كانت الصدمة تسيطر عليهما وقد لاحظت الطبيبة فتنهدت قائلة :-
" حسنا يبدو إن الأمر كان صادما للغاية بالنسبة لكما .."
أكملت مشيرة الى نانسي بجدية :-
" ما زال أمامك بضعة أيام يمكنك التفكير مجددا خلالها وحسم قرارك ولكن انتبهي بضعة أيام لا غير وإلا بعدها سيكون الإجهاض ممنوعا لتجاوز عمر الجنين المدة المسموحة لإجهاضه .."
نظرت هايدي الى ملامح أختها الشاحبة تماما وسألتها بحذر :-
" ماذا قلت يا نانسي ...؟!"
نظرت نانسي إليها بعينين تحملان نظرات مبهمة فارغة لا توحي بشيء قبل أن تنفض الغطاء الخفيف عنها وتهندم ملابسها ثم تغادر المكان بسرعة لتهتف هايدي معتذرة :-
" انا أعتذر حقا يا دكتورة .. هي ما زالت في طور الصدمة .. يجب أن أتبعها حالا .."
ثم حملت حقيبتها وخرجت مسرعة تتبع اختها حيث تركض وراءها وهي تنادي عليها بينما نانسي تسير الى الامام والدموع اللاذعة أخذت طريقها فوق وجنتيها ..
ركضت هايدي تحاول إيقافها حيث وصلت إليها ووقفت أمامها بعدما قبضت على ذراعيها توقفها وهي تزجرها :-
" توقفي يا نانسي .. ماذا تفعلين بالضبط ..؟!"
تأملت دموعها الصامتة فهتفت بقهر :-
" لا تبكي من فضلك .. اهدئي ارجوك ..."
همست نانسي بصوت مبحوح :-
" لا أبكي ..!! ألا ترين ما يحدث معي يا هايدي ..؟! كل شيء يسير ضدي ... "
" حسنا اهدئي ودعينا نفكر بعقلانية .."
قالتها هايدي محاولة التخفيف عنها لكن نانسي صاحت باكية :-
" أي عقلانية تلك التي تتحدثين عنها يا هايدي ..؟! كل يوم يزداد الوضع سوءا.. الحفرة التي وقعت بها تزداد عمقا كل يوم حتى إنها بلعتني تماما .. "
جلست على الكرسي جانبها ووضعت وجهها بين كفيها تبكي بحرقة ...
تأملتها هايدي بألم فتراكمت الدموع داخل عينيها هي الأخرى لتجلس كالقرفصاء أمامها وهي تهتف بصدق :-
" انا معك وبجانبك .. سأساندك دائما وأدعمك في أي قرار تتخذينه .. انت لست وحدك يا نانسي.. انا بجانبك حبيبتي ... "
أضافت والدموع أغشت عينيها :-
" ارجوكي لا تفعلي هذا .. لا تنهاري .. صدقيني سنحل كل شيء وبالشكل الذي يرضيك ..."
رفعت نانسي وجهها المحمر الملطخ بالدموع التي ما زالت تتساقط من مقلتيها وهي تردد بوجع :-
" تعبت يا هايدي .. تعبت كثيرا .. كرهت حياتي وكل شيء ... ليتني أموت بدلا من هذا العذاب .."
انتفضت نانسي من مكانها تردد بسرعة :-
" بعيد الشر .. لا تقولي هذا .. لا يوجد شيء يستحق أن تتمني الموت بسببه .. "
همست نانسي بصوت باكي :-
" ألا ترين ما يحدث ..؟! أنا لا أعرف حتى ماذا أفعل .. لا أستطيع إتخاذ قرار حتى ..."
انحنت هايدي نحوها مجددا تحيط وجهها الباكي بكفيها تهتف بها :-
" سنفكر سويا وسنتخذ القرار المناسب لك والذي يجعلك ترتاحين من داخلك .. وسأقولها مجددا ... أيا كان قرارك فأنا معك ... "
نهضت نانسي من مكانها تحتضن أختها فتعانقها هايدي بقوة شديدة والدموع أخذت طريقها على وجنتيها هي الأخرى ..
همست هايدي وهي تشدد من عناقها :-
" انا جانبك دائما .. لا تخافي ابدا ولا تقلقي ..."
شددت نانسي هي الأخرى من عناقها ولأول مرة تشعو بهذا الكم من المحبة الذي تحمله لها أختها الصغرى ..
بعد لحظات ابتعدت نانسي من بين أحضانها تهتف بصوت محتقن :-
" هايدي انا لا أعرف ماذا يجب أن أفعل بعد الآن لكن .."
توقفت عن حديثها لتهتف هايدي تشجعها :-
" ولكن ماذا ..؟! قولي ما تريدين ولا تترددي .."
همست نانسي بصوت ضعيف مبحوح بسبب البكاء :-
" أشعر داخلي إنني لا أريد الإجهاض ..!!"
...................................................................
كانت الصدمة تسيطر على ثلاثتهم ... راغب وراجي اللذين يقفان بجانب بعضيهما بملامح جامدة بعدما سمعا ما قالته تقى ومهند كذلك صدمته لا تقل عنهما مما فعلته وجرئتها اللامتناهية ...
اما تقى فكانت تقف أمام راغب تتطلع إليه بتحدي تنتظر منه حديثا بينما هو ما زال يلتزم الصمت التام وعيناه تتأملانها بصمت غريب لكنه مهيب ...
نظر راجي الى أخيه الصامت وهم بالتحدث لكن راغب سبقه قائلا بصوت شديد الهدوء :-
" انت حامل إذا ...؟!"
ردت تقى بقوة :-
" نعم .. حامل من أخيك ... "
أضافت وهي ترفع التحاليل مجددا :-
" وهذا التقارير .."
قاطعها ببرود :-
" هذه التقارير ليست مهمة .. "
" ماذا تقصد ..؟!"
سألته بحدة ليرد ببساطة :-
" أنت أذكى بكثير من أن تكذبي كذبة كهذه وتدعي الحمل ...!"
ابتسمت تقى بثقة تردد :-
" بالطبع .. انا حامل .. شيء كهذا لا يمكن الكذب فيه أساسا .."
" نعم ، اعلم ذلك .."
نهض مهند من مكانها متجاهلا ألم رأسه والدماء التي تهطل من منطقة خلف رأسه قائلا بغضب:-
" انت لا يحق لكِ أن تحملي مني دون علمي .. انت تعرفين إنني لا أريد طفلا ..."
ردت عليه ببرود :
" والله هذا ما حدث .. وها أنا أقولها أمام الجميع .. انا زوجتك وأحمل طفلك .. وفعلتها عمدا .. ولا أخاف من قول هذا .."
هم مهند بالتقدم نحوها بملامح متحفزة لكن راغب أوقفه بصوت حازم :
" توقف يا مهند .. ما تفعله ليس حلا .."
أضاف وهو يتأمل تقى بجمود :-
" الهانم حامل .. سيصبح لديك طفلا منها .. هذا أمر واقع لا مفر منه .."
" لا أريده .. انا لا أريد أطفالا من الأساس .."
قالها مهند بغضب جامح ليرد راجي بغضب مماثل :-
" الحمل حدث وانتهى .. كلامك هذا لم يعد مناسبا بعد الآن ..!"
سأل مهند بحدة :-
" ماذا يعني هذا ..؟!"
رد راغب بجدية :-
" يعني كما قال راجي .. ما حدث قد حدث .. تقى تحمل طفلك وانت ونحن مجبورون على الإعتراف بذلك الطفل ..!!"
نظر له مهند بعدم تصديق بينما ابتسمت تقى بإنتصار ليشير راغب إليها :-
" وعلى أساس هذا سنفعل ما هو صحيح يا تقى .."
نظرت له تقى بإهتمام تنتظر ما سيقرره ليهتف راغب بجدية :-
" كونك حامل بحفيد عائلة الهاشمي فعليك أن تتزوجي مهند بأسرع وقت بشكل رسمي .."
أكمل يردد بإستهزاء متعمد :-
" فورقة زواجكما العرفي غير معترف بها وبالتالي ابنكما يعتبر ابن غير شرعي ..."
ردت تقى بصلافة :-
" سيصبح شرعيا عندما نتزوج في المحكمة رسميا .. "
ابتسم راغب بهدوء قائلا :-
" بالطبع يا تقى .."
اكمل وهو يشير الى مهند هذه المرة :-
" أظن إن هذا الحل الوحيد والمنطقي .. أليس كذلك يا مهند ..؟!"
نظر مهند الى تقى بملامح جامدة بينما عقله يتوعد لها بالكثير ليهتف راغب :-
" الصمت أبلغ رد .. إذا سيتم عقد قرانكما قريبا ..."
أضاف وهو يشير الى تقى :-
" وانت سوف تنتقلين الى القصر فورا .. "
" حقا ..؟!"
هتفت بها بعدم تصديق ليرد راغب مبتسما ببرود:-
" راغب الهاشمي لا يمزح يا تقى .. عليك أن تدركي هذا منذ الآن طالما إنك ستعيشين هنا ... "
اومأت برأسها وعادت تبتسم بنفس الإنتصار بينما تبادل راغب النظرات مع مهند الذي بدا مصعوقا مما يحدث فهتف راغب بتهكم خفي مشيرا لأخيه الواقف جانبه :-
" اذهب وإفحص أخيك وداوي جرح رأسه الذي تسببت عشيقته به ..."
نظر الى تقى مصححا بضحكة رائقة :-
" عفوا .. سأقول خطيبة بدلا من عشيقة كونك ستصبحين زوجته خلال أيام .."
انهى كلماته وإختفت إبتسامته تحل محلها البرود وهو ينسحب خارج المكان تاركا راجي يتابع آثره بصمت قبل ان يتجه نحو أخيه وهو يمنحه نظرات مؤنبة ...
..........................................................
ابتعدت من بين أحضانه وهي تبتسم بسعادة ليهتف بصدق :-
" إبتسامتك هذه تحديدا إشتقت لها .."
" ماذا تقصد بإبتسامتك هذه ..؟!"
سألته وهي تبتسم مجددا ليرد بجدية :-
" تلك الإبتسامة الحقيقية النابعة من أعماق روحك .. عندما تبتسمين بسعادة فتظهر غمازتيك وتلمع عينيك بقوة ويشع وجهك نورا فتجبرين الشخص المقابل على الإبتسام بدوره .."
" هذا كله يحدث عندما أبتسم .."
رددتها وهي تضحك بعدم تصديق ليهتف بجدية :-
" عندما تبتسمين بصدق وسعادة حقيقية .."
أضاف وهو ينهض من مكانه ويمد يده لها قائلا :-
" تعالي ..."
وضعت كفها في كفه وهي تنهض معه ليسير معها حيث غرفتها فيدلف الى الغرفة ويجذبها لتقف أمام المرآة مرددا :-
" انظري الى المرأة ..."
أضاف بعدما وجدها تنظر الى المرأة وهو يقف بجانبها يعانقها من الخلف :-
" والآن إبتسمي .. لا تبتسمي لإنني أريد ذلك بل لكونك سعيدة بوجودك معي .."
التفتت نحوه تنظر إليه بعينين لامعتين ليهتف بجدية :-
" ابتسمي ..."
ردت ضاحكة بخفة :-
" حسنا توقف .. لقد فهمت عليك .. "
جذبها نحوه أكثر فبات جسدها يقابل جسده ليميل نحوها ويطبع قبلة دافئة على وجنتها ثم يبتعد عنها لتهتف بجدية :-
" هل تعلم ..؟! أشعر إن حياتي معك تشبه البحر .. كأمواجه تماما .. موجة هادئة تتبعها أخرى ثائرة وهكذا ..."
" هل تعلمين إذا إنني إشتقت لجلوسنا سويا أمام البحر ...؟!"
قالهت بصدق لتهتف بسرعة :-
" هنا ايضا يوجد بحر .. ما رأيك أن نخرج الى البحر ... ؟! نسير جانبه ونتحدث كتلك الأيام ... "
وضع يده فوق جبينها لتهتف بعدم استيعاب :-
" ماذا تفعل ..؟!"
رد بجدية :-
" اتأكد من درجة حرارتك .. لست معتاد على هذه التصرفات منك ..."
هتفت بضيق مصطنع :-
" لا تكن غليظا ..."
أضافت بإبتسامة هادئة :-
" أخبرتك إنني تغيرت ... لماذا لا تصدق هذا ..؟!"
ابتسم بدوره مرددا :-
" لا تلومنني .. ما فعلته حتى الآن ليس بقليل .. "
اضاف وهو يرى الحزن يظهر في عينيها :-
" لا تنزعجي من كلامي .. انا فقط كنت اريد حدوث هذا من اول يوم .. لكن لا بأس .."
ابتسمت مرددة بخفة :-
" ألا يقولون أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي ..."
أخذ نفس طويلا ثم قال بصدق :-
" المهم إنك أتيتِ وستبقين معي .."
سألته بسعادة :-
" ألهذه الدرجة تريدني معك ..؟!"
رد بصدق ظهر في عينيه ونبرة صوته :-
" نعم يا حياة .. هل تعلمين لماذا ..؟؟ لإن بدونك لا تكتمل الحياة يا حياة .. "
وهنا ابتسمت مجددا ليقول بسرعة وهو يدير وجهها نحو المرآة :-
" انظري بسرعة ..."
تأملت ملامحها فسألت بتعجب :-
" نظرت ولم أجد شيئا غريبا .."
هتف بجدية :-
" بل هناك .. ألا ترين لمعة عينيك ... ؟! غمازتيك ..؟! ألا تلاحظين إنفراج ملامح بشكل يجعل السعادة تنتشر في المكان .."
التفتت نحوه تردد ضاحكة :-
" نديم .. انت تحلل ضحكتي ..."
" لإنها أول شيء جذبني نحوك ..."
سألت بدهشة :-
" كيف يعني ...؟!"
رد مبتسما :-
" في بداية لقائاتنا .. في احدى المرات ابتسمتِ بنفس الطريقة .. إبتسامتك منحتني شعورا بالدفئ إفتقدته لسنوات .. كان شعورا غريبا علي للغاية كوني لم أشعر به لمدة طويلة .. تلك الإبتسامة كانت بداية تأثيرك علي .. وما زالت كذلك ..."
ابتسمت بحب قبل أن تسارع وتعانقه وهي تتنهد بصمت فيشدد هو من عناقها بدوره مغمضا عينيه بسلام لا يحصل عليه سوى بجوارها ..!!
.........................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...