الفصل الثاني عشر
( الجزء الثاني )
بعد مرور يومين ...
تجلس على سريرها تحتضن ساقيها بذراعيها .. عيناها تذرفان دموعا لا تتوقف وروحها تأن ألما ...
وحيدة هي وما أصعب هذا الشعور الذي يمزقها بلا رحمة ..
قلبها يبكي قبل عينيها وروحها تنتحب دون توقف ..
حاولت كتم شهقاتها لكنها لم تستطع فعلت تدريجيا حتى وصلت أوجها ...
فُتِحت الباب ودلفت مي التي سارعت تحتضنها محاولة التخفيف عليها والشد من أزرها ..
كانت المرة الاولى التي تنهار فيها رغم مرور يومين على وفاته وهي كانت تنتظر إنهيارها علها تهدأ بعدها قليلا ..ظلت تربت على كتفها وحياة تبكي بين ذراعيها وشهقاتها تعلو وتبطأ بالتوالي ...
بعد مدة من الوقت توقفت حياة عن بكائها لتبتعد قليلا من بين أحضان مي وهي تمسح على وجهها الذي أصبح منتفخا شديد الإحمرار من شدة بكائها ..
نهضت من مكانها متجهة نحو الحمام حيث أخذت تغسل وجهها ثم جففته بعدها وخرجت لتجد مي تقترب منها وهي تسألها :-
" هل أصبحتِ أفضل الآن ..؟!"
منحتها إبتسامة شاحبة وهي تومأ برأسها ثم قالت بصوت خرج مرهقا :-
" سأنام قليلا ..."
ابتسمت مي وهي تقول بتعاطف :-
" ارتاحي حبيبتي .. انا باقية معك .."
اتجهت نحو غرفتها بالفعل وتمددت على السرير حيث أغمضت عينيها لتغفو بعد لحظات ...
لا تعلم كم مر من الوقت وهي نائمة لكنها استيقظت في نهاية المطاف على صوت مي وهي توقظها بتمهل ..
فتحت عينيها أخيرا لتتأمل مي للحظات قبل أن تستوعب ما يحدث فسألتها بنبرة ضعيفة وهي تعتدل في جلستها :-
" ماذا هناك ..؟!"
بدا التردد واضحا على ملامح مي وهي تخبرها :-
" والدتك في الخارج ..."
هزت حياة رأسها متفهمة ونهضت من مكانها وقالت :-
" حسنا .. سأغير ملابسي وأخرج لها .."
تعجبت مي من هدوئها وهي تتحدث رغم إدراكها مدى رفضها لوالدتها ..
" أختك معها أيضا .. سأجلس معهما حتى تنتهي من تغيير ملابسك وتخرجي .."
نظرت حياة الى البنطال الاسود الذي أخرجته من خزانتها بشرود وعاد شعور الضياع يسيطر عليها من جديد ...
خرجت بعد مدة من غرفتها وسارت بخطواتها الضعيفة حيث تجلسان والدتها وحنين ..
كانت حنين اول من نهض حيث سارعت تجذبها نحوها وتعانقها بحنو بالغ ..
ابتعدت حياة عنها بعد لحظات لتهتف حنين بصوت يسيطر عليه الحزن :-
" البقية في حياتك .."
" شكرا ..."
قالتها حياة بهدوء مع إيماءة من رأسها لتتجه نحو والدتها التي كانت نهضت من مكانها قبل لحظات وهي تتأمل عناق ابنتيها بحنان فاض من عينيها وفي داخلها تتمنى لو تنتهي معاناتها وتعيش بسلام مع ابنتيها ..
وقفت حياة أمامها بملامح ساكنة لتجد والدتها تمنحها نظرات مزيج من الحزن والتعاطف والرجاء قبل ان تحتضنها بعناق شديد والدموع هطلت لا إراديا من عينيها ..
إبتعدت عنها بعد مدة تتأمل ملامح ابنتها الهادئة على غير العادة فوجدت نفسها عاجزة عن الحديث ..
لا تعرف ماذا تقول وكيف تواسيها ..؟!
تعلم إن كل الكلمات المتاحة لا يمكن أن تخفف عنها ..
تتمنى داخلها لو تسمح لها ابنتها بمواساتها ، البقاء جانبها ومشاركتها أحزانها لكن تعلم إن طلبها سيقابله الرفض ..
جلست حياة أمامها بجانب بملامح هادئة تماما .. ملامح لا توحي بما يعتمل داخلها من ألم بإستثناء عينيها اللتين بدتا حمراوين جامدتين تماما ..
نهضت مي من جانب حياة متجهة الى المطبخ لتعد القهوة بهما بينما تحدثت حنين أخيرا تسألها :-
" كيف حالك ..؟! "
ردت حياة بنفس الهدوء المرتسم على ملامحها :-
" بخير الحمد لله ..."
قالت والدتها بنبرة مترددة قليلا :-
" لقد علمت اليوم بما حدث ... أدرك مدى حزنك وأود لو .."
قاطعتها حياة بنفس الهدوء :-
" أشكرك على إهتمامك كثيرا ..."
وجدت أحلام نفسها عاجزة عن الحديث أمام جمود ابنتها الصريح فتولت حنين الحديث نيابة عنها حيث تحدثت قائلة :-
" أتمنى أن تتماسكي يا حياة .. كوني قوية كما كنتِ دائما ..."
هزت حياة رأسها وردت بخفوت :-
" ان شاءالله ..."
تقدمت مي منهما تضع القهوة أماميهما وعادت تجلس بجانب حياة ...
مرت حوالي ربع ساعة والجميع يلتزم الصمت بإستثناء بضعة كلمات مواسية من حنين تجيب عليها حياة بإختصار ..
نهضت أحلام أخيرا تشير الى حياة قائلة :-
" هل يمكننا التحدث لوحدنا في الداخل ..؟!"
قالت مي بسرعة :-
" يمكنني الدخول انا .."
لكن أحلام قاطعتها بإبتسامة هادئة :-
" لا داعي لهذا .. انا اريد حياة لوحدها فقط .. حتى حنين لن تدخل معنا .."
نهضت حياة من مكانها على مضض وسارت معها الى الداخل حيث تقدمت داخل غرفتها اولا تتبعها والدتها التي أغلقت الباب خلفها وسارت نحوها تهتف بصوت شديد الحنو:-
" اجلسي هنا من فضلك .."
جلست حياة على سريرها بملامح لا تخلو من الكدر وجلست أحلام جانبها ..
قبضت على كفها تحتضنه بيدها وتقول :-
" حبيبتي أعلم إنك لن تتقبلي مني أي شيء وما زلتِ ترفضين وجودي في حياتك لكن رغم كل هذا سأبقى جانبك مهما حدث ومهما رفضتِ وجودي .. "
أضافت تتأمل ملامح ابنتها التي تجهمت تماما :-
" انتِ ابنتي يا حياة .. نعم أخطأت في حقك .. اعترف بهذا ولكنني حاولت تصحيح خطأي لأعوام طويلة .. سنوات مرت وانا أحاول وأنت ترفضين أن تمنحيني فرصة واحدة حتى .. لماذا يا حياة ..؟! لماذا ترفضين حتى المحاولة ..؟! "
التزمت حياة الصمت ولم ترد بينما ترقرقت الدموع في عيني والدتها وهي تهتف بصوت مبحوح متألم :-
" امنحيني فرصة واحدة فقط لأكون معك وجانبك.. لأعوضك عن كل شيء .. لقد عاقبتني بما فيه الكفاية يا حياة .. عاقبتني كثيرا .. لا يوجد أحد يرضى بما تفعلينه .. "
إسترسلت بعدما أخذت نفسا عميقا وزفرته ببطأ :-
" ارفضيني كما تشائين لكنني والدتك وسأبقى معك حتى لو إجبارا عنك ..."
نهضت بعدها من مكانها وقالت بهدوء :-
" سأذهب الآن وأعود صباح الغد إليك ..."
ثم انحنت تقبلها من وجنتيها قبل أن تغادر الغرفة تاركة حياة في مكانها والجمود يكسو ملامحها تماما ..
......................................:..................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...