السادس والأربعون«سوط العذاب»

788 36 13
                                    

كومنتات كتير يا كاريزما.😾🥰
--------------------------------------
_لو أخويا حصل له حاجة، أنا مش هقدر أسامح حد، ولا أنتَ ولا عين. أنا آسفة، مش هقدر أسامح!!
ابتلع إبراهيم غصته بارتباك بعد قولها الأخير، حتى سعاد ارتبكت من كلماتها الأخيرة.
رفعت مهرة عينيها الدامعتين لهما وهتفت بنبرة قوية لأول مرة:
_أخويا هو سندي في الدنيا دي، ومن غيره أنا أوقع على طول، أخويا عمري كله ومفيش حاجة تعوض العمر!
منذ أن أخبرها إبراهيم الحقيقة كلها من بداية اتفاقه مع بشير حتى خروج عين عن خطتهما، أصابها حالة من الانهيار، وخاصة عندما علمت بما جرى لشقيقها الأكبر.. شقيقها الحبيب.. الغالي.
فأخذت سعاد نفساً طويلاً وهتفت برجاء امتزج بقلقها:
_ جاسم مش هيحصل له حاجة بإذن الله، بس علشان خاطر أخوكِ و«عين» متقوليش لحد إن إبراهيم عايش، أنتِ متعرفيش لو حد عرف هيحصل إيه! هيكون فيها دم!
رمقتها بنظرة حادة وهبت واقفة مغمغمة بجدية: 
_حكاية إني أقول أو لا، دي ترجع لأخويا، لو طلع بالسلامة مفيش لازمة إني أكلم، ولو مطلعش صدقوني محدش هيتوقع رد فعلي!! 
لوهلة، من يرى مهرة يقول إنها فتاة أخرى ليست الفتاة الضعيفة مقطوعة الجناحين التي تحتاج لأحد يقف في ظهرها.. 
بل تلك الفتاة كانت مختلفة تماماً عنها، فتاة مستعدة أن تضحي بحياتها بالكامل من أجل شقيقها! 
تلك الفتاة لديها مخالب قاسية..! 
_هو ينفع أنقل أخويا لمستشفى غيرها؟! 
رد إبراهيم عليها باستهزاء يناسب قوله: 
_لا، لما العملية تخلص ساعتها تقدري تنقليه المريخ لو عايزة! 
وفي ذات اللحظة خرج الطبيب من الغرفة بابتسامة مبشرة هاتفاً: 
_العملية نجحت، تقدروا تشوفوه بعد 24 ساعة.
--------------------------------------
اندفع نحو الغرفة التي بها ابنته، فالتفتت له بعينيها المدمعتين، فابتسم بتوسعٍ وصاح بابتهاج: 
جاسم، جاسم بخير يا عين. 
لم يكمل جملته الأخيرة، وبكت ابنته، عيناها أصبحتا كالفيضان
كانت دموع الفرح.. السعادة.. الشكر. 
جاسم بخير.. جاسم سيكون معها للأبد، 
زوجها.. حبيبها سيكون بجوارها كما حلمت دوماً. 
رآها والدها هكذا فابتسم برضا وشعر بقلبه يرفرف من السعادة، رؤية ابنته هكذا جعلته في قمة سعادته.
كان يظن دوماً أن السعادة تكمن في المال والثروة، 
ولكن كان هذا في الماضي. 
الآن هو متأكد أن السعادة الحقيقية في رؤية من نحب سعيداً في حياته.
ضمها والدها إليه بدفء امتزج بالحنان، فشعرت هي بكل تلك المشاعر التي لمستها من الداخل حرفياً، رفعت يديها إلى السماء وهي لا تزال في عناقه الدافئ، وتمتمت ودموعها تتساقط كالشلال
_ لك الحمد والشكر يا رب، لك الحمد والشكر يا رب العالمين. 
ضمها إليه أكثر وطبع قبلة طويلة على جبهتها وهو يحمد ربه سراً، فهمست ابنته بابتسامة نبعت من أعماق قلبها: 
_ أنا هشوفه، هشوفه، بس أنا لازم أعمل حاجة الأول!!
--------------------------------------
فتح عينيه إلى حد ما ثم أغلقهما مرة أخرى محاولاً تجنب الإضاءة التي تزعجهما، صوت ما اخترق آذانه تعرف عليه سريعاً..
إنها عين.. زوجته الحبيبة.
حمد ربه سراً وهو يراها أمامه، لقد ظن أنه لن يراها مرة أخرى، ولكن على ما يبدو أن القدر وقف في صفه تلك المرة.
مع أنه لم يمر الكثير من الوقت ولكنه اشتاق إليها كثيراً.. كثيراً..
اشتاق إلى رائحتها.. حضنها الدافئ..ابتسامتها التي طالما امتلكته..وأخيراً عينيها التي على ما يبدو أن البكاء أرهقهما كثيراً، إنه آسف من أجلهما.. آسف كثيراً.
على الرغم من أنه لم ينطق بآسفه، إلا أنها قرأته في عينيه..عينيه التي طالما ضمتها..حضنتها. 
دقق النظر فيها أكثر فتفاجأ بوشاح يخفي خصلات شعرها تحته...
هل يعقل.. عين ارتدت الحجاب! 
نعم، كانت تفكر في ارتدائه في الأيام الأخيرة، ولكن لم يظن أنها سترتديه في ذلك اليوم بالتحديد! 
جميلة.. جميلة إلى حد الفتنة به! 
كلمة جميلة هنا قليلة على وصفها.. قليلة جداً جداً! 
لا يعرف إذا كان هناك شخص آخر يراها بهذه الطريقة، أم أن عينيه المعجبتين بها تريانها بهذه الصورة فقط.
هل هو أول شخص يراها بالحجاب، أم أن هناك من قبله قد رآها؟
وكأنها قرأت سؤاله في عينيه العاشقتين لها، فأجابته والدمع يتردد في عينيها: 
_أنتَ أول واحد يشوفني بالحجاب يا جاسم، وهتكون الأول دائماً في حياتي! 
دمعت عيناه لوهلة بعد قولها الأخير، لأنه فخور بها كثيراً، كثيراً، كثيراً. 
إنها الشيء الوحيد في حياته الذي يستحق أن يفتخر به دوماً! 
إذا سُئل عن إنجازاته، ستكون هي إنجازاته كلها.. كلها.. 
وفي ثوانٍ تذكر ذلك الحلم.. الحلم الذي سيبقى يتذكره طوال عمره، فابتسم ابتسامة هادئة ناسبت قوله:
_شوفت حلم جميل قوي قوي، لو كنت عارف إني هشوفه، كنت عملت الحادثة دي من زمان!!
ولمَ لا يتذكره وهو رأى فيه والدته الحبيبة.. العزيزة.. الغالية.. الحسناء..الحبيبة!
حمحم إبراهيم ليقاطع هذا الجو الرومانسي بين ابنته وزوجها، لينتبه جاسم له في إحراج، فهو نسى أن الجميع موجود هنا وركز على زوجته فقط، ليقول بتلعثم ممزوج بارتباكه محاولاً إخفاء حرجه:
_أوه، آسف، كنت مع حبيبتي، أقصد يعني، أنت كنت بتقول إيه؟!
كتمت عين ضحكتها بصعوبة ليهتف إبراهيم بغيظ:
_أنا مكنتش بقول حاجة، بس عموماً ألف سلامة! لكزته سعاد في جنبه وهي تغمز له فتأفف بضيق وأردف:
_وشكراً لإنقاذك حياتي يا جاسم!
هز «جاسم» رأسه بتفهم ثم هتف ليغير الموضوع سريعاً:
_أنا جيت هنا إزاي؟!
كاد أن يجيبه إبراهيم فقاطع حسام عبارته بحسن نية:
_أنا وأمي كنا بنتغدى فسمعنا صوت صويت!
مط إبراهيم شفتيه في ضيق وهتف باستنكار:
_صويت!!!
التفت حسام له ببرود ثم عاود ينظر نحو جاسم متابعاً:
_ودا كان صويت عم إبراهيم، فطلعنا ولقيناك ميت في حضنه!
رمقه جاسم بضيق ثم هتف باستنكار: 
_ميت؟!! 
أكمل حسام بغباء: 
_أيوة والله ميت يعني أنا أعمى! 
كتمت عين ضحكتها فهتف جاسم باستياء
_طب شكراً يا سيدي! 
ثم حول نظره نحو سعاد قائلاً بابتسامة بشوشة: 
_أنتِ أكيد بقى الحجة سعاد؟! 
تجهمت ملامحها بعد قوله ثم هتفت باستنكار: 
_حجة!! قولي طنط!
عقد ما بين حاجبيه باستغراب، ثم التفت نحو زوجته لتُهز هي كتفيها باستسلام محاولة كتم ضحكاتها فعاود ينظر نحو سعاد مردفاً ببراءة كالأطفال: 
_حاضر يا حجة!! 
تأففت بضيق وأشاحت بوجهها عنه مغمغمة
_أنا هامشي علشان إستبرق، متقلقش أكتر.
خرجت من الغرفة سريعًا قبل أن تنقض على ذاك الشخص المستفز، يكفيها ابنها وجاء هذا الحقير ليزيد الطين بلة أكثر.
استغفرت ربها سراً محاولة تمالك أعصابها ومضت في طريقها إلى الخارج.
ودعهما حسام بابتسامة بشوشة وخرج خلف والدته كي يلحق بها،
فبقى في الغرفة إبراهيم واقفاً ينظر إلى ابنته نظرات الوداع الأخير!
النظرات النهائية.. النظرات الأخيرة كما يقولون.
تنفس بعمق بعدما اطمأن على ابنته ثم خرج وتركها هي وزوجها معاً.
نظرت هي في أثره بحزن شديد فلاحظ جاسم ذلك على ملامحها الباهتة، فوضع كفه على كفها يحتضنه بحب جارف: 
_في كلام كتير عايز أقولك عليه بس مش دلوقتي على انفراد في بيتنا!" 
ألقى جملته بمرواغة كعادته وهو يغمز لها بطرف عينه فابتسمت هي رغماً عنها مقدرة مجهودَه في تخفيف حزنها على والدها، فأكمل هو وينظر نحو الباب الذي خرج والدها منه للتو:
_على فكرة لو كان أبويا، مكنتش ضيعت الفرصة إنه يمشي من غير ما أقوله على كل إللي جوايا، مكنتش ضيعت إني أحضنه، أوضح له زعلي منه، يمكن فرصتي لسه مجتتش، بس أنتِ الفرصة جت ليكِ لحد عندك!!
أنهى جملته بمغزى فهمته هي فوراً، فاحتضن كفها أكثر كدعم صريح منه لها، مردداً بتشجيع: 
_يلا مستنية إيه؟! يلا روحي له!! 
ابتسمت من بين دموعها السائرة، فرفع إبهامه ومسحها مع ابتسامة رقيقة خطفت روحها وقلبها معاً. 
ركضت سريعاً خلف والدها لتلحق به، فوقفت تأخذ أنفاسها ونادت عليه فوراً: 
_بابا استنى!!
توقف والدها في سيره واستدار بجسده مستمعاً لها: 
_هترجع لي، صح؟! 
ابتسم ابتسامة حانية وغمغم وقلبه لا يتوقف عن الخفقان: 
_لو عايزاني أرجع هرجع!! 
لم ينهي جملته بعد، وركضت نحوه تقفز بين أحضانه فضمها إليه ورفعها من الأرض ليدور بها كما كانت طفلة تماماً، فتشبثت هي في عنقه وهمست بجوار أذنه برجاء: 
_خليك يا بابا ماتمشيش، خليك معايا، خلي الكل يعرف الحقيقة زي مهرة! 
توقف عن الدوران وأنزلها ثم نظر نحو عينيها مباشرة وحضن رأسها بين كفيه هامساً
_البُعد راحة، صدقيني، البُعد عن الناس ديه فيه كل الراحة وأنتِ مش هتفهمي الكلام ده دلوقتي، خليني بعيد أحسن، علشان خاطري.
فانحنى قليلاً وأسند جبهته على جبهتها هامساً بنبرة حانية:
_أنا هكون جنبك في أي وقت أنتِ محتاجاني فيه!
--------------------------------------
جلست على المقعد الخارجي للمشفى، وكل ثانية ترمق هاتفها بنظرات مصدومة، هي لم تطمئن على أخيها ليس بعد.
كانت ستذهب إليه، ولكن جاء هذا الاتصال الفظيع من زوجة عمها «إحسان» وأخبرتها بقتل زوجة عمها لواحظ ليلة أمس.
كان القاتل رجلًا يُدعى بشير، كان يعمل لديهم منذ زمن ثم اختفى فجأة حتى ظنوا إنه توفي، لكن ظهر من العدم وقتل زوجة عمها.
وبالتأكيد هي لم تغفل عن معلوماته، فهي مثلما قال لها إبراهيم عن الشخص الذي أصاب شقيقها الأكبر: رجل محامي كان يعمل لدى والدها، وحسناء أخبرتها بذلك أيضاً، و يُدعى بشير!
إذن قاتل زوجة عمها هو نفسه من أصاب شقيقها بطلق ناري. 
ولكن لماذا فعل ذلك؟! 
إذا كان يريد المال حقاً من والدها أو من جاسم، فما دخل زوجة عمها في ذلك؟!! 
بالتأكيد هناك سبب آخر دفعه لقتلها، وهي ستعرفه قريباً! 
ولكن أولاً عليها أن تذهب إلى أخيها وتطمئن عليه وتخبره بما جرى؛ لأنهم سيقومون اليوم بدفن جثة زوجة عمها. 
لجت إلى الغرفة فوجدته ممددًا على الفراش، فاقتربت منه تتحسس وجهه بأناملها ودموعها تتساقط كالأطفال، ففتح ذراعيه لها فـ قفزت في عناقه وكأنها منتظرة إشارته فقط لتفعل ذلك، ضمها إليه بدفء، وبعد ثوانٍ شعر بألم فتأوه رغماً عنه، فابتعدت عنه سريعًا بقلق: 
_أنا آسفة، مكنتش أقصد، أنتَ بخير، صح؟! 
ابتسم بتوسعٍ وحضن كفها بحنان خاص به هو فقط: 
_أنا كويس متخافيش، بس بلاش أحضان علشان بموت والله!!
ابتسمت على الرغم من حزنها في الداخل، فبلعت ريقها بعدما قررت أن تلقي بقنبلتها تدريجياً: 
_جاسم، هو أنتَ عرفت الشخص إللي عمل فيك كدا وإيه علاقته بـ عين وأبوها؟!
وضع إصبعه على شفتيها قبل أن تكمل، فاكتفت بصمتها، فهتف وكأن قلبه هو الذي يتكلم في تلك اللحظة وليس هو: 
_ده الماضي، أنا ليا ماضي، أنتِ ليكِ ماضي، عين ليها ماضي، وهل ده يعني إننا نبعد عن بعض!! متنسيش أن كل بني آدم خطَّاء، كلنا خطاؤون، لكن المهم نصلح  أخطاءنا قبل فوات الأوان، وعين بتصلح، وواجبي إني أوقف في ضهرها حتى آخر نفس، الماضي بتاعها وحاضرها بتاعي أنا.
دمعت عيناها تأثراً بكلماته الدافئة، في حياتها لم تجد حباً كهذا.. حباً تمنت لو تعيشه مع فتى أحلامها، ولكن مهما حصل هي لن تحصل على ذاك الحب أبداً، فهذا الحب خاص لشقيقها فقط ولن تجد أحداً مثله أبداً.. 
هذا الحب استثنائي! 
_عين محظوظة بيك أوي!! 
هز رأسه نفياً لكلماتها
_تؤتؤتؤ بل أنا اللي محظوظ بيها. 
ابتسمت ابتسامة شاحبة على جملته ثم قالت قبل أن تلقي بقنبلتها الأخيرة: 
_جاسم هقولك حاجة بس أوعدني بالله عليك إنك بعد ما تعرف ما تمشيش من المستشفى أبداً! 
اعتدل من فوق الفراش ورمقها بذعر ليصيح بها: 
_في إيه يا مهرة، انطقي!! 
نزلت دموعها تدريجياً وهتفت بريبة: 
_ أوعدني الأول! 
_ أوعدك إني مش هامشي، ارتحتي!! 
أنهى جملته بصيحة غاضبة، فهو لم يكن وعداً حقيقياً لها، ولكنها كانت بضعة كلمات بسيطة لجعلها تتكلم وتخرج من صمتها المرعب نسبياً، فأخذت نفساً عميقاً وألقت بقنبلتها الأخيرة: 
_ مرات عمي لواحظ اتقتلت وإللي قتلها يبقى «بشير» هو نفسه إللي ضربك بالمسدس، وحالياً اتقبض عليه!! 
احتلته الصدمة للحظات واكتفى باستماعها، فأكملت الأخرى ببكاء مرير: 
_ النهاردة هتدفن العمة لواحظ يا جاسم!!
وفي ذات اللحظة استمعا كلاهما لصوت تحطم شيء فالتفتا تجاه الصوت..
لقد سقط كأس المياه من بين يديها بعدما استمعت إلى حديث مهرة الأخير، بلع جاسم غصته ثم همس باسمها بارتباك: 
_عـيـن!!!! 
نظرت إليه بعينين زائغتين والدمع الكثيف انسال على وجهها. 
ضحية أخرى بسبب طمعها، حبها في المال، جبروتها التي لا تدري من أين أتت به في ذلك الوقت..
الأول كان زوجها ونجا، والثانية كانت لواحظ ولكنها لم تنجو للأسف! 
هي السبب في كل ما حدث وسيحدث، هي التي اتفقت مع بشير من البداية على المال، هي التي شاركته في أخطائه! 
شاركتْه دون أن تهتم بعدد الضحايا، هي انسحبت في نصف خطتهما، لكنها مع الأسف الشديد انسحبت بعد فوات الأوان!
ونتيجة لذلك، أصيب زوجها وماتت لواحظ المرأة البريئة التي ليس لها دخل في كل ما حدث هي وبناتها..
ما ذنب مرام وهند ليعيشا بدون والدتهما؟ وبالأخص مرام، فهي أشد تعلقاً بوالدتها، والآن هي أصبحت يتيمة..
بسببها هي، بسبب طمعها في المال، طمعها ذاك لم يقضي عليها هي فقط، بل قضى على كل الأبرياء!
مرام المسكينة ستعيش ما عاشته –هي– في طفولتها.
يالله!! إنها دمرت عائلة كاملة.. مرام وهند كانت أمهما هي سندهما في الدنيا. 
تراجعت بضع خطوات للخلف، وتساقطت دموعها الكثيفة متمتمة بنوبة هستيرية أصابتها: 
_أنا اللي قتلتها.. أنا اللي قتلتها.. أنا زيه أنا زيه.. أنا مجرمة!!!!! 
وكأن «جاسم» سمعها في تلك اللحظة، فنهض واقفاً بصعوبة مقاوماً آلامه، لكن سرعان ما تعثرت قدماه ببعضهما فسقط على الأرض، فركضت شقيقته نحوه تحاول مساعدته، فهتف وهو ينظر نحو زوجته وقلبه يكاد ينفطر حزناً عليها:
_أنتِ مالكيش ذنب، هو اللي قتلها مش أنتِ، هو مش أنتِ، المجرم هو يا «عين» مش أنتِ، والله العظيم مش أنتِ، والله العظيم!!
هي لم تكن معه بل كانت في دوامة سوداء، دوامة الماضي التي ما زالت تسحبها للأسفل كي تجعلها تغرق...!
اقتحم الطاقم الطبي الغرفة بعدما استمعوا لصوت صراخ، فاتجه البعض منهم نحو «جاسم» لتضميد جرحه، واتجه الجزء الآخر نحو «عين» محاولين السيطرة عليها، فأعطتها إحداهن حقنة مهدئة لإيقافها.
انتقلت «عين» إلى الغرفة المجاورة بينما سيطر الأطباء على جرح «جاسم».
ومن قال إن الجرح في الجسد؟ إنه في قلبه، ومع الأسف الشديد ليس هناك علاج له!
هناك فقط ألم يعتصره، يكويه، يقطعه، لا أحد يشعر بذلك غيره!
ربتت مهرة على كتفه لتخفيف حزنه، وهمست:
_ متخافش، هتبقى كويسة وأنت كمان!
غمض جفنيه مستسلماً لذاك المهدئ الذي يجري في عروقه، هامساً قبل أن يغمض عينيه تماماً:
_ مرام متسبهاش لدماغها، مرام خليكِ جنبها، هي أكتر شخص متعلق بـ لواحظ.
لم ينهي جملته بعد وفقد وعيه من أثر المهدئ، فدمعت مهرة قهراً عليه وهمست:
_ اعتمد عليا يا جاسم، متخافش، أنا هكون سندك زي ما كنت سندي!
--------------------------------------
حضرت «مهرة» العزاء وأخبرت الجميع بما جرى لجاسم دون أن تأتي بسيرة بشير، فغادر زهران العزاء من أجل الاطمئنان على ابنه، وكما يقولون: "الحي أبقى من الميت". 
جثت «هند» على ركبتيها أمام القبر، دافنةً رأسها بين كفيها، انهمرت دموعها مع نحيب صامت، فرمقها غسان بمشاعر محترقة ثم أولاها ظهره حتى تبكي على راحتها. 
لقد فقدت والدتها.. لقد فقدت سندها. 
تركتها هي كي تعاقبها، فابتعدت والدتها عنها للأبد. 
كانت والدتها تترجاها كي تسامحها، واستمرت هي في قسوتها وإذلالها..
كانت والدتها تتردد على منزلها مراراً وتكراراً طالبة العفو، لكنها استمرت في جفائها..
كانت..
كانت..
ما هذا؟؟! أصبحت تتحدث عنها بصيغة الماضي! والدتها أصبحت ماضياً لها الآن؟ يا الله..
الآن لم يبقَ سوى الذكريات..!
تلك الذكريات تكويها، تحرقها من الألم، وتشعرها بتأنيب الضمير!
أين نادر.. أين زوجها.. هو دوماً يقف معها في تلك الظروف، هي تريده الآن، تحتاجه كثيراً، تحتاجه بجوارها،
هي دوماً تجده خلفها.. استدارت برأسها نصف استدارة لعلها تجد نادر يقف خلفها كالعادة، فوجدت غسان يقف خلفها ويعطيها ظهره كالجدار الذي يحميها بالضبط..
فبكت أكثر وكأن رؤيته أصابتها بسهم حاد.. بل الحقيقة المُرة مع الأسف الشديد.
غسان كان حبيب الماضي، على الرغم من تغير كل شيء: هي.. نادر.. حياتها..!
لكن غسان لا يزال يحتفظ بمشاعره الدافئة نحوها.. الوحيد الذي لم يتغير في كل هذا. وبجانبها كانت شقيقتها تجلس بنفس الوضع، بنفس الدموع، وبنفس الانهيار،
الاثنتان يجلسان الآن أمام قبر والدتهما، الثروة الحقيقية التي حصلت عليها لواحظ هي بناتها لا شيء آخر..
تحسست "مرام" شاهد القبر بأناملها ودموعها هبطت عليه.
ياليتها فقدت الذاكرة مثل مهرة.. النسيان نعمة.. نعمة كبيرة لم يدركها الإنسان بعد!
هبت واقفة فالتفت غسان نحوها، فابتسمت هي ابتسامة شاحبة وتحركت فكادت أن تتعثر فأمسكها غسان سريعاً ملاحظاً شحوب وجهها، فسألها بقلق:
- مرام، أنتِ بخير، صح؟!
لم ترد عليه وربتت على كتفه كإجابة منها، وتحركت إلى الخارج وصعدت سيارتها وانطلقت بها..
لعلها تهرب من سوط العذاب..عقلها يستمر في ذبحها ذبحاً...
نظرات ذلك الرجل لن تنساها أبداً.. صورته الأخيرة ويداه الغارقتان بدماء والدتها لم ولن تنساها حتى الممات.
انقطعت أفكارها عندما فقدت السيطرة على سيارتها، ودون سابق إنذار انحرفت السيارة على الطريق الرئيسي، وانقلبت مراراً وتكراراً!!

يتبع
--------------------------------------
متنسوش تضغطو على الفوت يا سكاكر.💗

تضرب ولا تباليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن