P/48

568 39 81
                                    

-
بنبرة غريبة ما عُهدت ولا سُمِعت من قِبل سيّاف نطقها وهو يقول " الموضوع بيني و بين اخو .. بيني و بين هذا ، ما يحتاج تدخّلكم "
قالها للشرطة قاصد فيها فيصل ، لحظات من الصمت عمّت بالمكان ، فيصل شدّ على قبضة يدّه اللي بدأت ترتجف ، ما تحمّل ان اخوه عفى عنه هالمرّة ، حسّ نفسه حقير لأبعد الحدود .. و ما يستاهل اخ بمثل سيّاف .
اصايل التزمت الصمت .. مثل ما كانت متوقعه من سيّاف انه بيسامحه ، مشت بخطواتها راجع ادراجها لولدها لكن توقّفت و ظهرها لسيّاف اللي نطق " ما سامحته و لا راح اسامحه .. بس خيّال .. خيّال لو صحى و ماشافه بيتعب اكثر " ، قالها برجفه ..
اكملت اصايل خطواتها و دموعها رطّبت نقابها و قماشه و هي تكبت بصدرها وجع لا يوصف .
اعادوا التأكد من كلام سيّاف ، اللي اصر على قراره و إعفاءه عن فيصل " قانونيًا " ، اخذوا اقواله و همّوا بالرحيل حتى اوقفهم فيصل اللي نطق ببحّة صوته المرتجف " لأ .. خذوني .. خذوني انا .. انا السبب " .
بهاللحظة " المناسبة " ظهر روّاف اللي اقترب بخطوات هادئه ، و حاوط اكتاف فيصل شادّ عليها .. سحبه من بينهم بهدوء وهو يهمس بأذنه " الطريقة الوحيدة اللي بتبرد قلب سيّاف منك هي انك تبين له ندمك . " شد على اكتاف فيصل اللي منزل رأسه و يسمع كلمات روّاف يمشي بجانبه وده لو يوقف و يضمه .. ماطالت امنيته كثير .. سحبه روّاف للممر الاخر و احتضنه لكتفه وهو يمسح على شعره من الخلف و يقول " خلها بيني و بينك .. لا يشوفها و لا يدري عنها ، ادري انك احوج ماتكون لهالضمّة منّي لكن لا تنسى .. انك غلطان . "
ابتعد عنه ، ما اعطاه مجال اوسع انه يرتاح على كتفه لأنه يبقى غلطان ..
.
.
بعد مرور ساعات طويلة ، تقرع دقائقها كومضات خوف وسط القلوب ، تحمل بين طياتها شديد الترقب و كبير الاماني الراجية ..
في الساعة الفاصلة ، مابين نوم خيّال و غيبوبته .. ، تنهّد الطبيب المختصّ بحالة خيّال و بيده الجهاز اللوحي اللي يعرض تحاليل و اشعات خيّال ، رفع رأسه لسيّاف الواقف امامه ، حاول يشرح بعيونه ان الامل انتهى و ان رياح غيبوبته بدأت ترجف ابواب الأمل باستعادته لوعيه ..
صد سيّاف هارب بعيونه اللي رفضت تخضع للحقيقة اللي اعمت اعينهم بهالحظات ، قلبه عيا يصدق ، و عينه رفضت تشوف غير خيّال امامه بصحة و عافية .. شد عزام على كتف سيّاف الايمن و هو يهمس بأذنه " انا مؤمن بكل احساس فيك ، لا يزعزع ايمانك شي " .
قوّته هالكلمات و ثبتت يقينه ، ادار ظهره و خطواته مشت للغرفة اللي تحتضن وسطها خيّال ، اوقفوه ، فطلب منهم دقائق يتكلم معه فيها ، ارخوا حراستهم استسلامًا لمشاعر سيّاف اللي لايزال بنظرهم غير مستوعب ..
كانت هذي هي المرة الاولى اللي يقترب فيها سيّاف من خيّال وهو طريح فراش الغياب .. اقترب سيّاف خطوات مترقبة ، بكل خطوة يرجي فيها خيّال يصحى يكلمه بداخله وهو يقول : طلبتك لا تغيب اكثر .. مسامحك بس لا تغيب عن عيوني .
وقف بجانبه من اليمين و عينه تناظر للأسفل ترتجف رهبة من رؤية ولده بحال سيء .. غمّض عيونه و ابتلع ريقه ببطء ، ملأ صدره بالهواء و تنهدّه بضيق اثناء ذلك فتح عيونه ، عيونه شافت اللي تمنت تنعمي و لا تشوفه .. عجز تحمل ، عجز يتحمل يشوف ولده بذاك الحال ..
بدأ يحس انه استسلم لكلامهم و تخلى عن يقينه ، ابتلع ريقه بغصه و فتح فمه بهمس مرتجف : خيّال ابوي .. ارفق على قلب ابوك .. ترى ما عاد فيه حيل حتى لنبضه .. مشتاق اسمع صوتك و انا عمري ماسولفت معه و سمعته .
من دقائق يحاول يستعيد وعيه ، الاصوات من حوله تتداخل بمسامعه مالها معنى او تفسير ، من بينها صوت ابوه الصوت الوحيد اللي قدر يستوعبه و يميزه ، تأوّه لثانيه جذبت له انظار سيّاف الباكية و اللي توسعت احداق عيونه وهي تنظر لخيّال اللي تدريجيا بدأ يفتح اجفانه و احداقه تتقلب وسط عيونه بعجز عن الثبات و الاستيعاب ، ارتسمت شبه ابتسامه على ثغر سيّاف اللي همس برجفه : خ خيّال ! .
ارتجفت يده اللي قربها لخيّال و وضعها على كتفه و بهمس بهمس مرتجف نطق : خيّال .. خيّال تسمعني ؟ .
امال خيّال عيونه لليمين و عينه على ابوه برغم عدم استيعابه لكنه ارتخى و تنفس و ارتخى صدره و غمض عيونه كأنما ارتاح ، ما كان مستوعب غربة المكان ، كان الادراك لديه ضعيف لكنه ادرك وجود ابوه بجانبه ، تنفسه كان صعب و ثقيل بعض الشيء و هالشيء عرض طبيعي .. بدأ يستوعب صوت خطوات من حوله من طبيب و ممرض اقتربوا له يتأكدون من حالته المفاجئة لهم .
تراجع سيّاف سامح للطاقم الطبي يتأكدون من حالة خيّال ، يناظرهم سيّاف بتوتر ، يسمع نبضات قلبه اللي داخل صدر من شدة توتره بهالحظات ، يناظرهم بترقب و اقترب خطوتين وهو ينطق بصوت تخلله القلق : دكتور ؟ .
التفت له الطبيب بملامح استبشر فيها سيّاف و ابتسم وعيونه المتلهفة تناظر للطبيب اللي نطق وهو يدخل الكشاف الطبي لجيب لابكوته الامامي و يقول بشبه ابتسامه : ان شاء الله خير .
.
.

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن