يدُكَ التي حَطَّت عَلى كَتفِي ، كحَمَامَةٍ نَزُلَت لكي تَشربْ
عَنِدي تُسَــاوي ألَفَ مَملكةٍ، يا ليتَهـــــــا تَبقَى وَلا تَذهَبْ .-نزار قباني .
إن تظاهرك بأنك على خيراً ما يرام طوال الوقت هو أكثر ما يؤلم ، أن تقنع نفسك بأنك تتقبل الأمر ، ولكن فى الحقيقة أنك أبداً لا تستسيغه ، أن تُرغم شفتيك على أغتصاب إبتسامة كاذبة فى وجه الجميع ، تخفى خلفها تهدج نبرتك المرتعشة عندما تخبرهم أن أيامك حتى لم تكن بأفضل حال ، بينما جفنيك تأن مستجيرة فى صمت من ألم وخز الخيبات التى مررت بها ، أن تثرثر وتثرثر مؤكداً بأنك تمضى قدماً فى حياتك ، فى حين أنك لازلت تقف فى نفس المكان ، فى منتصف الطريق ، تراقب سيرهم من حولك دون أمتلاك أدنى قدر من الحيلة تُمّكنك من اللحاق بركبهم ، ثم تعود إلى منزلك وحيداً ، حيث ملاذ روحك المنهكة ، ولا يُحيل شئ بينك وبين عبراتك ، خذلانك ، وأحباطك ، سوى قناع القوة الزائف ، فتبكى وتبكى إلى أن تنقطع أنفاسك ، وتُستنفذ طاقتك وتغفو متعباً ، ثم تستيقظ صباح يومك التالي وأهدابك مازالت محتفظة بأثار أنهيارك أمس ، مقرراً المحاربة ، والمضى قدماً حاملاً ألمك داخل طيات خفقاتك وبين نياطه ، حتى يُعيد التاريخ نفسه ، بخيبة أمل جديدة ، تعيد إليك الماضِ بكل تفاصيله ، جراحه ، وبشاعته ، وتظل هكذا كلما تقدم بك العمر ، تتراكم فوق أكتافك الخيبات ، سائراً دوماً بوخز الدمعات ، حتى تصادف من يربت على كتفك ، وهو يخبرك أنه هنا ، معك ، وفقط من أجلك ، فإذا كنت تفكر به الأن ، وخطر على رأسك أسمه أو قفزت أمام عينيك صورته ، إذاً ، فأنت من القلة القليلة المحظوظة التى وجدت ضالتها وترياق روحها ، فحاول جيداً وبكل طاقتك أن تتشبث به .
أستمع إلى الصوت القادم من المذياع أثناء قيادته السيارة بنفسه وأبتسامته تزداد أتساعاً مع الوقت متفقاً مع حديث الضيفة الخبيرة ، فمجرد النظر إليها يحول الخراب بداخله إلى حديقة ورد ، فماذا عن أخباره بأنها معه ومنه ولأجله؟! ، تنهد بقوة مسابقاً الرياح فى الوصول إليها بعدما حررها في الصباح من بين ذراعيه مجبراً ، واعداً قلبه بأنهاء العمل والعودة إليها فى أسرع وقت ، متمنياً لو يدخر الساعة التى يقضيها فى الطرقات ، كى يصرفها برفقتها ، أو لو أستطاع كأضعف الأيمان نقل مقر أقامتهم إلى جانب العمل أو ربما العكس ، نعم قفزت تلك الفكرة بداخل عقله منتوياً طرحها على شريكه فى الحال ، فبعد أنتقال عائلة عمه هو الأخر للسكن جواره ، لن يُمانع جواد لو شرعا فى نقل مقر الشركة الرئيسي إلى المنطقة الصناعية ببرج العرب ، كخطوة جديدة نحو رفع أسهم ومكانة الشركة ، أما الدافع الأساسي لمقترحه ذاك ، فقد قرر الأحتفاظ به لنفسه تجنباً سخرية ذلك الفظ .
وفى داخل المنزل ، بعد ساعة ناقصة من القيادة المتهورة ، أستند بجذعه فوق أطار مدخل الممر القصير المفضى إلى المطبخ دون الأفصاح عن وجوده ، يراقبها بأشتياق وهى تتحرك داخله بخفة وتغمغم بنبرة ناعمة خفيضة ، لحن أغنية فيروزية عرفها على الفور ، بمجرد تغلغل صوتها الحانى خلاياه ، تاركاً المساحة الكاملة لحدقتيه اللامعة بما أضحى واضحاً إليه وإلى العيان ، فى ألتهام تفاصيلها والغرق بها وفيها ، ففي البداية ظنها محطة في حياته ، كمثيلتها ممن مروا به ، ولكنها فاجئته بالأستوطان فيه ، ولم يشعر بساقيه التى تحركت تنفيذاً لرغبته ، سوى عندما توقف خلفها ، يسألها بنبرة متحشرجة ، بينما رأسه تستند بأريحية فوق كتفها ، وذراعيه تحاوط بتملك واضح خصرها :
-(( هم العمر .. بيعمل أيه؟! )) ..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .