الفصل السادس عشر .

66.2K 2.5K 291
                                    


يا سيِّدتي:
لا أتذكَّرُ إلا صوتُكِ
حين تدقُّ نواقيس الآحادْ.

لا أتذكرُ إلا عطرُكِ
حين أنام على ورق الأعشابْ

لا أتذكر إلا وجهُكِ
حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُ 
وأسمعُ طَقْطَقَةَ الأحطابْ.
-نزار قباني .




بأحداق هائمة وأثقال أشد وطأة على الصدر ، أنسحب من أمامها يمشى الهوينة إلى أن وصل غرفة مكتبه ، وأغلق الباب خلفه ثم أرتمى فوق أحدى المقاعد يأن بصمت ، متألما من تلك اليد الخفية المعتصرة مهجته ، ويتأوه بحسرة ، غاضباً من سذاجته فى تقدير الأمور ، وهو من ظن أن روحه أخيراً قد وجدت من تسكن إليه ، متجاهلاً كل الظروف ، العوائق ، والسدود الفاصلة بينهم ، وكم كان أحمقاً ، حين ظن أن الحياة ، قد تهبه ، فرصة أخرى للعيش ، معطياً لنفسه المساحة الكاملة فى لومها ، أينما شاء وكيفما شاء ، ثم بعدها ، مع حلول منتصف الليل تقريباً ، رفع رأسه المتعب وأنتصب فى وقفته ، متوجهاً إلى طاولة مكتبه ، يشاهد تفريغ كاميرة المراقبة ، الخاصة بالجزء الخارجى من المنزل ، متابعاً بتركيز تام وأنفاس متحشرجة ، خروجها من المنزل ، يليه ملاقاتها لذلك النذل ، ثم أقترابه منها بطريقة مثيرة للأعصاب ، فأنتفض بعنف ، يحاول السيطرة على ردات فعله ، وتمالك أعصابه ، حتى لا يعود إليها ، ويصب جام غضبه فوق رأسها ، لافتاً أنتباهه بعد دقيقة واحدة تقريباً ، كفها الذى رُفع فجأة ، ثم هوى فوق وجه غريمه ، يتبعه هرولتها نحو البوابة مرةً أخرى مختبئة داخل منزله ، مملكته ، أغمض عينيه وتنفس الصعداء ، قبل أعادته المشهد مرة بعد مرة ، يسحب نفس الحياة إلى رئتيه مع كل صفعة تهوى فوق وجه ذلك الرائف ، وكأن صفعتها تلك مطرة ، تسقط على عطش روحه وصحراء قلبه ، فيزهر شيئاً فشئ ، وبعد ساعة كاملة من المشاهدة، لم ينتبه لمرورها الا عندما أرتفع رنين هاتفه فى أتصال مترقب من تحريه الخاص " ماكسيم" ، يخبره بنبرته العملية :
-(( مرحباً سيد طاهر ، لقد تم تنفيذ طلبك ، وبعد عدة ثوانٍ ، سيصل إليك عبر تطبيق what's app ، سجل مكالمات السيدة رحمة ، مرفق به تسجيلات الأسبوع المنصرم إلى يومنا هذا )) ..

غمغم طاهر يشكره على عُجالة ، ويُنهى بنفاذ صبر المكالمة حتى يتسنى له سماع تسجيلاتها :
-(( تمام تمام .. شكراً ماكسيم )) ..

أستمع إلى أجابة الطرف الأخر ثم أغلق الهاتف على الفور ، يراجع أولاً قائمة السجلات بدءاً من اليوم ، جامعاً  كامل شكوكه ، عند رقم وحيد غير مسجل على قائمتها ، هاتفها فى نفس التوقيت الذى تواصل معه مدير حرس المنزل ، وأخبره بما رأه ،  لذا سارع متلهفاً فى تشغيل التسجيل الصوتى المدون أسفله تاريخ اليوم ، مستمعاً إلى صوتها وهى تهدده بزوجها ، ثم أبتزازه لها بشقيقها وإجبارها على مقابلته ، وقتها ألقى الهاتف من قبضته ، وأنتصب فى وقفته ، ماسحاً بقوة ، قسمات وجهه المتجهمة ، ومتمتاً بندم :
-(( عملت أيه يا طاهر .. عملـت أيـــه )) ..










في لهيبك احترق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن