الفصل الخامس والعشرون
في مركز الشرطة ...
وقفت ليلى امام الشرطي الذي أخذ ينقل بصره بين ليلى التي تقف جانبا عاقدة ذراعيها أمام صدرها إلا إنه بالرغم من ملامحها الهادئة كانت نظرة عينيها توحي بكم الغضب والتأهب الذي تحمله داخلها وبين السيدتين الآخرتين واللتين جاءتا الى المركز بتهمة سرقة السوار الخاص بتلك السيدة ...
لقد تم إبلاغ الشرطة من قبل السيدة نفسها بفقدان السوار الخاص بها مثلما أبلغتهم عن السيدتين اللتين كانتا عندهما متهمة إياهما بإنهما من سرقتا السوار خاصتها وعندما سارع الشرطة للقبض على السيدتين حيث تم الوصول الى منزل إحداهما قبل وصول السيدتين بسيارتهما بعدما أعطتهم صاحبة البلاغ العنوان حيث وجدتا الشرطة تنتظرهما بعدما تم الإبلاغ عنهما بتهمة السرقة لتسارع الشرطة للقبض عليهما وتفتيشهما فيجدون السوار بالفعل في حقيبة إحداهما والتي تقف مرتجفة تتساقط دموعها بغزارة بينما السيدة جانبها والتي أكبر منها سنا بكثير تقف وهي ترمق تلك الشقراء بنظرات تكاد تقتلها في مكانها ..
حمحم الضابط قبل أن يشير الى ليلى بصوتها الخشن :-
" تفضلي واجلسي يا هانم .."
تقدمت ليلى بخطواتها المترفعة وجلست واضعة قدما فوق الأخرى أمامه ليتحدث الضابط وهو يعطيها السوار :-
" لقد وجدنا سوارك في حقيبة المدام .. "
صمت قليلا ثم اضاف وهو يشير الى السيدتين أمامه :-
" والآن هل تودين البدأ في التحقيق أم إنك ستتنازلين ..؟!"
إستدارت ليلى نحويهما ترمقهما بنظرات غامضة قبل أن تعاود الإلتفات نحوه وتجيب :-
" بالطبع .. اريد تقديم بلاغ ضد تلك السارقة التي دخلت بيتي وسرقت السوار خاصتي .."
صرخت عمتها بقوة :-
" هل جننتِ يا ليلى ..؟! سهام ليست سارقة وانت تعلمين هذا جيدا .. "
أضافت بنبرة منفعلة وغير مصدقة :-
" هل تودين حبسنا حقا. .. تسجنين عمتك وزوجة ابيك ..؟!"
تطلع الضابط نحو السيدتين بدهشة غير مستوعبا بعد إن هاتين السيدتين تكون إحداهما عمتها والأخرى زوجة والدها ..
تنحنح الضابط قائلا بصوت قوي لكنه حازم :-
" من فضلك يا سيدة .. هذا ليس مكانا مناسبا للأحاديث الجانبية .. لقد تم إبلاغنا بأمر السرقة ونحن بالفعل وجدنا السوار لدى المدام جانبك لذا فالقرار للهانم .. إما أن تجعله بلاغا رسميا ونفتح تحقيق معكما او ..."
قاطعته سهام بصوتها الباكي :-
" اريد زوجي .. اريد الإتصال به .."
صدح صوت ليلى القوي رغم تهكمه :-
" لا داعي لذلك .. لقد إتصلت به وإبلغته بفضائح زوجته المصون وهو في طريقه إلينا .."
صاحت سهام منفعلة :-
" انا لم أفعل شيئا .. انت من وضعتي السوار في حقيبتي .."
ضرب الضابط على مكتبه بقوة مرددا بحزم :-
" من فضلكم يا سيدات .. هذا ليس المكان المناسب لنزاعاتكم العائلية ... "
التفت نحو ليلى يسألها مجددا :-
" اذا يا هانم ، هل نفتح التحقيق ..؟!"
" بالطبع .. إبدأ التحقيق فورا .."
قالتها وهي ترمق عمتها وسهام بنظرات باردة لكنها مليئة بالكراهية والحقد ..
فتح الباب في تلك اللحظة ودلف والدها الى الداخل بملامح قلقة يتسائل بهلع :-
" ماذا يحدث بالضبط ...؟! "
التفت نحو زوجته التي ألقت نفسها بين احضانه تبكي وتردد :-
" ابنتك تتهمني إنني سرقت سوارها .. والله لم أفعل ذلك .. هي من وضعت السوار في الحقيبة .."
بينما قالت سوسن وهي تتطلع نحو ليلى بحقد :-
" ابنتك تريد حبسنا يا احمد .. لقد جنت الهانم ولم تكتفِ بتلفيق تهمة كهذه لسهام بل تريد حبسنا ايضا .. دعها تتراجع عن البلاغ وإلا سأتصل بأولادي ويتصرفوا هم معها .."
انتفضت ليلى من مكانها تتقدم نحو عمتها بخطوات مدروسة قبل ان تهمس بصوت رغم خفوته لكنه مليء بالحقد والقوة ايضا :-
" اتصلي بهم .. اطلبي منهم أن يأتو ويروا فضيحة والدتهم المصون وهي في قسم الشرطة .."
التفتت بعدها نحو والدها تقول بجدية :-
" انا لم ألفق أي شيء لهما ..؟! لم سأفعل ذلك اصلا ..؟! هما من جائتنا بنفسهما الى منزلنا وزوجتك تلك سرقت سواري ... "
صاح الضابط الذي وقف مكانه وقد نفذ صبره مما يحدث :-
" حسنا يكفي الى هنا .. أخبرتكم إن هذا ليس مكانا للخلافات العائلية .. انتم في مركز الشرطة .."
صاحت سوسن بحنق :-
" انتبه الى طريقتك معنا أيها الضابط .. انت لا تعرف بعد مع من تتحدث .."
رد الضابط بقوة وعدم إهتمام :-
" ولا أريد أن أعرف .. لا تنسي إنك هنا متهمة مثلك مثل زوجة أخيك فتحدثي بإسلوب أفضل وحاولي أن تستوعبي إن إسلوبي الهادئ الراقي معك هو فقط لأجل سنك الكبير لذا لا تتجاوزي حدودك وإعلمي إنك تتحدثين مع مقدم في الشرطة وليس عاملا عندك ..!!"
تطلعت اليه سوسن بحقد بينما رفعت ليلى حاجبها وهي تبتسم لها بإنتصار قبل ان تسمع والدها يطلب منها بترجي :-
" ليلى ابنتي ، هل يمكننا التحدث قليلا في الخارج ..؟!"
أغمض الضابط عينيه بنفاذ صبر من هذا اليوم الذي يبدو إنه لن ينتهي بوجود هذه العائلة الغريبة بينما نظرت ليلى الى والدها بصمت للحظات قبل أن تومأ برأسها فيشير احمد برأسه الى الضابط يطلب منه السماح له بالتحدث خارجا مع ابنته على انفراد عل وعسى يتم حل الموضوع بشكل ودي ..
خرجت ليلى مع والدها بملامح حانقة .. وقفت أمامه تعقد ذراعيها امام صدرها تسأله بنفاذ صبر :-
" أسمعك .. تحدث .."
قال احمد بسرعة :-
" لماذا فعلت هذا يا ليلى ..؟! ألم تفكري قبل تصرفك هذا إن من تتهميهما بالسرقة هي زوجة والدك وام أخيك ..؟!"
ضحكت ليلى بإصنطاع قبل ان تختفي الضحكة من كافة معالم وجهها ويحل محلها القسوة والإباء وهي ترد عليه :-
" انا لم أتهمها ظلما .. زوجتك سارقة .. هذه هي الحقيقة ولا تنسى انها من جاءت بنفسها الى منزلنا ... انا دخلت الى المنزل وفوجئت بوجودها هي وعمتي .. كانت تجلس وتتحدث مع والدتي بكل صلافة .. "
" لكنها لم تسرق .."
قالها بتأني لتصيح رغما عنه :-
" بل سرقت سواري والشرطة وجدوه في حقيبتها .. السوار في حقيبتها وهي أتت بقدميها الى منزلنا ... جميع الأدلة تؤكد إنها السارقة واذا كان لديك رأي آخر فدع التحقيق يثبت الحقيقة .."
" هل تعنين إنك لن تتنازلي عن البلاغ ضدها وضد عمتك ..؟!"
سألها بغضب مكتوم لتجيب بسرعة ولا مبالاة :-
"لن أتنازل مهما حدث .. "
" ليلى .. ما تفعلينه ليس لائقا ابدا .. لقد عاد سوارك لك .. ماذا تريدين اكثر ..؟!"
أجابت بصوت حاد قوي :-
" أريد لتلك السارقة أن تأخذ عقابها كاملا .."
هدر بها والدها :-
" تلك زوجتي وما ستفعلينه فضيحة لي .."
" زوجتك سرا .. لا احد يعلم انها زوجتك سواك انت وأخواتك .."
خرجت نبرتها هازئة قليلا فهتف بإنفعال مكتوم :-
" تظل زوجتي وام ولدي ولا تنسي إنك إتهمتي عمتك ايضا .."
قاطعته بعدم إهتمام :-
" اتصل بمحاميك ليأتي ويتولى القضية .. ربما يستطيع اثبات البراءة .."
كانت تتحدث بإصرار واضح كرغبتها الواضحة بعدم التنازل فقال احمد بتوسل :-
" ابنتي من فضلك .. لأجلي انا .."
" تريدني أن أتنازل .."
قالتها بهدوء غريب ليومأ برأسه فهتفت بجدية :-
" نفذ لي ما طلبته منك .."
ابتلعت ريقها يسألها :-
" ماذا تقصدين ..؟!"
ردت بهدوء وجدية :-
" تنازل لي ولمريم عن ثلثي الشركة .. سجل الفيلا والمنزل الريفي باسم والدتي وكذلك عمارة بإسمي وعمارة لمريم ومعها تنازل عن ادارة الشركة لي .."
" هل تساوميني يا ليلى ..؟!"
سألها بعينين جاحظتين لتهتف ببرود :-
" هذا ما لدي .. تنفذ لي ما أريده وانا بدوري سأتنازل عن البلاغ .."
تجمد مكانه لثواني يحاول استيعاب ما تقوله فهمست تخبره بقهر مصطنع :-
" لم أتصور إن الأمر سيحتاج الى كل هذا التفكير منك .. هل تستخسر بزوجتك وابنتيك أن تمنحهما حقوقهما في أملاكك ..؟!"
قال بصوت منخفض :-
" ولكن سهام وولديها .."
قاطعته منفعلة :-
" الآن أصبح هناك سهام وولديها ..؟! ما زال ولد واحد .... ربما الطفل الثاني سيكون فتاة .. "
أضافت وعيناها تلمعان بقهر صادق هذه المرة :-
" وماذا عن فاتن ..؟! زوجتك وحب حياتك كما تدعي ..؟! وماذا عني انا ومريم .. ؟! ألا نستحق أن تضمن لنا حقوقنا ..؟! ألا تستحق والدتي بل نستحق انا واختي تعويض بسيط عما فعلته بنا ..؟!"
زفر والدها أنفاسه بتعب بينما هتفت ليلى منهية الحوار بصرامة :-
" لقد أخبرتك ما لدي .. تمنحني ما أريد وفي المقابل سأتنازل عن البلاغ ..."
وعندما وجدته صامتا همت بالتحرك عندما قبض على ذراعها هاتفا أخيرا :
" حسنا سأنفذ لك ما تريدين فقط تنازلي عن البلاغ .."
ردت بحيادية وهي تبعد ذراعها عن قبضته :-
" سأتنازل كليا عن البلاغ بعدما تسجل كل ما طلبته رسميا بإسمي انا ومريم ووالدتي .. رسميا يا بابا .."
" ولكن هذا سيأخذ وقتا طويلا .. هل ستبقى سهام في الحبس طوال هذا الوقت ..؟!"
ردت ليلى ببساطة :-
" دع محاميك يخرجها بكفالة مبدئيا حتى يأتي موعد الحكم في القضية وقبلها ستكون سجلت كل شيء بإسمي انا ومريم ووالدتي وما إن تنتقل ملكية كل شيء إلينا مع ادارة الشركة سأتنازل عن الدعوة ..."
حل الصمت المطبق بينهما لتتبادل ليلى نظراتها الثابتة المصرة بنظرات والدتها الغير راضية لكنها تدرك جيدا إن لا مجال لديه للرفض بعدما حدث وثبوت تهمة السرقة على زوجته ..
............................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Roman d'amourهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...