الخامس والثلاثون«انتحرت مهرة»

1.2K 58 13
                                    

_هقتلك وأخلص منك للأبد..!!
لقد أصبح أعمى بغضبه
لا يرى ولا يبرر..
فقط يريد أن يدمر
هنا خرجت صرخة عين من خارج الغرفة:
_جاسم أفتح الباب، دي أختك!!!
لم يستجب لها واستمر في ضرب شقيقته..
هو فقط يريد الآن أن يتخلص من هذا" العار "
من هذه الخطيئة للأبد..!
زفر سهيل بضيق ولم يمهل نفسه وقتاً للتفكير، لذا تراجع عدة خطوات للخلف واندفع بقوة رهيبة نحو الباب ليرتطم به بجسده محاولاً تحطيمه..
تحطم الباب ودخل وخلفه «عين» التي ركضت نحو مهرة الراقدة أرضاً كالأموات تماماً
صاح بهما جاسم وهو مازال أعمى بغضبه الحارق
إذا لزم الأمر سيحرق الجميع بغضبه..
لن يرحم أحداً من تحته حتى إذا كان قريباً منه!
المهم أن ينهي كل هذا.. إن ينهي على هذا العار للأبد!!!
_اطلـعـوا بــرا..
تجاهلت عين قوله الأخير وضمت مهرة داخل أحضانها محاولة اطمئنانها، لم يستطع سهيل رؤية حبيبته عمره بهذا الشكل..
بهذا الضعف..
بهذا الظلام الذي يحيطها على عكس عادتها
دائماً كان يوجد هالة من النور تحيطها
كأنها مـلاك..
لوهلة أراد أن ينقض على الجاسم وأخذ حقها منه ولكنه يعلم جيداً أنه مجرد شخص غريب بينهما ليس له دخل بـمَ يحدث
بكت الأخرى بمرارة داخل أحضان عين، تفحصها جاسم باشمئزاز مغمغماً بألم ينهش بصدره:
_بتبكي؟!!! بعد اللي عملتيه مفيش دمعة تكفي ترجع زمان زي ما كان!!
لم يكذب أنه يتعذب بداخله؛ بسبب ضربه لها
ولكن لم يستطع أن يتحكم بغضبه برجولته التي تجذبه أن يفعل هذا
لم يتوقع أبداً أن شقيقته تكون نهايتها هكذا
مجرد نفايا رجل آخر أغواها بالزواج والحياة المختلفة التي لم تراها أبداً
وهي مثل البلهاء صدقته وركضت خلفه
وغرقت معه في وحل المعاصي
في وحل لا أحد يستطيع أن يخرج منه
للأسف حلل هو الفيديو الذي رآه –من وجهة نظره– ولم يتوقع أبداً أنها مجرد فخ تم إيقاع شقيقته به 
فالفيديو به تعديلات تجعله يوقن إن كل ما حدث بإرادتها هي وليس رغماً عنها أبداً
طالعها نظرة طويلة أخيرة تعبر عن الكثير من المعاني الغضب.. التعاطف.. القسوة.. الخزى..ثم تركهما وخرج من الغرفة بغضب يحرقه من الداخل والخارج وخلفه سهيل الذي مازال مصدوماً.
تابعتهما «عين» بأنظارها حتى خرجوا كلاهما ثم أبعدت مهرة من أحضانها برفق سائلة إياها بخوف شديد:
_عملتي إيه يا مهرة؟! فهميني؟
سردت مهرة كل ما حدث لها في تلك الليلة –وبالطبع– مع دموعها المنهارة ولم تتوقف عن البكاء إلا عندما أوقفتها عين بقولها القوي:
_متبقيش عبيطة يا مهرة اللي حصلك كان مخطط له يعني أنت كنتِ ضحية لكل اللي حصل، وحقك هيتجاب من أصغر واحد لأكبر واحد، أنتِ بدل ما تبكي دلوقتي تفكري معاية تجيبي حقك إزاي؟! إزاي تخلي الحقير اللي عمل كدا ميعملش في بنت كدا تاني، أنتِ أكيد مش البنت الأولى والا الأخيرة أنا واثقة من كدا في ضحايا كتير زيك بس مبيتكلموش خايفين زيك بالظبط، فاكرين أنهم ليهم ذنب، فاكرين أنهم مشتركين في اللي حصل، وهما يعيني مجرد ضحاياه فوقي يا مهرة كلام الناس مش هينفعك لما يضيع حقك.
أنهت عين حديثها بقوة امتزجت بصرامتها
حديثها كان يعبر عن شجاعة شخصيتها
عن عدم خوفها أبداً من المخاطر..
وهذا يعكس بيئتها التي عاشت نصف حياتها فيها هناك اعتادت أن تقف في وجه المخاطر حتى إذا وقعت لا يهم تقف مرة أخرى وتواجه بقوة أقوى،
والدها علمها هذا ولم تنسى فضله عليها أبداً.
كفكفت دموعها براحة يديها ثم استجمعت قوتها مرة أخرى محاولة مساعدة عين في إيجاد ذلك الذئب:
_أنا عايزة حقي يا عين عايزاه يتعذب زي ما اتعذبت بالظبط بس مش عايزة أخويا يتأذى، عايزة حقي بالقانون
طالعتها بصرامة يشوبها الحنان لتردف بحنو بالغ وهي تربت على ظهرها:
_حقك هيجي كله بالقانون! بس أحنا لازم نتحرك من هنا قبل ما جاسم يجي
_مش فاهمة؟!
سألتها بحيرة امتزجت بارتباكها فابتسمت عين بمراوغة –كعادتها– مجيبة إياها:
_هنلعب مع جاسم شوية انتقاماً على اللي عمله فيكِ وكمان عشان مسمعلكيش، قومي يلا اغسلي وشك والبسي أوام علشان هنخرج من الباب اللي وراء.
أخذت من الضلفة ثوباً أبيض واسعاً ولجت للمراحاض المرافق لغرفتها وأغلقت الباب، أخرجت عين هاتفها ووضعته على أذنها منتظرة إجابة الطرف الثاني..
ليأتيها رده السريع:
_ألو يا «عين» أخبارك إيه يابت في حياة المتجوزين؟
وقفت بجوار النافذة ونظرت حولها بريبة ثم أجابتها بخفوت:
_تمام، بقولك يا سعاد قولي لأبويا يقعد عند بشير كام يوم كدا علشان معاية ضيوف وكدا!
لوت سعاد فمها في سخرية من جملتها هاتفة:
_أبوكِ من يوم ما عرف بشير وأحنا أصلاً مش بنشوفه غير صدفة ياختي. 
زفرت بضيق لا تعلم متى يتوقف والدها عن تلك الأفعال ترك المنزل، والسهر عند بشير الشخص الذي لم يرتاح قلبها له أبداً على الرغم من الظروف التي تجمعهم معاً، فقالت بقلة حيلة:
_خلاص يا سعاد نضفي الشقة بس ومتسبيش أي حاجة تبع أبويا فهماني؟
_فهمت يا ضنايا.
--------------------------------------
_مهرة عملت كدا!!!
مازال مصدوماً لا يصدق حديث ابن عمه لو كان سمع هذا الحديث من أحد آخر لقال إنه يكذب
ولكن جاسم مستحيل أن يكذب.
مهرة حبيبته أخطأت كيف هذا؟!!!!
كان يصفها بالملاك الصغير..
إنها ملاك.. والمـلاك لا يخطئ أبداً
حبيبته لم تتلوث.. حبيبته كما هي طاهرة لن يمسها رجل
ليسخر عقله منه ويخبره إنه غبي.. بل أكبر غبي بالعالم..
لتلك الدرجة حبه جعله أعمى ولا يرى وجهها الأخر
وجهها الأخر الذي خانته به مع رجل آخر..
وهل كان بينهم شيء بالأساس كي يقول إنها خائنة؟!
ليزيد عقله المواجع عليه أكثر..
حتى أنها لم تحبك.. رفضت حبك فور اعترافك لها
لن تجيب وهذا يعني أنها رفضتك.. واختارت الرجل الآخر عنك
يجب أن يعترف بذلك ويكفي هروب من الحقيقة
أنها أخطأت ولا مفر لذلك..
والآن يجب أن يتوقف عن اتباع قلبه السخيف هذا واتباعه هو
اتباع عقله!!
_سهيل أنت معاية؟؟
نادى جاسم على اسمه العديد من المرات ولكن الآخر كان غائباً عن الوعي ليفوق أخيراً عندما هزه جاسم
_أنا عايز أروح الحمام.
نطق جملته باندفاع فأوما جاسم باستسلام وأشار له بأصبعه نحو المرحاض..
وقف أمام المرأة ليرى صورته بها
ماذا فعل هذا الشاب بها حتى جعلها تغرم به لتلك الدرجة؟!!
لقد أحبها.. وواثق تماماً إن حبه صادق عن عكس ذاك الشاب الذي لعب بمشاعرها
أحبها إلى حد الجنون..
مُتيم بحبها.. لدرجة إنه لا ينام إلا وصورتها في حضنه
أصبح مهووساً بها..
نعم لدرجة المرض..!!
نظر إلى المرأة لتتلاشى صورته وتظهر صورتها فيها.. تحولت نظراته للحدة أكثر وهو يجدها أمامه
عقله لا يتوقف عن تخيل ما حدث بينها وبين الشاب..
يشعر بالغضب.. بل ببراكين بداخله تريد أن تنفجر
ضرب بقبضة يده المتكورة المرآة بقوة فتحطمت على الفور إلى أجزاء صغيرة،
ثم نظر مجدداً إلى انعكاس صورته المشوهة عليها..
ولم يهتم بالدماء الغزيرة التي تسيل من يده المصابة من قطع الزجاج، وبكى بمرارة ووضع يده الملطخة –بدمائه الدفيئة– على فمه يكتم شهقاته..وآلمه الذي لا يقارن بشيء
مهرة..الصغيرة..الملاك..تفعل به كل هذا 
ياويـل من قهـر النـسـاء.. ياويـل..
خرج من المرحاض بشموخ وملامحه ونظراته تحولت للحدة تدريجياً..وعيناه يتطاير منها الشرار
ويده مازالت تنزف بغزارة ولكنه لم يبالي وأكمل في سيره نحو غرفة مهرة
سوف يواجهها..
سوف يخبرها لماذا فعلت به هكذا..
سوف يخرج كل ما داخله..
استمع جاسم إلى خطوات كعب رجولي تقترب من غرفة شقيقته فاستدار برأسه وعلم إنه سهيل فهب واقفاً ولحق به بسرعة، وهنا كانت الصدمة لهما هما الإثنين كانت الغرفة خالية..
--------------------------------------
أجلستها «عين» على أحد المقاعد في موقف السيارات محاولة إخراجها من اكتئابها الحاد:
_أنتِ مجرد ضحية مالكيش ذنب في حاجة صدقيني.
ربت على كتفها بحنوٍ مردفه:
_هاروح أجيب حاجة نشربها خليكِ هنا لحد ما الأتوبيس يجي.
تركتها عين وفي ذات الوقت جلسا امرأتي كبار السن بجانبها، نطقت المرأة الأولى سائلة الثانية باستفسار:
_ها هتجوزي أبنك للبنت إياها؟
ظهر على وجه المرأة الثانية الضيق لترد عليها بسخط:
_اتجوز مين ياختي لابني أنت مسمعتيش اللي حصل للبنت ديه؟؟
_إيه؟؟
قالت المرأة الأولى مستسفرة فأجابتها الثانية بلهفة:
_البنت بيقولوا اتخطفت واللي خطفها عاملها حاجة، أروح أنا أضيع ابني واجوزها ليه!!
زمت الأولى شفتيها محاولة التبرير:
_اتخطفت من هي وصغيرة وحتى لو عاملها حاجة تعتبر ضحية ياختي!!
_بقولك يالا ياختي الأتوبيس جه بتاعنا وفضي السيرة بقى.
نهض كلتيهما وتركوا المكان ولكن لم ينتبهوا أن كان أحدهما يتابع حديثهما ويبكي بمرارة على كل كلمة
ضحية!!!!
مجرد ضحية!!!
ما هذا الكلام الفارغ
تواسي نفسها بكلمة ليس لها معنى في واقعنا في عالمنا...
لقد تلطخت بالوحل وأصبحت ملوثة الآن.. لا مفر من ذلك
كلمة ضحية لن تعيدها كما كانت أمام الناس ولن تصلح شيئاً
ستنسى الناس أنها ضحية..
ستتلاشى هذه الكلمة مع مرور الوقت
وستبقى –هي– المذنبة في النهاية
الموت..نعم هذا الحل الوحيد لكل ما حدث لها
كيف لم تفكر به قبل؟!!!
سوف تنتظره يخلصها من الجحيم التي فيه
ولمَ تنتظره فتذهب إليه..
إلى متى ستنتظر هي..!!
هنا لمعت عينيها ورفعت أنظارها نحو الطريق الرئيسي للسيارات..
على الناحية الأخرى وقفت «عين» تجيب على  جاسم في الهاتف:
_انتوا فين؟؟
_تفرق معاك؟؟!
أنهت جملتها ببرود فصرخ عليها عبر الهاتف بعصبية قوية:
_انتوا فيــن؟!
لم تحتمل أكثر وانفجرت به بعصبية مماثلة لعصبيته:
_أحنا فين!! ما هو لو أنت كنت مهتم بالأول مكنتش سألت السؤال دا يا جاسم، للدرجادي بقيت ترفع ايدك على أختك الصغيرة من قبل ما تتأكد حتى هي بريئة والا مش برئية..
جز على أسنانه محاولاً تمالك أعصابه ليردف:
_أنتِ فاكرة أني خدت الفيديو وعلطول طلعت على مهرة، لا يا هانم أنا أتأكدت من الفيديو وطلع صح، مهرة واحد عشمها بالجواز وبعدها عمل عملته السودة فيها.
زفرت بضيق محاولة التوضيح:
_أنا مش هنكر أن الفيديو صح ولكن اللي حصل لأختك طريقة غير اللي في عقلك أنا مش عارفة أوضحها ليك، مهرة اللي حصلها كان غصب عنها الولد دا أتهجم عليها!!
وفي ذات الوقت بدأت أبواق السيارات تصدح عالياً وبالإضافة إلى تذمرات قائدي السيارات عليها
ولكنها كانت غائبة عن الوعي تماماً مسيطرة عليها فكرة انتحارية، وقفت في منتصف الطريق وارتجفت شفتاها رعباً وهي ترى مصيرها يقترب خانتها عيناها بخطين من الدموع سالا على وجنتيها،
وفي ثواني تطاير جسدها الصغير في الهواء ثم هوى على الأرضية بقوة..
استدارت عين على أثر صراخ العامة وعلى الفور سقط منها الهاتف أرضاً وتسمرت مكانها مصدومة وهي ترى جسد مهرة على الأرضية وحولها دماؤها..
هنا صدح صوت جاسم عبر الهاتف وكأنه للحظة نسى غضبه منها وهتف بخوف عندما لم ترد عليه:
_عين أنت بخير؟! عين ردي عليا أنتِ ومهرة كويسين، صح؟!
-------------------------------------
يتبع














تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن