الفصل العاشر
( الجزء الثاني )
جلست حياة بملامح واجمة أمام مي التي سألتها بتوجس ما إن رأت ملامحها تلك :-
" ماذا يحدث يا حياة ...؟! تبدين منزعجة للغاية ... "
أجابت حياة بضيق جلي :-
" كل شيء يسير ضدي يا مي ... لا أعلم مالذي فعلته لأستحق كل هذه المعاناة ..."
" هل تقصدين موضوع الدكتور ثامر ...؟!"
زفرت حياة أنفاسها ثم هتفت بنبرة حزينة متعبة :-
" لا أعلم ماذا سأفعل .. من جهة والدي ووضعه ومن جهة أخرى عدم رغبتي بالموافقة .."
قالت مي بنبرة هادئة متعقلة :-
" لا تلومي والدك يا حياة ... هو معه كل الحق فيما يريده ... أخبريني يا حياة ... ألا تفكرين حقا بوضعكِ وما ستكونين عليه إذا فقدتِ والدك لا سامح الله .. ؟! هل ستعيشين لوحدك في منزلك الصغير في تلك الحارة الضيقة ..؟! كيف ستؤمنين على نفسك وتحميها من مصاعب الحياة الكثيرة ...؟!"
ردت حياة بجدية :-
" اولا تلك الحارة الضيقة أعرف جميع من بها ... الجميع فيها طيبون ويساعدون من يحتاج إليهم فورا دون تردد ...أما بالنسبة لمصاعب الحياة فهذا واقع حال والمصاعب موجوده سواء تزوجت أم بقيت لوحدي .."
أضافت بنفس الجدية :-
"ماذا لو لم يتقدم الدكتور ثامر لي ..؟! هل سأبحث عن عريس كي لا أبقى وحيدة ...؟! ومن قال إن زواجي من دكتور ثامر او غيره سيمنحني الراحة والأمان ...؟! ما بالكم تتحدثون جميعا وكأن وجود رجل في حياتي هو من سيحميني من كل شيء ..؟!"
ردت مي توضح لها وجهة نظرها :-
" حسنا ما تقولينه صحيح ... ربما أنتِ بالفعل تستطيعين حماية نفسك بنفسك ولكن دعينا ننظر للأمر من جانب مختلف .. مثلا سبب رفضك للدكتور ثامر ... أنت ترفضينه فقط لإنكِ معجبة بآخر لا يناسبك مطلقا ..."
هتفت حياة معترضة :-
" لا تخلطي هذا بذاك .. "
رددت مي تسألها بقوة :-
" هل تنكرين إن سبب رفضك لعرض الدكتور ثامر هو ذلك المدعو نديم ...؟! "
أشاحت حياة وجهها نحو الناحية الأخرى بضيق بينما قالت مي :-
" يا حياة راجعي نفسك وستجدين إن معي كل الحق فيما أقوله .. لا تربطي مصيرك بشخص لمجرد إنكِ معجبة به ..."
نظرت حياة إليها تهدر بقوة :-
" من قال إنني معجبة فقط ..؟!"
سألتها مي بتردد :-
" ماذا تقصدين ..؟! هل تودين القول إنكِ تحبينه ...؟! هل أحببتهِ يا حياة ...؟!"
لم تجب حياة عليها بل أشاحت بوجهها مجددا نحو الناحية الأخرى لتسمع مي تقول بنبرة مستنكرة :-
" يا إلهي لا أصدق .. هل وقعتِ في حبه حقا ..؟! "
عادت حياة تنظر إليها دون أن تنبس بحرف فتردف مي :-
" كيف حدث هذا ...؟! وهل أنتِ متأكدة من مشاعرك ...؟!"
أجابت حياة بهدوء وثبات :-
" الشيء الوحيد المتأكدة منه هو إنني لن أرتبط برجل وقلبي مع غيره ..."
ثم حملت حقيبتها وخرجت من المكان دون أن تنتظر ردا ...
سارت في الشوارع المؤدية الى المشفى وعقلها شاردا يفكر بمشاعرها التي تأكدت منها وما ستفعله بعد ذلك
..
تفكر وتفكر دون أن تصل الى أي نتيجة ..
وصلت الى المشفى أخيرا فصعدت الى غرفة والدها حيث إطمأنت عليه وجلست جواره لمدة قبل أن تسمع صوت طرقات على باب الغرفة ...
نهضت من مكانها واتجهت نحو الباب لتفتحها ...
فتحت الباب لتتفاجئ بشابة جميلة تقف أمامها تحمل باقة ورد وتبتسم بخجل واضح ...
نظرت حياة الى الفتاة بإستغراب قبل أن تهتف بها :-
" اهلا .. تفضلي ..."
إبتسمت الفتاة وهي تحييها :-
" مرحبا حياة .. كيف حالك ...؟!"
ثم أضافت اعرف عن نفسها :-
" انا حنين ... أختك ..."
تجمدت حياة لثواني ما إن سمعت ما نطقت به الفتاة قبل أن تنطق أخيرا بصوت خرج مبحوحا :-
" حنين ..!!"
أومأت حياة برأسها وهي تمد يدها لها :-
" نعم حنين أختك ... "
ثم همست بحرج وهي تتأمل جمودها أمامها :-
" ألن تقولي شيئا ..؟! تدخليني الى الغرفة ..."
نظرت حياة خلفها لا إراديا فوجدت والدها نائما ..
جذبتها الى الخارج وهي تغلق الباب خلفها ثم قالت بجدية :-
" لا يمكنك الدخول .. أعتذر ولكن والدي نائم و ..."
قاطعتها حنين بإبتسامة هادئة :-
" لا عليكِ ... انا فقط جئت لرؤيتك والتعرف عليك والإطمئنان على والدك أيضا ..."
ثم مدت يدها لها بالباقة وهي تقول بلباقة :-
" تفضلي .. اتمنى لوالدك الشفاء العاجل والخروج من المشفى في أقرب وقت .."
شعرت حياة بالحرج منها ومن لطافتها معها رغم جمودها الواضح ما إن عرفت هويتها فرسمت إبتسامة خافتة لا تخلو من التصنع وهي تتناول الباقة منها وتشكرها :-
" أشكرك يا حنين ... "
قالت حنين بنبرة صادقة :-
" أنا سعيدة للغاية لإنني إستطعت رؤيتكِ أخيرا ... كنت أود التعرف عليكِ منذ سنوات طويلة ... "
أضافت وهي تبتسم بسعادة :-
" لا تصدقين مدى سعادتي برؤيتك أخيرا ... أنتِ حقا جميلة وأجمل من الصور بكثير .. "
إسترسلت دون إنقطاع غير منتبهة بملامح حياة الباهتة :-
" كان من المفترض أن نلتقي منذ أعوام .. ربما منذ يوم ولادتي ... لكن لا بأس .. المهم إننا إلتقينا ..."
إبتلعت حياة ريقها وقالت أخيرا :-
" أنا لا أعرف ماذا يجب أن أقول ...؟؟"
قاطعتها حنين بسرعة :-
" لا تقولي شيئا .. يعني ليس مهما بعد الآن سوى إننا إلتقينا أخيرا ... وأتمنى أن نتعرف على بعضنا جيدا ونقترب من بعضنا فنحن في النهاية ومهما حدث سنظل أختين وحيدتين نحتاج لبعضنا ... أليس كذلك ..؟!"
لم تعرف حياة بمَ تجيب ولكنها بالطبع لن تحرج تلك الفتاة التي تتأملها بفرحة صادقة لا شك فيها ويبدو إنها كلها أمل ببناء علاقة وطيدة مع أختها الوحيدة ...
هزت حياة رأسها وهي تبتسم بخفة :-
" بالطبع يا حنين ..."
ضحكت حنين وقالت بعفوية :-
" جيد .. وبهذه المناسبة هل تسمحين لي بدعوتك لنتناول طعام العشاء في أي مطعم قريب منها ...؟! "
نظرت حياة إليها بتردد ثم قالت تعتذر عن القبول :-
" أعتذر حقا يا حنين ولكن ... "
صمتت للحظة ثم قالت تبرر رفضها :-
" ربما يستيقظ والدي ولا يجدني بجانبه ..."
" حسنا .. ماذا عن الغد ..؟! ألا يمكننا تناول الغداء سويا ؟؟"
شعرت حياة بتأنيب الضمير تجاهها خاصة عندما وجدتها ترجوها قائلة :-
" ارجوكِ لا ترفضي ..."
إضطرت حياة الى الموافقة حيث هزت رأسها موافقة لتقفز حنين بسعادة قبل أن تهتف وهي تقبض على كفها الغير ممسك بالباقة :-
" رائع ... إذا سأمر عليكِ غدا في حدود الساعة الواحدة ظهرا كي نذهب سويا الى المطعم .. جيد ..؟!"
أجابت حياة بخفوت :-
" جيد يا حنين ..."
إبتسمت حنين بحبور ثم ودعتها بعدما أكدت عليها موعد الغد ورحلت لتبقى حياة وحدها تنظر الى الباقة في يدها بضياع ...
هذا ما لم يكن في الحسبان ...
تنهدت بقلة حيلة وهي تفكر إن الفتاة لا ذنب لها بأفعال والدتها لذا هي مضطرة لمعاملتها بشكل جيد فهي تبدو لطيفة وعفوية ..
حملت باقة الورد ودخلت الى الغرفة مجددا حيث جلست على السرير الإضافي ووضعت الباقة جانبها ...
حملت هاتفها تعبث به دون تركيز وهي تتذكر رحيله السريع صباح اليوم وهي شبه متأكدة إن هناك شيء سيء ما حدث معه ...
تمددت على ظهرها تنظر نحو السقف بصمت وهي تعاود التفكير بكل ما يحدث معها من جديد حتى غفت دون وعي منها ...
........................................................................
دلفت حنين الى منزلها لتجد والدتها تتقدم نحوها بسرعة ويبدو إنها كانت تنتظرها بفارغ الصبر ...
إستقبلتها تسألها بلهفة وترقب :-
" ماذا حدث يا حنين..؟! أخبريني بسرعة ..."
سمعت صوت والدها يهتف وهو يتقدم منهما :-
" دعيها ترتاح اولا يا أحلام وستخبرك بكل شيء ..."
" مساء الخير اولا ..."
قالتها حنين بخفة ثم قبضت على يد والدتها تدفعها أمامها وهي تهتف :-
" دعينا نجلس أولا وسأخبرك بكل شيء ..."
ثم جلس الثلاثة في صالة الجلوس فبدأت حنين تسرد لهما ما حدث ...
هتفت أحلام تسألها بسرعة ما إن أنهت حنين حديثها :-
" ستلتقيان غدا إذا ...؟!"
أومأت حنين برأسها وهي تجيب :-
" نعم .. "
أضافت بجدية :-
" هي وافقت على مضض لكن المهم إنها وافقت وهذه بداية مبشرة برأيي ..."
" هل تظنين إنكِ تستطيعين جعلها تتقبلني يوما ما ...؟!"
سألتها أحلام بملامح مهمومة ونبرة حزينة فألقت حنين نظرة على والدها الصامت ثم عادت تنظر الى والدتها تخبرها بثقة :-
" سأفعل ... اعتمدي علي ماما .. وأعدكِ إنني لن أخذلكِ مهما حدث ..."
ربتت أحلام على كفيها تبتسم لها بحب لتنهض حنين من مكانها وهي تردد بحماس :-
" غدا لدي موعد مهم لذا يجب أن أنام مبكرا كي أستعد له جيدا ...تصبحان على خير ..."
ثم إنطلقت الى الطابق العلوي حيث غرفتها بينما نظرت أحلام الى زوجها الذي إبتسم لها مرددا بهدوء :-
" سيتحسن كل شيء ... لا تقلقي ..."
بادلته إبتسامته بأخرى متأملة خيرا بما هو قادم ..
........................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
عاطفيةهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...