الفصل الثالث والخمسون ( الجزء الثاني )
تأملت عيناه الطعام الموضوع على الطاولة أمامه بشرود قطعته غالية وهي تدلف الى الداخل ملقية التحية بسرعة وهي تهم بالتحرك متوجهة الى غرفتها عندما أوقفها مرددا :-
" انتظري يا غالية ..."
تمتمت غالية بجدية :-
" هل هناك شيء يا نديم ...؟!"
سألها باهتمام:-
" أنت تغادرين العمل مبكرا هذه الفترة ... هل هناك مشكلة ما ..؟!"
أكمل مضيفا :-
" هل هناك مشاكل مع عمار ...؟!"
تقدمت نحوه وهي تسأل بتعجب :-
" لماذا سيكون لدي مشاكل معه ...؟! واقعيا انا الا أتعامل معه منذ عدة أشهر الا للضرورة القصوى ... عندما احتاج اخباره بشيء ما يخص احد المشاريع او ما شابه ..."
اضافت وهي تسحب كرسيا وتجلس قباله :-
" هل هناك سببا ما دفعك لتطرح سؤالا كهذا ...؟!"
هز رأسه نفيا وهو يجيب :-
" ابدا ... انا فقط مستغرب من عودتك مبكرا الى المنزل طوال الفترة السابقة على غير عادتك ..."
تنهدت وهي تخبره بصدق :-
" في الحقيقة مزاجي ليس جيدا هذه الفترة ... انا اساسا عدت الى العمل بسرعة بعد وفاة ماما محاولة مني لالهاء نفسي ولكن على ما يبدو حتى العمل لم ينجح في ذلك ..."
كانت المرة الاولى التي تتحدث بها غالية بطريقة كهذه ...
ربما المرة الاولى في حياتها التي تقر بها بتعبها وضعفها على غير العادة ...
نطقت بعدها بتردد :-
" في الحقيقة انا ايضا قلقة بشأن وضع الشركة العام ... عمار متغير كثيرا هذه الفترة ولا يهتم بالعمل مثل السابق ... اليوم لم يكن موجودا اساسا وهذه ليست المرة الاولى التي يتغيب بها عن الشركة ... تصرفه يثير استغرابي لان عمار رغم كل شيء يبقى العمل لديه رقم واحد .."
هتف نديم متحاشيا الحديث عنه :-
" دعك منه الآن ... المهم انت يا غالية ..."
ابتسمت مرددة بتعب :-
" انا بخير ... ربما احتاج الى القليل من الراحة ..."
كان يعلم انها تكذب فهي ليست بخير ابدا لكن طبيعتها تمنعها من الاعتراف بحقيقة كهذه رغم انها ذكرت قبل قليل جزء بسيط من معاناتها ...
لم يكن غريبا عليه تصرف غالية وعدم رغبتها في الخوض في غمار مشاكلها مهما كان حجمها وهذا ما يضاعف من قلقه عليها فهي تميل دائما الى اخفاء وجعها والحفاظ على رباطة جأشها امام الجميع ...
تنهد مرددا وهو يربت على كفها :-
" متى ما احتجتني فأنا موجود ... انت بالطبع تدركين هذا جيدا ..."
ترقرقت الدموع رغما عنها في عينيها وهي تردد بصوت مبحوح :-
" اعرف بالطبع .."
ثم تنفست بعمق ونهضت من مكانها تضيف :-
" سأصعد الى غرفتي لأرتاح قليلا ..."
هز رأسه بتفهم عندما غادرت هي المكان ليعاود النظر الى الطعام بضيق فحياة ليست هنا لان والدتها دعتها الى قضاء اليوم معها وبالطبع دعته هو ايضا لكنه اعتذر عن الدعوة متعللا بأسباب لا وجود لها بينما في الحقيقة هو لا يمتلك المزاج هذه الفترة لفعل اي شيء لان باله مشغول كليا بعمار وانتقامه المنتظر منه ...
رغم تردده ورفضه الداخلي في بداية الامر الا انه اضطر ان يوافق كنان على مخططه فيستغل أخت عمار من والدته بالضغط عليه ليعترف بنفسه امام الشرطة على ما فعله به بينما في نفس الوقت ينفذ كنان مخططه بما يخص شركة الادوية السرية ....
رن هاتفه بإسم كنان فسارع يجيب الاخير وكأن الأخير كان يدرك بما يفكر عندما قال نديم بسرعة :-
" اهلا كنان ... "
باغته كنان بالقول :-
" هناك مصيبة حصلت لم تكن في الحسبان ..."
سأل نديم بقلق :-
" ماذا حدث ..؟!"
رد كنان بجمود :-
" أخت عمار ... تعرضت لمحاولة قتل على ما يبدو ..."
انتفض نديم من مكانه مرددا بعدم تصديق :-
" ماذا تقول يا كنان ..؟؟ محاولة قتل ..؟!!"
تمتم كنان :-
" نعم .. تعرضت لطعنة بالسكين مساء البارحة وهي الآن في المشفى ... نجت من الحادث لكنها فقدت طفلها ..."
تجهمت ملامح نديم برفض لما يسمعه قبل ان يردد :-
" سآتي عندك حالا ..."
ثم اغلق الهاتف وتحرك متجها الى الخارج بعدما سحب مفاتيحه ....
بعد اقل من نصف ساعة وصل الى مكتب كنان الذي استقبله مرددا بضيق :-
" هل رأيت ما حدث ...؟! خطتنا تدمرت ..."
قاطعه نديم متسائلا بحدة :-
" هل أنت من فعلها ...؟!"
سيطر الوجوم على ملامح كنان مرددا بذهول :-
" مالذي تقوله انت ..؟!"
قال نديم بجدية :-
" من سواك لديه عداوة مع عمار تدفعه للتخلص من اخته ...؟!"
" انت جننت ..."
قالها كنان بسخرية ليهدر نديم :-
" هل تحاولي اقناعي ان حدوث الاعتداء على الفتاة في هذا التوقيت تحديدا صدفة ...؟!"
صاح كمان بغضب :-
" ماذا جرى لك يا هذا ..؟! انت تعلم جيدا ما كنت اخطط له ... "
قاطعه نديم :-
" ربما غضبك منه تحكم بك فقررت أن تثأر لشقيقتك بتلك الطريقة البشعة .. بأن تقتل أخته كما تسبب هو بوفاة شقيقتك ..."
" لا تكن أحمقا يا هذا .. لو كنت أريد قتل أخته لفعلتها منذ زمن ... انا أريد قتله هو ..، انظر انا لست مثاليا ولا حتى طيبا لكنني بالتأكيد لن أقتلها بسبب افعال اخيها ... دم شقيقتي سآخذه من روح عمار وليس احد سواه ... صحيح انا كنت انوي استغلالها لادخال عمار الى السجن لكن ابدا لم أكن انوي ايذائها وانت اكثر من يعلم هذا والا ما كنت لتشاركني في خطتي ..."
زفر نديم انفاسه مرددا بحنق :-
" كيف حدث هذا إذا ولماذا الآن تحديدا ...؟!"
رد كنان بضيق :-
" لا أعلم .. حقا لا أعلم ..."
نظر نديم اليه بصمت للحظات قبل أن ينطق بتردد :-
" ربما هذه فرصة لنراجع انفسنا ..."
سأله كنان بوجوم :-
" ماذا تعني ..؟؟"
قال نديم :-
" يعني ألا نستغل ابرياء لا ذنب لهم في انتقامنا ..."
نظر اليه كنان بدهشة لثواني قبل ان يهتف بعدم استيعاب :-
" انت تمزح بالطبع ..."
اكمل من بين اسنانه :-
" مبدئيًا نحن لم نكن ننوي ايذاء الفتاة بل لو خطفناها كما خططنا فما كنا لنلمس شعرة واحدة منها ... نحن فقط نستغل مكانتها لديه خاصة ان عمار يعرفني جيدا ويتوقع مني فعل اي شيء ..."
اخذ نفسا عميقا ثم قال بتهكم :-
" على العموم يمكنك الانسحاب الآن لكن عليك ان تعرف انه انسحابك يعني بقاء الوضع كما هو عليه .. وعليك ان تعلم ان الامر لا يقتصر على ماضيك والسجن و مستقبلك الضائع بل الأمر يتعلق بعمار ايضا لان عمار لن يتركك تحيا بسلام طالما هو حي يعيش بيننا وانت اكثر من يعلم ذلك ...."
نعم هو اكثر من يعلم ...
عمار مريض وهو لن يتركه يحيا بسلام حتى بعدما جعله يفقد كل شيء ...
هذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها ...
.......:.........................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...