بأس، سيعوض كل لحظة مرت وهو بعيد عن أحضانها الدافئة.
الحلم صار حقيقياً من بعد طول انتظار.
اقترب بخطواته فاعترض جاسم طريقه بابتسامة زائفة على جانب ثغره حتى لا يلفت الأنظار إليهما، ثم أحاط به كالأسد الذي يحيط بفريسته الجديدة قائلاً باقتضاب:
_مُـبارك يا ابن عمي!! 
لم ينتظر جاسم رده، وغرز كعب حذائه في قدم سهيل فتآوة قليلاً، فتابع جاسم بنفس ابتسامته الزائفة: 
_مهرة تبقى زي عيونك دول!! 
هنا عقب سهيل بلهفة امتزجت بحبه: 
_أنتَ بتوصيني على روحي يا جاسم، دي هتبقى عيني وقلبي وكل حاجة!! 
علامات الغيرة ظهرت على قسمات وجه جاسم، فغرز هذه المرة كعب حذائه بعنف، فتأوه سهيل بشدة، ورغماً عنه رسم ابتسامة زائفة على وجهه حتى لا يلفت الأنظار إليهما: 
_ما أنت هتحطها في عينك غصب عنك بدل ما أخزوقهالك!!
أنهى جملته الأخيرة فلاحظ أنظار شقيقته نحوهما فابتسم بسرعة ابتسامة مصطنعة ثم نظر نحو سهيل وعدل له رابطة عنقه فبلع سهيل ريقه ببطء، فأكمل جاسم وهو يكز على أسنانه مع ابتسامة زائفة على ثغره: 
_ تمام، يا عسول!! 
هز رأسه بريبة ولم ينبس ببنت شفة وتحرك من جانبه نحو مهرة بخطواتٍ أقرب إلى الركض، استقبلته هي بسؤالها المباشر: 
_ هو جاسم كان بيقولك إيه؟ 
استدار برأسه نصف استدارة ظناً منه أنه لن يجده واقفاً مكانه، فاتفاجأ به واقفاً كما كان وينظر له بنظرات تكاد تخترق جسده وتفتك به، إزدرد ريقه بصعوبة وعاود يلتفت نحو زوجته مجيباً على سؤالها: 
_كان بيقول لي إنه فخور بي، وإنه مبسوط إني أكون زوج أخته الوحيدة! 
عقدت ما بين حاجبيها في شكٍ فابتسم هو بمراوغة واحتضنها فوراً، لتلف هي ذراعيها حوله بتلقائية، فهمس الآخر بدون وعي غارقاً معها في عالمه الوردي: 
_ياه يا مهرة لو تعرفي أنا كنت مستني اللحظة دي من أمتى، العمر كله وأنا مستني الحضن اللي هتكوني فيه مراتي، بحبك يا مهرة، بحبك أقسم بالله.
دفن رأسه في حنايا عنقها ورغماً عنه دمعت عينيه.. 
دموع الفرحة.. السعادة.. الرضا.. الحمد.. الغنى. 
لو كان هذا حلماً فلا يريد الاستيقاظ منه؛ لأن الاستيقاظ سيكون كابوساً بالنسبة له. 
تلك الكلمات لا تكفي في التعبير عن جزء صغير من مشاعره. 
كلمات ضعيفة لم تستطع حتى وصف جزء صغير من عشقه لها. 
هذا العشق يحتاج الكثير.. والكثير من القصائد ليصف جزءًا فقط من مشاعره. 
فحتى القصائد قد تعجز عن وصف عشقه لها. 
مشاعر سهيل ليست مجرد كلمات تدون على الأوراق أو كلمات تخرج من فمه أو أفعال تخرج منه بل أكثر من ذلك وأكثر. 
هو لو بقى عمره كله يكتب لها القصائد والشعر لم ولن يستطيع وصف جزء من عشقه حتى لو كان صغيراً! 
ضمته إليها ومع كل دمعة تسقط من عينيه كانت.. تدفئها.. تحتويها.. تحتضنها.. تضمها.. تطبطب عليها.. وأخيراً تأسرها
يا الله لو كانت تعلم أن عناقه سيكون بذلك المذاق لكانت تزوجته فوراً ولم تنتظر لحظة واحدة، عناق كهذا مستحيل مقاومته. 
على الناحية الأخرى في الحفل.. 
وقفت عين كالبلهاء مع صديقتها «إستبرق» وهي ترى أنظارها مسلطة على ابن عمها «عادل»، وما زاد ريبتها أكثر عندما وجدته يبادل النظرات مع صديقتها بدلاً من أن يصدها.
حمحمت لتجعل إستبرق تنتبه لها بارتباك مع ابتسامة باردة. 
_مقولتليش ليه رفقة مجتش معاكِ؟ ما أعني عزمتها على الفرح معاكِ؟!!
أجابتها الأخرى وهي لا تزال تبادل النظرات مع عادل: 
_آه، بتقولي إيه؟! أقصد يعني هي تعبت علشان كده مقدرتش تيجي معايا!! 
_على ما يبدو في حاجات كتير محتاجين نتكلم فيها!! 
انتبهت إستبرق لها أخيراً معلقة على حديثها: 
_آه عندك حق وكمان عايزين نتكلم في موضوع الحجاب ده! 
نبست الأخرى ببرود وهي تنظر نحو عادل بشكٍ
_موضوعي طبيعي كأي واحدة اتحجبت، أم العيب على الباقي!! 
أنهت جملتها بمغزى فهمته أستبرق فوراً، فهتفت لتوضح موقفها: 
_حيلك عليا يا عين، متفهميش غلط، أنا وعادل بنحب بعض وهو جه واتقدم لي هو وأمه وبإذن الله فرحنا هيكون بعد فرح حسام!! 
ألجمتها الصدمة وهي لا تعرف ماذا تقول في تلك المواقف، وخاصة وهي تعرف بمرض استبرق الخبيث،  هزت رأسها محاولة الاستيعاب فقالت بتوتر: 
_أنتِ وعادل، عادل وأنتِ، بس يعني!! 
قالت جملتها الأخيرة بخفوت ولم تسمعها إستبرق، فازدردت ريقها ببطء وهتفت وهي تهرب من أمامها:
_لحظة واحدة بس، هروح أطمن على مهرة وأرجع لك، ما تمشيش من هنا، ماشي!!
أنهت جملتها وسارت بخطى سريعة أقرب إلى الركض، فطالعتها استبرق باستغراب ثم هزت منكبيها باللامبالاة وعاودت تلتفت نحو حبيبها الذي لم يغفل عن عينيها منذ بداية الحفلة.
--------------------------------------
_تسمح لي يا عادل نتكلم في البلكونة بعيداً عن الدوشة؟!
قال جاسم جملته الأخيرة بجمود، فهز عادل رأسه إيجاباً وسار معه نحو النافذة ودخلا كلاهما إلى الداخل.
وقف عادل مقابله منتظراً ابن عمه يتحدث، فتفاجأ بلكمة على وجهه تطيح به بعيداً حتى نزف من أنفه.
طالعه جاسم ببرود ثم دس يديه في جيبي بنطاله وقال ببرود ممزوج بالقوة:
_دي علشان متصدقش أي حد يقولك تعال، تيجي!
اعتدل عادل له وصاح به بضيق محاولاً تضميد أنفه:
_أنت مجنون يا بنى آدم أنت!"
ولم يكد ينهي جملته حتى وجد لكمة أقوى من الأخرى على وجهه تطيح به جانباً، فهنا تكلم جاسم ببساطة كأنه لم يفعل شيئاً منذ ثوانٍ:
_ودي بصراحة علشان مراتي قالت لي أعمل كده!!
ظهرت عين من خلف ظهر جاسم، فطالعها عادل مصدوماً ثم صاح بهما وهو يحاول التحكم في النزيف الذي في أنفه:
_إنتوا شكلكم عالم مجنونة!!
اقترب جاسم منه بجسده العريض فبلع الآخر ريقه مغيراً حديثه بخوف:
_أقصد يعني عالم فاضية!!
تكلمت عين تلك المرة بجدية فاستمع لها الآخر رغماً عنه خوفاً من زوجها:
_أنت بتحب إستبرق فعلاً؟!!
_إيه السؤال الغريب، طب قولي إيه الحاجة اللي لسه محبتهاش في إستبرق!!!
مطت شفتيها بغيظ من كلماته، فنكزه جاسم في كتفه بقوة مغمغماً بسخط: 
_ما تجاوب عدل بقى وكفاية قلة أدب!! 
تحسس موضع النكزة بأصبعه بألم ثم هتف بضيق مجيباً على سؤالها: 
_أيوة بحبها يا ستي. 
_طب أنت تعرف... 
لم تستطع هي إكمال جملتها فأكمل عادل بدلاً عنها: 
_عارف بمرضها، وبإذن الله هتتعالج، وهنكمل مع بعض للنهاية. 
ابتسمت هي برضا وشعرت بمشاعر عادل الحقيقية تجاه صديقتها، وكادت أن تشكره، لكنها تفاجأت بجاسم يدفعه من الأعلى وهو يقول ببرود غريب: 
_ما بلاش لماضة بقى!! 
سقط جسد عادل من فوق النافذة أمام ناظريها، فصرخت بذعر: 
_دا مات؟!!!! 
تقدم منها مبتسماً وجذبها من ذراعها معه إلى الخارج وهو يتمتم: 
_تخفيف إحمال للأبطال عاملينه أنا والكاتبة!!! 
_إيــه!!
_ولا حـاجة!!
أصيب «عادل» إصابات طفيفة في ذراعه، فالمسافة بين النافذة والأرض صغيرة ولا تؤدي إلى الموت، جز عادل على أسنانه غيظاً وهو لا يزال ممدداً على الأرض، صارخاً : 
_يولاد..!! 
--------------------------------------
ودعت مهرة جميع أفراد العائلة بعدما أخبرها «سهيل» بقضاء شهر العسل في شاليه يطل على البحر. دلف كلاهما إلى الغرفة فتفحصت الغرفة بعينيها، فراش كبير يتسع لفردين بالإضافة إلى أريكة صغيرة موضوعة جانباً، ونافذة تطل على البحر كما وعدها. لاحظ ابتسامتها فقال وهو يضع بعض الأغراض التي أحضرها من حقيبة السيارة على الفراش: 
_عجبتك؟! 
_أنت عمرك ما عملت حاجة ومعجبتنيش
أنهت جملتها بخجل بالإضافة إلى احمرار وجنتيها، أما هو فقد تسارعت دقات قلبه بعد قولها، فتابعت الأخرى بخجل فشلت في إخفائه:
_كنت صديقي وابن عمي، لكن جوزي مكنتش متوقعة بصراحة!
اقترب منها وأحاط خصرها، وعيناه تدوران على ملامحها الرقيقة، تلتقط كل تفصيلة منها كأنه يرسمها. ولمَ لا، فهي لوحته الفنية الآن التي يخشى عليها من الخدش.
اقترب خطوة ثم أخرى، ومع كل خطوة يقترب منها تتلاشى صورته، ارتجف جسدها من الرعب، مرت بعض المشاهد أمام عينيها لتعذبها.. لتقتلها.. تطعنها!!
يداه القاسيتان..
وجهه المتوحش..
لمساته القذرة التي لا تزال عالقة بجسدها،
صراخها.. استغاثتها،
ذبحها في شرفها..
دفنها حية..
توسلاتها له..
الوحش جاء.. الوحش تذكرها
الوحش لا يزال يطارد عقلها
شرفها..!!
_لا، لا، لا، كفاية، كفاية، لا، لا، لا، لا!! 
انطلقت صرخة مكتومة من بين شفتيها، وجسدها يرتجف بين ذراعي "سهيل"، ودموعها تتساقط على وجهها.
تراجع سهيل مصدوماً من رد فعلها، وهز جسدها بشكل عفوي وهو يحاول إخراجها من تلك الحالة الهستيرية التي أصابتها فجأةً
_مهرة.. مهرة، أنتِ بخير؟؟؟ 
وبعد عدة دقائق، توقفت عن الصراخ ورفعت عينيها المليئتين بالدموع نحوه، متمتمة بحسرة مختلطة ببكائها الحاد: 
_أنا افتكرت كل حاجة، أنا افتكرت!!
يتبع..
--------------------------------------
متنسوش تضغطو على الفوت يا سكاكر💘🥰🥰

الفصل ده عبارة عن فتحة بوابة كبيرة أوي فيها صدمات ممكن البعض هيكون ضد إللي بيحصل بس زي ما كل كاتبة بتقول اسمها حبكة😔🥰

تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن