وَنَشْكُو بِالعُيُون إِذاً ٱِلْتَقَينا.. فَأَفْهَمَهُ بِعَيْنَيْيَ وَيُعْلِم ما أَرَدتُ
أَقُول بِمُقْلَتَيْ أَنِّي مَتَّ شَوْقاً.. فَيُوحِي طَرَفهُ أَنِّي قَدّ عَلِمتُ
وَأَقُول لَهُ لَقِدّ مَلِلتَ بِدُونكِ.. وَعَيْناهُ تَقُول لِيَ وَأَنا أَيَّضا سَئِمتَ
أَقُول لَهُ أَنِي أَتَمَنَّى وَصالَكِ.. وَ عَيَّننَكَ تَقُول هٰذا ما بِهِ حَلَمتُ.
_إبراهيم النظام.
انقضى النهار بضيائه وها قد أقبل الليل بظلامه، وهي لازالت حبيسة الغرفة، رقيده الفراش، حائرة الفكر، شريدة البال، إذ راحت تعيد داخل مخيلتها أحداث الصباح، وتتذكر في شوق كيف غزا بقربه البسيط دفاعاتها، بل وتتلوي حرجًا كلما تذكرت مدى تقبلها لقربه، والأسوأ كيف استلذت بلمسته الناعمة، مع صهد أنفاسه الواقع فوق بشرتها، حركة يديه المتروية فوق خصرها، وأخيرًا تحديق عينيه الصافيتين بخاصتها قبل أن تقرر خداعه، تتمنى لو توقف بها الزمن عند تلك النقطة، أو لو أُتيحت لها الفرصة في إعادة الكرة، ملقية بكامل اللوم على براءتها، فهي الساذجة عديمة الخبرة ومن الطبيعي تأثرها بأي لمسة عابرة، هذا ما أسكتت به ضميرها، قبل أن يلطمها عقلها بالحقيقة الكاملة دون زيف أو تجميل، فهي ليست بالساذجة كُلِّيًّا، وليست تلك بمرتها الأولى التي يحاول رجلًا ما الاقتراب منها، وعلى عكس شعورها الحاضر، وجدت جلدها يشمئز من لمسة سلام عابرة حاول من خلالها خطيبها السابق"محمد"، معرفة مدي تأثيره الرجولي عليها، وكيف ثارت ثائرتها واشتعلت نائرتها لفرض نفسه عليها كما وصفت فعلته، أما اليوم فهي حتى لا تعلم كيف استجمعت إرادتها وذهبت في حضرته، أو كيف استخدمت ساقيها الهلاميتين في السير عكس قبلته، ناطقًا القلب بما لم يقره صراحةً العقل، نعم فهي واقعةً في حبه كطير جريح، نجح أخيرًا في فرد جناحيه في سماء عيناه مسايرًا الريح، معترضًا طريقه نحو السعادة غراب أسود قبيح، ولم يكتف بذلك بل شرع ينقره مستهدفًا جناحاته الضعيفة حتى أرداه أرضًا طريح، فَظَاهِرِيًّا كل ما يفصل بينها وبينه هو ذلك الباب المغلق، أما فِعْلِيًّا فما يقف بينهما حائل، هو ظل أسود عملاق لشبح اَلْمَاضِي الكريه، يدعمه ضعف شخصيتها وعدم قدرتها على المواجهة أو الرفض أو التجريح، وأكثر ما تخشاه إذا أعطته الفرصة للتبرير هي تلك الخصلة اللعينة بها والتي تقيدها وتمنعها من المطالبة بأبسط حقوقها، وستجد نفسها فور تحدثه إليها قابلة لطلبه، قانعة بحجته، فرغم كل ما تملكه من مال وشهادة جامعية ألا أنها تفتقد لأهم شيء، ألا وهو القدرة على قول لا، وفي المرة الوحيدة التي قررت بها الاعتراض سقط والدها صريعًا بسبب جرأتها الغير معهودة، فعادت متقهقرة إلى قوقعة صمتها، وعليه لم تجد حلًا سوي الهرب من مواجهته ورفض محادثته، علها تستطيع الخلاص من تلك الزيجة والحفاظ على ما تبقى من كرامتها المهدرة على يد والدها، هذا ما انتهجته خلال الأشهر المنصرمة وهذا ما تنتوي الاستمرار في فعله حتى يزهد في طلب وصالها ويلفظها.
أنت تقرأ
في لهيبك احترق
Romanceما بين قدر نصبُ إليه ، وآخر يطاردنا هناك طريق محدد علينا السير به حتى نصل إلى غايتنا ، مسيرين كنا أم مخيرين لا يهم فالنتيجة واحده وفي النهاية سنقف في مواجهة أحدنا الآخر لنرى من منا سيحترق في لهيب الآخر أولا .