الفصل الثالث والأربعون ( الجزء الثاني )

3.6K 189 65
                                    

كان منحني أمامها ممسكا بكفها يتأمل ملامحها الشاحبة ومحاولتها إخفاء تعبها وإرهاقها بإبتسامتها الخافتة عندما همس بجدية وعينيه القلقتين تحاوطنها بعناية :-
" لماذا لا نذهب الى الطبيب ..؟! "
قاطعته وهي تمنحه إبتسامة أكثر إتساعا أبرزت غمازتيها :-
" انا بخير حقا ..  مجرد ارهاق ..."
تأملها بخوف لا إرادي وهو يتذكر كيف سقطت بين ذراعيه فسارع يحملها وهو يبحث عن مكان يضعها مبدئيا فيه عندما تجمهر الناس حوله وجاء أحد رجال أمن المطار ليطلب منه أن يأخذها نحو احدى الغرف المناسبة حيث يوجد الطبيب عندما فتحت هي عينيها تهمس له إنها بخير وأن يضعها على أحد المقاعد فنفذ لها ما أراد وهو يخبرها أن ترتاح قليلا قبل أن يأخذها الى الطبيب ليجلب لها أحد الموجودين الماء والعصير فترتشف القليل من الماء بينما إنحنى هو أمامها يحاول الإطمئنان عليها ويطلب منها الذهاب الى الطبيب لكنها ترفضت بتعنت ...
تنهد بخفوت عندما لمست ذقنه وهي تضيف بتأكد :-
" إنه مجرد إرهاق ليس إلا .. صدقني يا نديم .. انا لم أنم طوال اليوم ولم أتناول شيئا .."
نهرها مؤنبا :-
" لماذا ..؟! كيف يعني لم تتناولِ شيئا .. ؟! أنتِ مهملة تماما في صحتك يا حياة ..."
إبتسمت مجددا ليهمس بغيظ :-
" وتبتسمين أيضا ..!!"
ضحكت بخفة وهي تضغط على كفه القابض على يدها تخبره :-
" تعال إجلس جانبي ..."
تنهد بصوت مسموع هذه المرة وهو ينهض من مكانه ويجلس جانبها فتخبره مؤنبة :-
" كنت تريد تركني ... السفر بدوني ..."
تمتم بخفوت :-
" حياة .."
أضافت بنفس النبرة :-
" بل وسوف تطلقني رسميا في المحكمة .."
رمقها بنظرات جانبة وهو يسألها بهدوء :-
" هل أنت حقا حامل ...؟!"
ردت بسرعة :-
" كلا ، لست حاملا ..."
زفر أنفاسه بإرتياح لتنظر له بألم تلألأ داخل مقلتيها عندما همس لها :-
" لا تنظري إلي هكذا .."
أضاف بخفوت :-
" زفرة الراحة هذه لأجلك ..."
إسترسل بمرارة خفية :-
" أنت لا تحتاجين لطفل يربطك بشخص مثلي ..."
حدقت به تردد بذهول :-
" طفل يربطني بشخص مثلك ..؟!"
أردقت ساخرة بتعمد :-
" وهل الطفل فقط ما سيربطني بك ...؟! "
أضافت وهي تنظر لعينيه بقوة :-
" ألم تعِ بعد أن ما يربطني بك أكبر من كل الأشياء الممكنة بكثير ...؟!"
رد مرغما :-
" وما يربطني بك كذلك ... "
سألته بلهفة :-
" ومالذي يربطك بي ..؟!"
رفع حاجبه مرددا متعمدا إغاظتها :-
" يجب أن تعرفي بنفسك ... ظننكِ أذكى من ذلك ..."
همست بجدية وحزم :-
" أخبرني يا نديم .."
إبتسم مرغما على ملامحها التي تحولت من الحنو والفرح للحزم بلحظات فقال :-
" ما يربطني بكِ شيء لا يمكنني وصفه ... أنا كلي مرتبط بك ... كيف أخبركِ إنني بوجودك أكتمل وبغيابك أشعر بإن هناك شيء ما مفقود عندي .. شيء ناقص لا يكتمل إلا بوجودك .. "
أشاحت بوجهها تمنع نفسها من الضحك بسعادة ليسألها بجدية :-
" لماذا تشيحين وجهك عني ..؟! مالذي تخفينه ..؟؟"
إلتفتت نحوها تعض على شفتيها عدة مرات فينظر لها متسائلا لتهمس أخيرا :-
" كنت أشعر بأهميتي عندك لكنني لم أتوقع يوما أن أصل لهذه الدرجة من الأهمية لديك ..."
ضحك بعدم تصديق :-
" أنت وصلتِ وتربعت منذ زمن ..."
تنهدت وهي تهمس :-
" أنا آسفة ..."
سألها مندهشا :-
" علام تعتذرين ..؟!"
ردت وهي تلوم نفسها :-
" على تفكيري المحصور سابقا .. على تجاهلي كل ما يربطنا والتركيز على نقطة واحدة فقط .. الحب ..."
همس بقوة :-
" عليك أن تفهمني إن ما يربطني بك أعمق من الحب حياة .. "
زفر أنفاسه وهو ينظر أمامه بشرود :-
" الحب ليس كل شيء ... "
أكمل وهو ينظر نحوها هذه المرة :-
" ما بيننا أهم من الحب .. ما بيننا إرتباط روحي ... انا لا أكتمل إلا بك .. وهذا وحده يجعل فقدانك قاسيا مميتا ..."
" لن تفقدني .."
قالتها بجدية ليهتف بتشدد :-
" يجب أن أفعل .."
أضاف بتروي :-
" حياة نحن يجب أن ننفصل .."
قالت برفض قاطع :-
" لن يحدث ...."
أكملت وهي تنظر إليه بصلابة :-
" لن ننفصل مهما حدث ..."
نهرها بقوة :-
" حياة ...!!"
عندما أشاحت وجهها بعيدا عنه مجددا ...
عقدت ذراعيها أمام صدرها تنظر الى الجانب الآخر بوجوم وفعل هو المثل ..
لحظات قليلة وظهرت الإبتسامة على شفتيهاا عندما تذكرت إنها نجحت في منعه من السفر ...
إنتبه هو عليها وهي تبتسم ...
" لماذا تبتسمين الآن ..؟!"
سألها بوجوم لترد بضحكة خافتة :-
" لإنك لم تسافر .."
رفع حاجبه مرددا بخفة :-
" سأحجز تذكرة حالا لأول رحلة ممكنة الى البلاد ..."
هتفت بجدية :-
" تذكرتان .. إحجز تذكرتين .."
نهرها بنفس الجدية :-
" حياة ..."
" نديم ..!!"
قالتها بنبرتها القوية وعيناها تتحدانه أن يرفض ...
زفر أنفاسه بتعب وحيرته تتضاعف ..
عقله يخبرها أن يبعدها تماما عن طريقه وقلبه يريد العكس ..
يريدها جواره ...
هي لا تفهم .. لا تستوعب إنه يخشى عليها .. إنه لا يريد تعريضها لأي أذى مهما كان ...
لو فقط تفهم .. لو تستوعب وترحل ..!!
قال بتوسل :-
" لا تتعبيني يا حياة .. إفهميني لمرة واحدة ..."
قالت بجدية :-
" لإنني أفهمك جيدا هذه المرة سأقول لك كلا يا نديم ... لن أتركك وحدك وأنت لن تستطيع منعي فلا تتعبني وتتعب نفسك من فضلك ..."
ظهر الرفض بعينيه فأحاطت وجهه بكفيها تخبره بصدق :-
" نحن سنكون سويا بخير .. صدقني يا نديم ..."
تأملها للحظات وعقله يرفض القبول بينمل قلبه يحاول العكس ..
لحظات قليلة مرت وهناك حرب شرسة إشتلعت بين عينيهما ..
عيناها اللتان تتحدانه أن يرفض .. تخبرانه بإصرارها وتشبثها به دون رجعة ....
عينيه اللتين ترفضان قربها خوفا عليها .. تخبرانها أن تتراجع .. أن ترحل ..
وفي نهاية المطاف كان الإنتصار حليفها هي وحدث ما أرادت ..!
...........................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن