"وأما قبل ".. فقد رأيت عندك الفجر وأخذت منه نهاراً أحمله في روحي لا يظلم أبداً ."
-صادق الرافعي.
بعْضَ القراراتِ يَتخذُها القلبُ مُباركًا حماستهُ العقل، والبعضُ منها يستقرّ عليها العقل، مُعَرقلًا تنفيذها تردد القلب المذبذب بين ذلك وذاك. " لا إلى اليقين ولا إلى الشك"، وهناك قلة مما يتخذُها العقل مُهَنِّئًا رجاحتهُ القلبِ حتى وإن صَاحبها القليلِ من الرّبكَ، أما أسوءهم فتلك التي يصِر عليها العقل مُتجاهلًا في قسوة ما أَصابَ نِيَاطُ القلبِ من هَتكِ، تمامًا كما يحدث معها الآن وقد تهدج صوتها بعد البوح برغبتها، وانهمرت دموعها بعد الإفصاح عن نيتها، وزاغ بصرها عند حصولها على غيتها، أما عن حال تلك المضغة خلف ضلوعها، فقد كانت تأنّ وجعًا حتى اضطربت وظائفها الحيوية ومادت الأرض أسفل منها، ولم يكن شقيقها بِغَافِل عما تمر به، فقد كان الألم الذي تعايشه أوضح من أن يتم تجاهله، وبعد أن أومأ برأسه موافقًا على طلبها، عاد يقول متراجعًا في رجاحة فكر، يهديها فرصة أخيرة لـلملمة شتات قرارها المُبعثر :
-(( علياء.. القرار ده دلوقتي على بابا مش سهل.. ممكن يعمله انتكاسة ))..همست تقول في وهن :
-(( تعبانه يا جواد ))..اتخذت رحمة، العضو الأجدد في العائلة من رغبتها في رؤية والدها حجة واهية كي تنسحب من بينهم في هدوء، فعقلها لم يعتاد بعد على فكرة الانخراط في التفاصيل الشخصية لأشقائها، بينما طفق الشقيق الأكبر يمسح فوق رأس أخته الصغرى بعد أن ضمها إلى صدره وقد أصابت كلماتها صميم قلبه، وفجأة شعر بعبراتها تجري في مجرى قنوات دمعه، وصدى ألمها يتردد في صدره، عندما أردفت تقول عاجزة في بكاء :
-(( مش عايزة أعيش عالة يا جواد.. مش عايزة اتجوز عشان دي أمنية بابا.. عايزاه يحبني.. عايزة اتحب زي البنات.. لشخصي ))..زفر في قلة حيلة يحاول إيجاد الحلقة المفقودة في الأحداث، فالبارحة توسل إليه زوجها حتى يُسمح له بالتحدث إليها ومصارحتها بحقيقة مشاعره تجاهها، إذًا ماذا حدث؟!، وما الذي يدفعها لقول مثل تلك الأمور السخيفة؟!، رفع أهدابه ينظر في عجز وقلة فهم قبل أن يلمح من يملك جواب سؤاله قادمًا يسير في اتجاههم من بعيد فهمس يقول في راحة :
-(( طب أهو يحيى وصل أهو.. اهدي عشان اعرف أتكلم معاه وافهم حصل إيه ))..سارعت بالقبض على ردائه، تشدد من قبضتها فوق سترته وتتمسك به وكأنه ملاذها الوحيد، مغمغمة في توسل :
-(( لا خبيني ))..ضيق عينيه في عدم فهم وقد أثار طلبها بل الموقف بأكمله ريبته رافعًا منحني الشك بداخله إلى المستوي الأقصى؛ لذا هتف يقول في تأهب وقد استحال لون عينيه إلى السواد الحالك :
-(( عملك إيه؟! .. أقسم بالله لو عملك حاجة ما هسيبه ))..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .