الفصل الثامن

68.3K 2.9K 472
                                    


'' إنّني مقيّد إليك ، لا بالحبّ وحده ،  فالحبّ وحده لا يكفي ، الحبُّ يبدأ ، الحبُّ يأتي ، ينقضي ، ويأتي مرة أخرى ، ولكنّ هذه الحاجة التي تقيّدني بالكامل إليك هي ما يبقى ''
- فرانس كافكا.


تابع بخطوات قدميه الشريدتين تقدمه نحو الأعلى ، محاولاً بكد تجاهل تأثير حديثها الذى يتردد صداه بداخله ، ومطمئناً نفسه بأنها ليست سوى كلمات ، تحمل من الخطأ بقدر ما تحمل من الصواب ، فهى بمأمن طالما تتواجد بداخل حدوده وتعيش تحت كنفه ، ثم ، من ذا الذى يجرء فى التعدى على ما يخصه حتى وإن كان زاهداً فيه ! ، عند تلك الفكرة المختالة دلف غرفته غالقاً الباب من خلفه جيداً ومانعاً بذلك أفكاره من التسلل خارجها ، ثم قام بخلع سترة بذلته الرمادية وألقاها أرضاً بأهمال قبل أن يتقدم بألية ويجلس على حافة فراشه ، طاوياً بأنامل كفه الهائمة أساور قميصه الأبيض الحريري بينما نظرات عينيه شاخصة نحو الفراغ ، حيث عادت كلماتها المحذرة  تداهمه من جديد ، فالطالما كان آفة عقله الكبرى ، هو تفكيره الزائد ، والقلق بشأن كل المواضيع ، زفر بضيق حانقاً على تلك المرأة ، التى أعطته سبباً جيداً للقلق بشأنه وتوديع ليلته الهادئة ، ليلة ظل يمنى نفسه بها طوال طريقه للعودة بل منذ الصباح ، لائماً نفسه على ما يمر به من تخبط لم يعهده فى شخصيته من قبل ، هو الحاسم القاطع من لا يعرف التردد طريق عقله ، ومعترفاً على مضض بالحل الوحيد المتاح أمامه لإنهاء معاناته ، ومقايضاً عناده ، أما بالتململ داخل فراشه طول الليل تماماً كالمرة السابقة ، أو حسم الأمر منذ الأن ، نعم الأمر بتلك البساطة ، وكل ما عليه فعله هو التوجه إليها وأمرها بأقتضاب أن تنتقل معه للداخل ، بل وسيجبرها أن تطلب الأمر ، ثم يعود إلى غرفته وفراشه الدافئ ويتمتع بنوم هنيئ بعيداً عن زخم أفكاره الذى لا ينتهى ، وعليه أنتفض من جلسته بعنف مدفوعاً بسخطه عليها  ونظرات ذلك العامل التى عادت تتجسد أمام عينيه ، قبل أن يعاود الهبوط إلى الأسفل قاطعاً الطريق بخطوات ساقيه الواسعة نحو غرفتها حتى توقف أمامها ورفع ذراعه يطرق بحدة فوق باب الغرفة ، ولم ينتبه للباب المفتوح ألا عندما فُتح على مصراعيه بمجرد لمس كفه له ، أختفت المسافة ما بين حاجبيه بأستغراب قبل أن يطل من خلفه ينظر على أستحياء بعدما تنحنح بصوته القوى عدة مرات متتالية لجذب أنتباهها ، ثم خطى للداخل يمشط بحذر الغرفة الفارغة قبل توجهه إلى الحمام الملحق بها والذى كان فارغاً هو الأخر ، مقرراً بعدها العودة إلى الحديقة والبحث عنها محدثاً نفسه بأستغراب ، هل يا تُرى سبقته مدبرة منزله بأدخالها المنزل خلسة أم أنها خدعة من الأساس ، بأتفاق مسبق بينهم على مبيتها كل ليلة بالداخل دون أن يعى هو بما يدور من حوله ، هذا ما فكر به قبل أن يلمح بعينيه حركة خاطفة لظل أمرأة موشحة تركض يليها ظل رجل قادماً من خلف نافذة الغرفة المجاورة لغرفتها ، مما جعله يتسمر مكانه عدة لحظات قبل أن يدفعه تفكيره إلى الركض إليهم والتحرى عن الأمر ، بينما فى الداخل حاولت رحمة بعدما لكزته بمرفق أحدى ذراعيها المكَبَّلين معاً الركض نحو الخارج منتهزة فرصه تأوهه وأنحناءه للأسفل كى يلتقط جزء من أنفاسه ويتغلب على الألم الذى صاحب فعلتها الطفولية ، غير منتبهة للطاولة الصغيرة الموضوعة بجوار الباب والتى أصطدمت بها وعرقلت حركتها المتعجلة ، مما أتاح له الفرصة فى اللحاق بها وجرها من حجابها ثم ألقاها فوق الفراش مرةً أخرى ، وقفز فوقها معطياً لنفسه الحق فى تمزيق ثيابها ورؤية ما لا يملكه متمتماً بغل من بين أنفاسه اللاهثة :
-(( أنتى عارفة .. المطلوب منى أخلص اللى جاى عشانه وأنتى متخدرة عشان متحسيش بحاجة .. بس عشان قلم الصبح أنا هوريكى .. وهخليكى تعيشى كل حاجة هعملها فيكى لايف .. لحظة بلحظة )) ..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن