الفصل الحادي والأربعين ( الجزء الثاني )

3.7K 176 13
                                    

إستيقظت صباحا بحماس جديد تماما عليها ..
البارحة كان أجمل أيام حياتها بحق ..!!
كل شيء كان مثالي ...
كانت سعيدة بشكل لا يوصف ..
إرتسمت إبتسامة واسعة على شفتيها وهي تتذكر تفاصيل ليلة البارحة وحفل ميلادها الذي تحتفل به لأول مرة منذ سنوات ..
كل شيء كان رائعا .. الجميع كان محبا ودودا ...
كل يوم تقضيه في قصر عمها تشعر بألفة أكبر وتحب سكان هذا القصر أكثر ..
الجميع لطيف معها .. تشعر بمحبتهم الصادقة ورغبتهم في حمايتها بل وإسعادها ...
البارحة كانت ليلة مميزة .. بدءا من ظهورها بذلك الشكل الجذاب المختلف عن عادتها ثم الحفل الذي تم إعداده بشكل رائع رغم بساطته ثم الإحتفاء الذي لاقته من الجميع مما جعلها سعيدة منطلقة طوال الأمسية ..
رقصت مع فيصل كثيرا ومع هالة وتوليب وتعرفت لأول مرة على أثير إبن عمتها زمرد عن قرب ..
تألقت بحق وتفاعلت مع الأجواء بأريحية شديدة عليها حتى توترها الذي سيطر عليها بمجيء أخيها إختفى بعد لحظات عندما علمت إن عمها هو من دعاه في لفتة راقتها كثيرا وتغلغلت الراحة داخلها عندما تعامل راغب ومهند معه بهدوء ورحب به الجميع هو وزوجته التي إحتضنتها بمحبة صادقة فإستمرت السهرة بشكل هادئ كما بدأت ...
أهداها أخيها هدية لم تفتحها بعد وودعها في نهاية السفرة بعدما كان حريصا على إطفاء شمعة عيدميلادها السابع عشر وهو يخبرها قبل رحيله أن تزوره في منزله وتبقى عنده لأيام فهو منزعج من إنقطاعها عنه الفترة الأخيرة ..!
وعدته إنها ستزوره قريبا فغادر وهو مرتاحا قليلا بعدما عادت تتجاوب معه بهدوء وأريحية نوعا ما إفتقدها الفترة السابقة ..!
الجميع أيضا منحوها هدايا لم تفتحها بعد ولكنها سعدت بها كثيرا ..
تجهمت ملامحها عندما تذكرت مهند الغليظ بتلك الهدية السخيفة فمطت شفتيها وهي تردد بنفور :-
" تافه ... عديم الإحساس .."
أبعدت تلك الأفكار السلبية عنها عندما نهضت من مكانها ترفع الغطاء عنها بحماس فتظهر بيجامتها الزهرية الخفيفة لتتجه نحو الهدايا الموضوعة بعناية فوق الطاولة التي تتوسط الجناح ..
كانت الهدايا كثيرة فكل فرد أهداها هدية خاصة منه ..
سارعت تسحب هدية عمار أولا فوجدته أهداها عقدا ماسيا يحوي على ثلاث حروف متسلسلة وهي حرفها وحرفه و حرف والدتها وقد إرتبطت الحروف الثلاثة بسلسلة من أحجار الزمرد الناعمة المماثلة للون عينين ثلاثتهم ..
إنتفض قلبها بسعادة وهي تتأمل السلسلة بعينين دامعتين .. كانت رائعة وأروع ما فيها الحروف الثلاثة خاصتها وهي ووالدتها الراحلة وأخيها ...
نهضت من مكانها بجسد مرتجف من شدة السعادة التي منحتها رغبة عارمة في البكاء عندما اتجهت تحمل هاتفها وتتصل به ..
لحظات قليلة وجاءها صوته المتلهف يتسائل بقلق :
" جيلان .. هل انت بخير ..؟!"
إبتسمت لا إراديا تطمئنه فيبدو إن إتصالها في هذا الوقت المبكر قليلا أقلقه :-
" انا بخير .."
سمعت صوت تنهيدته المرتاحة فأضافت وهي ترفع القلادة أمام عينيها تتأملها بحب وفرحة ظهرت خلال نبرة صوتها :-
" شكرا على القلادة .. إنها رائعة .."
ابتسم وهو يسألها بفرحة إنتقلت له :
" هل أعجبتك حقا ...؟
ردت بسرعة :-
" أعجبتني كثيرا .. أحببتها حقا ... شكرا كثيرا يا عمار ..."
همس عمار بجدية :-
" هذه هدية بسيطة لكنها مميزة .. أساسا إحترت فيما أجلبه لكِ .. لو بيدي لجلبت لكِ أغلى وأثمن شيء في العالم ..!"
قاطعته مبتسمة :-
" يكفيني أن تكوني دائما معي يا عمار .. "
أضافت تهمس بصوت مبحوح مرتجف قليلا :-
" وجودك جانبي هو أثمن شيء تقدمه لي .."
قال بسرعة وقد إختقنت أنفاسه داخل صدره :-
" انا دائما بجانبك يا جيلان .. سأبقى بجانبك دائما .. انتِ أغلى شيء عندي .. لن أتركك لحظة واحدة بعد الآن حتى موتي .."
قالت بسرعة وخوف لا إرادي :-
" بعيد الشر عنك .. لا تقل هذا يا عمار .. انا لا يمكنني العيش بدونك .. لا تفعل من فضلك .."
إبتسم يسألها بسعادة :
" هل سامحتني يا جيلان ..؟! هل غفرتِ لأخيكِ خطأه ..؟!"
ردت بخفوت وعيناها تلمعان بدموع حبيسة :-
" سأسامحك بشرط ..."
سألها بسرعة :-
" ما هو ..؟؟ شروطك أوامر يا أختي ...؟!"
إبتلعت غصتها داخل حلقها وهي تهمس :-
" إذا وعدتني إنك لن تتخلى عني أبدا مهما حدث وستقف دائما جانبي وتحبني بحق .."
قاطعها بصدق :-
" انا أحبك يا جيلان .. لطالما أحببتك وسأبقى كذلك .. أعترف إنني أهملتك كثيرا وإن مشاغل الحياة والمشاكل حولي سرقتني منك كليا .. انا أخطأت كثيرا في حقك ولن أسامح نفسي أبدا على أخطائي تلك ولكن أريدك أن تسامحيني يا جيلان فأنا لا يمكنني تحمل عدم مسامتحك لي ..."
ابتسمت من بين دموعها التي تساقطت بحرارة فوق وجنتيها وهي تهتف :-
" سامحتك يا أخي ..."
إبتسم مرددا بفرحة بالغة :-
" بهذه المناسبة .. متى ستأتين عندي إذا ..؟!"
ردت بجدية :-
" غدا بإذن الله .. بعد زيارتي للطبيبة سآتي عندك .."
سألها مهتما :-
" هل تلك الطبيبة جيدة ..؟! هل تشعرين بالراحة معها ..؟!"
أجابت بجدية :-
" كثيرا يا عمار .. إشكر لي شيرين التي نصحتك بذهابي إليها .. لقد إرتحت معها كثيرا وأحببتها أيضا .."
" هي أساسا زوجة شقيق شيرين .. تعلمين ذلك بالطبع ..؟!"
ردت وهي تومأ برأسها :-'
" نعم أخبرتني بذلك .."
قال بعدها :-
" حسنا جيلان .. ننتظرك انا وشيرين غدا .. وضعي في رأسك إنك سوف تبيتين عندنا بضعة ليالي ولا مجال للرفض .."
ابتسمت مرددة :-
" ان شاءالله .. "
أضافت بتردد :-
" سأقول شيئا .."
هتف متعجبا :-
" قولي ما تريدينه يا جيلان .. لا تترددي .."
هتفت بخفوت :-
" شيرين زوجتك رائعة يا عمار .. إنها جميلة ولطيفة بشكل لا يوصف .. انت محظوظ بها .."
سألها محتارا :-
" انها كذلك فعلا ولكن ما سبب هذا الحديث ..؟!"
قالت :-
" انت ربما لا تعلم ولكن شيرين لم تتوقف عن التواصل معي طوال الفترة السابقة بل كانت تدعمني طوال الوقت وتلتقي بي بعد مغادرتي العيادة .."
" كنتما تلتقيان طوال الفترة السابقة ..؟!"
قالها مصدوما لتقول بسرعة :-
" إلتقينا مرات قليلة لكنها تتصل بي يوميا ونتحدث .. هي ساعدتني كثيرا ... شيرين رائعة .. أتمنى أن تعتني بها يا عمار فهي تستحق كل الحب والرعاية ..."
أضافت بجدية :-
" هي مميزة جدا ومثالية جدا وأنت الآخر تبدو مختلفا للغاية منذ أن تزوجت منها .. انا سعيدة حقا بوجودها في حياتك وأتمنى ألا تفترقان أبدا مهما حدث .."
قال بثقة يطمأنها :-
" انا وشيرين لن نفترق مهما حدث ... سنبقى سويا حتى آخر العمر .."
ابتسمت براحة قبل أن تودعه بينما أغلق هو الهاتف وشعور الراحة والإستقرار ملأه تماما بعد هذه المكالمة مع أخته ..!
................................................................
تأملته وهو ينهي إتصاله مع أخته وقد سيطرت الراحة تماما على ملامحه فسألته بإهتمام :-
" كيف حالها جيلان ..؟!"
إلتفت نحوها حيث تأملها للحظة قبل أن يبتسم لها بطريقة غريبة وهو يجيب بينما يتقدم نحوها :-
" جيدة جدا ..."
سألته بعدما وقف أمامها يحاوط خصرها بذراعيه :-
" تبدو سعيدا .."
ردد بإنشراح :-
" جدا ..سعيد جدا يا شيرين .. جيلان سامحتني يا شيرين .."
إنتقلت السعادة إليها وهي تردد :-
" أخبرنك إنها ستفعل .. هي تحبك ولا يمكنها أن تبقى غاضبة منك .."
أضافت وهي ترفع سبابتها بتحذير :-
" ولكن إنتبه جيدا .. لا تحزنها مجددا يا عمار .. إذا فعلتها مجددا فلن أضمن لك غفرانها .."
انحنى يقبل طرف سبابتها وهو يقول بثقة :-
" لن أحزنها أبدا يا شيرين .. انت تعلمين مدى غلاوتها عندي .."
قاطعته بجدية :-
" المهم هي من تدرك ذلك وان تجعلها انت تشعر بذلك في كل لحظة ... "
أضافت وعينيها تلمعان بقوة :-
" انت أخيها .. أقرب شخص لها .. ستظل تحتاجك أنت أكثر من غيرك .. أنت سندها يا عمار ... كن على قدر تطلعاتها ولا تخذلها من فضلك .."
ابتسم بهدوء قائلا :-
" يستحيل أن أفعل ذلك بعد الآن .."
ابتسمت بصمت عندما أضاف بجدية :-
" لقد تحدثت عنك أيضا .."
عقدت حاجبيها تسأله :-
" حقا ..؟! ماذا قالت ..؟!"
رد وهو يمرر أنامله فوق وجنتها :-
" مدحتك كثيرا وأخبرتني عن تواصلك اليومي معها بل ولقائكما أكثر من مرة ..."
ابتسمت مرددة بخفة :-
" حاولت أن أفعل أي شيء يساعدها .."
" انت بالفعل ساعدتيها كثيرا .. لو تسمعينها كيف تتحدث عنك ستدركين إنك ساعدتها كثيرا جدا .."
همست بسعادة :-
" أنا أحب جيلان حقا .. هي فتاة جميلة وتستحق السعادة .."
قال وهو يميل نحوها أكثر وذراعيه ما زالتا تحاوطان خصرها :-
" لقد أخبرتني شيئا أعتقد إنه أكثر شيئا صحيحا سمعته في حياتي .."
" شيء ماذا ..؟!"
سألته بإهتمام فأجاب مبتسما :-
" قالت إنني محظوظ بك جدا .. وانا كذلك بالفعل .."
ضحكت برقة قبل أن تشاغبه :-
" من الجيد إنك تدرك ذلك ..."
أضاف وعيناه تتأملانها عن كثب :-
" تمنت ألا نفترق أبدا مهما حدث ..."
إرتبكت ملامحها قليلا وهي تردد :-
" لن يحدث شيء كهذا بإذن الله .."
غمغم بثقة :-
" بالطبع لن يحدث .. انا لست غبي لأفرط بك يا شيرين .. انت يا شيرين لا يمكن أن تتكرري .. إنسانة لا تأتي في العمر سوى مرة واحدة وانا لست غبيا لأخسركِ بعدما ربحتك ..."
قالت وعيناها تنظران إلى عينيه الخضراوين بقوة وعزيمة :-
" يسعدني كلامك يا عمار .. المهم أن تتمسك به للنهاية .."
ظهرت الحيرة على ملامحه وهو يسألها :-
" لماذا أشعر إن هناك شيء غريب يسيطر عليك هذه الأيام ..؟!"
أضاف يسألها بضيق :-
" هل بسبب ذلك الموقف ..؟!"
قاطعته بحرص :-
" ليس تماما .. انا فقط منزعجة قليلا .. يعني ذلك الموقف ومقاطعه ماما ووليد لي .."
زفر أنفاسه مرددا بتمهل :-
" صدقيني يا شيرين .. انا لم أكذب عليكِ بشأن ذلك الموقف مع مريم أما والدتك وأخيك فصدقيني سوف يسامحانك .. وإذا لم يفعلا سأحرص أنا على التحدث معهما بنفسي .."
قالت بسرعة :-
" كلا يا عمار .. لا تفعل شيئا كهذا .."
هتف بجدية :-
" لكنني أريدك سعيدة يا شيرين .. سعادتك منقوصة دون عائلتك .. انا أشعر بذلك مهما حاولتِ الإنكار .."
إبتلعت غصتها وهي تردد بنبرة محتقنة:-
" لا بأس .. لا بد أن ينتهي هذا الخلاف .. "
أحاط وجهها بكفيه يسألها بقلق :-
" انت لست نادمة على زواجك مني أليس كذلك ..؟! لم تندمِ على الوقوف في وجه عائلتك لأجل الزواج مني ..؟!!"
رمقته بنظرات هادئة وهي تجيب بتروي :-
" حتى الآن لست نادمة يا عمار وأتمنى ألا تجعلني أندم يوما ما على ذلك ..."
" هذا لن يحدث أبدا .."
قالها بثقة لتبتسم بضعف وهي تهمس له :-
" يمكنني تحمل كل شيء يا عمار بإستثناء شيء واحد فقط .. خذلانك .."
بالكاد سيطر على ملامح وجهه وهو يهتف بعدما جذبها داخل أحضانه :-
" لن أخذلك مهما حدث يا شيرين ... أنت أجمل شيء حدث لي وأفضل شخص دخل حياتي وسأكون أكبر مجنون إن خسرتك .."
أغمضت عينيها بعدما إستسلمت لأحضانه تقاوم تلك الدموع الحبيسة داخلها قبل أن تفتحها مجددا وهي تدعو ربها أن يكون صادقا معها ولا يخذلها فهي لن تتحمل ذلك أبدا ..
لن تتحمل خذلانه بعدما منحته كل شيء وأحبته كما لم يفعل أحدا مثلها ..
...............................................................
تقدمت جيلان نحو الهدايا بعدما أنهت مكالمتها مع عمار ..
بدأت تفتح الهدايا بحماس وقد أعجبتها الهدايا التي أتتها من جميع أفراد العائلة بدئا من عمها وزوجته وابناء عمومها وعمتها زمرد التي أرسلت لها هديتها مع إبنها رغم سفرها منذ فترة مع زوجها في رحلة عمل بل أثير نفسه قدم لها هدية منه هو وكذلك هالة والجميع دون إستثناء ..
جميع الهدايا كانت جميلة وثمينة وأعجبتها وخاصة هدية شيرين التي منحتها هدية غير هدية عمار فكانت الهدية عبارة عن زوج من الأقراط الماسية الرائعة المرصعة بحجر الزمرد ...
ابتسمت وهي تتأمل القرطين قبل أن تحمل هاتفها مجددا وترسل رسالة لشيرين تشكرها على هديتها ...
نهضت من مكانها بعدها وأخذت تحمل الهدايا وتضمها في خزانتها بسعادة حقيقية وهي تعد نفسها إنها لن تنسى ذكرى هذا الميلاد المميز مهما حدث ...
انتهت أخيرا مما تفعله لتبحث عن ملابس مناسبة لها فأخرجت بنطال برمودا من الجينز الأزرق ومعه قميص زهري اللون كالعادة ذو أكمام مربعة تصل الى ربع ذراعها ...
وضعت البنطال والقميص على السرير ثم أخذت بعدها ما تحتاجه من أشياء ودخلت الى الحمام مقررة أن تأخذ حماما دافئا طويلا ..
بقيت في الحمام لأكثر من نصف ساعة حيث إسترخت داخل مياه البانيو الدافئة المليئة بالصابون ذو الرائحة العطرة وأغمضت عينيها بإستمتاع ..
خرجت بعدها وجذبت المنشفة تجفف بها جسدها والإنتعاش يسيطر عليها عندما إرتدت روب الإستحمام وخرجت بشعرها الطويل المبلل خارج الحمام ...
وقفت أمام المرآة وسحبت المشط لتسرح شعرها الطويل دون أن تجففه حيث فضلت تركه مبللا منتعشا ..
انتهت من تسريح شعرها لتسارع بوضع عطورها المفضلة برائحة الفراولة التي تستخدما دونا عن غيرها ..
اتجهت بعدها نحو السرير ورفعت الملابس وبدأت ترتديها عندما توجهت بعدها نحو المرآة مرة أخرى ورفعت شعرها أماما من الجانبين قليلا بينما تركته حرا طليقا من الخلف ..
إبتسمت وهي تتأمل مظهرها الذي بدا طفولي نوعا ما قبل أن تحمل هاتفها وتخرج من جناحها ومنه الى الطابق السفلي عندما رحبت بها إحدى الخادمات وهي تخبرها :-
" هل تتناولين فطورك الآن يا هانم ...؟!"
أجابتها جيلان وقد فهمت إنها تأخرت عن موعد الفطور اليومي وهي التي ظنت نفسها إنها إستيقظت مبكرا :-
" في الحقيقة لا داعي لتجهير مائدة كاملة .. سأتناول شيئا خفيفا في المطبخ .."
ابتسمت الخادمة تقول :-
" كما تريدين يا هانم .. الخدم جميعهم تحت أمرك .. إطلبي منهن ما تشائين ..."
ابتسمت وهي تهز رأسها قبل أن تتجه نحو المطبخ مقررة تناول شيء خفيف ..
دلفت الى المطبخ لتتفاجئ بزوجة عمها تعد شيئا فهمست مبتسمة :-
" صباح الخير عمتي زهرة .."
كانت قد إعتادت في الفترة الأخيرة مناداتها بعمتي زهرة بعدما أخبرتها زهرة بذلك وهي تذكرها إنهم في العادة ينادون زوجة العم بلفظ عمتي ففعلت جيلان مثلما قالت ..
استدارت زهرة نحوها تبتسم وهي ترحب بها :-
" صباح النور حبيبتي .. إستيقظت إذا .. تعالي وسأنادي لك الخادمة لتعد لك الفطور .."
قالت جيلان بسرعة :-
" لا داعي لذلك .. سأتناول شيئا خفيفا .."
سألتها زهرة :-
" هل تحبين أن أجهز لك شيئا ..؟! بيض مثلا او أومليت أو ساندويش معين ..؟!"
ردت جيلان مبتسمة بخجل وإمتنان :-
" شكرا لك ولكن لا داعي لذلك .. سأتناول التوست مع المربى مع عصير البرتقال ..."
" حسنا حبيبتي .. خذي راحتك .."
قالتها زهرة قبل أن تعاود التحرك في المطبخ الذي كان خاليا من الخدم على غير العادة ..
اتجهت جيلان نحو الثلاجة وفتحتها لتخرج منها علبة المربى بالفراولة قبل أن تسحب قطعتين من التوست التي تم تحضيرهما مسبقا فدهنت كلتيهما بالمربى ..
وضعت القطعتين فوق صحن شفاف ثم جذبت قدحا متوسط الحجم وأخرجت عصير البرتقال الطبيعي وصبته في القدح قبل أن تحمل الصحن والقدح وتضعهما على الطاولة مقابل زهرة التي كانت تعمل على نفس الطاولة من الجهة المقابلة ...
جلست جيلان على الكرسي بعدما سحبته ثم قالت بعدما قضمت قطعة صغيرة من التوست خاصتها:
" هل تعدين الكيك ...؟!"
اومأت زهرة برأسها وهي تجيب :-
" نعم حبيبتي .. الكيك بالشوكولاتة .. ستحبينه كثيرا ..."
ابتسمت جيلان بينما قالت زهرة وهي تنكب على عملها :-
" أنا أجيد صنع كيك رائع يا جيلان .. سيعجبك بالطبع ..."
قالت جيلان بسرعة :-
" بالطبع سيعجبني .. أساسا أنا أعشق الكيك بالشوكولاته والفراولة .."
دخل فيصل الى المطبخ ليتسائل بدهشة :-
" مالذي تفعلينه يا ماما ..؟!"
ثم ألقى التحية على جيلان قبل أن تجيبه زهرة :-
" أعد الكيك يا عزيزي ..."
رفع فيصل حاجبه مرددا :-
" غريب .. منذ متى وأنت تعدين الطعام يعني ..؟!"
قالت زهرة بغيظ :-
" من اليوم .. هل لديك مشكلة .. ثانيا انا لا أجهز الغداء او العشاء مثلا ..!! لقد أحببت أن أعد الكيك لكم فأنا أعلم إنكم تحبون الكيك الذي أعده .."
ابتسم فيصل وهو يسحب كرسي له بجانب جيلان مرددا :
" انا فقط إندهشت .. آخر مرة رأيتك فيها وأنت تقفين في المطبخ منذ عامين او اكثر .."
قالت زهرة بضيق :-
" لا تبالغ ... أتذكر إنني أعددت طعام الغداء لكم قبل سنة وشهرين ..."
" ماشاءالله عليكِ حقا .. لا يفوتك شيء ولا تنسين شيء ..."
كتمت جيلان ضحكتها بينما رمقته زهرة بنظرات حانقة قبل أن تضيف :-
" لو كان بيدي لدخلت المطبخ بإستمرار لكن والدك يمنعني من ذلك فهو يرفض أن أبذل مجهودا في الطبخ وما شابه بينما هناك من يمكنه القيام بذلك .."
قال فيصل ممازحا :-
" يخاف عليك يا حبيبة الروح .."
ابتسمت جيلان لا اراديا بينما رددت زهرة بثقة :-
" بالطبع يخاف علي .. وهل يوجد أغلى مني عنده ..؟!"
أكملت وهي ترمقه بنظراتها :-
" والدك رجل بحق .. يحترم المرأة ويقدرها .."
مط شفتيه مرددا :-
" جميعنا نفعل يا ماما .."
توقفت زهرة عما تفعله وهي تردد بتجهم :-
" وهل إحترام المرأة يكمن في خداعها يا فيصل ..؟!"
توترت ملامحه بينما بهتت ملامح جيلان عندما سأل فيصل مدهوشا :-
" ماذا حدث يا ماما ...؟! لماذا تقولين هذا ..؟!"
ردت زهرة بحدة :-
" إسأل نفسك يا حبيب ماما .. ماذا فعلت بمها ابنة شادية ..؟! هل تتذكر أم نسيت بعدما إنشغلت بأخرى غيرها .."
" يا إلهي .."
قالها فيصل بضيق وهو يضيف :-
" ها قد بدأنا دلال الفتيات الممل .."
قالت زهرة بعصبية :-
" الفتاة منهارة حرفيا بسببك ووالدتها عاتبتني .. بسببك ولأول مرة أشعر بخجل كهذا .. تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني .."
هتف فيصل بعدم استيعاب :-
" ولماذا تخجلين ..؟! انا لم أفعل شيئا خاطئا .."
كادت أن تضربه بأول شيء يقع في طريقها عندما هدرت من بين أسنانها :-
" إخرس يا فيصل ولا تجعلني أفرغ غضبي فوق رأسك .."
تمتم فيصل ببرود :-
" والله انا لم أجبرها على شيء .. هي من رمت نفسها علي وكانت أكثر من سعيدة .. تواعدنا لفترة ثم مللت .. ماذا كانت تنتظر مني مثلا ..؟! زواج وما شابه ..؟!"
" اسمعني يا فيصل .. قسما بربي إن لم تتوقف عن أفعالك هذه فسيكون لدي تصرف مختلف معك .. بنات الناس لسنَ لعبة في يديك ولا تنسى إنه لديك أخت شابة .. ضع تولاي أمام عينيك وأنت تعبث مع البنات حولك .."
" انا لا أجبر أي واحدة على مصاحبتي .."
صاحت بحنق :-
" توقف عن هذه النغمة الغبية .. هذه مجرد حجة سخيفة تتخذها انت وأمثالك من الشباب لتبرير أفعالكم الغبية ..."
أضافت بتروي :-
" يا بني .. كسر القلوب ليس هينا .. يوما ما سيعاقبك الله ويأخذ حق جميع الفتيات اللواتي فعلت بهن سوءا منك .. فكر في عقاب الله يا بني وفي شقيقتك وفي بناتك مستقبلا إذا رزقك الله بفتيات مستقبلا .. الحق لا يضيع عند الله يا ولدي ولو بعد مئة عام .."
تمتم بخشونة :-
" حسنا يا ماما ..."
هدرت بعدها بتحذير :-
" وإياك ثم إياك أن تقترب من إحدى بنات صديقاتي ..."
أضافت بحزم :-
"حذرتك مسبقا وسأكررها .. العبث مع الأقارب والمعارف والأصدقاء تحديدا ممنوع يا فيصل .. هذه المرة الأخيرة التي أحذرك فيها .. المرة القادمة سأخبر والدك بكل شيء .."
نهض من مكانه مرددا ببرود :
" فهمت .."
ثم خرج من المكان بتجهم لتنظر زهرة الى جيلان وهي تردد :-
" والله سوف يصيبوني هؤلاء الأولاد بالجنون خاصة فيصل .. سيقتلني يوما ما بسبب تصرفاته .."
قالت جيلان محاولة تلطيف الأجواء :
" لا بأس .. سيتغير بالطبع .."
تمتمت زهرة بخفوت :-
" اتمنى ذلك .."
أضافت بجدية:-
" هو ومهند لا يتوقفان عن إغضابي والتسبب بالتعب لي ... "
ابتسمت جيلان تردد بحذر :
" دائما ما يكون بعض الأولاد يضايقون والديهم بتصرفاتهم أكثر من البقية .."
هزت زهرة رأسها وهي تجيبها مؤدية :
" معك حق ... بالنسبة لي فيصل ومهند سبب كل المشاكل التي تقع فوق رأسي أنا وعابد .. عكسهما تماما راجي فهو الوحيد الذي كان مريحا جدا وهادئا ولا يفتعل المشاكل رغم إنه ماكر جدا وذكي بشكل مخيف .. تولاي كذلك لم تتعبني  .. أما راغب فكان يتعبني بسبب هيمنته وتسلطه المبالغ فيه فأنا لم أكن أستطيع فرض سلطتي عليه كأم منذ طفولته ربما ..  لكن على الأقل كان منذ الصغر واعيا ورزينا ولا يركتب الأخطاء عكس هذين الآخرين اللذين لا يتوقفان عن التسبب بالمشاكل لي ولوالدهما .."
تنهدت وهي تضيف برجاء :-
" أتمنى أن يهديهما الله ويتوقفا عن تصرفاتهما الحمقاء .."
قالت جيلان بجدية :-
" امين .."
منحتها زهرة إبتسامة قبل أن تقول :-
" أكملي فطورك هيا .."
أضافت :-
" بعدما تنتهين من فطورك سارعي لإخراج الفراولة وتقطيعها لقطع متوسطة الحجم حيث سأزين بها الكيك "
ضحكت جيلان وهي تردد بحماس :-
" سأفعل .. شكرا كثيرا .."
قالت زهرة وهي تبتسم لها بحنو :-
" لا شكر بيننا يا صغيرتي .."
...............................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن