الفصل السابع والثلاثون..

54.8K 2.1K 366
                                    

أحبكٓ في كل يوم ثلاثين عامًا
وأشعر أني أسابق عمري
وأشعر أن الزمان قليل عليكِ
وأن الدقائق تجري
وأني وراء الدقائق أجري
وأشعر أني أوسس شيئًا
وأزرع في رحم الأرض شيئًا
وأشعر حين أحبكِ أني أغير عصري.

-نزار قباني.



بعض الأشياء لا ندرك قيمتها بالوقت، بل حينما يحيطها خطر الفقد!!....

توقفت سيارته أسفل بنايتها في وقت قياسي، بعد أن قطع الطرقات مخالفًا السرعة المحددة في تصرف أهوج ينهر من يقوموا به عادةً، ولكن... للكل استثناء، وكانت هي استثناءه......
حتى وإن لم يدرك تلك الحقيقة بعد، أو أن رفض قلبه الذي يكاد القلق يمزقه إربًا الاعتراف بالخيوط التي تُنسج من حوله، بل وتكاد صورتها تكتمل واضحة أمام عينه،
تظل ضرباته العنيفة دليل ملموس على ما يمر به من تشوش، نكران، وحيرة، وأخيرا الخوف من مواجهة عواطفه...
وبالرغم من تحدثه إليها أكثر من مرة أثناء قيادته إلى منزلها، وسماعها تؤكد على سلامتها بنفسه في كل اتصال، لم يمنع ذلك النبض في صدغيه من التزايد بشكل يثير جنونه، يريد رؤيتها حتى يطمئن قلبه، ويرتاح عقله من هواجسه...
وبكل تلك المشاعر التي تُثقل صدره، ركض يتسلق الدرج ويشق طريقه نحو الجمع المحتشد أمام باب المنزل ومن حولها، ما بين فضولي ومواسي، وأخر مجامل....
يدفع بيده كل ما يحول بين عيناه وجسدها، حتى رأها أخيرًا تقف في المنتصف، قوية، صلبة، لا يرف لها جفن، ولا تنكسر لها قامة، شامخة كعادتها لا تحتاج إلى حماية، وكم بعث ذلك بالفخر على نفسه...
حتى أن الأمر احتاج منه إلى الكثير والكثير من رباطة الجأش والإرادة حتى لا يحيطها بذراعيه مقربًا إياها إلى صدره حتى تستكين خلجاته، ومرت هي بالمثل، حيث هرولت تهمهم في لهفة اسمه وجسدها يميل نحوه، قبل أن تتذكر حدودها، فتتراجع منتصبة في وقفتها، وقائلة في ارتباك ملحوظ :
-(( جواد... قلتلك مكنش في دَاعٍ تيجى.. مجرد حرامي مش أكتر بس أنا اتخضيت أول ما شفته ))..

رمقها بنظرة جامدة ولم يعقب، بينما تدخل مالك البناية يقول موجهًا حديثه لجواد :
-(( حضرتك قريب الأستاذة صح؟.. أحنا طلعنا جرى على صوت الصريخ بس لقيناها كويسه ومن وقتها أنا والرجالة بنحاول نقنعها تعمل محضر وهي رافضة.. أهو كويس أن حد من أهلها جه يمكن يقنعها ))..

هنا أردفت امرأة ستينية بسيطة تقطن في المنزل المقابل لها مضيفة :
-(( الأستاذة دماغها ناشفة يابني.. اتحايلت عليها كثير تدخل تقعد عندي على الأقل لحد ما جسمها يفوق من الخضة بس مش راضية ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن