P/4

1.7K 87 5
                                    

-
الجو مغيّم وبارد والغيوم كثييفة داخل السماء متداخله وسط بعضها وصوت لفحة الهواء الخفيف وبرودة الجوّ تملأ المكان ، يتجسّد هالمنظر ارجاء منطقة الرياض ..
تحديدًا على عتبة باب بيت أبو سيّاف ، يجلس هناك الحفيد الوحيد والفرد الاصغر بذاك البيت " خيّال " جالس على عتبة الباب مطبق شفتيه على بعض كالعادة .. شعره متناثر على جبينه بعشوائية تحديدًا فوق عيونه اللي كانت ولا زالت نظراتها ناعسه من سنين ، خديّه اللي تورّدت وجفت من لحفات الهواء على وجهه متجاهلها او بالأصح يحب شعور البرد ويستلذّ فيه يحس بسكون لروحه وقت ما البرد يدخل داخل جوفه برغم عتاب ابوه الشديد والدائم له لكن هالشعور لخيّال كان ادمان بالنسبة له .. انظاره تتجوّل بهدوء بالشارع والبيوت المقابله ، يناظر بدون هدف او مغزى معيّن
افكار ومئات الألوف من الأفكار تدور داخل ذهن خيّال الصامت من 4 سنوات ، قطع اي وسيلة تعلّم من حياته من لحظة ما توقّف لسانه عن الكلام ، لا لغة اشارة ولا اي شيء من هالقبيل ، معتمد على عيونه واحساسه عشان يعيش .. ثواني وسمع صوت اقتراب سيارة تنهّد وعرف انه ابوه اللي جاء ، ماتحرّك خيّال من مكانه وظل يناظر ابوه اللي وقّف السيارة قدام الباب ونزل وعاقد حاجبيه وملامحه فيها من العتب ، اقترب سيّاف لخيّال ووقف قدامه وهو ينحني ويجلس على رجوله قدام خيّال ويناظره : تدري اني جاي من دوامي عشان اقومك من هالمكان يا خيّال ؟ ، مدّ سيّاف يده وهو يتحسس خدّ خيّال واللي كان متجمّد من البرد ، نزّل سيّاف يده ومن غير لا ينطق بأي كلمة وقف ومسك يد خيّال وهو يوقفه ويدخل فيه للبيت وهو يقول : يلا وانا ابوك ادخل داخل .
خيّال مشى مع ابوه بدون اي اعتراض لكن وقف ورفع راسه لسيّاف اللي نطق وهو يحاوط كتوف خيّال ويقول : خاطرك بشي دافي ؟ .
خيّال هز رأسه بالنفي لكن سيّاف ماكان منتظر منه اي ردّ ، مشى فيه لداخل البيت وهو يتكلم ويقترح على خيّال مشروبات برغم انه عارف انه مافي اي تجاوب من خيّال ..
دخل للصاله وجلّس خيّال على الكنب وهو يقول : انتظرني هنا .
اختفى سيّاف لعدّة دقايق وخيّال جالس بمكانه ماتحرّك ..
دخل سيّاف وبيده كوب قهوة جلس جنب خيّال ومدّه له وهو مبتسم بخفّه ونطق : هاك احلى كوب قهوة من يدين ابوك من قدك ؟ .
اخذ خيّال كوب القهوة واحتضنه بين يديه وعينه على القهوة ببخارها المتصاعد اللي ريحته ملت رئتيه وحس بقشعريرة من الدفء اللي داهمه ، التفت لأبوه اللي بعثر شعره بخفه وهو شبه مبتسم : والله وكبرت يا خيّال .. تذكر وانت صغير تلاحقني تبغى تذوق هالقهوة واليوم انا اسويها لك .

خيّال بانت على طرف شفته ابتسامة خفيفه ورفع الكوب لفمه وهو يرتشف منه ، التفت بسرعه لسيّاف اللي مسك طرف بلوفر خيّال من رقبته وهو يفتحه ويقول : مالبست بلوزه داخليه ؟ ، ضحك بخفه من خيّال اللي ابتعد وهو موسّع عيونه ونطق سيّاف : تستحي مني ؟تراني ابوك محد رباك غيري ، وقف ثم انحنى وهو يبوس راس خيّال واعتدل بوقفته : يا ويلك اشوفك طالع برا اجلس خلك عند امي ولا تقلقني عليك .
خيّال هزّ راسه بالايجاب من غير لايناظر لابوه اللي ثواني وخرج من المكان ، ناظر لكوب القهوة لثواني ثم ارتشف منه ..

قفّل الملف الازرق اللي انهاه لتوّه ، ارخى ظهره على الكرسي وغمّض عيونه لعدة ثواني وفتحها بتعب وتحسسّ أيسر صدره بيده وهو مكشّر بألم وشدّ على ثوبه بخفّه وهو مغمّض عيونه من الألم ، بلع ريقه بصعوبه وتذكر ليلة امس اللي ماغفت فيها عيونه من التفكير والهم اللي شايله داخل قلبه ، فتح روّاف عيونه ببطئ وعدّل جلسته من الباب اللي انطرق ونطق وهو يتعدّل: تفضل .
ابتسم بخفّه من شاف ابو ابراهيم اللي دخل واستقام روّاف بوقفته وهو يمدّ يده يسلّم عليه وينطق بابتسامه : المدير جايني يصبّح علي ؟ عزّ الله اني موفّق هاليوم شكلك راضي علي ؟ .
ابو ابراهيم ابتسم وجلس بالكرسي المقابل لمكتب روّاف ونطق: من حزّة ما خطت رجلك على هالشركة وانا راضي يا روّاف .
روّاف ابتسم بإحراج وسكت لكن ثواني ورفع راسه لأبو ابراهيم اللي نطق وهو يتعدّل بجلسته ووضحت على ملامحه الجديّة : ما دام اني فتحت هالموضوع يا روّاف اسمعني انا ماجيتك اليوم عبث ، انا جايك بموضوع واتمنى انك تسمعني للآخر .
روّاف عقد حاجبيه وانجذب اكثر لحديثه ونطق وهو يعدّل جلسته : عساه خير يابو ابراهيم اسمعك تفضل .
بدأ ابو ابراهيم بكلامه بهدوء وهو يحاول يشرح الموضوع بطريقة هاديه .. واللي كان عن ياسر وحقّه بالبيت .
بالمقابل روّاف اللي ملامحه اشتدّت مع كلام ابو ابراهيم وشدّ على قبضة يده وهو حاس برجفة جسمه وعيونه اللي اقتلبت نظراتها لاشعوري بدأ يقطّع طرف شفايفه بأسنانه وبيده الثانية شدّ على الكرسي ، انفاسه بدأت تتزايد عجز عن السكوت وقاطع كلام ابو ابراهيم وهو يقول بحدّة : وش علاقتك بالموضوع ؟ كيف عرفت وكيف وصل لك خالي ؟ .
تنهّد ابو ابراهيم ثم نطق: روّاف اللي بيننا مو موظف ومديره اغليك وغلاتك من غلاك عيالي يهمني امرك و..
روّاف لاشعوري ضرب يدّه على الطاولة بقوّة ونطق بعصبية وانفعال: مالك دخل بأموري الخاصة لاتخليني اتخذ قرار اني ما عاد اجي هنا الموضوع حساس بالنسبة لي وما اسمح لأحد يتدخّل فيه اخوي تميم ماعنده خبر بهالموضوع تجي انت تتدخل بصفتك مين ؟؟.
ابو ابراهيم وقف وبجدّية : ابي مصلحتك يا روّاف هذا حقّ ويرجع لأصحابه ماخبرتك تاكل حقّ احد! ، خالك بنفسه جاي يكلمني الموضوع ماوصل لهالدرجة الّا انه محتاج .
روّاف بدأ يتنفّس بغضب ونطق بانفعال : لو تجتمع الدنيا ومافيها والله ما اترك البيت اللي عاشت فيه امي تفهم ؟ على جثتي على جثثثتي ! ولاعاد اشوفك متدخّل بمواضيع مالك شغل فيها علاقتي فيك ما تتجاوز جدران هالشركة .
اخذ روّاف مفاتيحه واغراضه وطلع متجاهل نداءات ابو ابراهيم وهو يتنفّس بغضب شديد ويسبّ ويشتمّ بـ ياسر ، طلع من الشركة متجه لسيارته ومجرد ما اقترب لها وقف بسرعه من حسّ بنبضة ألم شديدة انتشرت بقوّة داخل جسمه اجبرته يوقف الى ان توسّعت عيونه وحطّ يده على صدره وهو يسحب نَفَس ويزفره ويحاول ينظّم انفاسه اللي ضاقت عليه ، كتلة من الألم استوطنت على صدره نزّل راسه وهو يغمّض عيونه ويمهس لنفسه : رحتي وتركتي ورثك داخل قلبي يمه وش ذنبي ؟.
رفع راسه وبلع ريقه وهو يترحم عليها ، ركب سيارته وحرّك متجه للبيت .
دخل للبيت ومجرد ما خطت رجوله داخل البيت رفع راسه لبناية الفلّه وتناشرت نظراته على جدران البيت ، زاد ألم قلبه وغمّض عيونه وهو ينطق برجاء : ياربي لاتحرمني من اخر ذكرياتها .
دخل للبيت وبخطوات سريعة اتجه لغرفة لتين ، دخل بسرعه ورمى نفسه داخل السرير وهو يغطّي نفسه ويحضن البطانية لصدره .

كالعادة انتهت اغلب مهماته وبدأ يتسلّل لداخله الملل واتجه كعادته للطوارئ , دخل لقسم الطوارئ ومن بدأ يسمع الأصوات تتسلّل لأذنه ارتاح داخله مابيلاقي فرصة انه يفكّر او يعطي مجال للوسواس يداهمه .
اسرع بخطواته لداخل القسم وفتح اوّل ستارة شافها وطاحت عينه على المريض اللي يونّ ألم اقترب له فيصل متجاهل الممرضين ، مررّ انظاره لجسد المريض مدّ يدّه للممرض اللي قدامه وهو يقول ببرود وببحّة صوته : 5 مل مورفين ، شاش و إبرة ومخدّر .
عقد الممرض حاجبيه مصدوم وهو يقول : فيصل تستهبل تعطيه مورفين وهو بهالحالة ؟ .
رفع فيصل عيونه الباردة وهو يخترق فيها الممرض ظل على هالحال لعدة ثواني من غير لا ينطق بأي كلمة ومازال ماد يدّه ، نطق بهمس : كل ما تأخرت كل ما زاد ألمه ، مايهمني .
تنهّد الممرض وهو يناظر فيصل بقهر والتفت للعدّة اللي وراه وطلّع اللي طلبه منه فيصل اللي لبس القفازات الطبيّة و سحب منه إبرة المورفين وانحنى متجاهل ونّات المريض وكلماته ورجفة صوته وحقنه بذراعه متجاهل صرخته المكتومة وكأنه ماسمعها اصلًا .

بين الحنان ونبضة البعد منصاب   قلبٍ تعلّق في سرابك و زاحه..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن