P/32

975 51 9
                                    

-
خارج قسم الشرطة ، تحديدًا أمام البوابة ..
الساعة تُشير للـ 10 مساءً ، بدرجة حرارة مُتدنّية تقارب الـ°7 ، توقّف المطر عن الهطول من ربع ساعه و اصبح يرشّ رذاذه بخفّه على الارض ، تحت سماء روّاف الواقف عند سيارته مستند وجالس نصفه على الكبّوت " غطاء المحرّك الأمامي " بيده عصاته اللي حاطها وسط حضنه و شادّ عليها بشدّه يقاوم المه فيها ، ابتداءً من اخر فقرات رقبته ثم على كتفيه نزولًا على صدره و اذرعه ، وكأنها خيوط رُبّط بها وتشتدّ كل لحظة اكثر من الاخرى .. انفاسه مضطربه جدًا ، تتباطأ ثم تتسارع ثم تتوقّف لوهله ، رفع يدّه لصدره يتحسسّه ويفركه بيده يحاول يزحزح عنه هالألم ولو شيء بسيط ، فزّ و ارخى يدّه من صوت الخطوات اللي اقتربت له و تنهّد من شافه ثنيّان اللي يسحّب رجوله على الزفلت " أرضية الشارع " بكسل .. تأفف ثنيّان و نطق وهو يوقف قدام روّاف : ترا طقت تسبدي متى يخلصون ذول ؟ ابي امشي .
روّاف يناظره بعيونه المرتخيه صامت عاجز عن نطق حرف واحد يخرجه من جوفه اللي ينبض متألم ، غمّض عيونه متجاهل ثنيّان ويدّه على اوسط صدره ، ثنيّان تأفف و شتتّ نظراته لبوابة القسم الأوتوماتيكية اللي انفتحت وخرج منها فيصل اللي يمشي بهدوء حتى اقترب لهم بملامحه اللي جفّت احبار التعبير امام وصف الهلع والرجفة والشحوب اللي يكسوها .. انتبه لروّاف اللي ما التفت له وعلى وضعيته مغمّض عيونه و منزّل راسه و يده على اوسط صدره ، اقترب له فيصل حتى وقف امامه و رفع روّاف راسه وهو ينطق بصعوبه : خ خلصت ؟ .
فيصل شتتّ نظراته عن روّاف وهو يهزّ رأسه بالإيجاب ، روّاف شدّ على قبضة يدّه بقهر من نفسه ومن ضعفه بهاللحظات عاجز انه يواسي فيصل و يحتضنه بعد ما تقلّبت مواجعه بالداخل .
كان اخر شيء سمعه هي حلطمة ثنيّان اللي نطق : وش تتناظرون له انتم اخلصوا عليّ رجعوني للبيت .
بدأ يفقد وعيه و طاحت عصاته من يده و تدحرجت على الأرض وهو استمال حتى ارتخى على صدر فيصل اللي واقف ماتحرّك ، يناظر لروّاف اللي مستميل و مرتمي بثقله عليه و همس : وعدتني ما تنام قبلي ..
مسك روّاف وهو يرفعه حتى ارتخى روّاف بأكمله عليه وهو ينتفض داخل بنوبة ضغط اخرى .. استجمع قواه وحمله بأكمله برغم ثقله و هو يأشر لثنيان يفتح باب السيارة ..
ركب فيصل بالخلف وعلى فخذه رأس روّاف المرتخي تمامًا بلا حراك ، وبالامام بمقعد السائق ثنيّان اللي يسوق بسرعه وما وقّفه الّا باب البيت بأمر من فيصل اللي رفض المستشفى ..

مرّت ساعة ..
بغرفة روّاف ، البلكونة مفتوحه نوافذها وستائرها تتطاير للداخل بفعل نسمة الهواء الباردة اللي دغدغت وجه روّاف اللي فتّح عيونه بعد اغماء لساعة تقريبًا ، تقلّبت عيونه بالفراغ ورجع يغمضها من جديد غير مستوعب لأي شي حوله ، حتى بدأ يدرك و يحسّ باللي حوله و فتّحها ، انتبه لجهاز الاكسجين اللي يعتلي وجهه على فمّه ، و لرجوله اللي مرفوعه للأعلى قليلًا وموضوع تحتها بعض المساند .. ابتلع ريقه وهو يغمّض عيونه من جديد ، فتحها بسرعه من بدأ يتذكر وتعدّل وهو يبعد كمام الاكسجين عن فمّه وكشّر من الالم اللي نبض بجسده لكن تجاهله وتلفّت حوله يدوّر عصاته اللي حصلها مسنوده على طرف سريره ، اخذها و قوّى نفسه و خطواته و خرج من غرفته ..
-
داخل غرفة لتين الدافئة على السرير بحضن لتين تنام دُنا بجسدها الصغير بحضن لتين اللي محاوطتها و رأسها على صدرها محتضنتها وعينها تناظر للفراغ بشرود .. بوقت مقارب لعمرها كانت تعيش نفس حالتها .. فاقده امها ابوها ماله وجود بحياتها .. مالها الّا روّاف و تميم ، اما دُنا ؟ مالها احد .. الكل مستغني عنها عدا خالتها اللي مُنيتها تكون دُنا وسط حضن ابوها ..
نزلت دمعة لتين و مسحتها بسرعه من حسّت بأقتراب خطوات جهة غرفتها .. تنحنحت و نزّلت بهدوء دُنا على سريرها وهي تغطيها بمفرشها الأبيض الثقيل و تبوس خدّها بخفّه ، التفتت لباب غرفتها اللي انطرق وهمست وهي توقف : روّاف ؟ .

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن