الفصل الاول

194K 3.5K 522
                                    


''غالباً يجب عليك أن تدرك أنك عظيم ، لثباتك بنفس القوة رغم كل هذا الأهتزاز '' .
_دوستويفيسكي.

انتفضت من سباتها ترتجف كالفرخ المبلول شاهقة عدة مرات متلاحقة لتهدئة ضربات قلبها التي تدوى كالطبول، سحبت نفساً عميقاً قوياً محاولة إدخاله عنوة إلى رئتيها وهي تلتفت حولها يميناً ويساراً بذعر  حسناً حسناً اهدئى قليلاً.. مجرد كابوس وليس حقيقة.. أنتِ بأمان الأن.. ليس هناك ما يدعو للخوف أو القلق.. تذكرى.. الله معك وبجوارك...
هذا ما حدثت به نفسها قبل أن تفتل على يسارها ثلاث مرات كما علمها والدها دائماً عندما يراودها حلم مزعج، وبعد فترة وجيزة بدءت تستعيد هدوئها شيئاً فشيء عادت لأغلاق عينيها وهي تتنهد بتعب حيث أرهقها كثرة التفكير ، فتلك هى الليلة السادسة على التوالي!!.. نفس الحلم!!.. نفس المتاهه المظلمة!!.. نفس التخبط والشعور المريع بالعجز.. ونفس الرجل مبهم الملامح الذي يلاحقها!!، والأسوأ نفس الشخص الذي تصطدم به في كل مرة معيقاً طريقها نحو الخروج!!!.

انتظرت عدة دقائق أخرى حتى استعادت سيطرتها الكاملة على جسدها، وبعدها تحركت من داخل الفراش تبتغى ملاذها الأول وحصنها الذى لا يُرام، خالقها ومن بيده مفاتيح كل شيء، فالطالما اعتادت على ذلك منذ سنوات مضت حتى أصبحت عادة وجزء لا يتجزء من يومها، ركعتين في جوف الليل والناس نيام قادرة على تحقيق المعجزات بالنسبه إليها..
لذا وقفت تتلو بخشوع بعض آيات من الذكر الحكيم بعدما أحسنت الوضوء وقلبها مفعم بالأجلال والأمل، نعم الأمل والثقة، فدائماً ما كان معها وبجوارها مهما توالت عليها الصعاب، وعندما لامست جبهتها الأرض انفجرت باكية وداخلها يناجى بكلمة واحدة "يارب".

**************

نحنا والقمر جيران .... بيته خلف تلالنا
بيطلع من قبالنا ..... يسمع الألحان
نحنا والقمر جيران .... عارف مواعيدنا
وتارك بقرميدنا ..... اجمل الالوان .

تهادى إلى أذنها ذلك الصوت العذب كعادة كل صباح آتياً من غرفة معيشتهم المتواضعة، ففتحت عينيها على مضض وهي تبتسم بخفوت وتمد يدها نحو المنضدة المجاورة للفراش تلتقط هاتفها وتنظر بداخله، فقط فى الموعد، اتسعت ابتسامتها وهي تحرك رأسها باستسلام يشوبه الكثير من الرضا والامتنان، فرغم كل ما مرا به إلى الآن ألا أن صوت فيروز الصباحي قاعدة مقدسة -بروتوكول دولى- لا تستطيع والدتها كسره لأي سببًا كان.

تحركت رحمة تنضم إلى والدتها التي كانت تقف في المطبخ تنتهى من وضع اللمسات النهائية لفطار الصباح ثم قالت مازحة بصوتها العذب وهي تحتضنها من الخلف:
-(( صباح الخير يا جارة القمر .. كروان بيغنى مع فيروز ياربي ))..

لكزتها والدتها السيدة فريدة بخفه جوار مرفقها، ثم قالت مؤنبة ومعارضة بمرح:
-(( وماله صوتى يا ست رحمة مش عاجبك.. طب لعلمك دي الحاجة الوحيدة الحلوة اللي ورثتيها مني.. لو تقدري تنكري يعنى!! ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن