P/43

746 40 5
                                    

-
بتنهيدة عميقة وقّف امام مبنى مركز القلب و رعايته ينظر للمكتوب اعلاه " مركز القلب " ، ارتخت نظرة عيونه اللي استقرت على كلمة " القلب " ارتخت مليانه بكلام ما يفهمه غير من في قبرها غمّدت روحها .. ابتلع ريقه بغصّه و نزّل عيونه للأسفل مكان عصاته .. طقطق فيها على الأرض اللي تساقطت عليها قطرات المطر اللي بدأ يرسل زخّاته من اعلى السماء و بهاللحظة همس ناطق :
" المرض وصدوف بقعا وفرقا الطيبين
‏ذوقتني الموت وأنا على قيد الحياه "

سكت لثواني ثم اردف بتنهيدة عمييقة :

‏" آآه من كثر المواجع ومن جور السنين
‏واه من حزنٍ برى حالي ولاقلت اه .. "

تدريجيًا بدأت تتزايد زخّات المطر تبلل ثِياب روّاف اللي مشى بخطواته برفقة عصاته و اثر اقترابه فُتحت البوابة الاوتوماتيكية و هبّ عليه براد التكييف المركزي،تعكّرت ملامحه بخفّه لكن سرعان ما عدّلها و ارتخت من شاف فيصل قدامه ، ابتسم بهدوء وهو يقترب لفيصل و يقول : مستقبلني عند البوابة ؟ وش عندك انت ؟ ، دققّ بملامح فيصل واللي كانت بنظر اي شخص هي كما هي على العادة .. مرتخيه باردة بلا شعور ، لكن بالنسبة لروّاف بذاك الوقت كان يشوف التوتّر و التوجّس بملامحه .. تلاشت ابتسامة روّاف وقطّب حاجبيه وهو يقترب خطوتين لفيصل اللي ما شال عينه عن روّاف يلي همس : وش صاير ؟ .
فيصل شتتّ نظراته عاجز انه يستمر بالنظر بعيون روّاف لفترة اطول و تنحنح وهو يقول ببحّة صوته بهمس : تعال نروح مكان ثاني .
.
.
دخل روّاف غرفة الموظفين وهو يناظر حوله لمحتوياتها و جدرانها و السقف و نطق : مُريحه .. بس فيها شي مزعج .
فيصل مسك ذراعه و سحبه وهو يجلسه جنبه على الكنبة و يقول : روّاف اسمعني .. انت تعرفني زين صح ؟ .
روّاف ناظره مقطّب حاجبيه وهو يوقّف عصاته السوداء و يمسكها من اعلى وسطها : وش السالفة ؟ .
فيصل واللي لازال ماسك ذراع روّاف بيديه الثنتين و شدّ عليه وهو يقول : جاوبني .
روّاف ابتسم بخفّه : اكيد فيصل اعرفك .. بس دايم داخل كل شخص شخص ما نعرفه ، تأكد من هالشيء زي ما انت تشوفني قدامك الحين ، ارخى فيصل شدّة يدينه على ذراع روّاف اللي أردف : لكن مو هذا موضوعنا ، انت وش فيك ؟ ليش تسألني هالسؤال ؟ .
فيصل ابتلع ريقه و شتتّ نظراته للاسفل وهو يتنفّس بشكل غريب صدره يرتفع و يهبط بشكل زايد عن الطبيعي .. زادت نبضات قلبه لكنه ارتخى من مسك روّاف يدّه وهو يهمس له : تكلّم ! .

فيصل ابتلع ريقه ثم نطق ببحّة صوته : فيه شخص بفترة من حياتي كنت .. كنت قريب له تقريبًا مثل ما انا قريب لك بهاللحظة ، لكن تركته لأن خفت انصدم مرّه ثانيه ، اخذت حاجتي منه و تركته .
قطّب روّاف حاجبيه و اشتدّ تركيزه مع فيصل اللي أردف : اشوفه بشكل يومي ، اكثر من اهلي و اكثر منك حتى .. بس ، بس روّاف انا ما بقلبي له اي شعور ! ما احبه و لا اكرهه بنفس الوقت .. ، سكت لثواني طويله يتنفّس بطريقة غير طبيعية ثمّ غمّض عيونه و نفض رأسه بخفّه وهو يترك يد روّاف و يقول وهو يصدّ : خلاص خلاص روّاف ، نزّل وجهه وسط كَفيّ يدينه اللي جمعهم و قبل يرخي وجهه على يدينه نطق روّاف : طلال ؟ .
التفت فيصل لروّاف بسرعه مصدوم و ابتسم روّاف بخفّه : كنت داري .. الرجّال مو متعلّق فيك عبث ! .
فيصل همس : متعلّق فيني ؟ .
روّاف تنهّد : فيصل .. وش صار بذيك الفترة ؟ ليه تركته ؟ .
فيصل وضح القهر على وجهه و نبرة صوته وهو يقول : لأني اكتفيت من القهر مو ناقص قهر جديد يكسر قلبي ، ابتلع ريقه و شتتّ نظراته و نطق بسرعه : روّاف انا مكتفي فيك ما ابي احد زيادة .
روّاف تنهّد وهو يرخي ظهره على الكنبة اللي خلفه و يمسح على صدره بيده وهو يقول يخفي ملامح وجع قلبه : احلف طيب .
فيصل التفت له و ابتسم بخفّه مستهزئ مصدوم : تستهبل ؟ .
روّاف واللي مرخي ظهره للخلف نطق : لا ما استهبل .. ، اعتدل بجلسته و ناظر بعيون فيصل : ليه ما تعتبرني شخص ممكن يخذلك ؟ .
فيصل ارتجف قلبه و نطق ببحّة صوته اللي اختفى من رجفته : روّاف ترا بدفنك .
روّاف ابتسم على جنب وهو يناظر فيصل بصمت لثواني ثم نطق بنفس الابتسامة : امزح .. تعال يا حمار .. ، وضع يدّه على خلف رقبة فيصل وهو يجذبه لكتفه و يطبطب على رقبته وهو يهمس له : غبي و عاطفي ..
صباحًا ..
سحب نَفَس واضح و على ظهره طبطبت يدّ عزام اللي طبطب عليه وهو يقترب لأذن سيّاف من الخلف و يهمس : لا تتوتر حنا جنبك .
لفّ عزام سيّاف له وهو يعدّل ربطة عُنقه و جاكيته و ينفض عنّه الوبر و من ثم عدّل المايك اللي من اذنه اليمنى الى طرف فمّه واللي مربوط بسمّاعات القاعة الكبرى ، ناظر بعيونه بجديّه و بادله سيّاف النظرة وهو يهزّ رأسه ، و همس : خلّك عند خيّال .
زفر سيّاف بعُمق وهو يبتسم و يهزّ رأسه بالايجاب ، تقدّم و بخطوات واثقه صعد خشبة المسرح الواسع حتى توسّطها ،
تنحنح يضبّط المايك قريب لفمّه وعينه على الموظف الاخر واللي اشار له يبدأ ، بللّ شفتيه ونطق بجديّه بصوته اللي صدح بأرجاء القاعة : أبدأ بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و من ثم اهلًا و مرحبًا بكم في هذه الصبحية النيّرة بوجودكم ، معكم سيّاف بن عبدالله الـ**** مهندس كهربائي بتخصص دقيق الطاقة المتجددة، سكت شوي وهو يبللّ شفتيه وطاحت عينه على خيّال الجالس بالأمام بجانبه عزام ، خيّال واللي يناظره بإبتسامه وعيونه تلمع بفخر .. شتتّ سيّاف نظراته وهو ماسك ابتسامته ورجع صوته يصدح : موضوعي لهذا اليوم هو مشروعي بعنوان ( تصميم نظام الطاقة الكهروضوئية / خلية الوقود الهجينة ذات الشبكة الدقيقة ) ، تراجع خطوتين للخلف عن يمين المسرح وهو يضغط بيده على الريموت الموصول بِـ البروجكتر واللي يُعرض على الشاشة العملاقة خلفه ، بدأ يشرح مشروعه بكل تفصيل واتزان وهو يتنقل مابين شرائح العرض ، مرّت 10 دقائق من الشرح حتى وصل للفيديو المطلوب عرضه ، نطق : والان اضع بين ناظريكم فيديو توضيحي لطريقة عمل التصميم .
انطفأت الانوار وتراجع للخلف وهو ماسك يديه الثنتين فوق بعضهم ويناظر بثقة للعرض اللي بدأ ..
.
.
انتهى العرض بتصفيق من بداية الصفوف لأواخرها لسيّاف اللي ابتسم وهزّ رأسه بالإيجاب و نزل من على خشبة المسرح و اتسعت ابتسامته وهو يشوف خيّال و عزام قدام عيونه و خيّال اللي اسرع بخطواته متقدّم على عزام اللي ابتسم وهو يشوف خيّال يحتضن ابوه و يضحك تعبيرًا عن فرحته .. ضحك ضحكة خفيفة لكنها ارجفت قلب سيّاف اللي رفع عينه لعزام اللي ابتسم و هزّ رأسه بالايجاب .. ابتعد خيّال و اقترب هو الاخر يحتضن سيّاف بخفّه .. ابتعد عنّه و مشى سيّاف للصفّ الاول يسلّم على المدراء و كِبار الشخصيات و اللي باركوا له و اثنوا عليه و على عرضه و ادائه اللي اذهلهم بِلا شك او تفكير .. لطالما كان سيّاف هو الفارق وسط عمله ..

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن