P/38

792 39 8
                                    

-
برؤية غير واضحة ، شافها بملامح كادت ان تُمحى من ذاكرته و سمعها صوت يسعى كل ليلة بأنه ماينساه ، كانت ملامحها على غير العادة لمّا تجيه بمنامه ؛ تكون مبتسمه جايته بشوق بعد مايدعي لأشهر طويلة انها تزوره بحلمه ، او تجيه بهدوئها و حكمتها تعاتبه على تقصيره لنفسه و لصحته .. لكن هالمرة مختلفة تمامًا ، هالمرة جته راجية طالبته و على ثلاث ايام مُتتالية ..
نطقت بجديّه لا تخلوا من صوتها الحنون "روّاف .. روّاف ابوي قوم بكلمك ".
فتّح عيونه فازّ يتلفّت حوله لصوت عواطف اللي يتردد صداه حوله ، قلبه ينبض بشدّة و يدّه عليه ، ملامحه ملهوفه و قلبه متشفق لـ طيف امه اللي من زمان ما زاره ، تلفّت حوله و دار حول نفسه وهو يقول بصوت ملهوف مرتجف : يمّه ؟ يمّه هذي انتِ ؟ يمّه وينك !! .
فزّ شاهق بخفّه يلتفت لصوت امه اللي جاه من وراه و هي تناديه بأسمه ، ابتسم برجفه و دمعته تعلّقت بِـ رِمشه : يمّه وينك ابي اشوفك يمّه تكفين ! .
تنهّدت و نطقت بهدوء : ارفق على روحك يا وليدي .. وش قلت لك انا ؟ .
روّاف ارتخت اكتافه و ملامحه و نزّل رأسه للأرض وهو يهمس : لا تتعلّق بأحلام و انتظر ربي يجمعنا بجناته .
نطقت عواطف بابتسامه : ايه هذا ولدي .. اسمعني يمّه ، رحت لأبوك ؟ .
رفع عيونه و رأسه تدريجيًا وهو يشتتّ نظراته و يصدّ بصمت ، غمّض عيونه وابتلع ريقه المرير بغصّه من سمع تنهيدتها و بدأت تعاتبه و شدّت بنبرة صوتها مما أرعب قلبه و ارجفه : وش قلت لك يا روّاف ؟ يومين يومين اجيك و اوصيك تروح لأبوك تكلمه و تستسمح منه .
روّاف بقهر من امه و نبرتها اللي شدّت عليه فيها و عشان مين ؟ عشان ابوه ! نطق بقهر : يمّه استسمح منه بأيش ؟ خليه يموت و هو ضايع مايعرف سامحناه او لا خليه يتعذب زي ماعذبنا يمّه خليه يـ..
سكت من نطقت عواطف بشدّة : مو قايله لك لاتناقشني ؟ للحين ماتغيرت يا روّاف ؟ انا قلت لك روح لأبوك و قل له اني مسامحته بشرط يسامحك .. مهما صار هذا ابوك يا روّاف .
توسّعت عيون روّاف بصدمه و همس : يمّه ! سـ سـ سامحتيه ؟ كيف يمّه ! .
عواطف بجديّه : هذا كلامي لثالث مرّه و اخر مرّه .. و لا اعتبرني مو راضيه عنك .
روّاف جنّ جنونه و صرخ : يمّه ! يمّه لا تجننيني يمّه ! .
عواطف : اسمعني زين و لاتخليني ازعل عليك .. اليوم يومه لا يجيني الّا و انت مسوّي اللي قلت لك ..

سكت روّاف بغصّه و دموعه تنزل من قهره .. فزّ من سمعها تقول : و اخوك يا روّاف ، اخوك لا تتركه و لاتهمله ، تراه هو الثاني مكسور ويبكي كل ليلة ، مهما اخطأ مفروض انت ترشده و توجهه ، متى ربيتك على الجفى يا روّاف ؟ ترا مثله مثل لتين لا تهتم لواحد و تهمل الثاني .. انتبه لنفسك و لأخوانك اخوانك اخوانك يا روّاف انتبهوا لأنفسكم .
.
.
جرّته خطاويه لهالمكان بعد ما صحى من حلمه المُخيف .. بكل مرّه تزوره امّه بمنامه يصحى طاير من الفرحة و يجلس تحت تأثير هالحلم لشهووور الّا هالمرة ، صحى مقهور من امه و مشى لأبوه مجبور ..
من وقت ما صحى الصباح و عينه على رسالة فيصل يلي لها ثلاث ايام ما ردّ عليها ، واللي كانت تحمل وسطها رقم المبنى و الدور و الغرفة اللي يتواجد فيها عبدالله .. تارك روّاف على راحته ما جبره لزيارة ابوه .
على خرجة طبيب الرعاية التلطيفية من غرفة عبدالله حصّل روّاف واقف قدامه ، عقد حاجبيه من شافه و نطق : آمرني ؟ .
روّاف شتتّ نظراته لليمين وهو يشدّ على قبضة عصاته و يقول ببرود : انا .. انا روّاف .
استهلت ملامح الطبيب و نطق وهو يأشر خلفه : روّاف ولد عبدالله ؟ .
روّاف عضّ على شفّته السفلية بشدّة يحاول يسيطر على قهره من نسَبَه اللي يكرهه الف مره بكل مكان يحتاج يعرّف عن نفسه فيه .. ابتلع غصّته و نطق : وينه ؟ .
هزّ الطبيب رأسه : موجود داخل .. بس قبل تدخل ودّي اوصيك على حاجتين ، ابتسم بخفّه وهو يقترب لروّاف و يضع يدّه على كتف روّاف : ابيك تهدّيه و تلطف عليه الجو و تريّحه ترا التوتر والخوف يتعبه و مايزيده الّا ..
روّاف قاطعه وهو يبعد يدّه عنه و يقول : مهما صار لحد يدخل علينا .. يمكن اقتله قبل تجي حزّته ، التفت برأسه للخلف و نطق بصوت مرتفع لفيصل الواقف خلف الجدار : سمعت ياللي ورا الجدار ؟ .
.
.
لا يزال ساند ظهره للخلف و رافع رأسه يدعي بصمت باكي .. من سمع صوت الباب يفتح غمّض عيونه و سالت دمعتيه و نطق ببحّة صوته الخشن : قلت لك ماابي احد .. جيبوا لي روّاف و ريّـ....
تقشعر جسده و فتح عيونه بقوّة و تصلّب كأنما طُعن من سمع صوت روّاف اللي نطق بضحكة مستهزئ : تبيني انا و لا غلطان بإسمي ؟ .

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن