الفصل التاسع

69.9K 2.6K 313
                                    

'' لازلت أجهلُ سرّ هَذه البَعثرة التّي تحدُث بداخِلي حينَما أذكرُك، الأمرُ أشبهُ بصخرةٍ أُلقِيَت على وَجهِ مَاءٍ راكدٍ ! ''.


-(( رحمة .. رحوم .. قومى يا حبيبتى )) ..

همهمت رافضة بتذمر طفولى وقد أختلط صوت والدتها الحنون بصوت فيروز الصباحى فى الخلفية ، قبل أن تستدير على جانبها الأيمن وتستأنف نومها رافضة الأستيقاظ وترك سريرها الدافئ ، ومستمعة إلى همس والدتها من جديد بنبرة أعلى وقد عزمت النية على إيقاظها :
-(( يلا يا رحمة بلاش كسل .. هتتأخرى على شغلك كدة ومش هتلحقى تفطرى .. قومى عملتلك الشعرية باللبن اللى بتحبيها )) ..

أتسعت إبتسامتها الراضية بينما جفونها لازالت طابقة فوق بعضها البعض ، وقد تسللت إلى أنفها رائحة المعكرونة الطيبة ممزوجه برائحة اللبن المُحلى ، فخر صناعة يد والدتها كما تخبرها مازحة ، ثم مطت ذراعيها للأمام بكسل وأبتسامتها تزداد أتساعاً قبل أن تفتح عينيها على مضض وتُصدم بجثته الملقاة جوارها غارقاً فى دمائه ، صرخت مفزوعة وأنتفضت من مرقدها مبتعدة عنه بقدر ما سمحت لها قواها الخائرة وساقيها المرتعشتين ، تطالع جسدها ودمائه التى تغطيها بالكامل ثم ركضت باحثة عن والدتها التى أختفى صوتها من حولها وأختفى معه الدفء ، ليحل محله برودة عجيبة أجتاحت روحها وكأنها لن تشعر بالسعادة مرةً أخرى .

أنتفضت من ثُباتها ترتجف رافعة يديها أمام وجهها بتوجس ، تتأكد من خلوهما من الدماء ، قبل أن تستدير برأسها جانباً على مضض ، تنظر إلى الفراش جوارها بأنفاس مكتومة ، وتتأكد من خلوه قبل أن تفتح عينيها على أتساعها متذكرة بشئ من الراحة أنها بداخل غرفته ، أو غرفتها المؤقتة كما أخبرها البارحة مساءاً ، وما رأته ليس سوى حلم مزعج ، كحالها منذ تلك الحادثة ، تعددت الأماكن وأختلفت الأحداث وتبقى مشهده وهو نائماً جوارها قتيلاً ومغطى بالدماء ثابتاً فى كل كوابيسها ، زفرت بعجز ثم مدت يدها بوهن تلتقط هاتفها وتنظر إلى الوقت بداخله ، قبل خروجها من الفراش متوجهة نحو الحمام الملحق بالغرفة ، فلازال أمامها متسع من الوقت قبل أذان الفجر ، يمكنها أستثماره فى اللجوء لخالقها ، كعادتها كلما ضاقت بها الحياة ، حيث مبدئها الراسخ والذى لا يتزعزع ، لم تذرف دموعها أمام إنسان عاجز طالما يمكنها البكاء بين يدي الله ، وعليه سارت على أطراف أصابعها بحذر شديد قاطعة الغرفة الصغيرة الفاصلة بين الحمام وغرفتها المقيمة بها ، والتى أتخذها مبيتاً له منذ ليلة أمس ، ترمقه بنظرة خاطفة لتتأكد من ثُباته قبل أستئناف سيرها ، بينما فتح هو عينيه على أخرهما ينظر فى أثرها ، بعدما أستمع إلى صوت إغلاق باب الحمام من خلفها ، متنهداً بتعب ، فعندما أوشك على الأغفاء ، جائه صوتها الزائم من خلف الباب المغلق ، وأوقظه من غفوته العابرة ، وسرعان ما أغلق عينيه مرةً أخرى متظاهراً بالنوم ، عند أستماعه إلى صوت خطواتها الخافتة تسير أمامه قبل أن تختفى بداخل غرفته السابقة مرةً أخرى ، رفع جذعه العلوى ينظر إلى الباب المغلق خلفها عدة لحظات ، ثم عاد وأرتمى بجسده فوق الفراش ، محدقاً فى السقف أعلى منه ، مستمعاً إلى سكون الليل الممزوج بهمهاتها الخافتة ، مفكراً فيما لا يفهمه ، راجياً ما لا يملكه ، ومتأوهاً بصمت ، من تلك اليد الخفية الباردة ، التى تعتصر قلبه وتصيبه بالرجفة ، من هذا الشعور الذى يداهمه كل ليلة ، تماماً كما أصابه لحظة رؤيته لتوأمه ، بجسده الشاحب داخل ثلاجة الموتى ، تعالى صوت نحيبها جاذباً أنتباهه مما جعله يترك الفراش ويسير نحوها ، موارباً بكفه على حذّر باب الغرفة ، ومستنداً بثقل جسده على الحائط خلفه ، بعدما شبك ذراعيه معاً أمام صدره ، ووقف يراقبها بدهشة وهى تتلو  أيات الذكر الحكيم بخفوت بينما شهقاتها ترتفع من وقت لأخر وتمنعها من أستكمال التلاوة ، ثم تعود وترتل من جديد ، قبل أن تخر ساجدة مناجية ببكاء اخترق كل حواسه :
-(( يارب .. أنا تعبت يارب .. طبطب على قلبى برحمتك .. وأدينى القوة عشان أقدر أفهم وأتقبل الحكمة من كل اللى بيحصلى )) ..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن