الخاتمة (الجزء الثاني)..

70.3K 2.5K 911
                                    

مُزِجَت روحُكَ في روحي كَما

تُمزَجُ الخَمرَةُ بِالماءِ الزُلالِ

فَإِذا مَسَّكَ شَيءٌ مَسَّني

فَإِذا أَنتَ أَنا في كُلِّ حالِ.

-الحلاج.


يقول أحد الشعراء... "لا يصح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر: يا أنا".....

"يا أنا"... هكذا قال قيس لـ ليلى، وهكذا يصف الصوفيين الحبيب... فـ "الأنا" دلالة عميقة على ما لا نبوح به من مشاعر ومذاقات الحب، فإذا قال المُحب لمحبوبه يا "أنا"... فإنها تشير فيما تُشير إلى الفناء به، والذوبان، التتُيم، الفتون، والتوهان....
فلا حدود للمحب في عشق المحبوب، كما أن الحب الصادق ليس به رتابة ولا تكرار، بل هو غرق في غرق، وسفر في سفر، واكتشاف يليه اكتشاف، يفنى فيه المحب وجوده ووجده ووجدانه فداءًا لعين المحبوب التي بسحر لقاءها يحلو كل مر.....
وليست "يا أنا" هنا تعبر عن الذات الأنانية بشكلها المعروف المرفوض، بل هي في تفسير أهل العشق والتصوف نداء سامي، فما بين حرف النداء "يا" و"الأنا" التي تلحق به مسافة خاصة، ينصهر بداخلها الأنا " كناية عن المحب"، وآناها "أي المحبوب" بلا حد أو قيد....
لذا كان أعظم تفسير لنداء "يا أنا"... هو أن" الأنا" تستجدي" أناها" الساكنة داخلها والممتزجة بها.

رفع الطبيب ذراعه كي يربت على كتفه مواسيًا، ثم أردف يقول آمرًا في عملية معتادة من كثرة معايشته للمواقف المشابهة :
-(( مدام أفنان نزفت كتير جدًا ووضع الرحم من أسوأ ما يكون.. محتاجين تدخل جراحي فوري عشان ننقذه.. ودلوقتي محتاج منك موافقة كتابية على العملية عشان نبدأ فورًا.. وبعدها هبعتلك ممرض يرشدك للمعمل تحت.. عايزك تعمل فحص متقدم شويه نعرف منه سبب الإجهاض المتكرر.. معلش هو هكون مكلف عن العادي بس أنا لازم أعمل فحص كامل لجينات حضرتك وللمدام أفهم بيهم السبب.. دي خطوة محبتش أعملها من البداية بس بعد اللي حصل أظن أنها ضرورية ))..

حرك رأسه موافقًا قبل أن يسير في تيه، يترنح بجسده هنا وهناك داخل الرواق على أهواء الممرض الذي حضر في الحال ليرشده الطريق، فكان كالعاجز، أينما يوجهه الرجل يسير بلا مقاومة أو رفض.

**************************


يقول الشافي... "الدهر يومان ذا أمن وذا خطر..... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر".

كلمات لو تأملها العاقل لحفظ نفسه من أهوال المستقبل، ولكنها النفس البشرية، وما أدراك ما النفس البشرية، كانت ولاتزال العدو الأول للإنسان، وإن لم تجد من يُذكرها بالخير الكامن بها، غلبتها الأمارة بالسوء ومالت به إلى طريق الهلاك!.

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن