الفصل الثامن والثلاثون...

51.4K 2.2K 336
                                    

مررت على المروءة وهي تبكي
فـقلــت عــــــــلام تـنـتـحــب الفتــــــــاة
فقالـت كيف لا ابكي
واهلي جـمــيعـا دون خــــلـــق الله مــــاتــــــــوا..

-السيد عبد المهدي.


هناك لحظة فاصلة في حياة كل إنسان مجبر على المرور بها وكأنها ضريبة وجوده تُسمي بـ "الفراق"، ستة أحرف بسيطة قادرة على زهق روحك حتى الأعماق، وسحب بساط السعادة من أسفل قدميك دون ذرة إشفاق، فتتركنا بين العالمين جثث هامدة منطفئة نتلظى بالشوق إلى من فارقونا بينما صورتهم لا تفارق الأحداق
وليس أمامنا من حل سوي الصبر الجميل حتى وإن كان الألم لا يطاق، على أمل أن ينطوي ذاك الدهر المؤلم ونجتمع من جديد منعمين برضا الخالق وفرحة التلاق....

خيالات...
ترى كل ما حولها خيالات وأشباه وشوش غير قادرة على تحديدها، تنظر دون أن تبصر، وتسمع دون أن تعي، تشعر بالاختناق يفرض سيطرته على رئتيها وكأنها سقطت داخل فجوة عميقة بقلب المحيط المظلم، كلما حاولت الطفو يجذبها التيار إلى الأسفل، فتظل تغوص وتغرق دون أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فترتاح...
بينما قبضته القوية لا تفارق معصمها، يرفعها كلما سقطت، ويسندها كلما تعثرت، يعلم أنها مسألة وقت قبل أن تخور قواها تمامًا وتهوي مستسلمة لغياهب الأحزان...
يرى العجز يرخي سدوله من حوله في شعور لم يختبره مُذ حادثة شقيقه، ممزق ما بين من هلعه على من تقف بين يديه، تناظره بأحداق فارغة، وتمد يدها إليه تتلمسه وكأنها لا تراه، تتمسك به في قوة وكأنها تتوسله بطريقتها الخاصة أن يحمل عنها ما لا تُطيق حمله...
ونصفه الأخر ملتاع على رفيق الطفولة والصديق، يكاد يموت يأسًا للوصول إليه ومؤازرته، فما أن تم إخباره بحادثة شقيق زوجته من قبل مدبرة منزله وركضه مذعورًا إليها، حتى آتاه اتصال أخر مستنجدًا من محامي الشركة، يخبره بالقبض على رفيقه في تهمة اغتصاب، بعد اقتحام قوات الشرطة المبني دون احترام، وما بين الفاجعتين كان عليه اختيار أسوأهم، خصوصًا وقد اطمأن لوصول باقي أفراد العائلة وعلي رأسهم الطبيب "يحيي" إلى مقر استجواب جواد والوقوف جواره ومن قبلهم حاميته المحنكة "غفران"، أما تلك المرتجفة بين يديه، فليس لها سواه....

يشفق عليها مما يحدث ومن ما هو آت، الصدمة، الخوار، الحسرة، والغضب، شعورك بأنك فاقد الحياة بينما أنت مضطر إلى الوقوف والمحاربة، التعايش وحتى فيما يلي الابتسام، كل تلك المشاعر مر بها من قبل
وخاصةً تلك اللحظات المؤلمة، بداية من سماعك مصيبة الخسارة فجأة دون وداع، إلى مشاركة يدك في موارية جسد عزيزك التراب...

أما أسوءهم على الإطلاق، والمشهد الذي يظل محفور في الذاكرة، ويشق الروح حتى الأعماق، هي الرجفة التي تصيب الفؤاد قبل الجسد وقت الوقوف داخل ثلاجة الموتى ورؤية قطعة من قلبك ممده هناك، داخل البرد، فاقدة للحياة.......
اغرورقت عيناه بالدموع وقد عادت ذاكرته الحية تُعيد أمام عينيه كل ما حدث واستغرق منه الطويل من الوقت التعافي، هذا إن استطاع التأكيد بأنه تعافى، مخرجه من شروده صوت صراخ قادمًا من خلفهم وقد وصل باقي أفراد عائلتها من العاصمة وبدأت السيدات في العويل، فشعر على الفور بجسدها يتشنج جواره، وقبضتها الصغيرة تشتد فوق قماش قميصه، خاصةً وقد وقفت زوجة عمها أمامها، تندب الراحل وتولول هاتفه في ارتياع :
-(( آه يا وجع قلبنا عليك يا غالي.. قلبي عندك يا رحمة شيدي حيلك ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن