الفصل الأربعون..

51.3K 2.2K 326
                                    

‏ما استُكمِلتْ لي فيك أولُ نظرة
حتى علمتُ بأنَّ حبّك فاضِحي

أهواهُ حتى العينُ تألفُ سُهدَها
فيه، وتطربُ بالسقامِ جوارحي

-ابن سهل الأندلسي.


قيل قديمًا إن الحب والحرب سواسية، يتشابه فيهما الجندي والفارس، العبد ومن يسكن القصور العالية، فأما يرفعان قدرك، وأما يورداك موارد الهاوية، كما كلاهما قادرين على إحراق روحك بنيراهم الحامية، ولا مفر سوي المحاربة حتى تظفر بما تريد، أو تكن خسارتك هي القاضية...

نطقها وكأنها خاتمة الكلمات وأغلى ما يوده من أمنيات، أخر ما يعرفه من حروفه ومنتهى ما يعلمه من أبجديات، لقد لفظها ولا مجال للتردد فأوان التراجع قد فات، والآن....
وقت المواجهة والبوح بكل ما يحبسه من اعترافات، وأما أن تحييه بقبول ما يقدمه لها، أو ترسله بيدها إلى عالم الأموات....
ودون انتظار ردها أو التعقيب على ما قاله أردف يعيدها، بينما عيناه مثبتة على ملامحها المركزة فوق فمه تترقب منه ما هو آت :
-(( أنا بحبك يا عالية.. في الحقيقة أنا محبتكيش من النهاردة ولا من إمبارح ولا من شهر ولا حتى سبعة... أنتِ بذرة حبك اتزرعت في قلبي من أول تنهيدة خرجت من بين شفايفك.. ومع أول جملة سمعتها من صوتك.. ومن أول لقاء بينا.. متستغربيش كلامي الحب ده حاجة مش بايدينا.. دي قلوب بتبدل بين أيدين ربنا.. وأنا منعت نفسي عنك لما عرفت أنك على ذمة واحد تاني وميأستش.. فضلت صابر لحد ما ربنا عوضني بالحلال ))..

أصابتها حالة من الانتشاء كمن تعاطي جرعة محفزة من المخدر للمرة الأولى في حياته، كل خلاياها ترتجف دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا، حتى دمائها تغلى بداخل أوردتها، ويكاد ضجيج ضغط الدم يصم أذنيها وقد فصلها عن سماع كل ما حولها، أما عن حالة القلب، فحدث ولا حرج، كان ينتفض بين أضلعها في هيستريا دون رأفة بجسدها الضعيف الذي أخذ يترنح من هول المفاجأة، فمدت ذراعها على مضض تتلمس منه الدعم، ولم يخيب ظنها، إذ حرك كلا ذراعيه في اتجاهها يسندها، محاوطًا بذلك خصرها، وبعد فترة من التحديق بأحجار عينيه الزمردية، همست تسأله في عدم تصديق ونبرة متقطعة مذهولة :
-(( أنت.. افــتكرررتني!! ))..

ابتسم في إشراق حتى لمعت عيناه، ثم قال في نبرة مشبعة بالعشق :
-(( منستكيش عشان افتكرك ))..

أحنت رأسها تُريحها فوق موضع قلبه شاعرة بدقاته الثائرة أسفل جبهتها، ومن دون تمهيد وجدت الدموع تشق طريقها وتندفع كما الشلال فوق وجنتيها، وكأنها ببكاءها تطرد أخر ما يربطها بالحزن والترقب والحيرة، أشهر وهي تنكوي بعذاب عشقها ذو الطرف الواحد....
والآن ذهب كل ذلك إلى غير رجعة، وكلما عاد يهمس الكلمة بجوار أذنها، كلما شعرت بروحها ترتفع حتى وصلت إلى حدود السماء من فرط سعادتها....
وبعد فترة من النشيج المتواصل وضمه لها في صبر، رفعت رأسها تطالعه بأنفها القرمزي وعينيها الحمراوتين، ثم ومن بعد أن تلاشت نوبة بكاءها تمامًا وقبلت منه المحرمة الورقية التي قدمها لها، همست تقول في هدوء :
-(( في حاجة مهمة أنت لازم تعرفها ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن