الفصل السادس والعشرون ( الجزء الثاني )

3.7K 184 11
                                    

الفصل السادس والعشرون ( الجزء الثاني )
ظلت واقفة مكانها بثبات تنتظره أن يتفوه بكلمة واحدة وهي توليه ظهرها بينما كفيها ما زالتا تحيطان بطنها بحمية شديدة ...
أخذت نفسا عميقا ثم قررت أن تستدير نحوه أخيرا ترمقه بنظراتها وهي تسأله بصوت حذر :-
" ألن تقول شيئا ..؟!"
راقبت ملامحه الجامدة تماما في تلك اللحظة بخوف لا إرادي عندما هتف أخيرا بصوت غامض لا يوحي بشيء مما يعتمل داخله :-
" حامل اذا ..؟!"
أومأت برأسها تؤكد ما تفوهت به ليضيف ببساطة :-
" ستجهضيه ..."
تجمدت للحظات بدت فيها كتمثال لا حياة فيه قبل أن تتفوه أخيرا بصعوبة :-
" مستحيل .. انا لن أقتل طفلي .."
" سأقتله أنا اذا .."
قالها بقسوة لتهتف بصوت متوسلا مرتجفا :-
" لا تكن جاحدا الى هذه الدرجة يا عمار .. انه طفلك ... من دمك ولحمك .."
قاطعها وهو ينتفض من مكانه بعصبية مفزعة :-
" وانا لا أريده .. تخلصي منه فورا ... "
هزت رأسها نفيا وهي تحتضن بطنها مجددا بشدة ولسانها يهتف بصوت لاهث :-
" لن أفعل .. لن أتخلى عن طفلي .. انه لي .. انا اريده .."
تقدم نحوها بجذبها من ذراعها مرددا بعصبية وانفعال :-
" ماذا جرى لك يا بوسي ..؟! اي طفل تريدين بالله عليك ..؟!"
أجابت بقوة وتصميم :-
" هذا الطفل أريده وسأنجبه .."
" لا تجني يا بوسي .. هذا الطفل لا يجب أن يولد .. انا أساسا لا أفهم سبب تمسكك به .. انت شخصية مستقلة وناجحة .. لديكِ شركتك الخاصة وكل شيء .. ماذا ستفعلين بهذا الطفل ..؟!"
كانت يتحدث بلا مبالاة وكأن ذلك الطفل الذي تحمله داخلها ليس منه ..
ردت بحرقة :-
" أريده يا عمار .. أريده وسأنجبه ... انا أيضا انسانة لدي مشاعر وأرغب أن أصبح أما .."
رد بقسوة :-
" وانا لا أريد أن أصبح أبا يا بوسي .. لا أريد هذا الطفل .. هل ستنجبين طفلا من أب يرفضه ..؟!"
مسحت على وجهها بقوة قبل ان ترفع وجهها الذي إحتقن كليا وقالت بعزيمة :-
" عندما أنجبه ستكون مجبرا على الاعتراف به .. "
" و كيف ستجبريني يا هانم ..؟!"
قالها وهو يتقدم منها أكثر حتى بات لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة فهمست بصعوبة :-
" سأرفع دعوة اثبات نسب ضدك وسأربحها لإنه طفلك وانت مجبر أن تمنحه اسمك .."
قال بنفس الصوت البارد الغامض :-
" ألا تخافين على سمعتك ومظهرك الاجتماعي وانت تنحبين طفلا غير شرعيا ..؟!"
ردت بعدم اهتمام مصطنع :-
" ليس مهما .. انت تعلم إنني لا أهتم بأمور كهذه .. لا يوجد حتى ما أخشى منه .. عائلتي تعيش في الخارج وانت تدرك مدى تحررهم ... وانا نفسي ذات عقلية متحررة ... انا حتى لا أريد منك أن تتزوجني لإني أعلم جيدا إنك لن تفعلها .. انا كل ما أريده إعترافك بالطفل .."
صاح وقد نفذ صبره كاملا :-
" انتِ جننتِ تماما .. هذا الكلام لا يصدر من إنسانة واعية مثلك .. تريدين إنجاب طفلا في الحرام بل وتفتخرين بهذا .. "
أضاف وهو يقبض على ذراعها بقوة :-
" اسمعيني جيدا .. ستتخلصين من هذا الطفل وإلا سأضطر أن أفعلها بنفسي .. أمامك ثلاثة ايام .. في اليوم الرابع ستبلغيني إنك تخلصتِ منه وانا سأتأكد بذلك بنفسي وإن لم تفعلِ فسأخذكِ بنفسي الى الطبيب وأطلب منه أن يجهضك .."
دفعها بعدها بكل قوته لتسقط ارضا بينما اتجه هو نحو السرير يسحب قميصه يرتديه بسرعة قياسية ثم يحمل محفظته وهاتفه ومفتاح سيارته وكل هذا وهي تتابع ما يفعله بعينين دامعتين قبل ان ينطلق خارج الغرفة بل الشقة بأكملها ..!!
احتضنت جسدها المرتجف بذراعيها والألم داخلها كان لا يوصف في تلك اللحظة ..
كانت تعلم مدى قوته وتجربه لكن داخلها كان هناك أمل بسيط أن تتغلب غريزة الأبوة داخله على هذه القسوة لكن من الواضح إنه لا يمتلك هذه الغريزة من الأساس ..
شهقت باكية وهي تتذكر كيف أمرها بالتخلص من طفله بكل قسوة  بل أخبرها إنه سيفعلها بنفسه اذا انتهت المدة دون أن تتخلص منه ..
كانت المرة الأولى التي توضع فيها بموقف كهذا وللمرة الأولى تشعر إنها غير واثقة من قرارها الذي اتخذته ..
هي تريد طفلها لكن عمار لن يتركها أبدا دون أن يتخلص منه فماذا تفعل في هذا الوضع المزري ..
...................................................................
في صباح اليوم التالي ..
تقدمت نحو طاولة الإفطار حيث تترأس والدتها الطاولة كعادتها ترتشف قهوتها ببطأ وتتناول معه احد انواع البسكويت الصحية التي نصحها بها الطبيب منذ عدة سنوات عندما تدهورت حالتها الصحية بسبب ما حدث مع أخيها ..
" صباح الخير .."
قالتها غالية وهي تسحب كرسيها وتجلس جانب والدتها على الطاولة لترد والدتها تحيتها بصوت مقتضب خافت بالكاد يسمع ...
صبت غالية لنفسها الشاي الذي تفضله على الإفطار ثم وضعت القليل من المربى على قطعة التوست السمراء وبدأت في تناولها وهي تتجنب النظر الى والدتها بعد مواجهة البارحة ..
أنهت فطورها سريعا وهمت بالنهوض لكن صوت والدتها أوقفها وهي تأمرها :-
" انتظري لحظة .."
ظلت جالسة في مكانها دون أن تنظر الى والدتها التي فاجئتها عندما سألتها :-
" انت مصرة على الإرتباط بذلك الشاب ، أليس كذلك ..؟!"
إبتلعت غالية ريقها ثم هزت رأسها على الفور تجيب بهدوء بعدما نظرت الى والدتها أخيرا :-
" أريد خطبة مبدئيا ... خطبة تمنحني الفرصة للتعرف عليه جيدا ..."
توقفت عن حديثها وهي تلاحظ نظرات والدها الغير راضية قبل أن تسألها مجددا :-
" وماذا عن طلب شريف ابن عمك ..؟! أبلغه رفضك إذا ..؟!"
هزت غالية رأسها مجددا وهي تجيب بجدية :-
" نعم ، أبلغيه رفضي والذي بالمناسبة لا علاقة له بفراس ووضعي معه ..."
حل الصمت المطبق تماما عندما شاهدت غالية والدتها تضع كفيها أسفل ذقنها بطريقة توحي إنها تفكر في أمر ما تزنه داخل عقلها بجدية ..
سمعت غالية والدتها تهتف أخيرا بحسم :-
" انا موافقة مبدئيا .."
" حقا ..؟!"
قالتها غالية بعدم تصديق وهي تجاهد لإخفاء ابتسامتها قبل أن تسأل بإحباط :-
" ولكن نديم يرفض الأمر بشكل قاطع ...؟!"
ردت والدتها وهي تحمل فنجان قهوتها مجددا :-
" انا سأتحدث معه .."
"شكرا يا ماما .. شكرا كثيرا ..."
قالتها غالية بسعادة حقيقية لتضع والدتها فنجانها في مكانه مجددا ثم تقول بتحذير :-
" ستكون هناك فترة خطوبة يا غالية .. وعليك ان تعلمي إنني لسه راضية عن هذا الإرتباط لكنني سأوافق مجبرة لإنك لستِ صغيرة يا غالية وانا لا يمكنني أن أمنعك عن شيء تريدنه .. أنتِ أصبحتِ في عمر يسمح لكِ بإتخاذ قراراتك بنفسك وهذا بحد ذاته يجعلني مجبرة على تقبل قرارك .."
" هي مجرد خطبة مبدئية يا ماما .. فراس يبدو جيدا ومع هذا سأمنح نفسي الوقت الكافي لإتخاذ القرار النهائي ..  أعدك إنني لن أاخذلك ابدا .. ثقي بي يا ماما .."
قالتها بنبرة متركبة لتمنحها صباح إبتسامة مقتضبة وهي ترد عليها :-
" انا أثق بك يا غالية وإلا ما كنت سأوافق على الخطبة أساسا .."
نهضت غالية من مكانها وقبلت والدتها من وجنتيها وعادت تشكرها مجددا قبل ان تودعها منطلقة بسعادة الى عملها تاركة والدتها تتابعها بقلق وهي تتمنى داخلها أن يكون قرارها بالموافقة صائبا ..!!
.....................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن