P/30

1.9K 72 44
                                    

-
نزّل جواله بحضنه من سمع صوت اغلاق الخطّ من فيصل .. تنهّد بضيق والغصّه تتقلّب وسط حلقه ، تمنّى يصرخ بأعلى صوته بهاللحظات ! .. جلس حوالي ربع ساعه ساكت ساكن ماتحرك ، عيونه تناظر بالفراغ بشرود .. حتى استوعب و مسح بعنف دموعه من على وجهه وهو يتذكر كلام ابوه " لاعمرك ترجي شي من احد .. مالك الّا نفسك و ابوك " ، تحرّك من مكانه بصعوبه وهو يقاوم الألم اللي يحرق جلده وكأنما يُسكب عليه كل دقيقة .. فتح الباب و نزّل رجله المصابة حتى تحسس أرضية الشارع وهو مكشّر بألم ، نزل رجله الاخرى وهو يوقف بشكل مائل و يدّه مستنده على الباب الهواء يهبّ عليه بشدّة هاللحظات ، قفّل باب السيارة و مشى بخطواته المتعرجة متجه للباب ..
انعكس نور غريب على ظهره والتفّ وكشّر من تصوّبت انوار السيارة الامامية على عيونه ، توسّعت عيونه ولمعت وهو ينظر لسيارة التاكسي اللي نزل منها فيصل وهو يغلق الباب خلفه ، مشت السيارة و فيصل واقف مكانه و عينه على خيّال اللي ارتجفت نبرة صوته و اقترب لفيصل بخطوات متعرجة وهو يقول : ع عمي ! .
تقوّست شفتيه ورمى نفسه بحضن فيصل اللي ما ينكر نغزة قلبه ، حاوط خيّال فيصل بشدّه وهو يبكي على كتف عمه و يخبّي وجهه اكثر وهو يبكي بكبوت ، فيصل شتتّ نظراته وهو يحاول يبعد خيّال اللي شدّ عليه وهو يقول بصوت مكتوم : تكفى ..
فيصل نغزه قلبه و بعّد خيّال بقوّة عنه وهو يمسك اكتافه و يشدّ عليها و يقول ببرود : وش اللي اكرهه ؟ .
خيّال ارتخت ملامحه و دموعه تنزل على خدّيه و نطق بنبرة مرتجفه : الد ...د ـموع ، ابتلع ريقه بصعوبة وهو يشوف فيصل يناظره ينتظره يكمّل ، غمّض عيونه وهو ينطق بصوت مرتجف : و الضعف .
فيصل ترك اكتاف خيّال وهو ينطق ببرود : بالضبط .
خيّال بغصّه : بس عمّي انا ..
فيصل : عمّي لا عمري اسمعها من صوتك ، و ياليت تنكتم عندي زي ما تنكتم عند غيري ، اخرج من جيبه مرهَم حروق وهو يمدّه لخيّال وهو يقول : ادهنه مكان الحرق بيوجعك شوي بس تستاهل .
اخذه خيّال وعيونه تلمع وسطها دمعته وهو يناظر لفيصل اللي عطاه ظهره وهو يمشي متجه للسيارة حتى ركبها وهو يشغلها وانعكس نورها على خيّال اللي يناظر عمّه بقهر ..
خيّال شدّ على قبضة يدّه بقهر وهو يقول بغصّه : وش سويت لك عشان تكرهني ..
-
وسط ضجّة الضيوف و همساتهم ، ابتسامات ارتسمت على شِفاههم و ضحكات خرجت من اجوافهم .. بكاء مَلاذ وتسميتهم عليها واصوات استلطافهم لها وهي تتنقّل من حضن لآخر ..

خلف كل هالضجّة ، تحديدًا بجهة المغاسل الواقعه خلف الصالة واقفه ظهرها مستند على الجدار اللي خلفه الصالة الممتلئة فيهم ، ماتدري كم لها واقفه .. هل هي ساعة او نصف ساعة ؟ لكن اللي تعرفه ان رجولها ماعاد تشيلها من التوتر و تعب الوقوف ..
تناظر لنفسها بالمرايا ، لشعرها المسدول على كتفيها الملفوف اخره على بعضه ، لعيونها ذات الرموش المرتفعه الكثيفه اثر وضعها للمسكرا ، اكتفت فيها و بمرطب شفايف ذو لون خفيف ..
يدينها خلف ظهرها مستنده عليها تخفي رجفتها بإستنادها عليها اكثر واكثر .. اطراف عيونها تجمّعت الدموع اللي كابتتها من ساعات و عاصيه نفسها تنزّلها ، رفعت يدها اللي ماسكه فيها المنديل اللي تصبّغ بدموعها الملطّخة بسواد مسكارتها ، جفّفت دموعها قبل تنزل و رجعت ترجّع يدها خلف ظهرها وهي تفكّر .. ابتلعت ريقها بغصّه وهي ترمش بتكرار تحاول تتفادى سقوط دمعتها الجديدة ، فزّت وهي تصدّ وتجففّ دموعها من حسّت بخطوات تقترب لها ..
نطقت سارة متسائله وهي تحمل بين يدينها صينية عليها بيالات الشاهي والنعناع : لتين ؟ ليش واقفه هنا ؟ .
لتين ابتلعت ريقها بغصّه والتفتتّ ونطقت بهمس وهي تأشر خلفها : لا بس توني .. توني طلعت من دورة المياه .
سارة هزّت رأسها بلا اهتمام واكملت طريقها للمطبخ .
ارتخت ملامح لتين و رجع الحزن يسكن ملامحها والغصّة وسط حلقها ، مسكت جوالها وهي تتصل للمره العشره واكثر على تميم و روّاف بدون اي ردّ منهم ، تجمّعت الدموع وسط عيونها .. يكفيها شعورها بالغربة وسط هالبيت ووسط هالناس اللي ماتعرف عنهم حتى اسمائهم .. بإصرار من ميان واللي طلبت منها انها تنزل معها وتعرّفهم على اختها الوحيدة .. ما اكملت لتين دقايق جالسه عندهم حتى انسحبت من عندهم بهدوء ووقفت خلفهم عند المغاسل ..
فتحت الواتساب وعينها على كميّة الرسايل اللي ارسلتها لأخوانها بدون اي ردّ منهم ..
انسحبت بهدوء صاعده للأعلى متجهه لغرفتها ..
صباحًا ..
داخل الغرفة المظلمة بفعل الستائر المسدولة على النافذة التي تتخللها خيوط أشعة الشمس داخلة للغرفة حتى تصوّبت على أعين روّاف اللي كشّر بإنزعاج وهو يصدّ وجهه للجهة الاخرى و يتنهّد .. ابتلع ريقه يبلل حلقه الجاف وهو يتوسّد المخدّة لكن فتّح عيونه من حس بحركة حوله وطاحت عينه على تميم المستلقي على ظهره بجانبه .. بملامحه الهادئة تماما و انفاسه المنتظمة داله على نومه العميق .. دقائق مرّت و روّاف لازال يناظر بتميم بصمت .. يعيش لحظات مطمئنة هادئة بجانب اخوه من وقت طويل .. مد يده الحنونه وهو يرخيها على شعر تميم بهدوء ، ابتسم للحظات .. تذكر ايام زمان بأوائل ايام وفاة امهم ، وقت ما كان ينام و فارد يدينه الثنتين ، يده اليمنى يتوسدها تميم و الأخرى لتين ، تلاشت ابتسامته من تذكر لتين .. كيف نساها !
تحرك بسرعه لكن سرعان ما توقف عن الحركة من ألم صدره اثر حركته المفاجئة وكشّر وهو يتحسس صدره والتفت من تحرك تميم بإنزعاج للجهة الأخرى .. نزل روّاف من على السرير ببطئ وهو يلتفّ لجهة تميم ويسحب الفراش و يغطيه بهدوء وهو يهمس لا شعوري : استودعك الله ..
تلفّت وهو يدّور ثوبه واقترب لدولاب الملابس وفتحه و حصّل ثوبه معلّق بالدولاب ، تحسس جيوبه وهو يخرج جواله ويضغط الزر الجانبي بتكرار يحاول يفتحه لكن تأفف من حصله مخلص شحنه ، تأفف بخفّه واخذ ثوبه وهو يلبسه اثناء مشيه لخارج الغرفة ، اعتدل بوقفته وهو يرتّب ثوبه و تلفّت حوله يدوّر حتى حصل شاحن و شحن جواله و اتجه لدورة المياه يتوضى و يصلي صلاة الفجر اللي فاتته ..
انتهى من الصلاة لافّ رأسه مسلّم لليسار وهو يهمس : السلام عليكم ورحمة الله..
غمّض عيونه مكشّر ويدّه على صدره والاخرى على ركبته ، نطق بهمس : شلون يمّه تحملتي هالوجع طول هالسنين .. ابتلع ريقه بغصّه وهو يحس بحرقه داخل حلقه ونطق بداخله : خذيني معك يا يمّه خذيني ..
-
مرّ أسبوع ..
بدون أيّ رسائل بين سلطان و ريّاس ..
مرّ أسبوع ..
بدون أيّ لقاء بين روّاف و تميم ..
مرّ أسبوع ..
بتواصل بصري مُشتت بين روّاف و فيصل يلي اكلهم الصمت ..
مرّ أسبوع ..
بدون لا يشوف عزّام بنته ولا يزورها ..
مرّ أسبوع ..
مليء بصداع قاتل يضرب برأس سيّاف اللي نفسيته و مزاجه و اخلاقه تغيرت 180° ..
— مرّ أسبوع —

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن