P/18

1.6K 68 28
                                    

-

وقف يناظر لأمه و هي تتجه لسيارتها وعيونها مليانه دموع وتجر خلف خطواتها خيبتها ووجع قلبها ، فتحت الباب لدُنا الصغيرة واللي ركبت وهي تتمتم لإحباط كانت متشوقه تشوف والدها واللي لطالما رسمته بخيالها وتمنّت تشوفه .. قفّلت اصايل الباب ومشت متجه لباب السائق وعينها الي تلمع بوسطها الدمعة تناظر لخيّال اللي واقف امامها ، همست تستودعه الله وهي تصعد سيارتها وتشغلها ، ابتسمت من تحت نِقابها ولوّحت بيدها لخيّال اللي تصددّ بنظراته عنها الى ان ابتعدت خارجه من الحيّ ..
تنهّد بِـ نَفَس ضايق مُرتجف ويده على صدره اللي ينبض بقوة بسبب تسارع ضربات قلبه ، تراجع بخطواته وجلس على عتبة باب البيت وهو يحتضن ركبتيه لصدره ويسند رأسه بينهما ويحاوطهما بأذرعه ..
الهواء البارد بدأ يتخلل خصلات شعره الرطبة لكن بدون ادنى اهتمام او شعور منه .. كانت دموعه الحارّة تنزل بغزارة على خديّه اللي تورّدت من هواء البرد الجاف لكن ماكان شعوره بالبرد يوازي حرقة قلبه بهاللحظات ، نزّل رأسه للأسفل يخفي دموعه اللي سرعان ما يجففّها الهواء البارد وثواني وبدأ لا شعوري بالأرتجاف بخفّه من بكاءه .. جرّه شعوره وجرّته ذكرياته للحادثة قبل سنوات اللي الزمته الصمت و حرمته كثير اشياء .. ابتلع ريقه بمرارة وغمّض عيونه بشدّة من تجمّعت اصوات الصراخ وامتزجت بأصوات البكاء داخل رأسه ..
رصّ على اسنانه بشّدة والاصوات تتزايد وسط رأسه ومسامعه امتزج مع صوت اذان صلاة المغرب الى ان قاطعه الباب اللي انفتح خلف ظهره و لكنه ما تحرّك بل احتضن نفسه اكثر وزادت رغبته بالبكاء تمنّى بهاللحظات ان اللي خلفه مايكون احد اعمامه او جدّه ..
فزّ قلبه بفزع وخوف من تسلل من خلف ظهره لمسامعه صوت جدّه عبدالله الخشن وهو ينطق بعصبيه خفيفه : خيّال ! وش تسوي جالس هنا !! .
رفع خيّال رأسه وابعد ركبتيه عن صدره وهو يعتدل بجلسته ويبتلع ريقه بخوف وما تجرأ للحظه انه يرفع رأسه لعبدالله اللي عقد حاجبيه ونطق بنفس النبرة : قم قم للصلاة وانا ابوك جالس لي بهالشارع وبهالبرد تبي تمرض عمرك انت ؟.
وقّف خيّال على رجوله واقترب بتردد وهو يبوس رأس عبدالله بصمت ورجع مكانه وهو منزّل عيونه يحاول يخافي احمرارها ودموعها عن جده ، عبدالله نزل من عتبة الباب وهو ينطق بأمر : مشينا للمسجد امش صلّ معي.
هزّ خيّال رأسه بالإيجاب ومشى خلف عبدالله لكن ثواني حتى اصطف بجانبه ومشوا بخطواتهم الهادئة متجهين للمسجد المقابل لبيت أبو سيّاف ، خيّال منزّل رأسه ويمشي بهدوء بجانب عبدالله اللي يذكر ربه بهمس .. بعدها نطق باستهزاء : لا ابوك ولا اعمامك ولا واحدٍ منهم فيه خير وجاي يصلي من يسمع الاذان .. اييييه انا ما ربيّت زين ، وش ارتجي من طايشين ماسمعوا نداء ربهم يسمعون لي !.
خيّال كعادته ماتكلّم ولا حتى بهمس واحد اكتفى بتنهيده خفيفه يحاول يخرج منها ضيقته ، وده لو ينطق ويصرخ بوجه جدّه ويقول ابوي ماله ذنب ابوي ربّانا كلنا ! ..
التفت عبدالله لخيّال وهو يقول : لاتنسى تقرأ اذكارك زين يا خيّال .
كان هالمشهد تحت انظار ريّاس اللي توّه خرج من البيت ، كانت عيونه متعلقه بعبدالله و خيّال و احداقه ترتجف وسط عيونه وكأن مشهد خيّال و عبدالله يعيد بشريط ذكرياته المُتقطّع المُتهالك ذكرى لطالما كانت من اكثر الذكريات اللي عمره مانساها حتى مع فقدانه لذاكرته قبل سنوات واللي ما زال فاقد اجزاء منها الى هاليوم بل وانه جاهل لفقدانه ذاكرته .. سالت دمعته على خدّه الأيمن بغير شعور منه وجانب من رأسه بدأ يؤلمه بكل مره يحاول يتذكر او تجي اي ذكرى تحرّك مشاعر وجروح الماضي عنده ، ولاهو عارف سببها ! ..
تراجع بخطواته بيدخل لداخل البيت لكن اصطدم ظهره بتميم اللي توّه خرج من الباب ..
ريّاس تصددّ بسرعه وهو يمسّح وجهه بيده وعقد تميم حاجبيه وللوهله نسى نفسه ونسى انه تميم ونسى صوته و نطق بقلق : ريّاس فيك شي ؟ .
ريّاس التفت له بسرعه من انقبض قلبه اثر سماعه لصوت تميم وناظره بنظرات غريبه وكأنه يتحسسه ويبحث بين ملامح تميم عن سلطان اللي يجهل ملامحه اساسًا ، توتّر تميم لكن حاول يخفي توتّره قدر الأمكان ولأجل ان لا يشككّ ريّاس فيه نطق من جديد : فيك شي انت ؟ .
ريّاس التفت له بسرعه من انقبض قلبه اثر سماعه لصوت تميم وناظره بنظرات غريبه وكأنه يتحسسه ويبحث بين ملامح تميم عن سلطان اللي يجهل ملامحه اساسًا ، توتّر تميم لكن حاول يخفي توتّره قدر الأمكان ولأجل ان لا يشككّ ريّاس فيه نطق من جديد : فيك شي انت ؟ ، ليه واقف عند الباب .
ريّاس ابتلع ريقه المرير بصعوبه وظل يناظر بعيون تميم وشعور داخل قلبه ينغزه وجاهل سبب هالنغزات .. صغّر نظراته بشكّ وترقّب واقترب لتميم الواقف امامه وصوت الأذان من حولهم شارف على الانتهاء ، نطق تميم بعقدة حاجبيه: وش تطالع فيه أقام الإمام وانت تطالع فيني ! ، مسك كتف ريّاس بيبعده عن طريقه لكن قاطعه ريّاس اللي استوقفه وهو يقول بنبرة غريبه : دقيقة ..
عقد تميم حاجبيه وهو يمثل اللامبالاة ومن داخله يرتجف من توتره وخوفه ويكاد قلبه يسقط ارضًا من توتره ! ، ابتلع ريّاس ريقه ورفع عيونه لعيون تميم و نطق بتردد وهو وحروفه تتلعثم وسط فمه : ء .. بعد الصلاة .. تطلع معي ؟ .
تميم نغزه قلبه وعقد حاجبيه وبان التوتر عليه هو الاخر وابتلع ريقه وهو يقول : ء ليه ؟ .
ريّاس تغيّرت ملامحه واشتدّت ونطق بقهر و عصّب : وش اللي ليه ؟؟ جالس اعرض عليك طلعه ولا انت بكيفك تبي تجلس مع الشايب يسفّل فيك وفاللي جابك .
تميم من وسط توتره عجز يخفي ضحكته وضحك بخفّه تحت استغراب ريّاس اللي نطق بعصبيه وقهر اكثر : قايل نكته انا؟ ، دفّ تميم عنّه بقوة وهو يقول بقهر : دز امها الشرهه علي مو عليك .
تميم عجز يخفي ابتسامة ضحكته ومسك ريّاس من كتفه قبل يمشي وهو يلفّه له ويقول : لا لا خلاص ، اصلًا انا ودّي اتمشى بالرياض واشوفها .. ولا لي خلق ابوي بعد ما هاوشني اليوم .
ريّاس بعّد يدّ تميم عنه وهو لازال ماتخطّى صوت تميم اللي يقرقع داخل قلبه ، التفّ بظهره ومشى متجه للمسجد وهو يتحسسّ جيبه واخرج جواله وابتسم من شافه وتذكّر سلطان اللي مانساه اصلًا .. تنهّد بعمق ودخل لمحادثة سلطان و كتب :
" سلطان بطلع مع واحد من اخواني بعد الصلاة "
" خلك موجود حولي "
قفّل جواله وحطّه بجيبه وهو يكمل مشيه للمسجد واسرع بخطواته يلحق على الصلاة ، اهتزّ جوال تميم بالاشعارات داخل جيب بنطلونه وهو اللي عينه على ريّاس عرف انه يرسل له.. تنهّد بقوّة وهو يحمد ربه انه حاط جواله على الصامت ..
-
بعد صلاة المغرب مباشرةً .. :
دخل للبيت وهو يسرع بخطواته ويصعد الدرج الى ان وصل للدور الثالث ، تسارعت انفاسه بسبب صعوده السريع والتفت لغرفة لتين ومشى لها بخطوات سريعه وطرق الباب و اول ماسمع الاذن بالدخول من لتين فتح الباب بسرعه وهو ينطق وهو يلهث وبتوتر : لتتتييين تكفين انقذيني ! .
لتين واللي كانت على سجادتها ولابسه ثوب الصلاة ومستقبله القبلة التفتت للباب و توسّعت عيونها بخرشه ونطقت : بسم الله الرحمن الرحيم وش فيييك !! .
تميم ابتلع ريقه ودخل للغرفة وهو يلتقط انفاسه ويقفل الباب خلف ظهره : ريّاس..
لتين عقدت حاجبيها وهي تفكّ ثوب الصلاة من على رأسها : وش فيه بعد ! .
تميم بتوتر : عزمني وقال لي بعد الصلاة الحين نطلع وانا وافقت وش اسوي تكفين انقذيني .
عقدت حاجبيها واشتدت ملامحها بانجذاب وهي تسأله : دقيقة دقيقة اي واحد عزمه ؟ .
تميم كشّر وبعصبيه : وش اللي اي واحد انا يعني مين !!! .
لتين مسكت ضحكتها : ايه الاصلي ولا التقليد تميم ولا سلطان ؟ .
تميم كشّر وطق راسها بيده بخفّه وهو يسبّ بهمس ويقول : مو وقتك تنكتين ترا مايضحك واضحه انا تميم يعني مين !! ، نزل لمستواها على الارض ونطق برجاء : تكفين ساعديني اخاف اجيب العيد وش اسوي .
لتين تنهّدت : هو انت جايبه اصلًا بدون لاتقول .. ، سكتت لثواني تفكّر بعدها كشّرت وضربت خدّ تميم بخفّه وهي تقول : بعدين ليه توافق ليه ؟ لهالدرجة ماتعرف تقول لا ؟؟ .
تميم ارتخت ملامحه ونطق : والله عجزت اقولها بوجهه ، انا اعرف ريّاس زين مستحيل يطلب احد زي كذا الا وراه شي وقلت اوافق خفت عليه و .. بهمس : ماقدرت اردّه .
لتين مسكت ضحكتها وهي تبلل شفتيها وتناظر بصمت لتميم اللي يناظرها بترقب وينتظر انقاذها له ، تأفف بحلطمه ونطقت هي : يعني وش تبي اسوي لك اروح معكم مثلا ؟ .
تميم ابتلع ريقه ونطق : لا ، طلّع جوالاته الاثنين من جيبه و مدّهم لِـ لتين وهو يقول وهو ماسك ضحكته : ابيك تصيرين سلطان .
لتين طيّرت عيونها : لا ياشيخ ! وليه ان شاء الله ؟؟.
تميم ارتخت ملامحه وبرجاء وهو يحاوط وجهها بكفوف يدينه : تكفين تكفين ياروح تميم انتِ تكفين لاترديني وساعديني قسم بالله مالي غيرك ، ماتدرين يمكن يحبني انا الحقيقي وينسى سلطان والسبب انك ساعدتينا ! .
لتين ابتسمت باستهزاء وابعدت يدينه عنها وهي تنطق بسخريه : قال ايش قال ينسى سلطان ، وانت تحسب قلب ريّاس لعبة يا تميم ؟؟ ، وقفت وهي تنزّل ثوب الصلاة عنها وتلفّه وهي تقول : ياكبر خيبته فيك بس .
تميم الجالس على الارض تنهّد بضيق وارتخى وارخى اكتافه وهو ينزّل رأسه لكنها ثواني واقتربت منه لتين وهي تاخذ الجوالين من يدينه وتناظر فيهم وتقول : ايهم حق اللعب ؟ .
تميم بضيق وهو يوقف : لتين ! ، اقترب منها وسحب احد الجوالين ورفعه : هذا ، قلبه وفتحه وهو يقرّب لها وينقر على الشاشة : شوفي هذا رمزه .
لتين عقدت حاجبيها وهي تقول بسرعه : ايه ادري اعرفه اخلص علي وش اسوي بعدها .
رفع تميم حاجبيه ووسّع عيونه وفتح فمه بيتكلم لكن قاطعته لتين اللي طلبت منه انه يسرع ، تنهّد وفتح الواتساب وهو يقول : شوفي هنا ..
— .
داخل غرفة خيّال .. :
الظلام غيّم على الغرفة ما عدا ضوء الشفق الخفيف الخارج من النافذة ، الجوّ دافئ داخل الغرفة بسبب خيّال اللي شغّل المدفئة قبل خروجه ليضمن نومه دافئه لأبوه سيّاف النايم على السرير بعمق ولاهو حاس بنفسه من التعب ، عكّر نومته الهانئه رنين هاتف جواله المستمر ، عقد حاجبيه بإنزعاج وانقلب للجهة الأخرى وهو يحتضن البطانيّه الناعمه وامنيته بهاللحظات انه يظل نايم وسط دفئها الى ان يشبع ..
انكمشت ملامحه بإنزعاج اكبر من رنين الهاتف المتواصل وفوقها رسائل الواتساب الاخرى .. تأفف بإنزعاج ومدّ يدّه وهو يتحسس حوله يدوّر جواله ، تأفف من ما حصّله وتعدّل وهو ينهض نفسه وملامحه متعكّره وحاجبيه مقطّبه بإنزعاج ، تلفّت حوله وزادت عقدة حاجبيه من استوعب هو وين ، نطق بصوته المختفي بسبب النوم : خـ خيّال .. ، تنحنح يعدّل نبرة صوته ونطق من جديد وهو ينادي : خيّال يا أبوي ؟؟ .
التفت لجواله اللي يرن بجانبه على الطاولة الجانبية وتوسّعت عيونه من شاف اسم ابوه يعتلي شاشة الجوال ، اخذه بسرعه ورد وهو يتنحنح ويقول : سمّ يبه ؟ .
عبدالله واللي توّه طالع من المسجد وبرفقته خيّال يمشي على يساره ، همس بعصبيه وهو عاقد حاجبيه بانفعال : وينك عن الصلاة ؟؟ وش عذرك لربك هالمرة ! .
سيّاف وهو يبعثر شعره غمّض عيونه وهمس : يبه راحت علي نومه ، بعّد البطانية عنّه وهو ينزّل رجوله للأرض ويقول : هالحين بجي للمسجد دقايق وانا هناك .
عبدالله نطق بسرعه : لا لا تجي كثّر الله خيرك وش عقبه تجي وش تبي الجماعة يقولون عني ؟؟ هذا خيّال ولدك معي وانت ابوه ساحبها نومه ! قمّ صلّ وانزل تحت وجمّع لي اخوانك على قهوة المغرب استعجل علي .
سيّاف وهو يوقف وياخذ نظاراته الطبيّة من فوق الطاولة الجانبية وينطق : سمّ ابشر .
خيّال واللي يمشي بجانب جدّه بصمته المعتاد عضّ على طرف شفّته وشدّ على قبضة يده وهو ماسك نفسه لا يشتم جدّه بداخله .. عارف ان عيون ابوه ماذاقت النوم من ايام والتعب مهلكه ومايستاهل مين يعاتبه بهالطريقة !.
طلع سيّاف من دورة المياه - اكرم الله القارئ - وهو يمسح قطرات الماء من على شعر ذقنه ويتمتم بذكر مابعد الوضوء ، اتجه لغرفته واخذ سجادته من الخزانة واغلق درج الخزانه وهو يفكّر ثواني وجزّم على فكرته وخرج من غرفته وهو يقفّل انوار القسم ويخرج منه متجه بخطوات سريعة للدور الثالث وبيده سجادته .
طرق باب غرفة روّاف وهو يستأذن للدخول واستغرب من ماسمع اي صوت ، التفت لغرفة الممرض المساعد وطرق الباب ودخل واستغرب من شافها فاضيه وعرف ان دوامه انتهى ..
دخل لغرفة روّاف وابتسم بخفّه من شافه صاحي ونطق : مساء الخير..
روّاف الجالس على سريره ويحاول ينزل منه التفت لسيّاف اللي توّه دخل وسأله باستغراب : روّاف؟ وش تسوي ؟ .
روّاف واللي كان عاقد حاجبيه من ألمه نطق بعصبيه وهو مقهور: وش اسوي يعني ابي اصلي ومحد حولي .
سيّاف ابتسم بلطف وهو يقترب له ورفع السجادة اللي حول ذراعه : انا ماصليت .. تصلي معي ؟ .
روّاف فتح فكه بيتكلم باندفاع لكنه سكت بتردد واطبق شفتيه وعينه على سيّاف اللي اقترب له وهو يأشر له : القبلة من هنا ، انا قلت لهم يحطون سريرك قبالها عشان ماتتعب وانت تصلّي ، انت اجلس بالسرير وانا بصفّ جنبك ونصلي ، التفت له : تمام ؟ .
-
-
داخل بيت ابو سيّاف ، تحديدًا الصالة الموجودة بالدور الأرضي والواسعة والمفتوحة على باقي انحاء المكان ..
بأنوار الصالة الكريمية الهادئة وانعدام الاصوات ماعدى صوت التلفزيون المنخفض امتزجت رائحة القهوة السعودية برائحة البُخور تملأ المكان ومصدرها المبخرة اللي بين يدين أم سيّاف،مشت بخطواتها الهادئة وهي تحاول ماتحط عينها بعين زوجها الجالس بصدر المجلس ،اقتربت ووضعت المبخرة فوق طاولة الخدمة الدائرية الكبيرة اللي تتوسّط الصالة وعينها على القهوة والشاي واصناف الحلا والفطاير يلي طلبتها ميان ، اعتدلت بوقفتها ورفعت نظراتها لعبدالله اللي نطق بنبرته الخَشِنه : العيال وينهم ؟ .
ميّلت سارة شفّتها بمعنى انها ماتعرف وهي تجلس على الجهة اليمنى وترفع رجل فوق الأخرى وهي تعدّل جلّابيتها ، التفتوا ثنينهم لـِ ميان اللي تقدّمت بخطواتها خارجه من المطبخ المقابل وبيدها جوالها وهي مبتسمه ومرتبه شعرها بحيث انها مسويه اطراف شعرها الطويل الناعم بالويڤي .. نطقت بصوت واضح وهي تتقدم لأبوها وتبوس رأسه : الله يحييّك يبه توّه نوّر البيت ..
عجز عبدالله يخفي ابتسامته واظهر نصفها وهو يشتتّ نظراته كعادته نقطة ضعفه الأبدية هي بناته .. تنحنح وهمس بصوت مسموع: الله يحييك يا ميان ، التفت بجانبه وهو يزح عن مكانه : اجلسي .
ابتسمت ميان بأتساع ونطقت : سمّ يبه بس بنادي لتين ، اكيد انها مستحيه ياعمري وماقدرت تنزل .
عقد عبدالله حاجبيه وهو يوقف ويقول بعتب : لا يا بنتي اجلسي صعب عليك تصعدين وتنزلين انا اروح اناديها .
ميان هزّت رأسها بالإيجاب وجلست وعينها على عبدالله اللي تقدّم بيتجه للدرج لكنه وقف مكانه والتفت لها وهو يقول بتردد : بأي شهر انتِ ؟ .
ميان استغربت سؤاله ونطقت وهي عاقده حاجبيها بأبتسامة : توني داخله التاسع يبه .. ليه ؟ .
عبدالله هزّ رأسه بالإيجاب بدون اي تعبير والتفّ يكمل طريقه يصعد للأعلى ..
كشّرت سارة وهي تهمس : مايعرف بنته بأي شهر حامل ! .
ميان عقدت حاجبيها وبعتب : يمه! .
سارة تأففت :افف خلاص قفلي هالموضوع طبعا لافتحنا طاري ابوك انهبلتي محد يقول عنه شي ، نطقت بسرعه قبل تنطق ميان : لاتتعبين نفسك بالكلام يا بنيتي خلاص قفلي الموضوع .
ميان تنهّدت وهمست بصوت غير مسموع : الله يعدّي هالليلة على خير ..

مستشفى الملك فيصل التخصصي ، مركز القلب :
بعد وصول 3 حالات خَطِرة بنفس الوقت لقسم الطوارئ ، واللي انقذ فيصل الحالتين الأشد خطرًا وتعقيدًا ولكنه فشل بـ اللحاق بإنقاذ الحالة الثالثة واللي كانت بعمر خمس سنوات تعاني من فشل بالقلب ، اخذ الله أمانتها وجعلها طيرًا من طيور الجنة..

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن