تكملة الفصل الخامس والثلاثون..

54.1K 2.1K 225
                                    

كن شعلتي عندما تنطمس النجوم وتنطفىء الأنوار، كن منقذي عندما يجرفني موج اليأس ضد التيار، وكن دليلي عندما تختلط على عقلي الطرق وتتشابه الأقدار.

بعد مرور أسبوع.....
جلست في صمت فوق أحد المقعدين الموضوعين بداخل الغرفة تسبح في أفكارها الخاصة بعدما انتهت من لملمة حاجياته ووضعها داخل الحقيبة الصغيرة استعدادًا للرحيل، وجلس هو قبالتها فور انتهاءه من تبديل ثياب المشفى ينتظر حتى تنتهي رفيقته "غفران" من إجراءات الخروج وعينيه لا تحيد عنها، هي القريبة البعيدة، الشاردة عنه في عالم آخر، يخشى الإقرار بما يدور في خلده عمن احتلته، والاعتراف بما تراه عيناه وينكره قلبه، يشعر بأنه مكبل بقيود فرضت عليه فرضًا فمنعته من احتضان أحب الأشياء إليه، ناهيه عن إحساس الذنب الذي يخنقه وهو يراها هكذا، ذابلة منطفئة ألا عند تلاقي أعينهم سَوِيًّا، وقتها، يتحول ذلك الانطفاء إلى شعلة من نار تتوهج من كامل ملامحها، وكأنها طير السمندل، يعرف كيف ينتفض من رماده دون الاعتماد على أحد، بينما فلتت من بين شفاها هي شاغلة أفكاره، تنهيدة خانقة وقتما وصلت بمنحني تفكيرها عند عائلتها، وقد بارك والدها قرارها وأيدتها ربما للمرة الأولى والدتها، أما عن شقيقها فلازال التحفظ هو سيد موقفه وحديثه، خاصةً عندما باغتها يسأل بما جاش به صدرها الأيام الفائتة، هل تستطيع هي حَقًّا، علياء كما تعهد نفسها ويعرفها الجميع مجابهة الشقراء ذات النظرة المراوغة؟!، هل تتقبل في أعماقها حقيقة كذبته ومشاركة أنثى أخرى حياته ولقبه، ربما في اليوم الأول وبفعل الصدمة وتدفق الأدرينالين داخل أوردتها، قررت مدفوعة بحماس لحظي الوقوف والمواجهة والتغاضي عن تلك الكذبة التي تمزق نياطها، أما الآن وحتى من قبل تشعر بقوتها تنسحب منها على مهل ليحل محلها الندم، خاصةً وهي ترى تدلل الشقراء عليه، ومحاولاتها الفجة في الاقتراب منه، ولا يوقفها عن التراجع والانسحاب سوى تلك النظرة التي يرمقها بها من وقت لأخر ويختصها بها دونًا عن الجميع كما الآن، يحتضنها دون تلامس، ويبثها القوة والأمل دون حديث، فلا ينفك ذلك الهتاف الخافت بداخلها يخبرها بأنه يعرفها أشد مما تعرفه، ويذكرها أكثر مما تذكره، وينبض قلبه بحبها كما هو حال قلبها، مقاطعًا شرودها صوته يهمس اسمها في خفوت منتهزًا فرصة خروج قريبته لاستنشاق الهواء النقي داخل حديقة المشفى :
-(( عالية..... ))..

تحركت من مقعدها تجلس على الفراش جواره مستجيبة لندائه كمن كان ينتظره، قبل أن تتحدث قائلة في نبرة جامدة، ثابتة وكأنها هي من أرادت التحدث إليه من الأساس :
-(( هو أنت ليه لحد دلوقتي مسألتش أنا أزاي قبلت أقعد معاك وأنا زوجة تانية.. طبعًا أنت أكيد مش فاكر أنك مكلمتنيش في حاجة زي دي.. ده ألطف وصف ممكن يتقال.. لكن لو على لسان جواد أخويا.. فأنت كدبت علينا كلنا ))..

تأهبت كافة ملامحه واتسعت حدقتاه، ثم ابتلع لعابه بعنف تحركت على أثرها تفاحة آدم داخل حنجرته في قوة، فَحَقًّا ودون مبالغة يشعر بتلك الصغيرة تحاصره منذ استيقاظه، تسبر أغواره في كل مرة تنظر إليه، بل وتفاجئه بثباتها وكلماتها القوية، حتى أن شجاعته تخونه وحنكته تفر هاربة منه كلما تلاقت الأعين فيشيح بنظره بعيدًا عنها، بينما أردفت تقول في هدوء وجدية :
-(( أنا طبعًا عندي مبرر مقنع لكل ده.. وهو أن جوازنا كان مجرد...... ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن