إِذا هَجَرتَ فَمَن لي؟
وَمَن يُجَمِّلُ كُلّي؟
وَمَن لِروحي وَراحي
يا أَكثَري وَأَقَلّي
أَحَبَّكَ البَعضُ مِنّي
فقَد ذَهَبتَ بِكُلّي
يا كُلَّ كُلّي فَكُن لي
إِن لَم تَكُن لي فَمَن لي؟..-الحلاج.
كان التمرد هو الخطيئة الكبرى لأعتى الملائكة وأشرفهم، وبسببها عوقب بالنفي والحرمان إلى أبد الأبدين، ربما هي الأخرى تُعاقب بالحرمان على نعمة كانت بين يديها ولفظتها، نعم ألقتها بعيدًا أرضاءًا لغرورها تارة، وبطفولية تفكيرها تارة أخرى، وها هي تقف في مواجهة صريحة أمام نفسها قبل كل شيء، وكأن الاحتمالات التي واجهها بها الطبيب أزالت غشاوة التعالي من أمام بصيرتها، وجردتها ألا من واقع فقدانه أو الأسوأ نسيانه لها، هل حَقًّا ينساها وكأنها أبدًا لم تكن؟، بضراوة مواقفهم وغلاوتها حتى وإن لم يجمعهم سوى القليل؟!، آية شقاء قد نزل بساحة روحها، وأي بؤس صبغ لون حياتها وأفقدها القدرة على التمسك بغريزة الاستمرار؟ وأرقدها فوق الفراش شبهه مشلولة تستمع إلى الهمهمات من حولها دون القدرة على النطق أو التفكير، حتى أبسط عملياتها الحيوية أضحت مصدر ألم ضاري عند القيام بها وقد انعكس ألمها الروحي على العضوي، ومع همسة خافتة لاسمها من فم شقيقها القلق ازدردت على أثرها ريقها بصعوبة بالغة وكأن هناك سمكة نيص تنتصف حنجرتها، بينما أشواكها المدببة تخترق جلد عنقها الداخلي، فتعاني أن ابتلعت لعابها وتعاني إن لم تفعل، تبعته بأنين خافت بدأ يصدر عنها في استجابة ضعيفة ليده الممسدة جبهتها في حنان وقد تم نقلها إلى غرفة مجهزة بفراشين، فكعادة كافة المستشفيات المصرية الخاصة، كلما دفعت أكثر، كلما حصلت على تدليل واهتمام أكبر، وبالنسبة إلى أخيها كان دائمًا وأبدًا همه الأول والأخير راحتها، لذا لم يتوانى عن اختيار أحسن الغرف الخاصة "اللوكس" المزودة بفراش مرافق حتى تتمكن من مجالسة زوجها براحة والاعتناء به كيفما شاءت، ومع تمتمة أخيرة من فمه يستجديها فيها الاستيقاظ إذ أوشكوا على نقل زوجها المصاب إلى نفس ذات الغرفة جعلتها تقاوم سدول أهدابها الثقيلة وتفتحهم على مضض تطالع بأعين شبهه خاوية الجمع الملتف حول فراشها، وقبل أي حديث مواسي شارف على الخروج من أفواه المراقبين لها، تهادى إلي سمعهم وقع خطوات وأصوات لعدة رجال صادرة من خلفهم أيقظت كافة حواسها خاصةً فور لمحها جسده المسجى فوق الفراش المدولب المدفوع بعجلاته الأربع، فأنتفضت من نومتها على حين غرة هاتفة أسمه في لوعة :
-(( يحيي ))..ترنح جسدها مع اندفاع حركتها البسيطة، فسارعت يد طاهر تلك المرة في إسنادها ودعم ثقلها متجاهلًا ضربة ألم قوية عصفت بثباته يده هو الأخر فكانت رحمة هي أول من لاحظت ارتعاش قبضته فبادرت بمد كفها الناعم نحو كفه ومحاوطته في دعم معنوي راقه كثيرًا، بينما تحركت علياء تلك المرة فور استعادة اتزانها على مهل تقف بالقرب من الرجال وتتابع باهتمام كامل مهمة رفعه من فوق الفراش المدولب ووضعه برفق وحذر شديد فوق الأخر الجلدي، وعند استقراره اندفعت تنحني بجسدها نحوه وتضمه إليها متمتمة في قهر :
-(( يحيى..... ))..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .