P/33

1.5K 66 35
                                    

-

رفع راسه و تعلّقت عيونه بلتين وهي تنطق كلماتها ، غمّض عيونه و زفر زفره طويــله .. ابتلع ريقه ، " هذا وقتك يا تميم؟ " كانت هذي كلماته بداخله .. فتّح عيونه و نطق : و كيف عرفتي ؟ .
لتين بشفتين مرتجفه نطقت بهمس : ارسل لي .. ، ابتلعت ريقها برجفه وانحنت لشنطتها وهي تفتح السحّاب و تطلع جوالها وتفتحه تحت استغراب سيّاف اللي نطق : مو ممنوع الجوالات عندكم بالمدارس ؟ .
لتين وهي تفتح جوالها همست بغصّه : الّا .. بس انا اخذته معي .
تنهّد سيّاف وهو يشتتّ نظراته و يستغفر .. التفت لصوت تميم المُسجّل اللي اشتغل من جوال لتين اللي حطّت الجوال على المرتبة اللي مابين سياف و بينها و سكتت وهي تقاوم دموعها .. عقد حاجبيه و اشتدّت نظرة عيونه وهو يسمع " اتكلم عن فيصل اللي ضربني لين طحت مغمي عليّ ؟ " .. اشتدت ملامحه اكثر وهو يسمع " تخيلي ان بيتنا .. انهدم ! هدمه خالي ياسر .. " " بكيت بكيت لين طحت و صحيت حصلت نفسي بالمستشفى " ..
انتهى التسجيل الصوتي .. عيون سيّاف تناظر بصمت بأحد الزوايا ، بدون اي تفكير .. بدون اي محاولة انقاذ للوضع .. فقط يناظر و يشرد بنظراته .. قاطعه صوت رنين جواله اللي حاطّه بمكان الاكواب على المرتبة الجانبية ، نظر للشاشة و اذ هي يعتليها اسم " ام خيّال " نغزه قلبه بخوف ، خوف ان صابها شيء هي او خيّال .. خيّال ! كيف غفل عنه و نساه ! و مايعرف وضعه من امس ! ، اخذ الجوال و ردّ و رفعه لأذنه وهو يقول بلا شعور : أصايل ؟ صاير شي ؟ .
سألها و يا ليته ما سألها .. سألها و انهارت عليه بالبكاء والرجاوي بأنه يرجّع دُنا لها .. و كيف ان خيّال راح و تركها لوحدها بالبيت ، وانها ماتتحمل تجلس وحيده بدون دُنا ! ، كلن صوتها واضح لِـ لتين اللي تسمعه من شدّة بكاء وصوت أصايل من خلف الجوال ..
عجز يتحمل و قفّل المكالمة بوجهها ، شدّ على الجوال اللي ماسكه بيده اليمين على اذنه نزّله و نزّل رأسه على الدركسون وهو يغمّض عيونه .. ضايع متشتت و حيراان .. الغّصة تتقلّب وسط حلقه .. غصّة فقدانه لصاحبه اللي احوج مايكون له الحين ! رفع راسه وهو يفتح الباب بينزل و نطقت لتين بصوت مهزوز : سيّاف وين بتروح ! .. سيّاف ! ..
قفّل الباب خلف ظهره وهو يمشي وسط الشارع ، رأسه رافعه بخفّه يقاوم دموعه بعصيان لها وهو يبتلع ريقه بغصّه , يرمش بتكرار يصارع دموعه اللي تجمّعت بمحاجر عيونه ، نزّل رأسه وهو يمسّح عيونه بسرعه ، مسك جواله وفتحه حتى وصل لجهة اتصال " سندي " ..

ارتجفت روحه .. سنده فعلًا .. سنده مفقود ! وش هو بلايّاه ؟
غمّض عيونه اللي ترتجف بوسطها احداقه ، فتّحها و عجز يقاوم كبريائه اكثر ، اتصل ..
يناظر بالارجاء بقلق اثناء رنين الخط بأذنه .. ثواني و صدر صوت اغلاق المكالمة ، نزّل جواله ودخل للواتس على محادثة عزام وهو يكتب :
" عزام "
" رد علي ضروري "
" ضروري يا عزام انا طالبك "
مرّت ثواني فيها شاف عزام الرسالة،كان توّه واصل لأرض الحَرم ، واقف بساحات الحَرم الخارجية وعلى كتفه شنطة الظهر ، بيده جواله وعينه على رسايل سيّاف ، ارتخت ملامحه و وضح عليها الضيق .. قلبه ناغزه لكن كبريائه يمنعه ، ابتلع ريقه و رفع جواله وهو يصوّر فديو ساعة مكة و زحام الناس على اراضي ساحات الحرم بيد ترتجف ووضحت رجفتها بالتصوير .. نزّل جواله يناظر الفديو بتردد يرسله او مايرسله .. عزم امره و ارسل الفديو وهو يقطّع بأسنان طرف شفّتيه .. صحّين زرق تعلّقت عيونه فيها و ارتبك ، رفع عينه لأعلى الشاشة يناظر لكلمة " يكتب .. " ، و ارتبك اكثر واكثر ..
ما حسّ الّا بجسد صغير يتعلّق بإحرامه من الأسفل ، رفعت رأسها بملامحها الطفولية و ارتجف قلب عزام و عيونه عليها ، قفّل جواله وانحنى وهو يحملها بين يديه بلا شعور منه .. كانت بعمر سنة ، توّها باديه تمشي .. ضحكت و بانّت اسنانها الاثنين الأمامية بالفكّ الأسفل ، ارتخت ملامح عزام وابتسم لاشعوري من تحسست الطفلة شعر ذقنه وهي تلعب فيه و ارتجف قلبه بشدّه و ملامحه بردت من نطقت " با با " ، ثواني طويله ما رمشت فيها عيونه .. ما وعى الّا على صوت أبّ الطفلة اللي اقترب وهو يبتسم بارتباك و ياخذها من يدين عزام وهو يقول : معليش يا اخوي لهيت عنها شوي .
عزام بإبتسامه خفيفه : لا عادي .. الله يحفظها ماشاءالله ، وش اسمها ؟ .
أب الطفلة وهو يحتضنها لكتفه : مَلاذ .
تعلّقت عيونه و ارتجفت احداقه وسطها و عينه عليها .. ارتجف فكّه وهو ينطق بصوت منخفض مرتجف : نفس اسم بنتي .. ، ابتلع غصّته وهو يشتتّ نظراته و يرمش بتكرار يحاول يسيطر على نفسه . أب الطفلة نطق : ماشاءالله تبارك الله الله يخليها لك ..
عزام ابتلع ريقه بغصّه و نطق : امين .
ودّعه الأب و لكن لازالت عيون عزام تناظر لظهره و لطفلته وهو يحملها بين يدينه .. و انضمت اليهم زوجته اللي اخذت طفلتها و اكملوا مسيرهم ..
شدّ بقهر على قبضة يدّه اللي ماسك فيها الجوال وابتلع ريقه بغصّه ، رفع جواله وهو يفتحه و يناظر لرسائل سيّاف :
" عزام !! "
" عزام منجدك ؟ "
" ليه ما قلت لي ! "
" الوووو عزام "
" مكالمة صوتية فائتة "

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن