الخاتمة( الجزء الأول)..

56.5K 2K 318
                                    

مَا عَالَجَ النَّاسُ مِثْلَ الحُبِّ مِنْ سَقَمٍ
ولا برى مثلهُ عظمًا ولا جسدا
ما يلبثُ الحبُّ أنْ تبدو شواهدهُ
مِن المُحِبِّ، وَإِنْ لَمْ يُبْدِهِ أَبَدَا

_الأحوص..


يبقى الحب بلا إثبات حتى تؤكده المواقف، فالحب الحقيقي ليس عبارة عابرة أو رسالة مزخرفة، وليس سحابة زائلة أو فصل من فصول المناخ المتغيرة....
ولكن الصدق في الهوى هو أن تحمل عن المحبوب ما لا يستطيع حمله من صعاب الحياة، وأن تقف حائلًا بينه وما بين يُحزنه إذا هاجمته الهموم القساة.....
إن تُنير عتمة روحه إذا ما حاوطها الظلام، وتواسيه في أحلك لحظاته البائسة وتكون إرادته إذا ما رغب الاستسلام، بل وتدفع عنه ما لا يُطيقه حتى وإن كنت المُلام....
فمن السهل أن يقول الإنسان أحببت، ولكن من الصعب أن يثبت بأفعاله ذلك الود....

كلمات ظل صداها يتردد بطيات عقلها المتبرم منذ البارحة، تحديدًا مُذ وجدت نفسها تتساءل في تيه عن ماهية الحب، فامتدت يدها في تلقائية شديدة تفتح هاتفها وتُفتش داخل محرك البحث الشهير عن إجابة لسؤالها الحائر، حتى توقفت عند تلك الكلمات المختصرة، ثم بدأ عقلها في عقد مقارنة سريعة بين تلك الحروف المرتبة وتصرفاته وتتذكر.....
كم مرة امتدت يده لها عند السقوط؟!...، كم مرة وقف جوارها وقتما حاصرتها لحظات القنوط؟!...
وكم مرة تمسك بها عندما حاولت قطع ما يربطهم من خيوط!

كم وكم وكم!.... مئات من المواقف التي مرت بذاكرتها وفشلت في عدها ومضت بقوة أمام عينيها، قبل أن يقاطع انغماسها في التفكير به طرقة خفيفة فوق باب الغرفة، يليها صوت ذكوري مألوف يقول في حنان :
-(( أنا عمك أنور يا رحمة.. لو مش هضايقك افتحيلي الباب اطمن عليكي ومش هطول ))..

حاربت حالة الانسحاب التي تريد الاستسلام لها بالنهوض من الفراش وجلب وشاح الرأس وتثبيته فوقها، قبل أن تسير بثقلها نحو باب الغرفة وتفتحه على مصراعيه لاستقباله بابتسامة باهتة، ولم تستطع منع عينيها من مسح الممر بحثًا عنه، وقد خذلتها عزيمتها بعدما أعلنت البارحة صراحةً رغبتها في المبيت بمفردها، ولدهشتها أو ربما إحباطها، لم يجادلها في طلبها مثلما توقعت، بل انسحب بهدوء بعد تقبيله جبينها، وتركها تعاني من الشوق إليه إلى الآن....
تنهيدة يأس خافتة صدرت من حلقها، مقاطعًا تفكيرها الصامت صوت عمه يقول مبررًا في خبث :
-(( قال مش عايزه تشوفيه أو تقعدي معاه فوصلني بالكرسي لحد باب الأوضة ونزل ))..

هزت رأسها في فتور، ثم استدارت تقف خلف الكرسي المدولب وبدأت بدفعه إلى داخل الغرفة، بينما ضربت بقدمها الباب تُغلقه من خلفهم، ثم استأنفت السير إلى أحد الأركان الأربعة حيث الأريكة التي اعتادت الجلوس عليها بجواره، وظل زائرها يجلس فوق سجنه الدائم مراقبًا ذبولها في تعاطف، ثم وبعد أن تأكد من جلوسها في وضع مريح فوق الأريكة، تحدث على الفور يقول في نبرة مشفقة :
-(( مش هلف وأدور وهدخل في الموضوع على طول.. طاهر بلغني أنك عرفتي بالجواب ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن