"يا حبيباً إذا حننت إليه ، حنّ في رقتي عليه حنيني
أنت شخصان في الفؤاد ؛ فشخص ٌ، عند ظني ، وآخر في يقيني
واحد كيف شئت أنت ، وثانٍ ، كيفما شئته أنا وظنوني
لا بهذا رحمتني أو بهذا ، بل بعقلي عذبتني وجنوني !
أملي فيك كالخيال على المــرآة كذب مصور للعيون !"-الرافعي .
فى بعض الأوقات ، وخاصة العصيبة منها ، حيث تبدل الأحوال ونزول الأهوال ، وما بين إدراك الحدث وإنكاره ، ثم تلك المسافة الطويلة التي يقضيها الكائن الحى فى تقبل الصدمة ، توجد تلك المرحلة الأخيرة ، التى تلى الصراخ والغضب ، الأنغلاق العاطفى وجلد الذات ، إتهام الأخرين وإلقاء اللوم عليهم ، حيث نجد أنفسنا مستعدين لمواجهة المستقبل ، بل والبدء فى إعادة رسمه من جديد ، بكل تطلعاته وأماله ، وحتى وإن خالطت آلالام الخسارة الفرح ، ستظل هناك مساحة من الحب والثقة بالأخرين ، فغالباً تبدو الحياة بعد الأزمات أكثر سوداوية وهشاشة ، ولكنها أيضاً تصبح ذات معنى أكثر من ذي قبل ، وهذا تحديداً ما مر به خلال الثمان أشهر المنصرمة ، منذ فاجعة فقدان شقيقه ، حتى لحظته تلك ، حيث يقف هنا ، على أرضية بلد أجنبى غريب عنه ، كى يخطو أخر مراحل شفائه ، ثم العودة إلى موطنه كإنسان جديد ، أعمق وأقوى ، والأهم غارق فى العشق ، عشق تلك الرحمة التى أُرسلت إليه فى ذلك الوقت تحديداً ، لا قبله ولا بعده ، فقط فى الزمن المثالى للأخذ بيده نحو التعافِ والنجاة ، أبتسامة خفيفة ناعمة أحتلت ثغره بمجرد وصول تشتت أفكاره إلى عتبتها ، وقد أصبحت كل صحواته وغفواته ، شروده ويقظته ،ثورته وردات أفعاله توصله إليها ، كما كانت كل الطرق تؤدي إلى روما ، مثلث الحياة .
ومع حركة خفيفة قادمة من خلفه ، جعلته يلتفت برأسه متحرياً عن مصدرها ، أتسعت أبتسامته المرحبة السعيدة ، فى تحيية تقدير إلى ذلك المتفانى ، والذى لم يدخر جهداً فى الوصول إلى الحقيقة فى وقت قياسى ، هتف التحرى الخاص مرحباً بمستأجره :
-(( مرحباً بقدومك سيد طاهر .. أرجو أن تكون رحلتك مريحة وآمنة )) ..سارع طاهر بتقديم يده فى تحيية ممتنة حارة ، مؤكداً برضا :
-(( ممتازة .. مستحيل بعد الأخبار اللى قلتهالى دي رحلتى تبقى فيها أى مشاكل )) ..حرك ماكسيم رأسه متفهماً حماس الأخير ، بينما أستطرد طاهر حديثه يسأل بلهفة ألتهمت ملامحه قبل تغليفها نبرة صوته :
-(( ها طمني .. فى جديد ؟! )) ..أجابه التحرى الخاص وقد تحولت نبرته للعملية فى لحظة واحدة :
-(( فى الحقيقة .. هناك خبر محبط أريد إخبارك به قبل الجيد )) ..تنبهه طاهر بكل حواسه ، فى حين أردف المستقصى يضيف بجمود :
-(( أنه خاص بالقاتل الفعلى .. فللأسف يبدو أن هناك من أخبره ببحثنا عنه ، لذا عند وصولنا مسكنه وجدناه فارغاً منه ولكن )) ..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .