"يا وَأَصَلاً بِالمَعانِي، وَهاجِرِيّ فِي الكَلاممُخاصِمَيْ فِي نَهارَيْيَ، مُصالِحَيْ فِي المَنام
مِن العـــــبوس كَلام، معــناه مَعْنَى ٱِبْتِسام
وَلَن يُغِير جَسَّمَ الوِداد، ثَوْب الخــــــصام ".
-الرافعي.
للحظات تعطلت عقارب الساعة من حولها وحل الصمت المكان، وكأن الأرض قد توقفت عن الدوران، وابتلع السكون كل شيء ألا من دقات قلبها التي شرعت في الخفقان وكأنه يريد ترك أضلعه والثوران، ثم راحت عينيها تلتهم قسماته في جوع كمن رأى مُغيثه بعدما ضاع في عرض البحر أو الصحراء، ثَوَانٍ معدودة غاصت في تفاصيله وكأنها دهرًا كاملًا، تتأمل هيئته الجديدة في انبهار تام بعد فقدانه القليل من الوزن الأمر الذي أدي إلى بروز قسمات ذراعه أسفل البذلة الكتانية بشكل يخطف الأنفاس، حتى أنه قام بتقصير شعر رأسه والتخلص من جميع خصلاته المنسدلة، وعلى عكس توقعها وجدت نفسها تستحسن ما قام به كثيرًا، خاصةً وقد اختلفت هيئته تمامًا عن توأمه، الأمر الذي بعث بالراحة على روحها، قبل انزلاق عينيها إلى ذقنه والتي شُذبت هي الأخرى بعناية فأضحت الشعيرات البيضاء الصغيرة المنتشرة على طولها أكثر وضوحاً، وأكسبته مظهرًا أَرْبَعِينِيًّا زائفًا لاءمه كثيرًا، ومع كل تلك التغيرات الظاهرية وجدت صعوبة بالغة في الحفاظ على ذراعها بجانب جسدها وعدم رفعها إليه تتلمس عظمة وجنته، مقررًا عقلها التدخل في تلك اللحظة والفصل بين لهفة الوجدان إليه وخيبة أملها به، وتذكيرها بما عانته في الأشهر المنصرمة بسبب غيابه، فسارعت تعنفه في حدة وقد عاد إليها كامل غضبها حتى كحل الغضب عينيها :
-(( أنت بتعمل أيه هنا ؟!.. وفين مدير المكان.. أيه التهريج ده !! )) ..اتسعت ابتسامته المرحة اللامبالية، متخذًا وقته الكامل في قطع المسافة الضئيلة الفاصلة بينهم ومجيبًا بترو بعدما وقف أمامها وأخذ يطالع ملامحها المتفجرة بحمرة الحنق منه في استمتاع :
-(( المدير قدامك.. أهو )) ..
كان متلذذًا بالموقف ككل، صدمتها، تخبطها، الغيظ الذي بدأ يعتلي ملامحها، كل ذلك قابله بابتسامة ارتياح عابثة، حتى ظن بأنه قد فقد السيطرة على جوانب فمه إذ يستمر في التبسم دون داعٍ، بينما ظلت هي تتراجع للخلف مبتعدة عنه بالقدر الكافي وقائلة في غيظ :
-(( يعنى أيه؟! )) ..أجابها ببساطة بعد نجاحه في دفع خطواتها عن عمد نحو الحائط حتى يُحكم حصاره من حولها ويمنعها من الهرب :
-(( يعنى أنا صاحب الشركة.. وأنتِ مرات صاحب الشركة اللي المفروض تستلم مكانها )) ..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .