الفصل الثامن والثلاثون ( الجزء الثاني )
فتحت عينيها على صوت رنين هاتفها فإعتدلت على الفور تتأمل الهاتف الذي أعاده لها من كان يحمل لقب زوجها بعدما طلقها ..
منذ ذلك اليوم وتشعر بشعور غريب من الإستقرار ..
لا تعلم إذا ما كان سبب ذلك الشعور هو احتواء عمها الذي كانت تحتاجه منذ وقت طويل أم طلاقها من ذلك الرجل الذي لا تحب أن تذكر إسمه حتى ..
عمها عابد قدم لها ما عجز الجميع عن تقديمه .. حتى والدها لم يهتم بها هكذا...
تأملت اسم أخيها الذي يضيء شاشة الهاتف فشعرت بتردد شديد .. هل تجيبه أم تتجاهله كما فعلت خلال اليومين السابقين ..؟!
همت بالضغط على زر الرفض لكنها تراجعت وهي تأخذ نفسا عميقا ثم تجيب على إتصاله ليأتيها صوته المتلهف :-
" جيلان صغيرتي .. كيف حالك ..؟!"
أخذت نفسا عميقا ثم أجابت :-
" انا بخير .. "
سألها معاتبا:-
" لماذا تتجاهلين إتصالاتي يا جيلان .. لا تدركين حجم قلقي عليكِ ..."
ردت بجدية وقد حاولت أن تتناسى ما فعلت فمهما حدث يظل هو أخيها الذي تحبه كثيرا :-
" انا بخير يا عمار .. فقط لم أكن أرغب بالتحدث مع أي شخص .."
أكملت بعدما أطلقت تنهيدة مسموعة :-
" كنت بحاجة للإنفراد بنفسي بعيدا عن الجميع ..."
" وكيف أصبحتِ الآن ..؟! هل تشعرين بشكل أفضل ..؟!"
سألها بإهتمام شديد لترد محاولة طمأنته :-
" انا بخير .. لا تقلق .. لقد تجاوزت الكثير أساسا ..."
كانت المرة الأولى التي يسمعها تتحدث بهذه النبرة المختلفة ..
نبرة هادئة تحمل ثقة لا بأس بها ..
ثقة جديدة عليها وهدوء مختلف ..
هدوء يحمل بين طياته رغبة بالنهوض ...
وكأن هناك قوة وليدة من داخلها ظهرت خلال نبرة صوتها ...
وعلى عكس ما توقع فقد شعر براحة بعدما سمع نبرتها تلك وكلماتها وكأنها تخبره ألا يقلق .. لقد عادت جيلان القديمة أو ستعود قريبا .. ليس مهما .. المهم أن تعود أخته الى سابق عهدها .. أن ترمم ما تحطم بها والذي كان هو سببا أساسيا له ..!!
" كل ما يهمني أن تكوني بخير ..."
قالها بصدق ليعم الصمت للحظات وملامحها تدل على عدم إقتناعها بما يقوله ..
همس بإسمها مستغربا صمتها المفاجئ لتسأله بتردد :-
" ألم تنزعج مني بعدما أوكلت وصايتي لعمي عابد ..؟!"
رد بسرعة وكأنه كان ينتظر سؤالها :-
" أبدا .. أنا أتفهمك يا جيلان .. للأسف انا لم أكن على قدر المسؤولية ولهذا تصرفك كان في محله ولكن ارجوكِ سامحيني على جميع أخطائي في حقك ... رغم كل شيء أنا غايتي الأولى والأخيرة كانت حمايتك والحفاظ عليك وعلى ثروتك ..."
إبتلعت ريقها تهتف بصوت مبحوح :-
" أشكرك لتفهمك هذا .."
نطق بصعوبة :-
" جيلان ، انا دائما موجود ومهما حدث سأبقى أخوك الوحيد .. لا تنسي هذا من فضلك .."
همست بنبرة يسيطر عليها الحزن :-
" المهم ألا تنسى أنت ذلك ..."
رد على الفور :-
" لم أنسَ ذلك يوما ولن أنسى .."
ابتسمت بصمت ثم ودعته وأغلقت الهاتف تتأمله بسكون قبل أن تسمع صوت طرقات على باب جناحها فتتجه لفتح الباب لتجد الخادمة تبتسم لها وهي تخبرها :-
" عابد بك ينتظرك في الأسفل مع بقية العائلة لتناول الفطور ..."
ابتسمت جيلان وهي تهتف بهدوء :-
" حسنا .. "
أغلقت الباب بعدها وتوجهت نحو خزانة ملابسها تبحث عن شيئا مناسبا ترتديه ...
وأخيرا إختارت فستانا زهريا بسيطا رقيقا للغاية فقررت إرتدائه ليمنحها مظهرا شديد البراءة والطفولية ..!
رفعت شعرها على شيكل ذيل حصان طويل ثم وضعت القليل من عطرها برائحة الفراولة وغادرت جناحها ..
سارت بهدوء متجهة الى الطابق السفلي حيث غرفة الطعام لتدلف الى الداخل وهي تلقي التحية ليرد الجميع تحيتها وقد إرتسمت الإبتسامة لا إراديا على وجوههم عندما رأوها بهذه الحالة المختلفة عن العادة بشكل ملحوظ ...
اتجهت وأخذت مكانها الى جانب فيصل الذي همس لها :-
" تبدين اليوم جميلة للغاية يا جيلان .."
توردت وجنتاها وهي تشكره بخفوت عندما سألها راغب بإهتمام والذي لم يرها منذ ذلك اليوم في المكتب :-
" كيف حالك جيلان ..؟! أتمنى أن تكوني أفضل الآن ..؟!"
ردت وهي تبتسم بلطف :-
" بخير .. أشكرك .."
هتف عابد بجدية :-
" الدراسة ستبدأ بعد إسبوعين .. "
أكمل وهو ينظر إليها :-
" هذه سنتك الأخيرة ويجب أن تبدئي دروسك الخصوصية بأسرع وقت ..."
أكمل يسألها :-
" إذا لا يمكنك اللحاق الآن فيمكننا تأجيل إمتحاناتك للصيف ..؟!"
قاطعته بسرعة :-
" كلا يا عمي ، يمكنني اللحاق .. لا داعي للتأجيل .."
قال عابد :-
" جيد .. إختاري الإستاذة الذين تريدنهم كي يتم الإتفاق معهم .."
قالت زهرة بجدية :-
" إترك هذا الأمر لي يا عابد .. سنبحث انا وجيلان عن أفضل الأساتذة ونتفق معهم .."
منحت جيلان إبتسامة صادقة لتبادلها جيلان إبتسامتها بينما قالت توليب فجأة :-
" طالما إن دراسة جيلان ستبدأ بعد إسبوعين ، لم لا نخرج الأيام القادمة لغرض الترفيه قليلا قبل الدراسة ..."
هتف عابد مشجعا :-
" فكرة رائعة ..! ما رأيك يا جيلان ..؟!"
ردت جيلان وهي تبتسم بهدوء :-
" إنها فكرة رائعة حقا .."
قالت توليب بحماس :-
" لننهي فطورنا ونستعد للخروج اليوم .. "
أشارت الى همسة :-
" تعالي انت والأولاد أيضا ... "
ردت همسة مبتسمة :-
" حسنا ، فكرة جيدة ..."
سأل عابد زوجته :-
" ما رأيك أن تذهبي معهم يا زهرة ..؟!"
ابتسمت زهرة وهي تجيب :-
" حسنا سأذهب .."
قال فيصل مصطنعا الضيق :-
" ليتني أستطيع المجيء لكنني للأسف مرتبط بعدة مواعيد .."
ضحكت توليب مرددة بخفة :-
" مواعيد مهمة بالطبع .."
رمقها فيصل بإبتسامة باردة بينما قال عابد وهو ينهض من مكانه :-
" إذا النساء سيغادرن وفيصل لديه مواعيد مهمة وراجي في المشفى ..!!"
أشار الى راغب :-
" لم يتبقَ سوانا .. سنتناول طعامنا في احد المطاعم .. أخبروا الخدم أن يجهزوا الطعام فقط لمهند وتلك الفتاة .."
هم بالتوجه خارج المكان عندما سمع جيلان تهتف به :-
" هل يمكنني التحدث معك قليلا يا عمي ..؟!"
أجاب على الفور :-
" بالطبع ابنتي .."
نهضت من مكانها واتجهت نحوه تسير جانبه عندما قالت :-
" هل يمكنني تبديل جناحي ..؟!"
سألها :-
" يمكنك بالطبع ولكن لماذا ..؟!"
قالت بجدية :-
" يعني ذلك سيكون أفضل لي .."
سألها بقوة :-
" هل طلب أحدهم منك هذا ..؟!"
ردت بسرعة :-
" أبدا .. انا أردت ذلك .. يعني هذا جناح مهند و ..."
" جيلان .. مهند سيأخذ جناحا آخر .."
قالت جيلان بتردد :-
" ولكن يا عمي انا لست مرتاحة في هذا الجناح .. يعني لدي ذكريات ليست لطيفة به ..."
ابتسم بتفهم وقال :-
" حسنا يا عزيزتي .. طالما تريدين ذلك سيحدث ... سأخبر زهرة أن تجهز لك جناحا جديدا يليق بك .. سيكون الجناح جاهزا الليلة بإذن الله .."
إبتسمت تشكره ممتنة :-
" أشكرك حقا ..."
ربت على كتفها بأبوة مرددا :-
" على الرحب والسعة يا صغيرتي .."
غادر بعدها لتتسع إبتسامتها وقد شعرت بإن عمها عوضها عن حنان أبيها ورعايته التي إفتقدتها منذ وقت طويل بل تشعر إنه يحنو عليها أكثر من والدها الراحل حتى ..
أفاقت على صوت غليظ أجفلها:-
" إنها المرة الأولى التي أراك فيها تبتسمين هكذا .. يبدو إنه تأثير الطلاق عليكِ ..."
إستدارت نحوه بملامح مشدودة ليقترب منها أكثر مرددا :-
" ماذا حدث ...؟! هل رأيت عفريتا ..؟!"
حاولت التحدث بلا مبالاة فقالت :-
" ماذا تريد ..؟!"
ابتسم بخفة مرددا :-
" أريد سلامتك .."
قالت وهي تهم بالتحرك :-
" فقط إبتعد عني وسأكون سالمة .."
قبض على ذراعها يوقفها قائلا بتحذير :-
" انا بالفعل إبتعدت عنك ولكن بمزاجي .."
أضاف وعيناه تتمعنان النظر إلى عينيها الخضراوين :-
" ويمكنني إعادتك الى عصمتي حالا فأنت ما زلتِ في أشهر العدة ..."
أنهى كلماته وتركها على الفور مغادرا المكان لتتشنج ملامحها مجددا وشعور الخوف تملك منها لا إراديا ..
مسحت على وجهها محاولة السيطرة على مشاعرها المنتفضة عندما سارت عائدة الى جناحها لتراها في وجهها تخرج من جناحها ..
تجاهلتها متجهة نحو جناحها عندما سمعت صوتها ينادي عليها ...
إستدارت نحوها تنظر لها بصمت لتسير تقى نحوها وهي تبتسم ملأ فمها ...
سألتها ببرود وهي تقف أمامها :-
" كيف حالك ..؟! "
ردت جيلان بخفوت :-
" بخير ..."
عادت تسألها مصطنعة الأسف :-
" علمت بما حدث .. الحمد لله على سلامتك ... كيف يمكنك فعل هذا يا جيلان ... ؟! الروح عزيزة يا صغيرة ..."
تجمدت ملامح جيلان عندما أكملت تقى تهمس لها بأذنها :-
" لكن مع هذا أشكرك على فعلتك هذه فلولاها ما كان مهند يستطيع التخلص منك ..."
ابتعدت عنها تبتسم لها بشماتة لتتجه جيلان نحو جناحها تدلف داخله وتغلق بابه خلفها بقوة لتضحك بصوت عالي وعيناها تشع إنتصارا ..!!
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romansaهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...