P/46

685 40 3
                                    

-

سيّاف اعتدل بجلسته وهو يتأففّ و نزّل رأسه مغطّي وجهه بيديه .. بدأ يستوعب و يتذكر وبهاللحظة رفع رأسه لروّاف اللي اشار له يفتح قفل الباب و تنهّد سيّاف بضيق وهو يفتح القفل و سرعان ما فتح روّاف الباب وهو يقول : وش منوّمك هنا ؟ ليه مادخلت للبيت ؟ .
سيّاف تأفف بهمس و نطق بصوت ثقيل طغى عليه النوم : روّاف بعّد عني ماني رايق لأسئلتك .
صدّ يناظر للوحة الالكترونية بجانب الدركسون و نغزه قلبه من شاف الساعة و استوعب وهو يتلفّت حوله شايف ضوء النهار ! ..
التفت بسرعه لروّاف وهو ينطق : خ خيّال جا ؟ .
روّاف قطّب حاجبيه باستغراب : سيّاف وش وضعك انت ؟ تسألني انا عن ولدك و ليه مو معك هو ؟ .
سيّاف سكت صادّ عنه يبتلع ريقه بغصّه .. طبطب روّاف على كتف سيّاف وهو يقول : ولد انت بخير ؟ .
نغزه قلبه .. و تذكّر حلمه ليلة امس ، كأنه يأكد له الصوت اللي صدى بمسامعه طيلة حلمه " سيّاف ماهو بـ بخير و يحتاجك يا روّاف " " سيّاف ماهو بـ بخير و يحتاجك يا روّاف " " سيّاف ماهو بـ بخير و يحتاجك يا روّاف " ..
سيّاف ابتسم مستهزئ على حاله و همس : لا .. ، تنهّد و بعّد يد روّاف عنّه وهو يقول اثناء ماهو يقفّل السيارة : بروح اصلّي وخّر .
روّاف تراجع خطوتين للخلف وهو يناظر لسيّاف اللي نزل من السيارة وهو يغلق الباب خلفه ، بهالاثناء ناظره روّاف و قلبه ناغزه على سيّاف اللي مو طبيعي بشكل غريب .. برغم ان تصرفات سيّاف عاديه الّا انه غريب بشكل مو قادر يوصفه !
مسك روّاف عضد سيّاف يوقّفه وهو يقول : سيّاف وش صاير ؟ .
سيّاف حرر ذراعه من يدّ روّاف و صدّ : مالك دخل .
ابتسم روّاف بصدمه : لا الحين صدق فيك شي .. سيّاف تكلّم !! .
سيّاف التفت وهو يقترب لروّاف حتى اصبح وجهه مقابل وجه روّاف تمامًا و نطق : مهتم يعني ؟ بالله عليك تبيني اصدقك ؟ .
روّاف ابتسم مصدوم و همس ضاحك من صدمته : سيّاف انا ماقلت صدقني ولا قلت اي شيء من اللي انت قاعد تقوله ! ، اعتدلت ملامحه و بهدوء نطق : وش صاير ؟ .. وش فيه خيّال ؟ .
تغلغلت الغصّة حلق سيّاف اللي حاول يبتلعها بصعوبه و عجز يحطّ عينه بعين روّاف اللي سكت لثواني ثم قال : ادري ما بيننا شي يسمح لي اقرّب لك هالكثر .. بس .. ، شتتّ نظراته للجهة الاخرى وهو يقول بسرعه : انت اخوي و انا اخوك .. ، سكت لثواني ثم التفت لسيّاف اللي يناظره : تدري ؟ احس بديت افهم ليه الـ**** جمعنا بالغصب .. جمعنا عشان هاللحظة يا سيّاف ، يدري ان بيجي يوم مابيبقى وراي غيرك و غير اخواني .. ، ضحك بهمس و نطق : الكلام غريب ادري و يمكن انه متأخر بعد .. مو يمكن الّا اكيد .. ، نزّل يدّه ماسك فيها عصاته و ضربها بالأرض وابتسم بوجه سيّاف وهو يقول : رجلي برجلك و علمني وش فيك .
تبادلا نظرات صامتة، ثقيلة بالمعاني الكامنة ..غاصت نظرات روّاف في أعماق عيون سيّاف ، يبحث عن ومضة أمل قديمة، يبحث عن إجابة لا وجود لها ..
سيّاف ..الجمه روّاف بكلامه اللي لمس قلبه بحنيّه،حنيّه تأخرّت و تغيّر احساسها على قلب سيّاف اللي سرعان ما تلاشى شعورها من صدره ..
تخبّطت مشاعره بصراع بين قلبيه،قلبه الحنون و قلبه العايف ..
توقّف سيّاف عند كلمة روّاف الاخيرة " علمني وش فيك " ، ارتفع صدره يملأه بهواء اخرجه من صدره بتنهيدة ضيقة و شتتّ نظراته عن روّاف الواقف امامه بإبتسامته ، صدّ سيّاف عنه هارب بما تبقّى له من قلبه الحنون،خايف عليه لا يحنّ و ينكسر من جديد .. غمض عينيه برهة من روّاف اللي مسك ذراعه وهو يلتفّ له : صلِّ و تعال انا انتظرك .
سيّاف تأفف يحرر ذراعه من يدّ روّاف وهو يقول بشدّه : روّاف لا تنشب ! مابي اطلّع حرّتي فيك اتركني اتركني يا روّاف ! .
صدّ عنه و مشى خطوتين تجمّدت ثالثتهما من سمع روّاف اللي قال : " ماتخسر شيء وانا حيّ " .. ، سكت روّاف لثواني و اقترب حتى وقف امام سيّاف و نطق : ماتخسر شيء و انا حيّ .. قلتها لي قبل ثلاث شهور ، تتذكّر ؟ .
سكت روّاف يناظر عيون سيّاف يفتّش فيها عن خيط امل يتشبّت فيه،لكن سيّاف شدّ خيوطه و صدّ عن روّاف ساكت و مشى بخطواته جهة المسجد ..
تنهّد روّاف و عينه على سيّاف اللي بعّد عنه، ارتخت نظرة عينه ناظر له و استوطن قلبه شعور غريب من استوعب كلمته اللي نطقها .. " ثلاث شهور " كيف كانت كفيلة تقلب موازينه ؟ حياته ، شخصيته ، تصرفاته ، و حتى مشاعره ..
من كان يتصور يومًا أن روّاف بيقول مثل هالكلمات ؟ أن يركض خلف اخوانه من ابوه ؟ ..
بالأول فيصل ، و الان سيّاف .. سيّاف اللي بوقت مضى حاول يقتله و كان اشبه مايكون بعدوه اللدود مو اخوه .
من كان يتصور يومًا أنه بيسكن بيت و ارضٍ غير ارض امّه ؟ ..
و يتخذ هالمكان " مأوى " له و لأخوانه ..
قطع حبل تساؤلاته تميم اللي اقترب له وهو يقول : وش فيك واقف بنص الشارع ؟ ، التفت جهة ما يشوف روّاف و انتبه لوجود سيّاف : وش فيه سيّاف ؟ .
روّاف تنهّد و نظر نظره اخيرة لسيّاف و التفّ لتميم : عندك دوام ؟ .
تميم قطّب حاجبيه : ايه ليه ؟ وش فيك تضيعني اقول وش فيكم ؟ .
روّاف ابتسم بخفّه بوجه تميم وبيده ربت على كتف تميم : مافينا شي بس سيّاف متضايق و انا بشوف وش عنده .. لا تشيل هم .. لتين تقول انها ماراح تداوم اليوم ماعندها شي ، و دُنا خلها تغيب اليوم .. مافيني حيل اوديها و سيّاف واضح ضايق ، ضرب بخفّه ساق تميم بعصاته وهو يقول : و انت داوم لا تفكّر تجلس لحالك كذا ! عارف بتهوجس لين يضيق صدرك .
تميم ارتخت ملامح وجهه بضيق و نطق : لا ماراح اداوم اليوم ، ريّاس عرف بوفاة ابوي .. ماودّي اتركه لحاله .
روّاف سكت لثواني ثم تنهّد و اومئ برأسه بتفهّم و نطق : زين انتبه لنفسك و لاتضغط عليه .
.
.

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن