" شيءٌ إليك يشدّني لم أدري ما هو مُنتهاه
يوماً أراهُ نهايتي ، يومًا أرى فيهِ الحياة "- فاروق جويدة .
أنا رحمة ، أصل كل شئ ، ومنتهى أمل كل كائن حى ، لغة الأصم قبل السميع والمبصر قبل الكفيف ، خير ورزق ونعيم ، نفحه من الله ، يهبها بفضله لمن يشاء ، ويصرفها بحكمته عمن يشاء ، أنا أعمق من الحب ، وأقوى من التسامح وأرقى من العطف ، لست مقتصرة على الأنسان ، بل أنا نبع دائم ومتدفق لكل المخلوقات ، ومنى أشتق "الرحم" ، مصدر الحياة ومنبعها ، هكذا أسمى يتردد صداه يومياً من حولى لتذكرتى ، أن لكل إمرئ من أسمه نصيب ، وأنا نصيبى الرحمة .
وقفت داخل حديقة منزله تطالع بشغف تلك الوريقات الصغيرة التى كُلفت بالعناية بها ، مرددة وهامسة تلك الكلمات التى ألقاها والدها على مسامعها ، منذ كانت طفلة لم تتجاوز العاشرة بعد ، عدة جمل بسيطة فى التعبير قوية التأثير ، حُفرت داخل قلبها حتى أصبحت بوصلتها ، وأضحت منذ ذلك الحين شعلتها المنيرة فى كل طريق مظلم تسير فيه ، ألا تنتظر الرحمة ، لأنها وحدها القادرة على تقديم الرحمة ، تنهدت ومن ثم مدت كفيها أمام وجهها ، تتأمل بعجز كل تلك الخدوش المؤلمة الى أصابت باطن كفيها قبل أن ترفع عينيها بأندهاش للأعلى لافتاً أنتباهها حركة الطيور من حولها مع تغريدهم المتواصل تمهيداً للمبيت داخل غصن الشجرة العتيق ، تراقب بافتتنان قرص الشمس البرتقالي ، ينسحب معلناً عن نهاية نهار أخر لم تذق خلاله طعم الراحة ، وتاركاً المجال للقمر يتسلل من خلفه آملة أن ينير بضوءه الوهاج ، ظلمة لياليها ، ثم أنحنت بجسدها للأسفل تضع أدوات الزراعة جانباً وقد قررت الاكتفاء بذلك القدر من العمل لليوم والذهاب إلى غرفتها المتواضعة للأختباء داخلها ، بعدما أنقضى يومها بأكمله ، وهى تحاول بكل طاقتها وخبرتها المعدومة ، تشذيب وتقليم وسقاية ، تلك الشجيرات التى وضُعت فى أمانتها ، ورغم جهلها بما تفعله وقلة الإمكانيات المتاحة أمامها حاولت قدر المستطاع تأدية جزائها على أكمل وجه ، من خلال الأستماع ومشاهدة بعض مقاطع الفيديو وقراءة النصائح الخاصةً بكل فصيلة على حدى ، غافلة عن تلك العينين الكارهتين ، التى تراقبها بتركيز من خلف نافذة مكتبه المطلة على الحديقة ، مترقباً أى خطأ ولو بسيط قد يصدر عنها ، مقطباً جبينه بتركيز ، ومتابعاً بنظراته ذلك المجهول الذى يقترب منها رويداً رويداً بود شديد ، أما فى الخارج وأثناء أنشغالها بالتأكد من وصول الماء إلى أحد البتلات الصغيرة ، شعرت بظل ما يجثو فوقها ، يليه صوت مزعج يهمس جوار أذنها بوقاحة زائدة :
-(( أول مرة أشوف ورد بيتفرج على ورد )) ..أنتفض جسدها وأستدارت تبصر وجه ذلك المتطفل المقتحم خلوتها بأزدراء واضح بعدما شهقت بفزع ، ثم سرعان ما تمالكت أعصابها وهتفت ناهرة بحدة :
-(( أيه قلة الأدب والوقاحة دى !! أنت مين وبأى حق تكلمنى كده !! )) ..
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .