"فبعضي لديّ وبعضي لديك
وبعضي مُشتاق لبعضي، فهلّا أتيت ؟".-محمود درويش.
مشطت عدستيها الغرفة بعدما انتهت من رحلة الإشفاق على الذات، ورثاء علاقتهم الوليدة فور سماعها حديثه الهاتفي المختصر من خلف الباب الموصود تبحث عن حل لتلك المعضلة التي أوقعت بها نفسها بسبب اندفاعها في الحركة وعدم التريث قبل اتخاذ القرار، والنتيجة واضحة، ها هي الآن تقف في منتصف غرفة تشير كل الدلائل إلى أنها غرفته!، تنهيدة عجز فلتت من بين شفتيها بعدما توسطت بكلا كفيها خصرها، تحاول التوصل لقرار، هل تغض الطرف عن وجودها في غرفته حتى الصباح وتتعايش مع الأمر الواقع، أم تنتظر ريثما تهدأ حركته في الخارج ويلوذ إلى إحدى غرف المنزل الإضافية وقتها تخرج من مخبئها؟، ظلت هكذا تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا بحثًا عن إجابة لسؤالها حتى أُنْهِكْت ساقيها وخارت قواها فلجأت إلى الفراش الوثير تحارب بنعومته إرهاق ذلك اليوم العصيب، وما هي سوى دقائق قليلة حتى راحت تغط في نوم عميق، ولم يوقظها من ثَبَاتهَا الهادئ سوى ارتفاع حرارة الجو من حولها، مما أجبرها على مواربة أهدابها قبل التحرك لفتح نافذة الغرفة متنعمة بنسيم هواء الخريف البارد يضرب جسدها، تُعيد داخل عقلها ذكري حديثهم الأخير، صوته، وقفته، ثقته، كل حركة صدرت عنه علقت بداخل ذهنها، قبل تذكرها حقائب ملابسها، حيث أخبرتها والدتها قبيل زفافهم بإيصالها إلى منزله، بل وإشرافها شَخْصِيًّا على ترتيبها داخل خزانته، إذا الحل بسيط، بما انها في نفس الغرفة المعنية ستبحث عن رداء بيتي مناسب تقضي به ليلتها بدلًا من ذلك البنطال ذو القماش الخشن الذي يصيبها بالحكة والاختناق ثم تستيقظ في الصباح الباكر وتبدل ثيابها في هدوء قبل مواجهته، وعلي ذلك القرار توجهت نحو خزانة الملابس تنظر بداخلها قبل أن تلمح بطرف عينيها شيء ما ضئيل الحجم يتحرك في اتجاهها، فاستدارت تنظر بأنفاس مكتومة بعدما فتحت عيناها على اتساعهما تزيح أثار النوم منهما كي تتأكد مما تراه يتقدم في هوادة نحوها ، وما أن أُثبتت شكوكها حتى بدأت في الصراخ باسمه مستنجدة بقدر ما سمحت لها أحبالها الصوتية الضعيفة، وقد فقدت القدرة على التحرك فلم تستطع سوي الاختباء خلف ضلفه الخزنة وانتظاره عل صوتها يصل إليه فيهب إلى مساعدتها، هذا على الأقل ما أملته وهي واقفة تنظر إلى ذلك الجسد الصغير يسير بخطوات بطيئة للغاية نحوها، وكأن ذبذبات رعبها تصل إليه فتُزيده إصرارا على مهاجمتها، بينما اندفع هو بجسده بعد لحظات إلى داخل الغرفة ينظر بأعين ناعسة إلى تلك الواقفة داخل خزانته "أن صح التعبير" وتطلع إليه كالمغشي عليها، وما أن رأته حتى صرخت تقول في فزع :
-(( يحيى الحق.. شوف الشيء الأسود اللي هناك ده ))..
تتبع بنظره إلى حيث أشارت بأصبعها من خلف الضلفة، ثم هتف يستفسر في بلاهة :
-(( أسود إيه مفيش حاجة!.. وبعدين أنتي إيه اللي مدخلك جوه الدولاب كده؟! ))..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .