الفصل الثالث والأربعون ( الجزء الاول )

3.8K 194 33
                                    

الفصل الثالث والأربعون ( الجزء الاول )
خرجت بإنفعال الى الحديقة تهم بالمغادرة عندما فوجئت به ينتظرها في نفس المكان لترفع حاجبها بتساؤل فيخبرها دون أن يتقدم نحوها :-
" تأخرتِ قليلا لكن لا بأس ..."
سألت وهي تسير نحوه :-
" علام تأخرت ..؟! لا أفهم مقصدك .."
إبتسم بسخرية مرددا :-
" سنغادر سويا ..."
قاطعته بجدية :-
" أنا سأغادر لوحدي كما أتيت .. وأنت يمكنك أن تغادر .."
هتف بصلابة :-
" ستغادرين معي يا حياة ..."
تمتمت بعناد :-
" وأنا لا أريد أن أغادر معك ..."
توقفت وهي ترى نظراته تتجه خلفها لتستدير فترى ماذي تتقدم نحوهما وهي تهمس بتشتت :-
" حياة توقفي لحظة .."
لكن حياة باغتتها وهي تجذب نديم من ذراعه :-
" لنغادر هيا .."
" حياة ارجوكِ .. فقط إسمعيني .."
قالتها ماذي برجاء صادق ليتسائل نديم بجدية :-
" ماذا يحدث بينكما ...؟!"
لكن حياة صاحت بها بطريقة جعلت نديم نفسه يجفل من عصبيتها الغير مبررة :-
" إخرسي ولا تتحدثي ولا أريد رؤية وجهك مرة أخرى .."
أكملت من بين أسنانها وهي تتقدم نحوها بشراسة محررة ذراع نديم من قبضتها :-
" إبتعدي عنا ..."
إبتلعت ماذي دموعها التي كانت على وشك الهطول وهي تردد :-
" حسنا سأبتعد .. لن أقترب منكما مجددا .. هذا وعد .."
ثم نظرت الى نديم الذي يتابع الموقف بجبين متغضن فقالت قبل أن تغادر المكان :-
" أنت لديك زوجة رائعة .. تعشقك بجنون .. تفعل أي شيء لأجلك .. أنت محظوظ بها حقا .. حافظ عليها يا نديم ..!!"
ثم غادرت تاركة حياة تتابعها بملامح حانقة وهي لم تصدق تلك البراءة المفاجئة التي هطلت عليها وحديثها الأخير ..!!
بينما تابعها نديم وهي تغادر بملامح مدهوشة متسائلا عما حدث وجعل ماذي تتحدث هكذا وتنطق بجملتها الأخيرة والغريب إنه رغم كرهه لها إلا إنه شعر بصدق إعتذارها وما تبعه من كلمات نابعة من أعماقها ..
" ماذا حدث يا حياة ..؟!"
نطق بها أخيرا يقطع بها شرود حياة التي إستدارت نحوه تهمس بغموض :-
" سأخبرك ولكن ليس هنا .."
عقد ذراعيه أمام صدره يسألها :-
" أين إذا ..؟!"
أجابت بتردد وهي تدرك إن مواجهة كهذه لا يمكن أن تتم في مكان عام :-
" في شقتك .."
رفع حاجبه مرددا بسخرية متعمدة :-
" منذ قليل كنتِ ترفضين المغادرة معي حتى والآن تطلبين مني التحدث في شقتنا .."
وأكد على لفظ " شقتنا " لتهمس بنفس الخفوت :-
" هناك شيء مهم يجب أن تعرفه والأفضل أن نتحدث هناك .."
إضطر ألا يقول شيئا آخر وملامحها كانت جادة تماما وبها لمحة من التوتر فهز رأسه موافقا وهو يطلب منها أن ترافقه حيث وضع سيارته ..
ركبت جانبه وشغل هو سيارته ثم بدأ في القيادة متجها الى الشقة عندما وصلا أخيرا الى هناك ..
هبط كلاهما من السيارة وصعدا الى الشقة عندما فتح نديم الباب وأفسح لها المجال لتدخل فولجت الى الداخل بتردد و عيناها تتأملان المكان بتوتر ملحوظ أزاحه وهو يسألها بينما يلقي مفاتيحه فوق الطاولة التي تتوسط المكان :-
" أخبريني إذا .. ماذا كنتِ تريدين إخباري ..؟؟"
نزعت حقيبتها ووضعتها على الكرسي جانبها ثم نظرت له بتردد قبل أن تتحدث :-
" ماذي .."
زفر أنفاسه وهو يردد بضيق يسيطر عليه لا إراديا عندما تذكر إسم تلك الفتاة :-
" ما بها ماذي هانم ..؟!"
أخفضت عينيها من مواجهة عينيه تردد بخفوت خجل :-
" كان معك حق بشأنها .. هي ليست فتاة جيدة ودخولها حياتنا لم يكن عبثا ..."
سألها نديم وهو يتقدم نحوها بتروي مصطنع :-
" الجملة الأولى فهمتها ولكن ماذا تقصدين بإن دخولها حياتنا لم يكن عبثا ..؟!"
رفعت عينيها المرتبكتين نحوه تحاول ترتيب حديثها لكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك فوجدت نفسها تخبره بعدما أخذت نفسا صامتا :-
" ماذي تلك ... "
صمتت لتجد التساؤلات والشكوك بلغت ذروتها في عينيه فتضيف بنفس الخفوت الذي صاحب حديثها من البداية :-
" ماذي من طرف عمار يا نديم ..."
ورغم شكوكه حولها منذ أول لقاء وقلقه من وجودها في حياته لكن إدراك حقيقة هذا كان وضعا مختلفا تماما ...
نعم كان يشك منذ البداية .. يشعر بوجود خطب ما ورغم هذا عندما تأكد حدسه وما شعر به نحو الفتاة شعر بصفعة قوية تدوي فوق وجهه من جديد ..
...................................................
كان يعتصر هاتفه بعصبية وعيناه تطلقان شرارات نارية مخيفة ..
لقد كشفته .. كشفت خطته بسهولة ...
تلك البلهاء .. تلقي على مسامعه حكم فارغة ... تسخر منه وتتوعده ..
اللعنة عليك يا نديم .. اللعنة عليك وعلى كل من يقف خلفك ..
إبتسم ساخرا من نفسه وهو يرى نفس الموقف يتكرر بإختلاف الأشخاص ..
سابقا ليلى والآن حياة ...
ونفس الشخص يجمع كلتيهما ...
نفس العشق والدفاع والتوعد والقتال لأجله هو ...
كان يظن إن ضياع ليلى منه سيحطمه دون رحمة ويقضي على جميع آماله ..
كان يظن إن حكايته ستنتهي الى هنا فيعيش حبيس ظلماته كما تمنى هو دائما ..
لكن تلك الفتاة ظهرت من العدم ..
أتت ودمرت مخططاته ..
دمرت ما خطط له ونفذه بحرفية عالية ونجح فيه وكان سيستمر في نجاحه لولا دخولها هي في المعادلة ..
دخول لم يخطر على باله ..
الحمقاء الصغيرة التي إخترقت ظلام أخيه وعالمه المعتم لتجذبه نحو عالم جديد ومختلف فيه أمل ورجاء .. عالم فيه حياة ...!!
تلك الغبية تتمسك به بكل قوتها .. تدافع عنه بكل ما تملكه من شراسة ... تفديه بروحها إذا إقتضى الأمر ..
تفعل كل هذا لأجل شخص بات لا يساوي شيئا ..
شخص وضعه هو على الهامش بعدما نزع كافة أسلحته منه ..
ورغم كل هذا تتمسك به وتحبه وتناضل لأجله كما فعلت من سبقتها ..
غمغم بحقد :-
" اللعنة عليك يا حياة ... واللعنة عليك أنت أيضا يا ليلى .. وأنا من ظننت إن كل شيء إنتهى بفراقكما لتأتي تلك الصغيرة وتدمر جميع مخططاتي ..."
زفر أنفاسه بغيظ وعقله يستعيد كلماتها فيبتسم ساخرا مرددا بتهكم :-
" شعارات المثالية الزائفة وكلام فارغ لا أساس له ..."
توقف عن أفكاره وهو يراها تتقدم نحوه .. ترتدي روبا محتشما يغطي معظم جسدها تتأمله بصمت إمتد للحظات قبل أن تهتف :-
" عمار ..!!"
نظر لها مرددا ببرود :-
" نعم ..."
سألته بتردد :-
" هل أنت بخير ..؟!"
رد بتهكم خفي :-
" بخير جدا ..."
أضاف وهو يتقدم نحو علبة المشروب الكحولي يصب لنفسه منها :-
" ولكن غريب .. مالذي أخرجك من غرفتك التي تعتزلين فيها منذ مدة طويلة ....؟!"
تأملت الكأس الذي يرفعه نحو ثغره بعينيه غاضبتين لتتمتم بجمود :-
" منذ متى وأنت تجلب هذه المشروبات الى هنا ..؟!"
جلس فوق الكنبة يرتشف من مشروبه ثم يجيب وهو يرفعه عاليا :-
" ماذا حدث ...؟! ألا تدركين إنني أتناول هذه المشروبات ..؟!"
أضاف وهو يهز كتفيه ببساطة :-
" عادي ..."
تقدمت نحوه تهمس بقوة :-
" كلا ليس عادي يا عمار ..."
أضاف وعيناها تشملانه بنظرات حارقة :-
" أنت تعرف رأيي في هذا الموضوع .. انا لا أقبل أن تشرب هذه المشروبات ... وأنت لا تشربها فقط بل تدخلها الى المنزل الذي أمكث فيه ..."
مط شفتيه مرددا بلا مبالاة وهو يتراجع بظهره الى الخلف :-
" انا حر .."
صاحت معترضة :-
" كلا انت لست حرا .."
أكملت وهي تلهث أنفاسها :-
" طالما نحن نعيش في مكان واحد فأنت لست حرا ولا يحق لك أن تتصرف كما تريد في المكان الذي يجمعنا .."
أنهت حديثها بحزم :-
" هذه المشروبات لن تدخل الى المنزل مرة أخرى .."
رفع حاجبه وهو يسألها بإستهزاء :-
" وإذا لم أفعل ..؟! ماذا ستفعلين ..؟!"
جذبت الكأس من كفه ورمته أرضا ليتحطم الى قطع زجاجية صغيرة ثم لحقته بقنينة المشروب عندما إنتفض من مكانه يهدر بها وهو يجذبها من ذراعها :-
" هل جننت يا هذه ..؟! ماذا جرى لكِ..؟!"
ردت بتحدي وهي تحاول التملص من قبضته :-
" ألم تسألي ماذا سأفعل .. ؟! ها أنا جعلتك ترى ما سأفعل ..."
جذبها نحوه أكثر حتى تلاقات عيناها الغاضبتين بعينيه الحادتين يصيح بها بغضب :-
" توقفي عن حماقاتك يا شيرين وإلا.."
قاطعته تضحك وهي تتجاهل قبضته القاسية على ذراعها :-
" وإلا ماذا يا عمار ..؟! ماذا ستفعل ..؟! هل ستضربني ..؟! أم ستطلقني ...؟!"
نظر لها يهمس بعدم تصديق لهذا التحول الذي طرأ عليها :-
" ماذا جرى لك يا شيرين ..؟! مالذي غيرك فجأة ..؟؟"
أضاف وهو يهزها بعنف :-
" لماذا تتصرفين هكذا ..؟! مالذي جعلك هكذا أخبريني ..؟!"
صرخت أخيرا بصوت مبحوح من شدة الوجع :-
" إستيقظت ... إستيقظت من غفوتي ومن مشاعري التي سيطرت علي إتجاهك فأغمت عيني عن كل أخطائك ..."
حررها بذهول لتضيف والدموع تملئان مقلتيها :-
" نعم أحببتك .. أحببتك منذ سنوات وعندما رأيتك مجددا إستيقظت مشاعري نحوك .. مشاعري التي ظننت إنها إنتهت أسفل رماد الماضي ولكن تبين لي العكس فهي ظهرت مجددا بقوة حتى سيطرت علي تماما ... "
أكملت وهي تكتم دموعها بقسوة :-
" ولكن كالعادة ... مهما سيطرت مشاعرنا علينا يأتي يوم وتستيقظ عقولنا مجددا تنبهنا بالأخطاء التي أمامنا والتي سبق وتغاضينا عنها مسبقا بسبب مشاعرنا العمياء ..."
سألها بجمود :-
" عن آية أحطاء تتحدثين ..؟! عن علاقاتي السابقة ..؟! رغبتي بالزواج من مريم ..؟! "
أكمل وهو يفتح ذراعيه :-
" هذا أنا يا شيرين .. هذا عمار الحقيقي .. عمار الذي لم يكن يوما مثاليا ولا قديسا فلا تحاولي أن تجعلي نفسك الزوجة المخدوعة التي ظنت إنها تزوجت رجلا لم يعرف سواها ثم صدمتها تعدد علاقاته .."
أضاف وهو يلوي ثغره :-
" نعم كان لدي علاقات وأنت بالطبع لم تتوقعِ إنني كنت أعيش راهب ..."
قاطعته بألم :-
" لم أقل هذا ولم أتوقع منك هذا بالطبع ولكن ..."
قاطعها بدوره :-
" لكن ماذا ..؟! كل هذا بسبب رغبتي بالزواج من مريم سابقا ..."
أضاف بقوة :-
" أخبرتك إن هذا كان سابقا ... كان قبل عودتنا سويا ... لم لا تفهمين ذلك ..؟!"
همست بصعوبة :-
" نعم ، هو كذلك ... "
أضافت وهي تسير نحوه :-
" لكن ماذا عن القادم ..؟! أخبرني يا عمار ... "
إسترسلت تلقي بأسئلتها الحائرة عليه :-
" ماذا سيحدث فالمستقبل ..؟! هل ستتوقف تماما عن علاقاتك تلك أم ستعود إليها بعد فترة عندما يغمرك الملل ..؟! والأهم هل ستتوقف عن تصرفاتك المؤذية بحق من حولك ورغبتك المجحفة بالإنتقام من أقرب الناس لك فقط كي ترضي غرورك ...؟! هل ستخرج من هذا المستنقع المظلم الذي رميت نفسك به أم ستغرق به أكثر حتى لا تجد من يستطيع أن ينقذك منه ..؟!"
ضحك مرددا بعدم تصديق :-
" يا إلهي .. عدنا من حيث بدأنا ... الفلسفة المقرفة والمثاليات الفارغة .."
همست مصدومة :-
" حديثي أصبح فلسفة مقرفة ..."
صرخ بها :-
" نعم ..!!"
أضاف متجاهلا إرتجاف جسدها بسبب صراخه :-
" نعم فلسفة مقرفة ومثاليات لا تتوقفين عن التمسك والتصريح بها.. هذا أنا يا شيرين .. أنت عرفتني هكذا ورضيتي بي هكذا فلا تأتين الآن وترفضين ما أنا عليه .."
قالت والدموع تساقطت فوق وجنتيها :-
" كنت أظن إنك ستتغير .. إنك ستبدأ حياة جديدة معي ولكن ..."
ضحك يهتف :-
" هذه أحلام اليقظة عزيزتي .."
أكمل بقسوة :-
" كما إنني لم أعدك بشيء ولم أطلب منك التغيير او بداية حياة مختلفة لإنني لا أريد ذلك .."
هتفت تبرر :-
" انا أردت ذلك ... لإنني أحبك أردت أن نبدأ حياة جديدة تجمعنا سويا .. حياة يكون أساسها الحب والمودة والرحمة والسلام ..."
قال وعيناه تنظران الى عينينها الباكيتين بقوة :-
" من يحب شخص بحق يحبه كما هو ولا يسعى الى تغييره .."
أضاف بنفس القوة رغم إنقباض قلبه في تلك اللحظة :-
" إذا كنت تحبيني حقا فتقبليني كما أنا بجميع أخطائي ... "
أنهى حديثه وتلك الإنقباضة تضاعفت فشملت روحه بأكملها ورغم ذلك تجاهلها :-
"وأذا لم تستطيعي التقبل يمكننا الإنفصال ..."
أنهى حديثه وغادر المكان تاركا إياها تتابع رحيله بحسرة فكتمت دموعها وآهاتها داخل قلبها بقوة ..
..........................................
ما إن سمع ما تفوهت به حتى تلبسه الجنون ...
صرخ بإسم شقيقه بغضب مخيف ثم إندفع يحمل هاتفه ويجري إتصالا وأنفاسه ترتفع وتهبط بشكل مقلق تماما ...
تقدمت نحوه تهمس بخفوت :-
" نديم ..."
لم يجبها .. كانت ملامحه منقبضة تماما ... وكفه تعتصر الهاتف بقوة مخيفة ... عروقه كانت بارزة تدل على مدى الغضب الذي يحمله داخله وملامح وجهه تؤكد ذلك ..
خوفها تضاعف عليه وهي تهمس بإسمه مجددا تحاول لمس كتفه لكنها إنتفضت عندما سمعته يصيح بمن تسبب بهذا الغضب :
" ماذا تريد مني أيها النذل الحقير ..؟! ألن تتوقف عن حقارتك أبدا ...؟! ألا حدود لك أيها القذر ..؟!"
وضعت كف يدها على صدرها بخوف بديهي وعيناها تتابعانه وهو يصرخ ويسب ويلعن دون توقف وقد بدا شخصا ثانيا غير الذي عرفته ...
لم تفهم ما قاله أخيه ليصرخ به مجددا وهي تكاد تجزم إن حباله الصوتية سوف تتمزق من شدة صوته وإرتفاعه :-
" سأقتلك يا عمار .. هذه المرة سأقتلك ... إنتظرني لإنني سآتي غدا و آخذ روحك بإذن الله ..."
ثم أغلق الهاتف ورماه أرضا وعيناه تحولتا الى بركة من الدماء بلونيهما الأحمر بينما صدره ما زال يعلو ويهبط ..
تأملته لثواني بألم وتمنت لو لم تخبره لكن هذا ليس حلا فهو كان يجب أن يعلم بمخططات أخيه كي يتوخى الحذر كما فكرت غالية وطلبت منها إخباره بما حدث وهي أيدتها رغم شفقتها عليه ..
تقدمت نحوه وهو يقف مكانه بأنفاس مرتجفة بل جسد يرتجف كاملا من شدة الغضب عندما وقفت أمامه ثم ما لبثت أن همست بنبرة حنون:-
" نديم حبيبي ..."
همس بصوت غير واعي :-
" لن يتركني بشأني أبدا مهما حدث .. لن يرتاح حتى يدمرني تماما ... لا أفهم لماذا لم يقتلني وينهي هذا الأمر .. "
ضحك مضيفا بنفس اللاوعي:-
" ولكن لماذا سيفعل ..؟! لماذا سيقتلني مرة واحدة وهو بإمكانه أن يقتلني ألف مرة ..؟!"
همست بدموع ترقرقت داخل عينيها وهي تحاول إحتضانه :-
" نديم .."
قبض على كتفيها يهتف وعينيه تشتعلان بجحيم لا مفر منه :-
" أخبرني إنه لن يتركني .. إنه لن يتركني أحيا بسلام .. إنه سيبقى خلفي دائما .. كان سعيدا .. منتشيا وفخورا بنفسه ..."
إحتضنت وجهه بكفيها تردد بصوت لاهث :-
" ليذهب الى الجحيم .. هو لا يمكنه أن يفعل أي شيء .. مهما حاول ... "
صرخ وهو يقبض على كفيها ويهبط بهما نحو الأسفل :-
" بل فعل وسيفعل .. لقد لاحقني حتى هنا .. كان معي ويدرك كل شيء يحدث معي .. كان يعلم كل شيء عني ويدس السم في حياتي وأنا في قارة أخرى ... عمار لا يتوقف .. لا يتراجع .. لا يمكن أن يرتاح حتى يدمرني كليا وكأنه لم يفعل .."
أضاف بنبرة متحشرجة :-
" هو يستخسر بي حتى أن أحيا بشكل إعتيادي ... يستخسر أبسط الأشياء بي .."
أضاف ضاحكا بجنون :-
" لم يكفيه إنه دمرني .. جعلني أخسر كل شيء .. إنه وصمني بتهمة ستبقى ملتصقة بي طوال العمر .. إنه سرق خطيبتي ومستقبلي وجعلني مجرد مجرم سابق لا أحد ستيقبله أو يحترمه .. بعد كل هذا ما زال يريد تدميري .. لماذا ...؟! "
تسائل وعاد يسأل وبدأ غضبه وآلمه يتفاقم :-
" لماذا يفعل بي كل هذا ... لماذا لا يتركني وشأني ..؟! لماذا لا يكف عن ملاحقتي ...؟! لماذااااااا ..؟!"
صرخ بها للمرة الأخيرة بشكل جعلها تنتفض جريا نحوه تحتضنه بينما هو كان هائجا ليدفعها بعد لحظات وهو يصرخ بثوران وعينيه تتحركان داخل المكان بجنون :-
" لإنني إبن صباح .. لإنني إبن المرأة التي تسببت بطلاق والدته .. بحرمانه منها .. ما ذنبي أنا ..؟؟ ما علاقتي أنا ...؟! لمَ عليَّ أن أتحمل أخطاء غيري ..؟! لم عليَّ أن أدفع ثمن أخطاء لم أرتكبها ..؟!"
سار نحوها يسألها هي هذه المرة :-
" لماذا يا حياة ..؟! أخبريني أنت .. ماذا فعلت أنا به لأستحق منه هذا ...؟! انا لم أقترب يوما منه .. لم أؤذه بكلمة حتى .. لطالما تغاضيت عن تصرفاته السيئة في حقي لأجل والدي .. والدي الذي كان يخبرني إنه أخي الوحيد ويجب أن أراعيه وأتحمله وأتفهمه .. والدي الذي لم يكن يعلم إن أخي الوحيد وسندي كما دعاه هو أول من سيلقي بي نحو الجحيم .. والدي الذي بسبب بكريه أصبحت ألعنه ألف مرة لإنه تخلى عن ديانا وتزوج صباح ..!!"
" نديم ..."
هتفت به وهي تحتضن وجهه مجددا تضيف بدموع حارة :-
" توقف من فضلك .. انت لا ذنب لك .. هو الشيطان .. هو الذي غلبه شيطانه وما زال يغلبه .. لكن صدقني سيأتي يوم يسقط به .. وحينها سيكون سقوطه مدويا لا رجعة منه .."
هتف هازئا :
" متى ..؟! عندما أموت مثلا ..."
" توقف ..."
صرخت به بحزم ليقاطعها بقسوة :-
" لن أتوقف يا حياة .. هل تعلمين لماذا ..؟! لإن طريقي القادم بلا رجعة .. سأموت يا حياة ولكن ليس قبله أن أقتله وآخذ ثأري بيدي هايتين ..."
عادت تصرخ مجددا :-
" توقف .."
وهي تضيف بدموع ونبرة باكية :-
" أياك أن تقولها مجددا .. ألا تعلم إنني لا يمكنني الحياة بدونك ...؟! أنا أموت بعدك يا نديم ..."
أضافت وهي تضع جبينه فوق جبينها :-
" إهدأ من فضلك ... انا أعلم صعوبة ما تمر به .. لكن عليك أن تعلم إن هذا ما يريده ... يريدك أن تنهار ... أن تضعف ... أن تنهزم ..."
سأل بسخرية مؤلمة :-
" ألم يفعل يا حياة ..؟!"
إبتعدت عنه قليلا تهتف بصوت صارم واثق :-
" كلا لم ولن يفعل .. أنت قوي يا نديم ... ستتخطى جميع ما حدث وتنتصر في النهاية ولا تنسى إن الحق معك وهذا يعني إن الله معك ... الله لن يتركك يا نديم .. حاشاه أن يتخلى عنك .. توكل على الله .. "
نظر إلى عيناه اللتان تنظران له بثبات وعزيمة تشبه حديثها رغم الدموع المتراكمة داخلهما فهمس بتردد وقد نال منه التعب والضعف بعد هذا الإنهيار الموجع :-
" عانقيني ..."
أكمل وعيناه تحتضان تفاصيل وجهها الذي إشتاق له :-
" عانقيني يا حياة فأنا أحتاج عناقك الآن أكثر من أي شيء .."
وهي لم تنتظر لحظة واحدة حيث سارعت تعانقه بلهفة ... تعانقه وتمنحه كل ما تملكه من حب وحنو ورعاية ودفء ..
وهو غرق داخل أحضانها .. تشبث بها وكأنها طوق نجاته ..
أغمض عينيه وهو يشدد من عناقه لها ..
يستسلم لرحاب جنتها ... يستنشق عبيرها ويغرق فيها ..
وهي تحتويه ... تشدد من عناقه بدورها .. تهمس بكلمات لا يفهم معظمها لكنها تريحه ... دفء صوتها يريحه .. أنفاسها تهدئه وكأنها تملك تعويذة خاصة تسيطر من خلالها عليه وعلى كافة حواسه ...
همست وهي ما زالت تعانقه :-
" حبيبي .. كل شيء سيكون بخير .. كل شيء سيتغير نحى الأفضل .."
أضافت وهي تحارب الدموع ، تمنحه دعما غير مشروط :-
" صدقني يا نديم ... كل شيء سيصبح أفضل .. فقط توكل على الله وإصبر .. "
فتح عينيه وجسده ما زال يتشبث بجسدها يرفض إبتعاده عنه فشعرت هي بذلك فشددت من عناقه حتى شعر بروحها تتوحد مع روحه تخبره بثبات رغم وجعها لأجله :-
" أنا هنا .. معك .. لن أتركك أبدا ..."
تمتم أخيرا وأنفه يتشمم خصلات شعرها القصيرة برائحتها الناعمة :-
" حياة .. "
أضاف وقد جعله وجودها بين ذراعيه في هذا الوقت تحديدا مثيرا لروحه التي تحتاجها وتشتاق لها بجنون ...
" نعم حبيبي ..."
ردت فتغضن جبينه وهو يسألها بينما يبتعد قليلا عنها فتتلاقي عيناه بعينيها بينما جسدهما ما زالا يتعانقان دون فكاك :-
" هل ما زلت حبيبك ..؟!"
همست بضعف :-
" هل تشك في ذلك ..؟!"
نظر لها بتوجس محته وهي تضيف بإبتسامة رقيقة :-
" ألم تدرك بعد إنك الأول والوحيد ... أنني أحبك بحماقة .. أحبك دون توقف .."
همس وهو يشعر بأنفاسه تتوقف داخل صدره من شدة تأثيرها به :-
" حياة .."
همست بنفس الرقة :-
" نعم يا نديم ..."
هتف بجدية:-
" قولي أحبك مجددا ..."
إبتسمت بخفوت وهي تردد بعينين لامعتين :-
" أحبك .. أحبك .. أحبك يا نديم ..."
في تلك اللحظة لم يعد يرغب بشيء سواها وسوى التنعم في جنة أحضانها ..
كان يريدها هي فقط .. يريدها بكل كيانه ....
كان شوقه لها قد بلغ ذروته ...
يرغبها بكل ما تعنيها الكلمة من معنى ...
يريدها ولا يريد شيئا سوى أن تكون بين ذراعيه ..
وفي خضم كل هذا نفذ ما قاله مسبقا وبدأ بالقبلة وما تلا تلك القبلة كان يفوق الخيال ...
كل شيء بدا مثاليا وأرواحهما تتعانق بتلك القبلة التي طالت دون شعور كليهما حتى وعت حياة أخيرا وهي تهمس بينما بالكاد تحرر شفتيها من شفتيه :-
" نديم ، لا يجوز .. نحن لم نعد متزوجين .."
لكنها قاطع حديثها وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها المحمر بشوق جارف:-
" أنا رددتك الى عصمتي منذ أول يوم أيتها الحمقاء .."
تطلعت إليه بذهول قاطعه وهو يعانقها مجددا .. يقبلها بشغف كبير .. يتعلق بها وكأنها آخر ما تبقى له على هذه الأرض ... !
..............................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن