الفصل التاسع والثلاثون..

45K 2.1K 279
                                    

يا من يفكر في صمتٍ، ويتركني
في البحر أرفع مرساتي وألقيها
ألا تراني ببحر الحبّ غارقةً
والموج يمضغ آمالي ويرميها
انزل قليلًا عن الأهداب يا رجلًا
ما زال يقتل أحلامي ويحييها.

-نزار قباني.

في هذه الحياة يهب البعض منا القدر ولمرة واحدة في العمر، فرصة لا تقبل التعويض، من ذلك النوع القادر على تغيير مجرى حياتنا نحو الأفضل، ووضع كل شيء في نصابه الصحيح، يقتنصها المجازف فائزًا بها، ويقف مترددًا أمامها الضعيف، ثم يمضي باقي حياته في رثاءها، يتمنى لو يُعاد به الزمن فيحسن وقتها التصريف...

ظل صدى اقتراحها يتردد في الأركان الصامتة من هول الدهشة، كما يتردد صدى القطعة المعدنية وقت ارتطامها بأرضية القاعة الفارغة، لا شيء سوي طنين أخذ في الخفوت حتى تلاشي تمامًا وبقت نظراتهم المستغربة هي العلامة الوحيدة على سماعهم اقتراحها، قبل أن يقرر "طاهر" إنهاء ذلك الوضع المحرج والخروج منه بالحمحمة أولًا، ولن ينكر أبدًا حالة القبول التي سرعان ما انغمس بها كليًا، ثم راح عقله يتخيل رد فعل زوجته وفرحتها بذلك النبأ والذي ربما يُخرجها من حزنها الشديد، مقترحًا بعدها في تفكير :
-(( الفكرة ممتازة وتحل المشكلة فعلًا.. بس ناقصها شوية تظبيط ))..

سألته غفران في حيرة متجنبة النظر إلى ذلك الواقف قبالتها يطالعها في صمت ويجاهد في كبت ابتسامة سرعان ما عانقت ثغره، تزداد اتساعًا في علاقة عكسية مع تراجع شجاعتها بعد تفوهها بفكرتها الحمقاء، وما زاد ارتباكها وجزء لا يُستهان به من ندمها، هو امتناعه حتى الآن عن المشاركة أو التعقيب، بينما أجابها طاهر يقول في فراسة :
-(( أظن ومن الأفضل نخلي كتب الكتاب بعد المحكمة على طول.. لأن ممكن محامي الخصم يطعن في صحة شهادتك بما أنك مراته محدش ضامن ألاعيبهم إيه.. يبقي الأحسن نجهز كل الأوراق حتى التوقيع وتبقى على صيغة عقد القران.. ومتقلقيش يوم المحاكمة الصبح هنزل خبر في كل الجرايد بزواجكم رسمي.. وكده نقطع الطريق على أبو المجد في أي حركة.. كل اللي عليكي بس تطلعيلنا الباشا ده من هنا ))..

أنهى حديثه بالربت على كتف جواد، والذي يبدو بأنه اكتشف أخيرًا الصلة الوطيدة بين اهتزاز أحباله الصوتية وخروج الصوت منها، فهتف يتساءل في اعتراض :
-(( وتفتكر عيلة غفران هتقبل باللي أنت بتقوله ده؟!.. إنهم يجوزوا بنتهم بالطريقة والسرعة دي لواحد محبوس على ذمة قضية اغتصاب!! ))..

انخفض مستوى الحماس بداخل رفيقه قبل أن ينزوي بجسده ممتنعًا عن الرد، بينما هتفت هي تقول في ثقة :
-(( إذا كان وافقوا اتجوز واحد معرفهوش في ٣ أيام وأسافر معاه.. هيعترضوا على سرعتنا ليه؟!!.. ولو على القضية أنا هشرحلهم الوضع.. وبعدين سيب مهمة إقناع بابا عليا ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن