بلا اسم

2.5K 127 1
                                    

الفصل الثامن و التاسع
" بلا اسم"
صمتت رباب بذهول لما رأته يرفع يده عاليا ليصفعها !!
-إياك يا وائل إياك!
ارتجفت يدها ثم أنزلها بسرعة ! سيفقد عقله بسببها !
تركته وسارت بعنفوان الحانق نحو الخارج!
كيف يجرؤ ؟ رباب راضي الشماع ؟ تمتد يد وضيعة عليها تنال منها ما حرمته على زوجها! وزوجها المصون ينصب نفسه القاضي و الجلاد و  يرفع يده عليها ينوي صفعها أمام الناس!!
عال و الله عال !
أيشك أنها هي من دعته مثلا ؟ لأي قاع وصلت و إلي أي مدى سيؤذيها هذا العشق الغبي!!
لكن يد وائل امتدت كماشه تقبض على رسغها و لم تفلح محاولاتها في جعله يتركها، و خلفهم عيون قلقة.
ارتبكت غنا من هيأتهما و كأنهما على وشك خوض معركة ضارية، فهتفت بخفوت قلق :..
-رباب هتكون كويسة مش هياذيها؟ أنا خايفة!
ابتسم مراد بتهكم، تخافين على من يا حبيبتي الساذجة! من المتوقع أن رباب ستقتله وتقطعه قطع صغيرة جدا! وقد تبخل عليه بأكياس بيضاء فتضعه في أكياس سوداء للقمامة وتلقيه في بلاعة المرحاض!!
على أقل تقدير قد تمثل بجثته بأسنانها!
سفاحة!!
تفاجأ بتساؤل غنا الناعم المتألم، وهي ترى وائل يجرها خلفه لسيارة أجرة:
-هو ليه كل الرجالة كدة؟ هي الحياة كلها ضرب وإهانة؟
سؤالها ضربه في الصميم، فجذبها له من ذراعيه يحدثها بلهجة حازمة بدت قاسية دون أن يقصد لكنه لا يحتمل! لقد دفعوا الثمن غاليا حتى يصلا لتلك النقطة:
-غنا! أوعى تفكري حتى.. مش هنعيده تاني مش هنرجع تاني .. مش هتفتكري فيه أبدًا .. أنا تعبت و مش هعيد تجربة زي دي تاني .. الحياة الزوجية أساسها الاحترام، هما اللي أغبية كل واحد فيهم بيفكر في نفسه و وجعه و ما بيفكرش ف التاني و لا في اولادهم! احنا غيرهم  أنتي فاهمة؟!
دمعت عينيها تقديرًا لموقفه و لثباته في موقف كهذا و خصوصا لرجل كمراد شديد الغيرة و الشك والحب!
بدون تفكير آوت إلي ركنها الرشيد، الحائط الذي لا يميل! صدره صاحب الدفء إلي أبد الأبدين .
...............................................
-يا جنى انا زي جوزك برضو عادي!
نظرت له جنى نظرات مريبة، ثم اردفت بملل:
-أهو ده اللي كنت خايفة منه، و قعدتك وسط الأجانب اللي قلعين دول هتبوظ أخلاقك .. هو عشان أنت جوزي تشوف شعري كدة عادي؟
جلس حازم جوارها على الاريكة بهدوء يشرح لها قبل أن يكسر مزهرية على رأسها:
-يا جنى! كل دا معرفش شعرك شكله ايه؟ دا يدوب لمحته حتى مش هعرف أتخيله !
وقفت أمامه متخصرة، قائلة بثقة:..
-ما انا اوصفهولك و خلاص و بلاش فرهدة؟
تحمس للفكرة ، فرفع قدميه و عقدهم يناظرها بحماس قائلا :.
-ماشي اوصفي و حاولي تكذبي عليا.
-بص شعري مبدايا شعري اسود كالليل .. اسود أوي أوي ؟
ابتسم بحماس و وصفها يروق له بينما تتابع :..
-ناعم كالحرير .. بس انا شعري انعم برضو من الحرير فاهم أنت .
-فاهم فاهم !
-بس مش طويل أوي .
-يا ستي مش مشكلة!
-لحد كعب رجلي بس للأسف حولت اطوله عشان يجرجر للأرض بس معرفتش .
-يا روح خالتك!
قالها بتلقائية من كذبها، تأملت ملامحه المغتاظة بتسلية هاتفة :..
-يا سيدي تخيل ! و تقيل تقل لحاف السرير!!  اسيبك بقى تتخيل براحتك داخلة أنام يا زومي .. تصبح على خير تعبانة من كتر اللعب.
تصبح على خير يا زوجي العزيز!
اللعبة معك مسلية للغاية !
حازم يجرها لتقبل بالأمر الواقع دون تغير، يريدها كزوجة بلا أمل أن تكون حبيبة و يظنها تستسلم!
آسفة يا عزيزي! إما الكل أو لا شيء فهي لم تعد ترضى بأنصاف الحلول.. الكمال أو الفناء!
حينما تأتيني محبًا اطرق الباب وإلا فانس العنوان!
....................................
الصمت كان مطبقً طوال الطريق لمنزل عائلة وائل القديم بالقاهرة حيث يقيمون حاليًا!
مازالت رباب تمسك بزجاجة رذاذ الشطة دون وعي تضغط عليها كي لا تنفجر في وجهه أمام السائق أما وائل فكل ثانية تقريبًا يضرب ساقة بعنف يحاول محاولات بائسة بلا معني ان يهدأ من غضبه حتى لا يقتلها ويقتل نفسه بعدها!
كيف سمحت له، كيف نظر لها ولم تقتلع عينيه، هي فقط تجيد جلده بسوط لسانها ونظراتها!!
وشيطانهما ينتهز الفرصة و يوسوس و يوسوس!!
وصلا أخيرا للشقة القديمة في الحي المتواضع.
-اتفضلي يا رباب هانم .. أما نشوف أخرتها ؟
دلفت الشقة بعنف، فبالتأكيد غادرت السيدة التي كانت "هنا و سليم"،  تشكر الله على طبيعة نوم أولادها الثقيلة الشبيهة بوالدهم في تلك اللحظة، فلا ينقصها الآن أن يسمعا مناطحة الديكة التي ستقتم الدنيا و لا تقعدها الآن !
أخذ يلتف حول نفسه كالليث الحبس !
يحارب شياطين غيرته كي لا يؤذيها، هو رجل شديد الغيرة بل يغار عليها بجنون من حتى نظرة و لولا ضرب من العقل لحرمها حتى من العمل !
و أيضا ذنوبه القديمة تزيد الأمر سوءًا و تزيد من جنونه! لا يستطيع أن يتغلب على هاجس أن يعاقبه الله فيها! أن يقتص منه القدر فيها هي !
...
قذفت حقيبتها بعيدًا و أمام قدميه ألقت بزجاجة الشطة الحارة بغيظ !
على ماذا يعاقبها هذا!
-كنتي مستية إيه سياتك عشان توقفيه عند حده .. و تنادي راجلك يكسر إيده و يقلع عينه .
ابتسمت ابتسامة صفراء متهكمة، ثم رمقته شزرًا هاتفة :..
-و كان راجلي بقى بيعمل إيه .. مكنش فاضي كان بيرقص مع واحدة بتتدلع عليه بوقاحة و لا عامل أي اعتبار و لا شايف إن مراتك قاعدة جانبك ... بس أنت عمرك ما سبت فرصة تثبت فيها إني مش ملية عينك ..كنت منتظر إيه سيادتك من راجل بيعرض عليك مراته بطريقة وضيعة زي دي .. دا لو صح يتقال عليه راجل !
تجننه بردودها المستفزة و تشكي بعدها سوء طباعه، اقترب منها يسجنها بذراعيه و يأسر عينيها هاتفا بقسوة :..
-و بالطريقة دي بتنتقي مني يا رباب ؟؟ تسمحي لأي رجل أن يستبح اللي حرمتيه عليا!
مصدومة هي من تفكيره الدنيء كلما تعرضا لموقف شبيه !!
فارتدت للخلف مصعوقة، و قد عادت لغتها الفلسفية الجامدة الفصيحة و كأنها تكتب في كتابها:..
- الآن شرفي يُوضع على طاولة النقاش يا ابن الأنصاري .. شرف رباب راضي الشماع!!
عادت لغتها القاسية التي تدمر مرة أخرى، لكنه جارها فيها هذه المرة ليصلا إلي حلِ جذرِ :
-شرفك يوضع على طاولة النقاش عندما تضعين نفسك موضع الشبهات و تأتي و تلومي ردة فعلي!
اهتاجت أكثر هاتفة :..
-شرفي فوق مستوى الشبهات هل تفهم .. لا تجعلني شماعة تعلق عليها على خسة ردود أفعالك .
أدارت نفسها بعيد عن جحيم عينيه تتابع و كأن جرحها الغائر منه هو من يتحدث :..
-خسة ردود أفعالك التي تفف للآن حاجز بيننا! تقف و تتشدق باحتمالك لي؟ ماذا عن احتمالي أن لخيانتك طوال سنوات زواجنا؟ و الفاجعة هي تجرئك أن تجلب امرأة وضيعة  لفراشي قد تكون كلمياء هانم مثلا؟ ماذا عن فعلتك الدنيئة و أنت تتهمني بالعهر و الرخص-ظلما- وتفرض نفسك على معتديًا!! أنت لم تخسر شيئا بل أنا خسرت ابنًا و ربحت أخر بإعاقة ستظل تذكرني كلما نظرت إليه بتلك الليلة التي تريدني أن أنساها بكل بساطة؟؟
أمسك وائل ذراعها يجبرها أن تنظر إليها تواجه عينيها قبل أن يهتف :..
-أقسمت لك مائة مرة لم أكن واعِ لكني أدرك تماما أنك استجبتِ ..أنا أعرف استجابتك رباب.. لا يهم كيف بدأ لكن لم يكن للنهاية رغنا عنكِ .. لم وضيعًا حتى النهاية يا رباب .. الجميع صدق توبتي عداكِ أنتِ! و يشهد ربي أني لا أنشد الصفح إلا منك أنتِ؟
نفضت ذراعها عنه كما تحاول نفض مشاعرها التي تبكيها الآن بسبب بنبرته الضعيفة الحنون، فأردفت بقلة حيلة :..
-وائل أن لا تعرف عني شيئا لا تعرف شيئا البته !! لم أملك طوال عمري سوى كبريائي و كنيتي .. ولدت بلا حب أم و لا احتواء أب، لم أرى أي منهما ...طفولتي التي لا أحكيها لأحد، أحمل مرارتها في جوفي وحدي.. طفولتي التي صنعت مني ما أنا عليه برغم قسوتها .. صنعت مني رباب ذات الكبرياء .. كبريائي الذي دهسته أنت تحت قدمك سنوات .. و كانت الطامة الكبرى يوم أجبرتني أنا على دهسة يوم تقبلت عنفك في سبيل الحصول على حبك! أنا أكره نفسي فلا تظن نفسك الوحيد المتضرر و المتألم هنا! أما عن توبتك فلا أحد يعرفك أكثر مني .. بمجرد أن لوح لك الماضي و فرشت لك الدنيا الورد و ملكت كل ما تريد .. ها أنت تعود وائل الأنصاري القديم ! تنتظر أقل تقصير مني لتهرع لأخرى !
تنهد بقلة حيلة منهيا حوارهما الفلسفي بينهما- الذي يكرهه أكثر من أي شيء لأنه يعلم أنها سترجح كفة كبريائها كالعادة- بقوله الحاسم :..
-أنا تغيرت رباب صدقي أو لا ! من أجلي أولا ثم من أجلك و من أجل أسرتنا! الخيار في يدك إما أن تمحي الماضي و تضعي يدك في يدي نحو الغد قبل أن يمر بنا قطار العمر .. أو فراق إلي الأبد يرى كل واحد منا طريقه وحده !
...
و غادر صافقا الباب خلفه، بينما هي دلفت حجرة أطفالها، جالسة على الأريكة ، تخفى وجهها بكفيها بقلة حيلة!! قبل أن تضم نفسها بنفسها كما اعتادت! تدفن وجعها و تنعى حبها قربانًا لكبريائها!
غبية من ظنت بصدق مقولة "خذيه على عيبه ينصلح"
أبدًا !
العوج لا ينصلح .. و لو انصلح يبقى الشك قائمًا!!
.....................
عاد عصام قرابة الفجر يتنهد بضيق، لا يريد أن يعود فهو غاضب جدًا هو ليس رجلًا يرضى أن ترفع امرأته صوتها عليه، هو رجلا قويا و حياتهما لن تكن أبدًا رغدًا بلا شقاء، لا وجود لحياة كهذه أبدًا، و هو لا يسمح في كل خلاف أن ترفع صوتها عليها، يجب أن تعرف أي رجل ارتبطت هي به و صارت ملكه !!
جلس جوارها على الفراش ، وخوها بخفة كي ينهض من نومتها الهانئة من أجل معاد السفر!
تململت في رقدتها لكنها لم تفق من نومها بل على العكس بحث جسدها عن دف صدره الذي استوطنته، دفنت وجهها في صدره كقطة صغيرة، وابتسمت متابعة نومها.
أقال من قبل أنها ملكه بل هو ملكها و تحت إشارة من اصبعها؟! أيجب أن يسافروا حقا أم يلغي كل شيء و يبقى هنا يتنعم في أحضانها! أن يبقى أسيرها مدى الحياة ولا تحرره أبدًا!
أفق يا عصام! أفق يا رجل !
عصام باشا زهران تتلاعب به امرأة يستطيع حملها بذراع واحدة .. أبدًا!
هو لم يكون ضعيفًا و لن يكون أبدًا حتى أمام امرأة يراها بعينه أجمل نساء الأرض!
وخزها بقوة أكبر هذه المرة تزامنا مع هتافه القوى :..
-بريهان اصحى!
انتفضت من نومها متألمة، هاتفة بتأنيب كان عاليًا من انفعالها :..
-فيه حد يصحى إنسان بالشكل ده !؟!
هب واقفا يهتف :..
-بتعلي صوتك تاني أنتي ما بتحرميش ... و أما أمد ايدي ابقى راجل همجي و متوحش صح ؟
نظرت لها و نظرات اللوم في عينيها تلمع، هامسة :..
-هو أنت بتتعامل مع واحد صاحبك؟أنا مراتك مش شغالة عندك؟
-بريهان اقصري الشر و قومي البسي عندنا طيارة بعد ساعتين !
-ساعتين!! إحنا مسافرين فين؟
-أصلك كنتي مركزة في الخناق أكتر من كلامنا ..معلشي هنقطع على الهانم شهر العسل ... عندي شغل؟
قامت من فراشها تضرب الأرض بقدمها، فاستفزته حركتها لكنه كظم غيظه لأنه يعرف نفسه جيدًا إذا ترك غضبه دون قيد فسيحرقها بلا شك !
خلعت روب منامتها الحريرية و ألقته أرضا، أتت لها بملابس للخروج ، أخذت ملابسها متوجهة نحو المرحاض بينما تغمغم بكلمات غير واضحة، جذبها من ذراعها ينوى توبيخها على تلك الحركة ، لكنه توقف على أثر تأوهها العالي!
انتفض قلبه تاركًا ذراعها ثم قال بلهفة:
-فيه إيه ؟ إيه اللي بيوجعك؟
-أنت!
قالتها بوجع تضم ذراعيها لنفسها لتظهر كدماتها ذات اللون الأزرق بوضوح أم عينيه المذهولتين، يردف بانفعال:..
-إيه دا !! مين اللي عمل فيكي كدة ؟
نظرت له بلوم و دموعها تغرق  وجنتيها هاتفة :..
-للأسف نفس الإجابة .. أنت!
حملت فستانها و توجهت نظراتها إليه قبل أ، تختفي خلف باب المرحاض قائلة بسخرية مريرة:..
-ثانكس على هدية شهر العسل!
راقب اختفائها خلف باب المرحاض و دموعها الكرستالية تغرق وجهها، الآن يشعر بالغضب الشديد فأفرغه على هيئة قبضة قوية لحائط جواره !!
بقلمي أسماء علام
...........................أسماء علام
في جناح حازم و جنى،
كانت ممددة جواره غارقه في نومها العميق، بينما هو مازال مستيقظًا يتأمل ملامحها الساكنة بملامح مشاغبة وكأنها تحلم بنفسها كطفلة تلهو بين الأشجار قبل أن تحلق على أرجوحتها الخشبية!
حرر شعرها القصير من حجابه بخفة حتى لا تستيقظ واستمر في تأملها!
يراها أنثى مكتملة الأنوثة بشعرها البني المصبوغ الذي يلائم ملامحها وغمازتيها حبيبتيها عيونها البنية والتي يراها بلون القهوة السوداء -التي يكرهها- لكنها تلائم بشرتها البيضاء بشكل فتاك، حتى تلك الحبوب التي اخترقت بشرتها الحساسة أحبها عليها.
جميلة؟ نعم
أعجبته؟ جدا
مشاغبة و مرحة حتى فكرته القديمة عنها مسحها تماما و كأنها لم تكن.
لكنها للأسف ليست نوعه المفضل! هو يرغب بأنثى تعتمد عليه
تماما .. بل يريد امرأة تسير معه رحلة كفاحه يدًا بيد، يتذوقا طعم النجاح معا!
جنى يا صغيرة مازلت طفلة في معركة الحياة!
تحبين قصص الحب وأعذب القصص الرومانسية و أنا رجل لا تستهويه سوى قصص الكفاح!
و على هذا الخاطر الأخير تنهد بضيق، استغفر الله و هو يعطيها ظهره لينام !
لن اظلمك ابدًا معي يا جنى! يجب أن تلقي بي خلف ظهرك و تبني حياة جديدة من بعدي!
فلا أمل يجمعنا و لا حتى غد، نقطة و من اول السطر!!
..............................................أسماء علام
عند الفجر،،
نهضت رباب من رقدتها متألمة! غبية تؤذي نفسها قبل الجميع!
توجهت للمرحاض تخلع ملابسة لترتدي منامتها المفضلة ذات اللون النبيذي، جمعت شعرها الاسود في جديلة، و عادت لغرفة اولادها تطمئن عليهم و هي تعلم ان وائل سيبيت ليلته خارجًا كما جرت العادة كلما حدث بينهما شجار!
تأملت اولادها لحظة و قد حسمت أمرها ستحاول .. من أجل أولادها ستحارب! هما يستحقان ان يعيشا حياة مستقرة تختلف عن حياتها السابقة!!
بدأ سليم الصغير يصدر بعض الهمهمات وكأنه سيستيقظ، تزامنا مع ذلك الصوت الغريب الذي سمعته بالخارج!
ضمت ابنها ليعود مجددًا للنوم، وخرجت من الغرفة على أطراف أصابعها ظنًا منها أنه وائل قد أضنه الشوق فعاد، ابتسامتها اختفت عندما علمت ان من دخل غرفة نومها بالتأكيد ليس وائل زوجها أبدًا.
بحركة غريزية أغلقت غرفة اولادها بالمفتاح وأخفته، بحثت عن زجاجة الشطة الحارقة فلم تجدها من شدة التوتر، فأسرعت نحو المطبخ البسيط تبحث عن اكبر سكين فيه.
شهقت برعب عندما وجدت السكين يسحب من يدها و يوضع على رقبتها، و شهقت بخوف اكبر عندما شعرت بالظلام الدامس الذي غلف الشقة!
موكا
...........................
في إحدى الأحياء الهادئة
كان وائل يتناول كوبًا من الشاي مستندًا بظهره على السور خلفه، يناظر منزله الراقي الضخم بحسرة!
هذا المكان كان حلمه هو و السيارة الفارهة التي كان يمتلكها، بالإضافة إلي مصنعه.
حلم امتلكه و ضيعه بكل صفاقة و جهل!
المصنع و احترق و باع منزله الذي كان يقدر بملايين و أرض المصنع و مال التأمين ليسدد ديونه، بعد تلك الازمة لم يكن يملك سوى سيارته و منزل عائلته القديم جدا جدا لكنه لم يكن ملكه بل ملك لأخته! و السيارة باعها و اشترى بضع أسهم بجوار اسهم زوجته يديرهم تحت قيادة مراد! لولا أنه حقا بارع في عمله و أمور الإدارة لكان فقد كل شيء.
الشيء الوحيد الذي قد استفاده من عمره العابث أنه فهم أصول السوق و كيف يقتنص الصفقات المربحة و يخرج من أية ازمة بأقل خسارة ممكنة، الشيء الذي جعل مراد يتخذه ذراعه الأيمن رغم انه لا يفهم الكثير في موضوع الملابس هذا!
كل هذا لا يساوي شيئًا امام خسارته الفادحة في امرأة كانت كنز العمر ... لقد خسر امرأة كانت مثالية من أجله .. خسرها قربًا لشيطانه و كأن الشيطان لم يكتفى فأخذ فلذه كبده هو الاخر كقربان .. كانت تلك هي الصفعة تمهيدًا لباقي عقاب القدر له !!
خسارة تلو خسارة فلم يكاد يفق من واحدة حتى تتلوها أخرى!
و رباب ابدًا لا تساعده على التوبة بل تزيد من همومه همًا فوق هم! لكن من يلومها و قد تحملت من أجله الكثير فيما مضى وقت أن كان وغدًا بلا ضمير.
هو تتلذذ بالحرام لسنوات فعقابه الإلهي الا يتلذذ بالحلال بعدها أبدًا !!
لكني تبت يا الله تبت! ألا توبة لذلك العاصي؟!
......................................اسطور البطل لأسماء علام
بكل قوتها حاولت الفرار، تخشبت في الارض حتى سقط خفيها المنزليين من قدميها، ومازال ذلك الرجل يجرها جرًا بقوة غاشمة تجعلها تتأكد أنه ليس مجرد لص عادي! لص يقتحم المنزل بتلك السهولة تاركا كل الغنائم ليجرها بذلك العنف مهددًا إيها بسكين حاد نحو غرفة نومها!!
ماذا يريد؟؟
ناقوس الخطر يزداد والادرينالين يندفع في جسدها لتقاوم، لكن اي مقاومة تلك في هذا الظلام والذي أعاد خوفها المرضي ليحيا من جديد!
دقات قلبها ازدادت الضعف تقريبا عندما أغلق باب غرفة النوم، وتجاهلت خط الدماء الرفيع الذي انساب على طول رقبتها وحاولت الصراخ بكل قوة تملكها!
-وائل
صرخة لم تغادر جوفها أبدًا بسبب تلك اليد التي كممت فمها من الخلف حتى كادت تزهق أنفاسها الخائفة!!
بعدما ألصق يديها بشريط لاصق و فعل المثل لفمها، و كلما زادت في المقاومة، زادت قوة ضغط السكين على عنقها و ازدادت كمية الدم و الألم طرديًا معها!
أي رعب هذا الذي تعيشه!
رباب راضي تكاد تبكي من الخوف و الترقب و الظلام!
و السؤال تردد بذهنها ؟ من؟؟ و لماذا ؟؟؟؟
حشرها في الزاوية و أطل عليها بطوله و جسده المعضل المخيف لكن المخيف هو رؤية عينيه المرعبتين بلونها  الغريب الذي يلمع تحت الإنارة الخافتة القادمة من الشارع!
رات تلك العيون من قبل .. متأكدة لكن أين ؟ أين؟
عيون تلمع بالقتل مستحيل أن تنسها !!
ابتسامة شيطانية اظهرت أنيابه اللؤلؤية، و من جيبة أخرج قداحة أشعلها بجوار وجهها تلسعها حرارتها؟؟
الماضي البشع يتشكل على الوجه الذي أمامها، نظرات الهلع لم تستطع أن تخفيها كما هي العادة! لديها العديد من الأشياء التي لا تريد أن تخسرها! لا تريد الموت الآن؟؟
-افتكرتيني؟ خوفك بيأكد إنك افتكرتيني محدش أصلا يقدر ينسى جسار الجاسر!!
زاد تنفسها بدرجة مخيفة وهي تتذكر تلك الفترة العصيبة من حياتها! زاد لدرجة أخافتها ان تنتابها أزمة ربو دون أن تعرف نية هذا الوحش أمامها؟ بل كيف هو امامها اصلا ألم يمت؟!
والإجابة ضربت عقلها فجأة.. أغايته غنا؟ أم الانتقام؟ ام كلاهما؟!!
غير مكان السكين  لمكان أخر من عنقها ليجرحه بنفس الطريقة بتلذذ مرضِ.
-أيوة اللي بتفكريه فيه؟ انا ما موتش الجوكر ما يفناش أبدًا؟ تفكري أنتقم منكم إزاي؟
اكان يتحدث أم جنون العظمة والنرجسية بداخله هو ما يتحدث؟
أما عن السادية المتوحشة بداخله فتمثلت أمام عينيها الرماديتين المرتجفتين وهو ينقل السكين من مكان لأخر على جسدها، ويمنع عنها صرخة ألمها بسبب اللاصق.
عاد يهتف بتشفِ وهو ينقل السكين من جيدها لذراعها:
-انتقمت من قاسم الوغد ومصيره دلوقتي نفس المصير اللي كان عايز يدوقهولي.
أطلقت صرخة تألمها المكتومة بسبب اللاصق على فمها، والدموع انطلقت من عينيها من الالم بلا توقف!
عيونها الرمادية الغامقة التي لطالما نطقت بالعناد الآن تصرخ بالألم والخوف والآن الذهول.
قتله؟؟ قتل قاسم؟ قاسم قرر الانفصال عن جماعة ذلك الوغد وأطلق عليه رصاصة في مكان قاتل وانتقل قاسم للسجن ومن المفترض أن ذلك المختل انتقل إلي الجحيم هذا ما عرفته؟
قامت بضربه برأسها لكنه في اللحظة الأخيرة القى القداحة وأمسكها بعنف بكلا ذراعيه وهو يضحك قائلا:
-خوفتي يكون مصيرك زي مصيره.. تعرفي عجبتيني أكتر من غنا.. إنك تذل شخص ضعيف ما يساويش نصف المتعة وأنتي بتذلي شخص عنيد زيك.. لولا إن الموضوع بيني وبين غنا شخصي جدا.. بيني وبينك كنتي خدتك مكانها!
همس الأخيرة بأذنها، الاشمئزاز الذي تشعر به أعطاها قوة لتبعده عنها بتقزز، تقاوم وتقاوم، لكن مقاومتها زادته شراسة وعنف تجاهها!
ولما فاض به الكيل من عندها -الذي لم يتوقعه كونها قريبة لغنا- دفعها لتركع على الارض ثم قرب السكين بعنف من رقبتها ليكون قاب قوسين أو أدنى من قتلها ثم هتف بحدة:
-هتهدي و تسكتي قبل ما أدبحك و بعدها أتدبح الطفلين اللي قفلتي عليهم الأوضة .. و مش صعب أبدًا إني أفتحها أبدًا.
تخشبت مكانها عاجزة عن فعل شيء و الرعب قد استبد بها، كل ما قرأته و عرفته في علم النفس لا يساعدها على فهم تركيبة هذا الوغد المختل أمامها!
همس بصوت كان في أذنها كوسوسات الشيطان :
-هشيل اللي اللزق .. مش مسموح لك تقولي إلا مكان "غنا" و بس و إلا تهديدي هيدخل قيد التنفيذ.
اقترب منها حد الخطر ينزع اللاصق، كأفعى الكوبرا تلتف حول ضحيتها تعتصرها عصرا قبل أن تلتهمها!!
فهل تستسلم ؟!!!!
................................................موكا
في شرم الشيخ،،،
استيقظ أسامة قبلها، وحنقه منها لم يهدأ أبدًا!!
فتح ضلفة الدولاب ثم بعنف مقصود دفعها لتصدر صرير مزعج لم يوقظها بل أثار رعبها لتنتفض باحثة عن سلاحها!!
هتف باستفزاز :..
-دا أنا مش حرامي .. اقتنعي يا مريم إن خلاص معاكِ راجل يقدر يحميكي .
قالها بوجه متجهم، ثم أضاف بلهجة أمره:..
-قومي جهزي شنط السفر.. معاد الطيارة كمان ساعتين..
فركت شعرها القصير قبل أن تردف بهدوء:..
-أوكيه.. طايرة أحسن برضو.
نهضت من الفراش لتنصدم بملامحه العابثة قبالة وجهها قبل ان يردف:..
-انتي كنتي عارفة بموضوع السفر ده قبل ما ..
قاطعته هاتفة :..
-أكيد طبعا اللوا جلال بلغني مش أنا القائد ولا إيه؟
-و حضرت القائد دي مش تقول و لا تمشي بمزاجها و ما تعرفش الطرطور اللي متجوزاه.
-اللوا جلال قالي ابلغك بس أنا اقترحت ان هو اللي يبلغك.. مش ملاحظ إنك مكبر الموض حبتين؟
كانت تتحدث ببرود استفزه.
مريم ستظل مريم ولن تتغير!
تركها وخرج صافعا الباب خلفه، لكنها هتفت بصوت مسموع:..
-هتطلع تاني ولا ابقى انزلك ... أسااااامة!!!
........................روايات بقلمي أسماء علام موكا
انتفضت غنا من نومها صارخة من الكابوس البشع التي عاصرته ! ليس الليلة فقط بالكابوس الذي عاشت معه عمرا!
استيقظ مراد على أثر صراخها، ربت على كتفها بحنان
-إيه يا فراشتي؟ كابوس؟؟
ارتمت في أحضانه تنشد الأمان، هاتفة بانهيار:..
-كابوش بشع .. بشع جدًا!
ضمها إليه بقوة، يطمئنها بصوته الآسر :..
-حبيبتي اهدي عشان خاطر ابننا ! طول ما مراد حبيبك هنا جنبك ..
همهمت هي بصوت مرتجف مكملة جملته :..
-مفيش حاجة تقدر تأذيني !
قبل جبينها هامسا بعاطفة:..
-أيوة يا غنايا أيوة .
استمرت هدهدته لها دقائق حتى استغرقت في النوم مرة أخرى، رنين هاتفه جعله يستفق قبل أن يغفو هو الأخر، تعجب كثيرًا من سيحدثه في هذا الوقت!!
تعجب و قلق في نفس الوقت لما رأى هوية المتصل، لكن الصدمة أصابته في مقتل بمجرد ما سمع مايقوله المتصل!
................................بقلمي أسماء علام
عند السادسة الصباح،،
خرج أربعتهم من المطار (بريهان و عصام و مريم و أسامة) حاملين حقائبهم، كانت ملامح عصام و بريهان متجهمة عابسة و كذلك أسامة على عكس مريم التي توقفت على أثر رنين هاتفها، التقطته لتجيب، لم يسمع المحيطين لها سوى همهمات خافتة، لكن فجأة على صوتها هاتفة:..
- في الصباح
-أيوة نعم يا فندم التقييم النهائي بتاعي اتحدد ... كمان 15 يوم بس!!
تقييمها النهائي!!
الذي سيحدد مصيرها، و مصير تجربتها و جهدها و تعبها خلال سنوات تحدد فقط بعد خمسة عشر يومًا فقط
فجأة انشراح وجهه عصام هاتفا بسعادة :..
-بتهزري !! بجد ... 15 يوم بس و أخلص منك يااااااااه عالسعادة اللي شرحت القلب الواحد.
وقف أمامها بتحد هاتفا :..
-أخيرًا أسطورة المقدم مريم حجازي هتنتهي هنا ... كلها 15 يوم و مش هيبقى فيه غير المقدم عصام !!
روايات بقلمي أسماء علام
توقعاتكم

أسطورة البطل بقلمي أسماء علامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن