الفصل الثانى.

76.3K 2.6K 389
                                    

'' لا تجزع من جرحك , وألا فكيف للنور ان يتسلل إلى باطنك '' .
-جلال الدين الرومى ..

سارت بين فردى الشرطة المحاصرين لها عن اليمين والشمال غير واعية لأى شئ ما يدور حولها ، لا لتلك الأصفاد المكبلة يديها ولا للنظرات المتباينة ما بين الغضب والأحتقار والأشفاق الموجهه إليها من المصطفين على جانبى الرواق الضيق ، ولا لفلاشات الصحفيين التى تضوى بلا توقف حتى كادت تصيبها بالعمى ، أو لتدافع المراسلين من حولها أملاً فى أخذ أى تصريح منها كسبق صحفى على تلك الجريمة الشنعاء التى هزت أركان السوشيال ميديا وانتشرت داخله كسرعة أنتشار النيران فى الهشيم  ، فقط كانت تنظر إلى الفراغ أمامها كالمغيبة حتى عندما دفعها أمين الشرطة لداخل غرفة وكيل النيابة لم تبدى أى رد فعل أو أعتراض بل سارت بخطواتها المترنحة المنكسرة حتى وصلت إلى أحد المقاعد الموضوعه بداخل الغرفة والمقابلة لمكتب وكيل النيابة فهى تحلم بكل ذلك ، نعم أنه كابوس مزعج وليس ألا ، وبعد قليل سيصل إليها صوت فيروز الصباحى مختلطاً بصوت والدتها الناعم كعادة كل صباح ليوقظها وينتشلها من تلك المِحنة ، هتف وكيل النيابة متسائلاً بنبرة شديده العملية بعدما أمرها بالجلوس وأستجابت لطلبه :
-(( أسمك وسنك وعنوانك )) ..

من جديد لم يصدر عنها أى رد فعل وكأنها فى لحظة واحدة تحولت إلى تمثال من الخزف لا يسمع ، لا يرى ولا يتكلم ، عاود وكيل النيابة سؤاله عدة مرات وهو ينفث دخان سيجارته الذى ألتف حول أنفه ودخل فى عينيه دون أن يرمش لوهله واحدة وعندما يأس من الحصول على أجابته باغتها بسؤال أخر جديد :
-((قتلتيه ليه ؟! ))..

ادارت رأسها ببطء شديد حيث مصدر الصوت الواصل إليها ، رمشت بعينيها مرة واحدة ثم عادت برأسها تنظر من جديد بأعين زجاجية فارغة إلى الحائط اللبنى الرطب المقابل لها مسلطة نظرها على نقطة ما فى الفراغ تستعيد ذكريات ما حدث فى الصباح منذ أستعادت وعيها لتجد نفسها داخل غرفه غريبة عنها لا تشبهه غرفتها مع وصول تيار هواء بارد إليها أصاب ذراعيها وعنقها بالقشعريرة وجعلها تنتفض بذعر تتفحص جسدها وذلك الرداء الفاضح الذى ترتديه والذى يكشف عن معظم مفاتن جسدها بوضوح ، مع قبض كفها الأيسر على ثقل ما عند أستبيان هويته لم يكن سوى مسدس نارى ، بدءت أوصالها ترتجف بشدة وهى تدير رأسها جانباً لمواجهه أسوء مخاوفها حيث ذلك "العمرو" ملقى جوارها كجثه هامدة غارقاً فى دمائه والتى تحيط به من كل أتجاه حتى وصلت إليها ، قفزت من مكانها مبتعده عن الفراش  وكأن حية ما قامت بلسعها وهى تتطلع إليه فى ذهول تام وحنجرتها لا تتوقف عن الصراخ الأمر الذى أدى إلى تجمع قاطنى البناية حول مصدر الصوت وَمِمَّا سهل مهمتهم فى تتبعه هو باب المنزل المفتوح على مصراعيه منذ البارحة ، منذ كانت تقف على عتبته تنتظر أخذ عقود العمل منه ، أما ما تلى ذلك بعد رؤيتها للجمع المتجمهر حولهم والمتطلع إليهم بصدمة ثم محاولتها فى ستر جسدها وأرتداء ملابسها وحجابها الملقى بأهمال أسفل الفراش وبجوار قدميها وصولاً إلى محاوطة أفراد الشرطة المكان على أثر أتصال هاتفى من أحد افراد أمن البناية ومروراً بالفحص الجنائى ومعاينة مسرح الجريمة بعد تطويقها حتى وقتها ذلك مر دون أستيعاب أو تقبل منها ، لذا وللمرة الاخيرة عندما صاح وكيل النيابة يسألها بغضب أجابته بخفوت شديد دون الالتفاته نحوه:
-(( مقتلتهوش)) ..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن