الفصل الثاني والعشرون
أمام مي صديقتها كانت حياة تجلس مخفضة وجهها نحو كوب القهوة خاصتها تتأمله بشرود تام بينما صديقتها تنظر إليها بصمت محاولة أن تمنحها الفرصة لترتيب أفكارها رغم عدم معرفتها بعد بما جرى بالضبط معها لكنها أدركت منذ لحظة لقائهما إن هناك الكثير حدث معها في الأيام الأخيرة ..
أما حياة فكانت تفكر فيما قاله نديم حيث صدمها بموافقته على دراستها في الخارج بعدما أخبرها قبل يوم عن رفضه القاطع بل خيرها بينه وبين أمر السفر بكل وضوح ..
موافقته صدمتها مما جعلها تصمت للحظات قبل أن تخبره بضرورة لقاؤهما وجها لوجه لإن موضوع كهذا لا يمكن مناقشته على الهاتف لتجده يخبرها بعدم قدرته على مقابلتها في هذا الوقت فهو سيخرج مع صديقه بعد اقل من ساعة فيعرض هو بدلا عن ذلك أن يلتقيا مساءا على العشاء ..
لا تعلم لماذا رفضت أن تلتقي به مساءا ربما لإن شعرت إن وجودها معه في وقت متأخر مساءا غير مناسب كونه لا يعتبر خطيبها رسميا .. في الحقيقة هي باتت لا تفهم نفسها حتى إنها ترى كل تصرفاتها السابقة لم تكن في محلها وإنها كانت تسير خلف مشاعرها في أغلب الأحيان وهذا أمر جعلها تشعر بالضيق من نفسها مؤخرا ..
تحبه وتعترف بهذا بل تتمنى لو تنال حبه يوما لكنها في الآونة الأخيرة باتت مترددة في كل شيء ...
الشيء الوحيد الواثقة منه هو مشاعرها نحوه أما غير هذا فهي ليست واثقة أبدا لا من صحة تصرفاتها ولا من صحة إرتباطها به ..
أطلقت تنهيدة طويلة قبل أن ترفع بصرها نحو مي التي تتابعها بإهتمام حتى قررت التحدث أخيرا :-
" ألن تقولي شيئا ..؟!"
هتفت حياة بهدوء :-
" لقد حصلت على عرض مميز .. منحة للدراسة في كندا .. لكنني رفضتها .."
كعادتها كانت تقول ما في جبعتها دفعة واحدة مما جعل مي تشهق بعدم تصديق قبل أن تسأل بترفق محاولة التأكد مما سمتعه :-
" لحظة من فضلك .. أعيدي حديثك .. هناك منحة .. الى كندا .. وأنتِ رفضتها ..؟! أمر رفضك هو مزحة . قولي هذا بالله عليك .."
ردت حياة بملامح فاترة :-
" كلا انا لا أمزح .. انا بالفعل رفضت .. رفضت الأمر برمته .."
" بسبب نفس الشخص .."
قالتها مي وهي تكز على أسنانها بغيظ واضح لتتطلع حياة إليها بصمت وهي تفكر إن نديم سببا للرفض لكنه ليس السبب الأساسي..
نعم أحد أسباب رفضها كان نديم لا تنكر هذا ولكن السبب الأهم والأقوى هو شعورها بالقلق من تصرفات نضال المريبة خاصة بعد حديثها مع حنين ..
" كلا ليس هو السبب فقط .. بل هناك سببا أهم منه .."
عقدت مي حاجبيها تسألها بعدم فهم :-
" وما هو السبب الأهم ..؟!"
" سأخبرك أولا كيف جاء هذا العرض .. وبعدها سأخبرك سبب الرفض فالأمرين مرتبطين ببعضيهما .. "
أصغت مي لحديثها بإهتمام بينما سردت لها حياة كل شيء حيث أخبرتها عن نضال وعرضه المفاجئ للعمل في شركة صديقه ثم عرض المنحة وتوجسها من الأمر والذي عززه حديث حنين أختها ونديم الذي أخبرها بوضوح إن هذا الشاب يهتم بها بشكل مريب ثم لم تنس أن تخبرها بلقائها الأخير به عندما أخبرته برفضها وما نتج عنه عن حديث بينهما ..
إنتهت من حديثها لتجد مي تتأملها بصمت غريب للحظات قبل أن تقول بجدية :-
" هو بالفعل تصرفاته تبدو غريبة خاصة عندما نقارنها بعلاقته الجافة مع والدتك وحنين .."
" وهذا ما فكرت به أيضا .. "
قالتها حياة بسرعة لتجد مي تضيف بجدية :-
" لكن هذا ليس سببا للرفض ... هذه فرصة لا تعوض .. فرصة ربما لن تأتيك أبدا فيما بعد ... "
حدقت بها حياة بذهول قليلا ثم قالت محاولة شرح أفكارها لصديقتها :-
" ألا تفهمين علي يا مي .. ؟! التصرف بأكمله مريب .. ربما يضمر لي شيئا سيئا .. "
قالت مي بسرعة :-
" شيء مثل ماذا مثلا ..؟! فكري بعقلك قليلا .. ماذا سيضمر لك مثلا ..؟! حتى لو كان إهتمامه غريب وغير منطقي فلا يمكنه أن يؤذيكِ بأي طريقة ... "
تمتمت حياة بتفكير :-
" انا بالفعل أفكر بعقلي يا مي .. مالذي يجعل نضال الذي يتعامل بجفاء صريح مع والدتي وحنين التي هي أخته بل حتى مع والده لا يبدو متصالحا بشكل كامل يهتم بأمري هكذا بل يجلب لي فرصة مهمة كهذه ..؟؟ لا وكل هذا فعله في ظرف أيام قليلة .. في ظرف أيام جلب لي وظيفة ثم منحة لا يحصل عليها الفرد بسهولة ... وبعد كل هذا تطلبين مني ألا أهتم بغرابة تصرفه .."
" ربما يحبك .."
قالتها مي فجأة لتتجمد ملامح حياة للحظات قبل أن تتفوه أخيرا بإستنكار :-
" هذا هراء .."
" لماذا تقولين هذا ..؟! ألم تفكري للحظة إنه يفعل هذا بدافع الحب او الإعجاب على الأقل ..؟! ألم تفكري إنه إختار كندا تحديدا لتكوني بجانبه ..؟!"
أضافت مي بجدية :-
" إذا كان هدفه غير نزيها معك فهذا سيكون بدافع إيذاء والدتك وحسب كلام أختك فإن والدتك لم تضره يوما بسوء بل حتى زواجها من والده جاء بعد أعوام من إنفصال والديه ، إذا على إي أساس وضعتِ فرضية إن دوافع تصرفاته وعرضه المفاجئ لك مريبا ويضمر شرا لك من خلاله ..؟!"
" يحبني وهو يعرفني منذ فترة قصيرة للغاية .."
قالتها حياة ساخرة لتجد مي تخبرها ببرود :-
" أنتِ أحببتِ نديم من أول لقاء بل ربما منذ أن سقطت عيناكِ على صورته .. ألا تتذكرين ذلك ..؟! أصبحت متيمة به بطريقة ما زالت تثير تعجبي ... !!"
لم تجبها حياة بل بدا عليه التفكير مجددا لتكمل مي بتروي :-
" لا ترفضي عرضًا كهذا يا حياة .. إنها فرصة لتنطلقي في عالم جديد ومكان ستجدين به من يحترم ويقدر إجتهادك وذكائك .. "
أردفت مي بضيق لم تستطع أن تخفيه :-
" لا ترفضي لأجل نديم لإنك ستندمين بعدها أشد الندم بسبب رفضك هذا فهو لا يستحق رفضك أبدا .."
" نديم وافق على أمر السفر .. "
قالتها حياة بنبرة باردة لترفع مي حاجبها مندهشة قبل أن تردد :-
" حقا ..؟! هذا جيد .. "
أضافت تسألها بجدية :-
" ماذا ستفعلين الآن إذا ..؟!"
حدقت بها حياة بصمت سيطر عليها مجددا وقد وجدت نفسها عاجزة عن قول أي شيء مرة أخرى ..
................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romantizmهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...