إنتفض عمار من فوقها محاولا إستيعاب ما حدث ...
لقد طعنت نفسها تلك المجنونة ...
فضلت على الموت على أن يمتلكها ...
تلك الصرخة الضعيفة التي خرجت منها وشعوره بذلك السائل اللزج يسير فوق قميصه جعلاه يدرك ما أقدمت عليه ..
نظر إليها من فوقها بملامحها التي أنطفأت تدريجيا وذراعيها اللتين سقطتا جانبها على السرير حيث فقدت وعيها كليا ...
مسح على وجهه بعنف ثم انحنى نحوها وقرر حملها بعدما سحب السكين من بين أحشائها بتأني والخروج بها من هنا حيث يتجه بها بسرعة الى المشفى ...
حملها بالفعل واندفع خارج الغرفة هابطا درجات السلم بسرعة قياسية غير مباليا بصرخات غالية التي رأته بهذه الوضعية فخرجت خلفه مسرعة ...
اتجه نحو كراج السيارات حيث وضعها في المقعد الخلفي بينما سارعت غالية وجلست جانبها ...
ركب هو في مقعده وبدأ يقود سيارته متجها الى اقرب مشفى أما غالية فكانت تضرب بخفة على وجهها وهي تبكي تتوسلها المقاومة ...
توقف أخيرا أمام المشفى ليحملها بين ذراعيه ويتجه بها الى الداخل وهو يصرخ في الموظفين أن يسارعوا لإستقبالها ومعالجتها ..
بعد مدة دخلت ليلى الى غرفتها العمليات بينما وقف عمار خارج الغرفة ينظر أمامه بصمت وذكرى مشابهة لهذا الحدث لاحت أمامه لا إراديا فأعادته الى ذلك الماضي الذي يكرهه أكثر من أي شيء ...
جلست غالية على الكرسي جانبه بوهن تبكي صديقة عمرها التي تصارع الموت في الداخل ..
استند عمار بظهره على الحائط خلفه عاقدا ذراعيه أمام صدره والجمود يسيطر على ملامحه كالعادة أما غالية فكانت تبكي دون توقف حتى رن هاتفها لتجد والدتها تتصل بها ...
أجابت على الهاتف وهي تردد من بين شهقاتها :-
" ليلى يا ماما ... ليلى .."
" ما بها ليلى ..؟!"
سألتها والدتها بفزع فهي لا علم لديها بما حدث حيث كانت تلتزم غرفتها منذ أكثر من ساعتين وعندما خرجت من غرفتها للتحدث مع غالية لم تجدها في المنزل فإتصلت بها بسرعة وقلق من عدم وجودها في وقت كهذا ...
أجابتها غالية بنبرة متألمة :-
" ليلى تموت يا ماما ... "
ثم عادت تبكي بضعف لتصيح والدتها بها بلهفة :-
" أخبريني ما بها ليلى يا غالية ..؟! تحدثي .."
حاولت غالية السيطرة على دموعها وهي تجيب بنبرتها المبحوحة بسبب البكاء :-
"ليلى طُعنت بالسكين وهي الآن في غرفة العمليات .."
ثم رفعت نظراتها المحمرة نحو عمار وهي تستوعب أخيرا إنها لا تعلم كيف حدث كل هذا ومن المتسبب في طعن ليلى ...
سمعت صوت والدتها تسألها عن عنوان المشفى لكنها لم تبالِ وهي تغلق الهاتف في وجهها وتنهض من مكانها تتجه نحو أخيها بملامح يملؤها التحفز والغضب حيث وقفت أمامه تطالع نظراته الجامدة بنظراتها الناقمة لتسأله بصوت بارد لا حياة فيه :-
" كيف حدث هذا ..؟! كيف طُعِنت ..؟!"
أجاب بنفس النبرة الباردة :-
" هي من طعنت نفسها .."
سألته تصيح به بقسوة :-
" لماذا ..؟! لماذا فعلت بنفسها هذا ..؟! لماذا طعنت نفسها ..؟!"
وعندما لم تجد جوابا منه حيث ظلت ملامحه تحتفظ بجمودها ونظراته ثابته لم تهتز إندفعت تقبض على قميصه تصرخ به بوجع :-
" انت السبب .. أنت من أوصلتها الى تلك الحالة .. أنت من دمرتها ..."
ثم إبتعدت عنه تشهق باكية بوجع شديد وهي تتذكر كل ما مرت به ليلى وما عانته وكيف نبذتها هي ووالدتها بكل قسوة ممكنة رغم إدراكهما لمدى معاناتها وعذابها مع عمار ..
ماذا ستفعل إن خسرتها حقا ..؟! كيف ستسامح نفسها إذا فقدت ليلى ...؟! كيف ستغفر لنفسها تصرفاتها القاسية معها ..؟! ليلى كانت أختها وصديقتها وأقرب شخص لها ... كانت رفيقتها في كافة مراحلها العمرية ...
كيف فعلت بها هذا وكيف تخلت عمن كانت الأقرب لها ..؟!
انتبهت أخيرا الى صوت رنين هاتفها المستمر لتتجه بسرعة وتحمله تخبر والدتها بعنوان المشفى ...
أغلقت هاتفها تتجه بأنظارها نحو عمار الذي غادر المكان لتجلس من جديد على الكرسي وقد شعرت بأعصابها تنهار تدريجيا فحاولت أن تسيطر على أعصابها في هذا الوقت الحرج ..
.......................................................................
خرجت حياة من غرفة والدها وهي تكفكف دموعها بأناملها .. لقد تركته بعدما نام واطمأنت عليه فجلست على أحد الكراسي الموجوده في الممر بضعف سيطر على روحها وجسدها ...
عادت بظهرها الى الخلف ورفعت بصرها تنظر الى السقف فوقها بشرود وعقلها يفكر بكل شيء يحدث معها ..
وضع والدها يؤلمها وحاجته للإطمئنان عليها تثقل من همومها وتضع حملا صعبا فوق كاهلها ...
لا تعلم لمَ يحدث هذا معها مثلما لا تعلم لمَ تقدم ثامر لخطبتها بعدما أخبرته بوضوح إنها لا تفكر بالزواج حاليا ...؟!
هي رفضته بشكل غير مباشر وهو كان مصرا على التقدم لخطبتها بل ونفذ ذلك دون إرادة منها ...
هي تعلم إنه عريس رائع وزواجها منه فرصة لن تتكرر وربما لو جاء مبكرا لكانت وافقت بسعادة لكن هناك شيء داخلها يمنعها من الموافقة ..
ربما تلك المشاعر البدائية داخلها نحو الآخر والذي شغل عقلها وروحها دون إرادة منها هو من يمنعها عن ذلك فكيف ترتبط بثامر وعقلها مشغول بنديم ..
ألا يعتبر هذا خداعا ..؟! وماذا لو لم تستطع تجاوز تفكيرها بنديم ومشاعرها الغريبة نحوه ..؟! هل سترتبط برجل وهناك آخر يسيطر على مشاعرها وأفكارها ..؟!
ترقرقت العبرات داخل عينيها من جديد وهي تدعو ربها من أعماقها أن يجد حلا لكل ما تمر به فقد تعبت حقا ولا تستطيع تحمل المزيد ...
أخفضت بصرها نحو الأرضية تحاول أن توقف سيل دموعها الذي عاد ينزلق على وجنتيها من جديد ...
كتمت شهقاتها بصعوبة وهي تنهض من مكانها وتتجه الى الغرفة من جديد حيث ذهبت الى الحمام الملحق في الغرفة وأخذت تغسل وجهها بالمياه الباردة عدة مرات قبل أن تجففه بالمنشفة ثم تخرج وتتجه نحو السرير الجانبي الصغير حيث جلست عليه وهي تحمل هاتفها عندما تذكرت أمر مصاريف المشفى في اليومين الأخيرين فهي لم تدفع شيئا جديدا ..
قررت أن تذهب في صباح الغد الى موظفة الحسابات وتعلم منها مقدار المصاريف وتحاول أن توفر المبلغ المطلوب بأي طريقة ممكنة ...
تمددت بجسدها على السرير تغمض عينيها مقررة اللجوء للنوم والهروب من أفكارها المتعبة التي لا تنتهي مهما حدث ..
....................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...