الفصل الثانى والأربعون...

52.7K 2K 405
                                    

وَما في الأَرضِ أشقى من مُحِب
وَإن وُجد الهَوى حلو المَذاق
تَراهُ باكِيًا أَبَدًا حَزينًا
مَخافَةَ فرقه أَو لاِشتِياق
فَيَبكي إِن نَأوا شَوقًا إِلَيهِم
وَيَبكي إِن دَنوا خَوف الفُراق
فَتَسخن عَينه عِند التَنائي
وَتَسخُن عَينُه عِندَ التَلاقي.

-نصيب بن رباح..






كم هو غريب ذلك الشعور الذي يراودها وكأنها شُطَرْت اثنان، نصف خفيف يرفرف عاليًا كجناح فراشة وكل ما يهفو له هو الوصول إلى ذلك الوهج الرائع والتمتع بدفئه حتى وإن كان به فناءه، والنصف الأخر قُد من حجر كتمثال رخامي صلد، أينما توجه ساقيها لا تتبع أمر العقل أو تستجيب لندائه....
وبذلك الشعورين المتناقضين سارت خلفه كفأر صغير يعلم وبأنه قبل الوصول لما تشتهيه أمعاءه سيقع في شرك ما نُصب له ولكن، كان الإغراء أقوى من أن يقاومه حتى وإن عني ذلك هلاكه....
وبمئات الأفكار المتوترة التي تحيط بها من كل جانب وتحشرها في كل زاوية من زوايا المنزل التي تمر بها سارت بجانبه حتى وصلا إلى غرفتهم الخاصة بعد كثير من الترحيب من قبل والدته ووالده وحتى مدبرة المنزل ولن تُنكر سعادتها الداخلية بذلك الاستقبال الحافل والذي ساهم ولو بشكل مؤقت في استرخاءها، أما الآن وقد اقتربا من الوصول لغرفة نومه فقد عاد كل ذلك القلق والترقب يطفو مجددًا إلى السطح، معلنًا عن نفسه بوضوح من خلال قسمات وجهها وحركة جسدها، تريد التراجع ولكن أوان التراجع قد فات
خاصةً وقد امتدت يده نحو ظهرها يدفعها بخفة ويحثها دون حديث على الدخول بعدما فتح باب الغرفة ووقف خلفها ينتظر تقدمها قبله
وبمجرد وقوع عيناها على تفاصيل الغرفة حتى تلاشي كل ما يؤرقها حالًا محله الانبهار بمحتوياتها والتي كانت أقرب لجناح منها لغرفة عادية، ثم راحت تمرر نظرها وتتفحص في ذهول كل ما تقع عيناها عليه بداية من الجدران البيضاء بلونها الحليبي الدافئ، وإطارات الحوائط المتنوعة، ثم الفراش الوثير بخشبه العاجي في تناسق تام مع غطاءه المزخرف بالأزرق الداكن ويتخلله بانسيابية خيوط بسيطة من الذهبي والأبيض....
أما هناك وفي أحد جوانب الغرفة حيث توجد نافذة عريضة تحتل الحائط يكاد ارتفاعها يصل للسقف وتطل مباشرةً على حديقة المنزل الواسعة، وُضع طقم مريح مكون من أريكة متوسطة الحجم زرقاء اللون يناقضها ويُبرز مخملية قماشها الوسائد البيضاء المزركشة والموضوعة فوقها باحترافية، يحيطها من كلا الجانبين مقعدين ذو ذراعين يماثلان وسائد الأريكة في لون القماش ونوعه، وأخيرًا سجادة فارسية تجمع كل ألوان الغرفة مع أخرى مبهجة داخل زخرفتها البسيطة...
باختصار كانت الغرفة مثال حي عن السكينة والهدوء، وفورًا ومن تأثير اللون الأزرق على النفس شعرت بدقات قلبها المتسارعة تتباطأ، واختفى ضجيج ضغط الدم من أذنيها كعلامة على انخفاضه...
ومع تنهيدة حالمة خرجت من شفتيها الناعمة، تحرك "جواد" يقف خلفها ويلاصق بجسده ظهرها قبل أن يسألها في خيلاء، إذ لاحظ على الفور الارتخاء الذي أصاب ملامحها لحظة دخولها الغرفة واللمعة المحببة التي كست عدستيها :
-(( عجبتك الأوضة؟ ))..

في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن