الفصل التاسع والعشرون
( الجزء الاول )
في احد ارقى المطاعم في البلاد والذي يقع في أطراف العاصمة حيث لا يوجد سوى القليل من الزوار الذي ينتمي جميعهم للطبقة العليا كان يجلس على احدى الطاولات المعزولة تماما ينتظر قدومها بفارغ الصبر بعدما دعاها على العشاء منذ يومين وقبلت هي دعوته برحابة صدر ..!!
وجدها تتقدم نحوه أخيرا بعدما أرشدها النادل الى مكان الطاولة المحجوزة بإسمه ليتأملها بتمعن من رأسها حتى أخمص قدميها فتجذبه خصلات شعرها التي صبغت معظمها باللون الأشقر فأصبح شعرها مزيج بين لونه البني الأصلي واللون الأشقر مما منحها جاذبية لا تقاوم .. كانت ترتدي فستانا كريمي اللون كلاسيكي التصميم يلتصق بجسدها حتى أسفل ركبتيها بحمالات رفيعة أبرز قدها الرشيق الجذاب رغم نحافتها بشكل عام ..
أسفل قدميها كانت ترتدي حذاء بتصميم كلاسيكي ايضا لونه مقارب للون الفستان ذو كعب رفيع للغاية طويل نسبيا ..
كانت طلتها مبهرة وجمالها لا يختلف عليه اثنان ..
كل شيء بها جذاب ومبهر ...
جمالها دوما كان واضحا للجميع وجاذبيتها لا خلاف عليها ..
لقد منحها الله الحسن والبهاء الذي تحتاجه أي أنثى ...
وأخيرا وصلت أمامه فألقت التحية بنبرتها الناعمة لينهض من مكانه بعدما أوقفها بإشارة منه ثم سحب الكرسي لها لتمنحه إبتسامة مميزة وهي تجلس على الكرسي بينما يعود هو الى مكانه مبتسما نصف إبتسامة وملامحه هادئة تماما ..
هتف وهو يتأملها مجددا :-
" تبدين مذهلة .."
ابتسمت وهي ترد :-
" شكرا على هذا الإطراء .."
أضاف وهو يتأمل خصلاتها الشقراء :-
" وغيرتِ لون شعرك ايضا ..؟!"
ردت وهي تلامس أطراف خصلاتها الشقراء بأناملها :-
" لقد إعتدت على تغيير نمط مظهري الخارجي بإستمرار .. وهذه المرة اخترت اللون الأشقر .."
ابتسم مرغما وهو يقول :-
" لم تكونِ كذلك .. دائما ما كنت تحبين أن تكوني بنمط واحد سواء في شعرك او حتى ملابسك .."
قاطعته بجدية :-
" لقد تغيرت .. أصبحت أميل الى التغيير دائما .."
أضافت مازحة :-
" تغيير وليس تجميل بالطبع .. فأنا لم أقم بعمليات تجميل كي لا تظن إنني لجأت الى هذا النوع من التغيير ايضا .."
رد بجدية :-
" وهل من مثلك تحتاج الى عمليات تجميل يا شيرين ..؟!"
ردت بجدية :-
" الأمر أصبح لا يتعلق بالجمال فقط .. يعني التجميل أصبح موضة لدى الجميع ... الأغلبية تلجأن إليه بغض النظر عن شكلهن ومقدار جمالهن .."
هتف بنفس الجدية :-
" إياكِ أن تفعيلها يوما .. انت لا تحتاجين الى اي عملية من أي نوع .. كل شيء بكِ متكامل .."
ابتسمت وهي تقول :-
" لن أفعلها .. اطمئن .. انا أساسا لا أحب هذه العمليات والأهم إنني أخاف للغاية من هذه العمليات ولا يمكنني أن أسمح لأي طبيب أن يلمس وجهي من شدة خوفي .."
توقفت عن حديثها وهي ترى النادل يتقدم نحويهما ويحمل قنينة من احد ارقى المشروبات الكحولية الذي يفضله عمار وخلفه نادل يحمل صينية موضوع عليها كأسين ..
وضع أمام كلا منهما كأسه وبدأ يصب النبيذ عندما أشارت له شيرين أن يتوقف مرددة بجدية :-
" شكرا لكنني لا أشرب هذا النوع من المشروبات .."
هتف عمار بسرعة :-
" هات للمدام ما تفضله .."
ردت بتجهم :-
" سأقرر أولا ثم أخبرك بما أرغب .."
انسحب النادل بعدها لتتأمله شيرين وهو يسحب الكأس ينوي ارتشاف البعض مما يوجد داخله عندما همست بجدية :-
" انا لا أجلس على طاولة يوجد عليها هذا النوع من المشروبات .."
توقف بدهشة والكأس ما زال في يده عندما وضعه على المائدة مرددا بإستغراب :-
" عفوا ..؟! ماذا تعنين بهذا ..؟!"
ردت ببرود :-
" لست معتادة على الجلوس مع أشخاص يتناولون الخمر .. انا اسفة لكن اذا لن تشرب شيئا آخر غير الخمر فسأضطر الى مغادرة المكان .."
كتم غيظه بقوة وهو يلاحظ نظرة الإصرار في عينيها وملامحها التي بدت جادة للغاية فأشار الى النادل الذي تقدم بسرعة فعمار الخولي من أشهر زبائن المحل ...
هتف عمار وهو يسألها بجدية :-
" ماذا تحبين أن تشربي قبل العشاء ..؟!"
ابتسمت وهي ترد :-
" عصير التفاح من فضلك .."
هز النادل رأسه مبتسما برسمية بينما زفر عمار أنفاسه مرددا من بين أسنانه :-
" وانا هات لي عصير برتقال .."
هتفت شيرين مشيرة الى النادل :-
" من فضلك لا نريد قنينة المشروب هذه ولا الكؤوس خاصتها .."
" حاضر يا هانم .."
قالها النادل بنفس الرسمية قبل ان ينسحب طالبا من زميله ان يسارع ويحمل قنينة المشروب والكأسين بعيدا عن الطاولة ..
بعدما حمل النادل القنينة والكأسين هتف عمار من بين أسنانه :-
" عمار الخولي يطلب عصير البرتقال .. لم أفعل شيئا كهذا منذ أن تجاوزت العشرين من عمري .."
ضحكت وهي تردد بلا مبالاة :-
" لم أجبرك على تناوله .. كان بإمكانك أن تستمر في تناول مشروبك وتتركني أغادر .."
"يبدو إن هناك أشياء لم تتغير فيكِ .. عصير التفاح مثلا والهوت شوكليت .."
ابتسمت تردد :-
" ما زلت تتذكر إنه عصيري المفضل اذا .."
" بالطبع .."
قالها وهو يتراجع الى الخلف بأريحية قبل أن يضيف ببرود :-
" والمثاليات الفارغة .."
رمشت بعينيها تسأله بصوت جاف :-
" عفوا ..!!
رد بإبتسامة ملتوية :-
" أتحدث عن المثاليات الفارغة يا شيرين .. عندما رأيتك بعد هذه السنوات ولاحظت كم تغيرت في طريقة لبسك بل شخصيتك تغيرت تماما لم أظن إنك ما زلت تحملين الكثير من تحفظ الماضي .."
سألته بإقتضاب :-
" وما علاقة رفضي لوجود الخمر بتحرري الجديد يا عمار ..؟!"
رد بقليل من الإستهزاء :-
" يعني ملابسك مثلا ... أتحدث عن تلك الملابس في النادي .. ووجودك هنا معي .. تصرفات كهذه تناقض رفضك لوجود الخمر على طاولتك .."
منحته إبتسامة هادئة فاجئته وهو الذي ظن إنها ستغضب قبل أن تهتف بجدية لا تخلو من الحكمة :-
" انا لست متدينة يا عمار .. لست كذلك ولن أدعي ذلك .. ملابسي متحررة وربما شخصيتي تحررت قليلا .. وجودي معك هنا يدل على نوع من التحرر أيا كان .."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت مضيفة :-
" لكن هناك أشياء لا يتدخل تحرري بها .. الخمر مثلا شيء محرم علي .. انا لم أعتد على وجوده في منزلي ولا مع من أشاركهم جلساتي .. هكذا تربيت وعلى هذا الأساس كبرت ... انا لست ملتزمة بما فيه الكفاية لكنني لست متحررة الى الدرجة التي أتقبل بها وجود الخمر كأمر عادي .. ليس الخمر فقط بل هناك أشياء أخرى أيضا ووجودك هنا معك هو بسبب دعوتك لي والتي من وجهة نظري لا يوجد بها اي مشكلة .. دعوة عشاء في مكان عام وحولنا العديد من الناس .. أين الخطأ في ذلك ..؟!"
تقدم النادل ووضع العصير الخاص بكل منهما أمامهما ثم انسحب بعدها ليحمل عمار عصيره ويرتشف منه القليل قبل أن يقول ببرود :-
" أصبحت فيلسوفة يا شيرين .."
ردت ببرود :-
" لم أعهد نفسي ذات شخصية سطحية او تافهة يوما لتعتبر كلامي هذا فلسفة .."
ابتسم مرغما وهو يقول :-
" حسنا لا تغضبي .. انا احترمت مبادئك وشربت العصير بدل الخمر .. "
أضاف بعدها:-
" اتركينا من هذا الموضوع الآن ودعينا نتحدث في اشياء أهم .."
" أشياء مثل ماذا ..؟!"
سألته وهي ترتشف رشفة صغيرة من عصيرها ليسألها بإهتمام :-
" ماذا تفعلين في الوقت الحالي ..؟! أقصد على المستوى المهنى .."
ردت ببساطة :-
" لا شيء حتى الآن .. لكنني سأفعل قريبا بالطبع ..انا عدت للبلاد منذ فترة قصيرة وفضلت أن أستمتع عدة أشهر قبل أن أفكر في العمل وما سأفعل هنا بعد إستقراري مجددا ..."
" هل هناك شيء ما في عقلك .؟!"
سألها بجدية لترد بصدق :-
" لا يوجد شيء محدد ... أفكر في مشروع يناسبني .. مشروع أستمتع به وليس أعمل فقط .."
هتف ممازحا :-
" كنت سأطلب منك أن تعملي معي في مجموعة شركاتي لكن بالطبع هذا لن يناسبك طالما تبحثين عن المتعة .."
سألته بجدية :-
" انت تدير مجموعة شركات والدك ، أليس كذلك ..؟!"
رد وهو يهز رأسه :-
" نعم ، انا المدير العام لمجموعة شركات الخولي ..."
" وماذا عن أخوانك ..؟! نديم وغالية ..؟!"
سألته وهي ترتشف من عصيرها مجددا ليرد ببرود وملامحه سيطر عليها الوجوم لا إراديا عندما ذكرتهما :-
" غالية تعمل معي ضمن فريق الإدارة اما الآخر فهو لا يفهم عملنا من الأساس ..."
" لكنه أصبح بلا شهادة جامعية .. ومنطقيا هو مجبر على العمل في شركات والده بدلا من البقاء هكذا دون عمل .."
رد بإقتضاب :-
" هو حر فيما يفعله .. انا لا علاقة لي به .."
هتفت بهدوء لا يخلو من التأنيب :-
" كيف إستطعت فعل هذا ..؟! كيف غدرت به هكذا ..؟! ألم تشعر بالتردد للحظة ..؟! ألم يؤنبك ضميرك ولو قليلا حتى ..؟!"
تجهمت ملامحه بقوة وهو يتسائل بصوت جاف :-
" مالذي يجعلك متأكدة إنني السبب فيما حدث له ..؟؟"
ردت وهي تبتسم رغم ضيقها الشديد الذي يسيطر علها كلما تتذكر حقارته مع أخيه :-
" لإنني كنت أنتظر إنتقامك هذا يا عمار .. كنت أنتظر اليوم الذي ستنتقم به من نديم .. مثلما كنت أنتظر اليوم الذي سوف تسيطر به على كل شيء .. "
أضافت وعيناها تسيران حول ملامح وجهه الجامدة بحنو سلب لبه :-
" أنا أعرفك أكثر من نفسك .. أفهمك لدرجة لا تتخيلها ... نظرة واحدة منك اتجاه أخيك جعلتني أدرك ما تضمره له .. جعلتني أفهم كم تكرهه وتحقد عليه .. "
" كنت تعلمين منذ ذلك الوقت ..؟!"
سألها بعدم إستيعاب لترد بجدية :-
" وكنت أنتظر مجيء هذا اليوم حتى إنني حذرت ليلى منك ومن حقدك عليه .. هل تعلم ..؟! لو كان لدي أمل ضئيل حتى بإنه يمكنني جعلك تتراجع عن إنتقامك المنتظر لما تركتك .. كنت سأتمسك بك حتى أثنيك عما تنتويه .. لكنني أدركت إن إنتقامك اللعين أكبر من أي شيء ... أكبر مما بيننا ومن حبنا حتى .."
" إذا هذا هو سبب ترككِ لي ..؟!"
سألها بجمود لترد وهي تومأ برأسها :-
" لم أستطع الإستمرار معك وبداخلك كل هذا الكره والحقد نحو أقرب الناس لك ... كنت أعلم إن الغدر قادم وانا كنت سأتركك عاجلا أم أجلا لإنني لم أكن أستطيع التعايش مع هذا الكم من الحقد والسواد داخلك .. كنت صغيرة وأبرأ من أن أستوعب كل ما تحمله روحك وكل ما هو مزروع داخل قلبك لذا إخترت الرحيل او بالأحرى الهرب .. وموضوع تلك الفتاة كان حجة لا أكثر فأنا أعلم إنك لم تخني يوما لكنني أتخذت الأمر حجة ليس إلا لإنني لم أكن مستعدة لشرح كل هذا لك خاصة وأنا أدرك إن كلامي لن يجد صداه داخلك ..."
منحها إبتسامة جامدة وهو يشيح بوجهه بعيدا لتضيف بألم :-
" لكنني رغم كل هذا لم أتخيل أن يكون إنتقامك بهذا الكم من البشاعة .. لم أتخيل إنك تدمره تماما وتجرده من كل شيء حتى حب حياته .."
استدار نحوها مرددا بصوت قاسي رغم خفوته وقد بدت عيناه الخضراوان غامقتان للغاية :-
" يكفي ، انت بالذات لا يمكنك أن تقولي هذا .. انت بالذات لا يحق لك قول وهذا انت تدركين جيدا ما عايشته انا ووالدتي بسبب صباح وأبنائها .."
ردت بقوة :-
" صباح ربما لكن أبنائها لا .. لا يا عمار .. أخوك لا ذنب له في أفعال والدك ولا في نهاية والدتك ولا في كل هذا .."
صاح بعدم وعي :-
" يكفي .."
ابتلعت ريقها وهي تردد بتريث :-
" حسنا لا ترفع صوتك لإنك ستجذب الأنظار إلينا .."
جذب عصيره يرتشف منه عدة رشفات دفعة واحدة ليسمعها تقول بأسف :-
" انا اسفة يا عمار .. لم يكن علي التحدث بأمر هكذا الآن ..لكنني حقا لم أتحمل ... كلما أتذكر ما فعلته أشعر بحرقة في صدري .. هذا الكلام كنتِ أريد قوله منذ أن علمت بما حدث .."
" من فضلك يكفي .. انا انتقمت بالشكل الذي أراه مناسبا .. لست نادما أبدا ولو عاد بي الزمن الى الوراء سأنتقم منه بنفس الطريقة بل لو وجدت شيئا أسوء لفعلته دون تردد .."
ملامحه المليئة بالقسوة والتي عكست السواد داخله بدت مخيفة للغاية ..
همت بالتحدث وقد سيطر الغضب عليها من هذا السواد والجنون الذي يتحدث به لكن صوت رنين هاتفه أوقفها ..
تابعته وهو يجيب على المتصل ليهب من مقعده بعد ثواني متسائلا بملامح مذعورة :-
" كيف يعني ..؟! ماذا حدث لها ..؟!"
وجدت يطبق شفتيه بقوة قبل أن يهتف بوجوم ونبرة بدت مخيفة :-
" انا قادم حالا .."
أغلق الهاتف وأشار لها بجدية :-
" يجب أن أغادر حالا .. اختي في حالة سيئة ويجب أن أذهب لها .."
قالت بسرعة :-
" سائقي ينتظرني في الخارج .. اذهب انت وانا أيضا سأغادر معه .."
هز رأسه بعدم استيعاب وهو يسارع للمغادرة والقلق ينهشه .. كل ما يريده أن يصل إليها في هذه اللحظة ولا يريد شيئا سوى هذا ..
................................................................
كانت تصرخ بلا وعي وهي تحطم كل شيء تراه أمامها ..
عقلها لم يكن يستوعب ما سمعته وروحها كانت محطمة كليا ...
كانت محاطة براغب الذي يرجوها أن تهدأ ويجاوره والده الذي يتوسلها بكلماته ألا تفعل ما يضرها لكنها لم تأبه فظلت ترمي ما في وجهها على الأرض وهي تصرخ بلا وعي وكلمات غير مفهومة قبل أن تنكمش على الحائط جانبا تردد بصوت باكي :-
" اريد عمار .. اريده حالا..."
دخل راجي الى الغرفة بعدما انهى إتصاله بعمار يخبرها بتوسل :-
" اتصلت به وهو قادم حالا .. فقط اهدئي ارجوكِ .."
" اريده حالا .. اريد عمار .. عمار .."
وظلت تردد اسم أخيها بعدما انهارت في بكاء يمزق القلب عندما هتف عمها عابد بصوت متوسل وقلبه يأن ألما عليها :-
" اهدئي يا حبيبتي .. سنجلبه لك حالا .."
" جيلان تعالي واجلسي.."
قالها راجي وهو يحاول التقدم نحوها لكنها صرخت من بين بكائها وهي تبكي أكثر :-
" لا تقترب .. ابتعدوا جميعكم عني .. أريد أخي .. أريد عمار ..."
اما في الخارج فكان يقف مهند مستندا بظهره على الحائط وجانبه يقف فيصل بملامح متوترة بينما الجمود يحتل ملامح مهند ..
زهرة تتحرك داخل الممر بعصبية وهي تريد أن تفهم ما يحدث وهمسة تتآكل خوفا على الفتاة لكنها لا تستطيع الدخول بعد تحذير راغب للجميع من عدم الدخول حالا ..
بجانبها تقف توليب المرتعبة مما تسمعه من صوت صياح وبكاء وهي بدورها لا تفهم ما يحدث ...
كان مهند يقف بجمود يستمع الى صوت صراخها الذي بدأ يخفت وعقله يراجع ما حدث عندما استمعت هي الى حديثه وانتبه هو وأخيه لها لتسقط هدية أخته من بين يديها بينما تنطلق هي بسرعة مخيفة الى الطابق العلوي حيث غرفتها يلحقها فيصل بينما بقي هو جامدا مكانه لم يعرف ماذا يفعل حتى وجد راغب يتقدم نحوه يتسائل مستغربا وقوفه هكذا عندما صدح صوت صرخة جيلان من الأعلى فإندفع كلاهما بلا وعي الى الطابق العلوي وهب والداه مع همسة واخته ايضا الى الاعلى بينما خرج راجي من جناحه متجها الى نفس المكان بعدما أخذ فيصل ينادي برعب من الحالة الهيستيرية التي أصابتها على الجميع وهو الذي ركض خلفها محاولا التحدث معها ..
اندفع راغب ومعه والده الى الداخل بينما سارع راجي يتصل بأخيها الذي هددهم بصراحة إنه يجب أن يعلم بأي شيء تمر به أخته وقد قرر الإتصال بعدما فهم من فيصل ما حدث وهو يخبره معرفة جيلان بأمر الزواج خفية عن البقية وبصوت متلعثم بينما انتقل الخبر الى راغب ووالده وها هما يحاولان احتواء الموقف دون فائدة ..
" ماذا يحدث بالضبط ..؟! ماذا فعلتما بالفتاة ..؟!"
سألتهما زهرة بقوة هما الاثنان لينظر فيصل الى مهند الجامد بتردد بينما هتفت توليب بصوت مبحوح :-
" الفتاة ستموت من البكاء والصياح .. ماذا فعلتما لها ..؟!"
" انا لن أتحمل .. سأدخل إليها .."
قالتها زهرة وهي تندفع الى الداخل متجاهلة زوجها وابنيها مرددة وهي تحاول التقدم نحوها :-
" جيلان صغيرتي .. اهدئي يا روحي .. اهدئي وأخبريني ما حدث ..."
هتفت جيلان باكية وهي تشير بلا وعي الى الجميع حولها :-
" يقولون إنني زوجته .. إنه زوجي .. انا لست متزوجة .. لم أتزوج ابدا .."
" من قال هذا ..؟! ومتزوجة ممن ..؟!"
سألتها زهرة بعدم تصديق فعادت تبكي مجددا لتلتفت نحو راغب الذي سيطر الجمود على ملامحه وعابد الذي أخفض رأسه بقهر فسألتهما بنبرة متهمة بينما انسحب راجي خارجا ؛-
" ماذا يحدث بالضبط ..؟! مالذي تقوله جيلان ..؟! من أخبرها بهذه الخرافات ..؟!"
رد راغب بجدية والجمود ما زال يحتل ملامح وجهه :-
" هذه ليست خرافات .. طالما هي سمعت وأدركت كل شيء يجب أن يعرف الجميع .. "
أضاف وهو ينظر الى والده الواجم :-
" جيلان تزوجت .. تزوجت مهند .."
شهقت زهرة بعدم تصديق بينما صرخت جيلان بصوت وصل الى الخارج :-
" هذا كذب .. انا لست متزوجة .. انا لم أتزوج أبدا .. أنتم تكذبون .. "
في تلك اللحظة اندفع مهند الى الداخل بعدما سمع ما قالته فهتف بنبرة قوية متسلطة :-
" ما يقوله راغب صحيح .. جيلان زوجتي .. زوجتي على سنة الله ورسوله .."
" كلا انت لست زوجي .. انت كاذب .."
قالتها وهي تنتفض في مكانها قبل أن تبكي بعنف مخيف فجاء دور همسة التي كانت قد دخلت تتبع مهند تحاول إيقافه حيث سارعت تحتضنها تحاول تهدئتها لتنهار جيلان باكية بين أحضانها ...
هتفت زهرة بأولادها الثلاثة وزوجها بعدم تصديق وإنفعال شديد :-
" اللعنة عليكم جميعا .. ماذا فعلتم ..؟! ماذا فعلتم بالفتاة ..؟! لا سامحكم الله ولا وفقكم .. كيف تفعلون هذا ..؟! كيف .،؟!"
شعرت بدوار يسيطر عليها فتقدم راجي نحوها يحاول لمسها لكنها دفعته وهي تتماسك بقوة :-
" ابتعد عني .. لا تلمسني .. أنت شريكهم بهذه الجريمة .."
التفتت الى زوجها تهتف به بحدة ولا وعي :-
" وانت ..؟! كيف رضيت بهذا ..؟! كيف سمحت بشيء كهذا ..؟!"
أضافت وهي تحرك رأسها بلا وعي :-
" يا إلهي ، انها فتاة صغيرة .. قاصر .. قاصر أيها الحمقى .."
" أمي يكفي .."
قالها راغب من بين أسنانه بينما كان كلا من توليب وفيصل واقفين عند الباب يتابعان الموقف برعب وعدم تصديق ..
" اخرس .. انت بالذات لا تتكلم .."
صاحت في راغب بقسوة ليضم راغب شفتيه بقوة بينما التفتت هي نحو جيلان تتقدم نحوها تهتف برجاء :-
" اهدئي يا صغيرتي .. اهدئي وأعدك إن كل شيء سيكون بخير .."
وعندما وجدت الفتاة مستمرة في بكائها الموجع وهي تتمسك بأحضان همسة التي هطلت دموعها لا إراديا على حالة الفتاة أدمعت عينا زهرة ايضا فإلتفتت نحو ابنائها الثلاث تصيح بهم :-
" حسبي الله ونعم الوكيل فيكم .. ماذا فعلتم أيها المجرمون ..؟!"
أضافت بغضب :-
" هذه جريمة يا ملاعين .. الفتاة قاصر .. قسما بربي سأبلغ عنكم بتهمة تزويج قاصر .."
هتف راجي بنفاذ صبر :-
" يكفي بالله عليكِ .. أساسا عمار الخولي في طريقه الى هنا وسيقيم حفلة فوق رؤوسنا بعدما يعلم ما حدث ويرى أخته بهذا الوضع ... "
ردت بتحدي وعصبية :-
" بل انا من ستقيم حفلة فوق رأسك انت وأخوانك بل وأبيك أيضا وسأجعلكم ترقصون بها جميعا .."
" زهرة .."
نهرها عابد بضيق لتهتف بحسرة :-
" انت يا عابد .. انت تفعل بإبنة أخيك هذا .."
عادت شهقات جيلان تعلو فهتف مهند بنفاذ صبر :-
" ما بالك تتحدثين وكأن زواجها مني عقوبة ..؟! تتحدثين وكأنها تزوجت بوحش .."
اندفعت جيلان وهي تبتعد من بين أحضان همسة تصرخ بلا وعي :-
" انت لست زوجي ولن تكون .. هل تفهم ..؟!"
" زوجك غصبا عنك ، شئتِ أم أبيت .."
صاح بها بقسوة ليتوقف وهو يستمع الى صوت أحدهم يصيح به بصوت جهوري مخيف :-
" لا ترفع صوتك عليها .."
استدار الجميع ليجدوا عمار الخولي أمامهم فإندفعت جيلان راكضة وهي تتعثر في ركضتها قبل أن تلقي نفسها بين أحضانه وهي تبكي بفرحة وألم في آن :-
" عمار ، أخيرا أتيت .."
إحتضنها بقوة وهو يرمي مهند بنظرات حارقة قابلها الأخير بنظرات لا مبالية بينما هتفت زهرة بصوت جاد :-
" ها قد وصل شريككم في الجريمة .."
تأمل عمار المرأة التي بدت في منتصف الخمسينات بملامح متجهة دون رد عندما ابتعدت جيلان عن أحضانه تخبره وهي تشير نحوهم بإتهام :-
" تخيل يا عمار .. هؤلاء يقولون إنني متزوجة من هذا .."
توقفت بيدها نحو مهند الذي كتم غضبه بصعوبة لتضيف وقد توقفت عن البكاء :-
" خذني من هنا يا عمار .. هؤلاء كاذبون .. لا تتركني هنا .. قد يزوجوني إليه غصبا .."
" جيلان صغيرتي اهدئي من فضلك .."
قالها بصوت حانِ قبل أن يحتضن وجهها بين كفيه وهو يقول :-
" سأتحدث وتسمعيني اولا ولن تنهاري مهما حدث .."
ابتعدت عنه خطوتين وهي تردد :-
" هم يكذبون .. لماذا لا تحاسبهم ..؟! لماذا لا تصرخ بهم وتأخذني من يدي خارج هذا المكان ..؟!"
أغمض عمار عينيه بعجز بينما بالكاد سيطرت زهرة على دموعها من منظر الفتاة المؤلم ...
" اتركونا لوحدنا من فضلكم .."
قالها عمار بعدما فتح عينيه لتسارع زهرة بالخروج وهي تشعر بعدم قدرتها على التحمل يتبعها الجميع ...
........................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Lãng mạnهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...